أردوغان.. الحذاء والطربوش والبلطجة

أردوغان.. الحذاء والطربوش والبلطجة

منذ 3 سنوات

أردوغان.. الحذاء والطربوش والبلطجة

في النهاية كان لا بد مما ليس له بد. قوة ما، كان لا بد لها أن توقف عنجهية أردوغان عن تهديد أمن المتوسط واستقرار دوله.\nالقرار الذي اتخذته فرنسا بإرسال فرقاطة بحرية وطائرات حربية إلى شرق المتوسط، أوصلت الرسالة المناسبة لأنقرة، فأعمال التنقيب عن النفط في المناطق الاقتصادية الخاصة بدول أخرى هو عمل من أعمال العدوان، وإذ دأب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أن يرافق سفن المسح الزلزالي بسفن حربية، على سبيل البلطجة، فقد أصبح وجود قوة بحرية فرنسية عامل ردع يقول له: كف عما تفعل، وإلا فإن العواقب سوف تكون وخيمة.\nوضع حد لأعمال البلطجة مفيد لحفظ الأمن والسلام للجميع، بما في ذلك تركيا نفسها. دونه، فقد كان يمكن للكارثة أن تقع في أي حين.\nلقد وقفت اليونان وتركيا على حافة مواجهة عسكرية الشهر الماضي، وكان يمكن أن تكون لها تأثيرات مدمرة على العلاقات التركية الأوروبية، والعلاقات داخل الأطلسي، والعلاقات بين دول حوض المتوسط.\nومع قرار أردوغان بالانسحاب من المحادثات مع اليونان، وقيامه بتحريك سفنه للتنقيب عن النفط قبالة ساحل جزيرة كاستيلوريزو اليونانية، برفقة قوة عسكرية، فإنه أراد للمواجهة أن تندلع.\nولفهم الطبيعة العدوانية لمساعي أردوغان في المتوسط، فإنه يكفي النظر إلى الخارطة، سوف يلاحظ الناظر بسهولة أن المناطق الاقتصادية لليونان وقبرص ومصر لا تترك ولا حتى شبرا واحدا لتركيا تتمدد إليه، لا في شرق المتوسط ولا في وسطه، وبالتأكيد ليس قبالة السواحل الليبية.\nالقانون الدولي للبحار لعام 1982، والذي أصبح نافذا اعتبارا من العام 1994، إذا كان يعطي الحق لكل دولة أن تمد منطقتها الاقتصادية إلى ما يتراوح بين 200 – 300 ميل بحري، فان المناطق الاقتصادية لقبرص واليونان ومصر لا تبقي فراغا لتركيا يسمح لها بأن ترسم خارطة جديدة تقيسها على طربوش أردوغان.\nالمسألة قد تبدو أكثر تعقيدا بين تركيا واليونان، وذلك لأن الجزر اليونانية قريبة للغاية من السواحل التركية. ولكن القواعد الدولية تقول إن الجزر، طالما لم تكن هي بحد ذاتها موضع نزاع، فإنها تملك ذات الحق بوصفها امتدادا لأراضي الدولة الأم، بصرف النظر عن مدى قربها أو بعدها عن السواحل، وإن المفاوضات لتقاسم المصالح هو السبيل الوحيد لفض النزاع، وليس تحريك البوارج الحربية.\nإلا فإن أردوغان لبس طربوش الأوهام، وذهب ليفصّل قانونا على مقاس حذائه، حتى صار بوسعه أن يذهب إلى حكومة المليشيات التابعة له في طرابلس لكي يتقاسم معها البحر، في عمل ذي طبيعة لصوصية مكشوفة، تتم ممارسته في وضح النهار (طبعا، وفي الليل أكثر).\nهل توجد لدى تركيا نزاعات مع اليونان؟ نعم توجد. ولكنها نزاعات تاريخية، انتهت بترسيم الحدود الراهن. الأمر الذي لا يُبقي لأردوغان أي سبب للشكوى. وبكل تأكيد، فان ذلك لا يبرر له القيام بأي عمل ينطوي على تهديد. ولو تجرأ وفعل، فإنه سوف يتلقى الصفعة التي يستحق.\nأردوغان يبحث عن مشاكل ونزاعات في الخارج لكي يهرب بها من مشاكله في الداخل، فاقتصاده على حافة الانهيار، وميزانية دولته لا تملك أن تغطي تكاليف الحرب، وجيشه الذي سبق أن تمرد على طغيانه، ما يزال يشعر الآلاف من كبار ضباطه بالمرارة حيال مصير الكثير من رفاق السلاح الذين سُجنوا بتهم زائفة، وعوملوا وكأنهم أسرى. هذا وضع يجعل مغامرات أردوغان مجرد عمل من أعمال الحماقة أيضا.\nولو أن حربا اندلعت، فإن الأسير الوحيد فيها سوف يكون أردوغان نفسه، إذ لا شعبه ولا جيشه، ولا اقتصاد بلاده يمكن أن يتحمل أوزار خيارات العدوان، لمجرد أنه يريد أن يتصرف كبلطجي في المنطقة.\nمصر وحدها، التي سبق أن قهرت الإمبراطورية العثمانية في معركة قونية في 21 ديسمبر 1832، ما يزال بوسعها أن تلقن "السلطان أردوغان" الدرس نفسه.\nفي ذلك اليوم المشهود في التاريخ، وقف الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا، على بعد 290 كم من أبواب الأستانة عاصمة السلطان محمود، وأسرت "الصدر الأعظم" لجيشه، في معركة استغرقت سبع ساعات فقط. بدأت ظهرا، وانتهت بعد غروب الشمس بساعتين، لترسم واحدة من أعظم الملاحم العسكرية في التاريخ.\nوكانت قوات إبراهيم باشا (ابن محمد علي باشا)، قد خاضت سلسلة من المعارك، استولى فيها على عكا (1831) ودمشق وحمص (8 يوليو 1832) وحلب (14 يوليو 1832)، قبل أن تتجه إلى بيلان (30 يوليو 1832)، وتاليا أضنة وطرطوس وأورفة وعينتاب ومرعش وقيصرية، لتضع الأساس الأول لانهيار الإمبراطورية العثمانية، التي عاد أردوغان ليلبس طرابيشها البالية.\nومصر، إذ تنظر اليوم، بعين التاريخ، فإنها تعرف الحجم الحقيقي لأردوغان. وتعرف أن سبع ساعات كثيرة جدا عليه.\nولئن حرمتنا القوة الفرنسية القادمة إلى شرق المتوسط، من ملحمة أخرى، أو ربما، فإن السلام خير أيضا، إذا كان بوسعه أن يلقن السلطان أردوغان الدرس المناسب.\nالحقيقة الأهم، هي أنه يستطيع أن يرى طربوش أحلامه يسقط بين قدميه، وأن مقاييس حذائه هي ذاتها مقاييس الطربوش، وإنه يستطيع أن يرتدي أيا منهما إذا التبس الأمر عليه، ولكنه لا يستطيع أن يواصل أعمال البلطجة.

الخبر من المصدر