تسجيل الأدوية الجديدة: مشوار طويل من المختبر إلى سرير المريض

تسجيل الأدوية الجديدة: مشوار طويل من المختبر إلى سرير المريض

منذ 3 سنوات

تسجيل الأدوية الجديدة: مشوار طويل من المختبر إلى سرير المريض

أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي أن بلاده أصبحت أول دولة تسجل لقاحاً لمرض كوفيد-19 بعد تجارب بشرية على مدى أقل من شهرين. وأثار الإعلان حالة من التشكيك، فقد حذر الخبراء من أن التجارب السريرية كان يجب أن تجرى لفترة أطول. لكن ما هي خطوات تسجيل أي دواء أو عقار جديد؟ وما هي الفترة اللازمة؟\nتزداد الأصوات المشككة في فعالية لقاح كورونا الروسي، وخاصة في المجتمع العلمي الدولي. علماء ألمان حذروا أيضا من المخاطر المترتبة على اعتماد استعماله. فما هي الأسباب؟\nأظهرت مجموعة من القرود استجابة عالية للقاح جديد تطوره شركة أمريكية ضد مرض كوفيد 19. يقول العلماء إن اللقاح أظهر إمكانية التوصل إلى سيطرة سريعة على الفيروس في الشعب التنفسية العليا ما يقلل من معدل العدوى.\nيكاد الأمر يكون معجزة أننا نتوفر على دواء جديد، فالمواد المختلفة التي تدخل في تركيبته يجب أن تتلاءم وتتكامل مع بعضها البعض. ويجب يجب أن تصل المادة الفعالة في الدواء إلى الموضع الصحيح في الجسم وتعطي هناك مفعولها. وهذه الأهداف هي في الغالب مستقبلات أو أنزيمات، وجزئياتها تلعب دورا محوريا في جميع ردود الفعل الكيميائية داخل جسمنا.\nوالمستقبلات تجلب مواد وهرمونات من مختلف أجزاء الجسم، مثل مستقبلات بيتا في خلايا القلب. وفي حال وصول هورمون أدرينالين إلى مستقبل، فإن قلبنا يخفق بسرعة، وهذا يمكن أن تكون له عواقب وخيمة. إذ أنه قد يجهد مثلا جسم المريض أو التسبب في ارتفاع ضغط الدم. ولكل دراسة يجب على الأقل تحديد معيار يُقرأ من خلاله مفعول المادة المجربة ـ ما يُسمى نقطة النهاية. ومثال على ذلك هو أنه لدى الإصابة بعدوى ما، يمكن أن تكون نقطة النهاية هي شفاء المريض. ولدى الالتهابات المزمنة يبحث العلماء هل تحصل دُفعات مرضية وكم من مرة.\nإرسال Facebook Twitter google+ Whatsapp Tumblr Digg Newsvine stumble linkedin \nوتجرى التجارب على حيوانات في نموذج مرضي لمعرفة ما إذا كانت المادة المختارة فعالة أم لا. وعلى هذا النحو يمكن للباحثين في طور مبكر محاكاة ما يجب أن يحدث لدى المريض. وكحيوانات تجريبية تُستخدم عادة القردة والخنازير والكلاب والفئران، حسب صلاحية نوع الحيوان للمرض وتجارب الدواء. وخاصيات الحيوانات يجب أن تتلاءم في أكبر عدد من النقاط مع الخاصيات البشرية. وهذه التجارب على الحيوانات منصوص عليها قانونيا. "والشرط الآخر هو أن المادة في نموذج التسمم لا تُظهر مجالا واضحا لعوارض جانبية"، كما يقول الدكتور نيكولاس غونكيل من مركز بحوث السرطان الألماني.\nوالمفعول التسممي للمادة على حيوان أو إنسان رهين بعاملين: "فالمادة يجب أن تظل بكمية كافية في الجسم ومركزة ليكون لها على الإطلاق مفعول. والمفعول لا يحق أن يكون قصيرا ولا طويل المدة"، كما يقول الخبير. "كل ما نتناوله نتخلص منه من جديد. وهذا ينطبق على المواد الغذائية مثل الأدوية والسموم". وإذا تخلص الجسم بسرعة وفاعلية من الدواء أو يدمره ويرميه، فالدواء قد لا يحقق مفعوله. وإذا مرت هذه التجارب الأولى بإيجابية، تبدأ بعدها الفترة السريرية.\nتجريب الأدوية على الحيوانات منصوص عليه ومنظم في القانون\nفي الفترة السريرية يشارك أشخاص بالغون أصحاء. والتجارب تركز على الأعراض الجانبية المحتملة وليس على المفعول الأساسي لدواء مستقبلي. ويتعلق الأمر بتحديد الجرعة التي يمكن تحملها كحد أقصى، من دون حدوث أعراض جانبية. "نرغب في حصر الأعراض الجانبية في أقل درجة ممكنة. نبدأ بقليل من المادة ونرفع ببطئ كميتها إلى حين يظهر طفح على الجلد"، كما يقول غونكيل. ونحو 30 إلى 40 متطوعا يشاركون في تجارب المرحلة الأولى.\nوفي الخطوة التالية يقلص العلماء من الجرعة ويراقبون فيما إذا كانت الأعراض الجانبية تختفي. وعلى هذا النحو بإمكانهم التوصل إلى الكمية التي يمكن تحملها. والتجارب في المرحلة الأولى هي في النهاية طور تقاربي، كما يوضح غونكيل. " لا يمكن أبدا التوصل إلى جرعة مناسبة يمكن إعطاؤها لمرضى شديدي الحساسية، وهم هؤلاء المرضى الذين لا يجوز إعطاؤهم هذا الدواء مطلقا. ونريد بالطبع أن نتوصل إلى ألا تظهر أعراض جانبية على الأشخاص المشاركين في التجارب. وإذا تحددت الجرعة المثالية، تبدأ المرحلة الثانية، يقول الباحث في مركز بجوث السرطان الألماني.\nيجب اختبار الدواء على عدد كبير جدا من المرضى وفي دول مختلفة\nولدى المرحلة السريرية الثانية يرتفع عدد المشاركين، فنحو 100 إلى 500 مريض يشاركون في ذلك. وقبل التجارب يجب تجاوز عقبة عملية، وهي في أي شكل يجب إعطاء المادة؟ كحبوب أم مسحوق أم حقنة؟ والأخيرة ستكون حسب غونكيل أسهل حل: "لكنها أكثر كلفة نسبيا وغير ضرورية وتحتاج جهدا أكبر".\nوالمعايير المبدئية لتسلسل التجارب في المرحلة الثالثة تشبه تلك الموجودة في المرحلة الثانية. لكنها تكون أوسع بكثير إذ يشارك فيها آلاف المرضى، ليس في ألمانيا وإنما بمشاركة مرضى وباحثين من دول أخرى أيضا. "نفكر بعدها أين توجد غالبية المرضى؟ ما هي مجموعات المرضى التي يجب تغطيتها حتى ترخص السلطات الدواء؟" يقول غونكيل.\nوعلى غرار المرحلة الثانية يحصل المرضى على الدواء الذي يخضع للتجربة فيما يخص المفعول والأعراض الجانبية. وليس المادة الفعالة يجب أن تكون محددة ومناسبة، وإنما شكل الدواء (حبوب، مسحوق، حقنة) ولونه النهائي الجرعة وحتى التغليف. فكل هذه الأمور يجب أن تسمح بها مؤسسة الترخيص، وهذا يحصل في الولايات المتحدة من قبل "إدارة الغذاء والدواء الأمريكية Food and Drug Administration" أو على المستوى الأوروبي من قبل "الوكالة الطبية الأوربية European Medicine Agency". وفي حال مرور كل هذه المراحل ،التجارب بايجابية وشكل صحيح، يصل الدواء إلى الصيدلية ومنه إلى سرير المريض وحقنة الطبيب.\nخلصت دراسات أولية أجريت في الصين وألمانيا وبريطانيا ودول أخرى إلى أن المرضى المصابين بفيروس كورونا المستجد يطورون أجساماً وقائية مضادة للفيروس كجزء من النظام الدفاعي لجهاز المناعة في الجسم، لكن يبدو أن تلك الأجسام لا تظل فعالة سوى لبضعة أشهر فقط. دانييل ألتمان، أستاذ علم المناعة من جامعة (إمبريال كوليدج لندن) قال إن "تأثيرها (الأجسام الوقائية المطورة ذاتياً) في الغالب يخبو سريعاً".\nيقول الخبراء إن الضعف السريع للمناعة يثير مشكلات كبرى أمام مطوري اللقاحات، وأمام سلطات الصحة العامة كذلك ممن يسعون لنشر تلك اللقاحات لحماية رعاياهم من موجات تفشي الوباء في المستقبل. وقال ستيفن جريفين، أستاذ الطب المساعد في جامعة ليدز: "لكي تكون اللقاحات فعالة في الحقيقة، فإن هناك خيارين: إما الحاجة لتطوير حماية أكثر قوة وأطول أمداً ... أو أن يجري الحصول على اللقاح بانتظام".\nتسعى أكثر من 100 شركة وفريق بحثي لتطوير لقاحات، ومن بينها 17 لقاحاً على الأقل تجري تجربتها حالياً على البشر. وأعلنت شركة "موديرنا" الأميركية الثلاثاء (15 تموز/يوليو 2020) أنّ التجارب السريرية ستدخل المرحلة النهائية في 27 تموز/يوليو. وبذلك تكون "موديرنا" أول شركة تبلغ هذه المرحلة. وأعلنت روسيا أنها أكملت التجارب السريرية الأولى للقاح تجريبي اختُبر على البشر على أن تُنجز بالكامل بنهاية تموز/يوليو.\nوفي تجارب قبل السريرية على الخنازير لرصد تأثير لقاح طورته شركة صناعة الأدوية (أسترازينيكا) لعلاج كوفيد-19، ويعرف باسم (إيه.زد.دي 1222)، تبين أن جرعتين من اللقاح أسهمتا في استجابة الأجسام المضادة بشكل أفضل من جرعة واحدة. لكن وحتى الآن ليس هناك بيانات سجلتها أي تجارب للقاحات على البشر تظهر ما إذا ما كانت أي استجابة مناعية للأجسام المضادة ستكون قوية أو طويلة الأمد بالقدر الكافي.\nقال جيفري أرنولد، الأستاذ الزائر في علم الأحياء الدقيقة بجامعة أكسفورد البريطانية والخبير السابق في سانوفي باستور، إن التطوير والاختبار السريع جداً للقاحات المحتملة ضد فيروس كورونا يجريان منذ ستة أشهر فقط وهي مدة غير طويلة بما يكفي لإظهار المدة الزمنية التي ربما توفرها اللقاحات. ويتوقع الخبراء أن يستغرق إنتاج لقاح آمن وفعال بين 12 و 18شهراً من بداية التطوير.\nقال جريفين أرنولد إن أحد الأساليب قد يكون أنه عندما يتم تطوير تلك اللقاحات، فإنه يجب على السلطات أن تفكر في الحصول على جرعات معززة لملايين الأشخاص على فترات منتظمة أو حتى الجمع بين نوعين أو أكثر من اللقاحات لكل شخص للحصول على أفضل حماية ممكنة. غير أن ذلك ربما يمثل تحدياً كبيراً على المستوى العملي. وقال "إعطاء العالم كله جرعة واحدة من اللقاح شيء... وإعطاؤهم جرعات متعددة هو شيء آخر تماماً".

الخبر من المصدر