المحتوى الرئيسى

أردوغان.. الحذاء والطربوش والبلطجة

08/13 16:10

في النهاية كان لا بد مما ليس له بد. قوة ما، كان لا بد لها أن توقف عنجهية أردوغان عن تهديد أمن المتوسط واستقرار دوله.

القرار الذي اتخذته فرنسا بإرسال فرقاطة بحرية وطائرات حربية إلى شرق المتوسط، أوصلت الرسالة المناسبة لأنقرة، فأعمال التنقيب عن النفط في المناطق الاقتصادية الخاصة بدول أخرى هو عمل من أعمال العدوان، وإذ دأب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أن يرافق سفن المسح الزلزالي بسفن حربية، على سبيل البلطجة، فقد أصبح وجود قوة بحرية فرنسية عامل ردع يقول له: كف عما تفعل، وإلا فإن العواقب سوف تكون وخيمة.

وضع حد لأعمال البلطجة مفيد لحفظ الأمن والسلام للجميع، بما في ذلك تركيا نفسها. دونه، فقد كان يمكن للكارثة أن تقع في أي حين.

لقد وقفت اليونان وتركيا على حافة مواجهة عسكرية الشهر الماضي، وكان يمكن أن تكون لها تأثيرات مدمرة على العلاقات التركية الأوروبية، والعلاقات داخل الأطلسي، والعلاقات بين دول حوض المتوسط.

ومع قرار أردوغان بالانسحاب من المحادثات مع اليونان، وقيامه بتحريك سفنه للتنقيب عن النفط قبالة ساحل جزيرة كاستيلوريزو اليونانية، برفقة قوة عسكرية، فإنه أراد للمواجهة أن تندلع.

ولفهم الطبيعة العدوانية لمساعي أردوغان في المتوسط، فإنه يكفي النظر إلى الخارطة، سوف يلاحظ الناظر بسهولة أن المناطق الاقتصادية لليونان وقبرص ومصر لا تترك ولا حتى شبرا واحدا لتركيا تتمدد إليه، لا في شرق المتوسط ولا في وسطه، وبالتأكيد ليس قبالة السواحل الليبية.

القانون الدولي للبحار لعام 1982، والذي أصبح نافذا اعتبارا من العام 1994، إذا كان يعطي الحق لكل دولة أن تمد منطقتها الاقتصادية إلى ما يتراوح بين 200 – 300 ميل بحري، فان المناطق الاقتصادية لقبرص واليونان ومصر لا تبقي فراغا لتركيا يسمح لها بأن ترسم خارطة جديدة تقيسها على طربوش أردوغان.

المسألة قد تبدو أكثر تعقيدا بين تركيا واليونان، وذلك لأن الجزر اليونانية قريبة للغاية من السواحل التركية. ولكن القواعد الدولية تقول إن الجزر، طالما لم تكن هي بحد ذاتها موضع نزاع، فإنها تملك ذات الحق بوصفها امتدادا لأراضي الدولة الأم، بصرف النظر عن مدى قربها أو بعدها عن السواحل، وإن المفاوضات لتقاسم المصالح هو السبيل الوحيد لفض النزاع، وليس تحريك البوارج الحربية.

إلا فإن أردوغان لبس طربوش الأوهام، وذهب ليفصّل قانونا على مقاس حذائه، حتى صار بوسعه أن يذهب إلى حكومة المليشيات التابعة له في طرابلس لكي يتقاسم معها البحر، في عمل ذي طبيعة لصوصية مكشوفة، تتم ممارسته في وضح النهار (طبعا، وفي الليل أكثر).

هل توجد لدى تركيا نزاعات مع اليونان؟ نعم توجد. ولكنها نزاعات تاريخية، انتهت بترسيم الحدود الراهن. الأمر الذي لا يُبقي لأردوغان أي سبب للشكوى. وبكل تأكيد، فان ذلك لا يبرر له القيام بأي عمل ينطوي على تهديد. ولو تجرأ وفعل، فإنه سوف يتلقى الصفعة التي يستحق.

أردوغان يبحث عن مشاكل ونزاعات في الخارج لكي يهرب بها من مشاكله في الداخل، فاقتصاده على حافة الانهيار، وميزانية دولته لا تملك أن تغطي تكاليف الحرب، وجيشه الذي سبق أن تمرد على طغيانه، ما يزال يشعر الآلاف من كبار ضباطه بالمرارة حيال مصير الكثير من رفاق السلاح الذين سُجنوا بتهم زائفة، وعوملوا وكأنهم أسرى. هذا وضع يجعل مغامرات أردوغان مجرد عمل من أعمال الحماقة أيضا.

ولو أن حربا اندلعت، فإن الأسير الوحيد فيها سوف يكون أردوغان نفسه، إذ لا شعبه ولا جيشه، ولا اقتصاد بلاده يمكن أن يتحمل أوزار خيارات العدوان، لمجرد أنه يريد أن يتصرف كبلطجي في المنطقة.

مصر وحدها، التي سبق أن قهرت الإمبراطورية العثمانية في معركة قونية في 21 ديسمبر 1832، ما يزال بوسعها أن تلقن "السلطان أردوغان" الدرس نفسه.

في ذلك اليوم المشهود في التاريخ، وقف الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا، على بعد 290 كم من أبواب الأستانة عاصمة السلطان محمود، وأسرت "الصدر الأعظم" لجيشه، في معركة استغرقت سبع ساعات فقط. بدأت ظهرا، وانتهت بعد غروب الشمس بساعتين، لترسم واحدة من أعظم الملاحم العسكرية في التاريخ.

وكانت قوات إبراهيم باشا (ابن محمد علي باشا)، قد خاضت سلسلة من المعارك، استولى فيها على عكا (1831) ودمشق وحمص (8 يوليو 1832) وحلب (14 يوليو 1832)، قبل أن تتجه إلى بيلان (30 يوليو 1832)، وتاليا أضنة وطرطوس وأورفة وعينتاب ومرعش وقيصرية، لتضع الأساس الأول لانهيار الإمبراطورية العثمانية، التي عاد أردوغان ليلبس طرابيشها البالية.

ومصر، إذ تنظر اليوم، بعين التاريخ، فإنها تعرف الحجم الحقيقي لأردوغان. وتعرف أن سبع ساعات كثيرة جدا عليه.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل