المحتوى الرئيسى

الموت الأسود يحصد 35 مليون.. الطاعون في العصور الوسطى يزحف من الصين والهند لأوروبا - صوت الأمة

08/09 17:06

أوبئة عديدة تعرض لها العالم عبر العصور المختلفة، إلا أن " الموت الأسود" كان أخطر هذه الأوبئة وهو ما رصده كتاب "الموت الأسود " للكاتب جوزيف بيرن الذى صدرت ترجمته عن مشروع "كلمة" للترجمة فى دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبى والذي تحدث عن الطاعون بالتفصيل، نتعرف على جانب منه.

الموت الأسود فى القرون الوسطى

تفشّى الطاعون فى ثلاثينيات القرن الرابع عشر فى أراضى آسيا الوسطى الشاسعة، وربما انتشر شرقاً فى الصين وجنوباً فى شبه القارّة الهندية، إلا أن السجلات الواردة من هذه المناطق لم تتحدث عنه إلا القليل.

انتقل هذا المرض شرقاً من دون شك، وظهر فى المناطق الشرقية من العالم الإسلامي فى أواسط أربعينيات القرن الرابع عشر. ثم امتدّ إلى الجنوب الغربى حول البحر الأسود أو عبره، فضرب القسطنطينية والأطراف الغربية للبحر المتوسط فى أواخر سنة 1447.

وفى ذلك الوقت بدأ المسلمون والمسيحيون يسجّلون ما عرفوه عن منشأ الطاعون ومساره المبكّر، والأهوال التى لم يعودوا راغبين فى أن يشهدوها.

الوباء القاتل انتقل مع التجّار والقوافل والجيوش والحجّاج والبعثات الدبلوماسية، كما انتقل على متن السفن المحمّلة بالبضائع والمسافرين من موانئ المناطق التى ضربها الطاعون، فتفشّى فى صقلية ومرسيليا وبيزا وجنوا.

كما عبر إلى المناطق الداخلية على متن القوارب والصنادل على طول الممرّات المائية، وعلى متن العربات فى الطرقات ودروب الجياد وعلى حيوانات الحمل.

واجتاز الوباء جبال الألب والبيرينيه والأبنين والبلقان، والقناة الإنجليزية وبحر الشمال، ليصل فى نهاية المطاف إلى السهول الكبرى فى أوروبا الشرقية والمدن الروسية فى حوض نهر الدون وموسكو نفسها.

وقد وصف شهود عيان تطوّر المرض بين الناس وفى المجتمعات، ومعاناة الضحايا والناجين على حدٍّ سواء، والخراب الاقتصادى والاجتماعى الرهيب الذى خلّفه الطاعون بعد انحساره.

كما سجّل الرحالة والأطبّاء والموظفون المسلمون الدمار الذى حلّ فى المدن الإسلامية من بغداد إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والأندلس. ويبدو أن قليلاً من الجيوب المعزولة نجت، وربما مات فى النهاية أربعة من بين كل عشرة أشخاص.

وأصيب آخرون بالمرض لكنهم عاشوا، وربما اكتسبوا بعض المناعة خلال هذه العملية، وفى النهاية فقد العالم الغربى نحو 35 مليون نسمة، سقط معظمهم فى غضون سنتين.

وتضرّع الأتقياء والتقيّات، وقدّم الكهنة والأطباء الرعاية للمرضى والمُحتضَرين، وانتقد الأساقفة خطايا البشر التى أغضبت الرب واستنزلت سخطه المتمثّل فى الطاعون.

وبعد انحساره أعلن قسم من النا توبته واستغلّ آخرون الضعفاء بلا رحمة، وتنفّس الجميع الصعداء بانتهاء المرض، لكن أهوال الفترة الممتدة بين سنتى 1347 و1352 لم تكن إلا البداية فحسب.

ظل الطاعون يتفشّى بين الحين والآخر بينما أشرفت القرون الوسطى على نهايتها فى الغرب، وذكرت السجلات الموثوقة أن الطاعون كان يتفشّى كل عشر سنين تقريباً، وأن الوفيات تراوحت بين 10 و20 بالمئة بدلاً من 40 أو خمسين بالمئة.

ويبدو أن الموت كان أشد فتكاً بالفتيان من البالغين، وبالنساء من الرجال، مع أنه لم يكن أحد يتمتع بالمناعة.

وقد أدى هذا الوضع إلى عدم تزايد السكان لمدة قرن ونصف القرن، لكنه حثّ أيضاً على إدخال العديد من التغييرات على السياسة العامة التى ترمى إلى التقليل من احتدام الطاعون – أو حتى الوقاية منه، وتراوح ذلك من تحسين المرافق الصحية والرعاية الصحية إلى الحجر الصحى والإنذار المبكّر، وتكيّف الحكومات المحلية والملكية مع النظام الجديد الذى يتكرّر فيه تفشّى الوباء، حاولت مهنة الطب أيضاً التعامل مع المرض أيضاً، لكن نظرياتها ومعالجاتها كانت قديمة بالفعل وعديمة الجدوى.ومع ذلك واصل كل جيل ثقته فى الأطباء وأنظمتهم الغذائية وأدويتهم وتدابيرهم.

 وعلى الرغم من فشل رجال الدين فى درء غضب الرب، فقد واصل الناس ثقتهم أيضاً فى المسيحية والإسلام. وللإصلاح الدينى الذى أدى إلى انقسام الكاثوليكية فى أوائل القرن السادس عشر جذور عميقة فى الاستياء الذى أعقب الطاعون، لكنه لم يتطوّر إلا بعد مرور قرن ونصف القرن على تفشّى الوباء لأول مرة. ولا شك فى أن البروتستنت الأوائل سعوا إلى تنقية الدين وكنيسته لا الحلول محلها.

الطاعون فى أوائل العصر الحديث

استمرّ الطاعون فى التفشّى بين الحين والآخر. فيما كانت القرون الوسطى تفسح المجال لتغيّرات عصر النهضة وابتكاراته، والكاثوليكية تتصارع مع تحدى البروتستنتية،  إلا أنه مع بداية أوائل العصر الحديث، لاحظ الناس أن هذا المرض أصبح محدوداً على نحو متزايد فى المناطق الحضرية، خاصة وأن الحكومات بدأت في اتخاذ الإجراءات المضادّة لهذا المرض الوبائي، ووسّعوا نطاق أنشطتهم وحدّتها، فأنشأت حكومات المدن المجالس الصحية والهيئات القضائية للإشراف على أنظمة الإصحاح والحجر الصحى فى المدن والمناطق التى تديرها.

كما بدأت المدن في تمويل مستشفيات الطاعون ومصحّات الأوبئة لعزل المرضى، وتم إغلاق الموانئ والأنهار لوقف حركة المرور الملاحية المميتة. 

وتم وضع ألية لعزل المصابين– بل حبسهم – وعائلاتهم فى بيوتهم. ولأنها رأت أن جذور تفشيات الطاعون المحلية تعود إلى الأحياء الفقيرة، فقد كانت تغلق هذه الأماكن عند أول بوادر ظهور المرض، وتحكم على قاطنيها بملازمتها والمعاناة فى حين تحمى فى الظاهر المدينة على العموم.

وتبادلت الحكومات الصغيرة والكبيرة الأفكار وتعلّمت من بعضها بعضاً عندما أدركت جميعاً أن ليس فى استطاعة أى منها العمل بمفردها لوقف حركة الطاعون الذى لا يقرّ بأى حدود سياسية.

فى الوقت نفسه، كانت الجيوش الدولية التى تفشّى فيها الطاعون تعبر أوروبا الوسطى بكثرة، وتنشر الوباء مثلما تنشر السلب والدمار والقتل بالسيف.

 بل إن الطرق التجارية استمرّت، حتى فى زمن السلم، فى تسهيل نشر الطاعون ووجد المهرّبون الذين تزايدت حنكتهم سهولة فى تجنّب الحواجز التى وضعتها السلطات بنية حسنة. فلا عجب أن تكون آخر المدن الأوروبية الغربية الكبرى التى تعانى هى الموانئ التجارية مثل أمستردام ولندن ونابولى ومرسيليا، أو أن يستمر الطاعون فى التردّد على الموانئ العثمانية فى البحر المتوسط بعد مدة طويلة من اختفائه من أوروبا.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل