المحتوى الرئيسى

«ديون الملاذ الآمن»

08/10 01:31

الذعر الاقتصادى؛ مصطلح ليس بجديد فى الأوساط العالمية والاقتصادية، بل ومن الطبيعى أن ينتشر على الساحة الدولية والإقليمية بعد انتشار جائحة عالمية تعد الأخطر بين قرائنها بكل تأثيراتها ومخاطرها الصحية والاجتماعية وكذلك الاقتصادية. فالخوف معدٍ بشكل كبير حينما يتحول إلى حالة من الذعر ينتشر بسرعة فى عالم التداول المترابط والمتقدم تقنيًا اليوم. فقد شاهدنا فى الفترة الأخيرة أن الأصول المرتبطة بنوع ما من المخاطر تنخفض قيمتها، كتلك الانخفاضات التى شاهدناها فى أسواق الأسهم العالمية منذ أن ترسخت المخاوف من جائحة كورونا العالمية. فهل من ملاذ آمن؟!

حينما يتحرك مثل هذا الذعر فى جميع أنحاء العالم، لا يوجد سوى عدد قليل من الأماكن التى يمكن اللجوء إليها؛ وهى ما يشار إليها باسم «الملاذات الآمنة». ولأن التجار والمستثمرين يعرفون جيدا كيف يلجئون إلى هذه الأماكن، فإن الطلب المتزايد يؤدى فى كثير من الأحيان إلى ارتفاع قيمتهم. فقائمة الأصول الآمنة قصيرة وتميل إلى أن تشمل: المعادن الثمينة، والسندات التى تصدرها الدول التى يُرجح أن تكون أقل فى التخلف عن السداد، والعملات التى تقوم بها تلك السندات.

ويعد الين اليابانى من العملات المفضلة فى الآونة الأخيرة، وكذلك الفرنك السويسري ــ بسبب تاريخ سويسرا الطويل من انخفاض التضخم والاستقرار المالى السياسى. ومع ذلك يظل الين لديه جاذبية إضافية لكونه أكثر سيولة، ما يعنى أنه أكثر سهولة فى التداول. كذلك السندات الحكومية الألمانية تحظى بشعبية كبيرة أيضًا، ولكن الاقتصاد اليابانى أكبر. كما أن ألمانيا ليس لديها عملتها الخاصة بها، وكشفت أزمة منطقة اليورو أن اليورو لا يزال أمامه طريق طويل قبل أن يتم تصنيفه كملاذ آمن حقيقى. فى حين الدولار لا يزال عملة الاحتياطى العالمى بلا منازع. وهى أيضًا فئة العملة لأذون الخزانة الأمريكية، والتى تعد إلى حد بعيد المثال الأكثر استخدامًا للأصول «الخالية من المخاطر» فى الكتب الأكاديمية.

ومع ذلك، فمن المنطقى أكثر ملاحظة ما يفعله التجار والمستثمرون بالفعل فى الأزمات. ففى أعقاب هجمات 11 سبتمبر عام 2001، تفجيرات قطارات مدريد عام 2004، وانهيار ليمان عام 2008، وأزمة منطقة اليورو عام 2010، وتفجيرات بروكسل عام 2016 ــ على سبيل المثال لا الحصر ــ اشترى التجار والمستثمرون الين اليابانى على معظم العملات الأخرى، بما فى ذلك الدولار الأمريكي! ولكن على النقيض من الولايات المتحدة وأوروبا، دخلت اليابان الأزمة المالية فى 2007 ــ 2009 مع نظام مصرفى مستقر نسبيًا. كما احتلت اليابان موقعها كأكبر دولة دائنة فى العالم لما يقرب من ثلاثة عقود، حيث اشترت بكثافة أمثال السندات التى أصدرتها حكومات أخرى. عندما يضرب الذعر الأسواق، سيتم تفريغ العديد من هذه السندات وتحويلها مرة أخرى إلى الين، مما يؤدى إلى ارتفاع الطلب على العملة لأنها تعود «إلى الوطن». بالإضافة إلى أن بنك اليابان يعد رائدًا فى إطلاق سياسات نقدية غير تقليدية مثل التيسير الكمى وأسعار الفائدة القريبة من الصفر لإنعاش الاقتصاد. وهذا يمكن المستثمرين من الانخراط فى ما يسمى «عمليات المناقلة أو المراجحة»، حيث يقترضون فى اليابان، مستفيدين من بيئة أسعار الفائدة المنخفضة، ويقرضون أو يستثمرون فى البلدان التى ترتفع فيها العوائد. وخلال حالة الذعر، يتم التخلص من بعض الصفقات المحمولة وتكون النتيجة تدفقات الأموال إلى اليابان، ويزداد الين قوة.

وبذلك بدا أن الين يستعيد قوته ذاتيا، كما أن الاقتصاد اليابانى يصنف ضمن أقوى الاقتصادات العظمى فى العالم. ولكن من جهة أخرى مازال يثار تساؤلات حول الدين العام اليابانى الأول عالميا، والذى تخطى النسب الآمنة للدين العام إلى الناتج المحلى الاجمالى، وبرغم ذلك لم تقع اليابان فى فخ الديون وأزمة مديونية، ومازالت تتمتع بقدرتها على زيادة دينها وبيع سنداتها بسهولة وعند معدلات فائدة منخفضة للغاية؛ فما هو السر وراء ذلك؟!

قامت اليابان مجدها الاقتصادى على أنقاض القنابل النووية، وخلال عقود من الزمن نهضت اليابان من ركام الحرب إلى ثالث أقوى اقتصاد فى العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين. دولة تقدم مساعدات مالية سنوية إلى عشرات الدول والبرامج التنموية للأمم المتحدة. يحتل ناتجها المحلى الإجمالى المرتبة الثالثة على مستوى العالم، إذ يبلغ حوالى 5,08 تريليون دولار، ويصل معدل دخل الفرد إلى 41,7 ألف دولار سنويا طبقا لبيانات البنك الدولى 2019. وهى موطن أكبر الشركات العالميّة مثل تويوتا وهوندا وسونى وفوجى فيلم وباناسونيك. بالرغم من ذلك فإن الدين العام اليابانى يعد الأعلى مديونية فى العالم، فالدين العام فى ارتفاع مستمر، وقد وصل إلى حوالى ما يقرب من 10 تريليون دولار عام 2019.

أهم أخبار كورونا

Comments

عاجل