المحتوى الرئيسى

في ذكرى غياب العاشق «سيء الحظ».. محمود درويش شاعر حمل في قلبه فلسطين

08/09 11:53

تحل علينا اليوم ذكرى وفاة الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، الذي رحل عن عالمنا يوم 9 أغسطس عام 2008، "لو عرفت أشجار الزيتون اليد التي زرعتها لأصبح زيتها دمعا" هكذا عبر الشاعر الراحل الحاضر رغم الغياب، صوت المقاومة الفلسطينية كما أطلق عليه، والكلمة القاتلة التي زرعت الخوف في قلوب الاحتلال الصهيوني، اشتهر بأنه أحد أدباء المقاومة، وحمل في قلبه القضية الفلسطينية وعبر في كثير من قصائده عنها فلقب بشاعر "الجرح الفلسطيني".

ولد درويش عام 1941 في قرية البروة الفلسطينية، ثم انتقل مع عائلته إلى لبنان بعد نكبة 48، وعاد إلى فلسطين بعد عامين متخفي ليجد أن قريته قد دمرت بالكامل، وانتقل إلى قرية "دير الأسد" مع أسرته كلاجئين وعانوا في الحصول على بطاقات إقامة حيث إنهم كانوا "غير شرعيين" وكانوا بالنسبة للقانون الإسرائيلي حاضرون بأجسادهم غائبون بهوياتهم، ثم ذهب إلى حيفا لمدة عشر سنوات وأنهى فيها دراسته الثانوية، وسافر بعدها إلى موسكو للدراسة.

انضم هناك للحزب الشيوعي الإسرائيلي وعمل كمحرر ومترجم في صحيفة "الاتحاد" ومجلة "الجديد" التابعتين للحزب، ثم ترقى لمنصب رئيس تحرير المجلة، اعتقلته قوات الاحتلال الصهيوني عدة مرات بتهمة القيام بنشاط معادي لدولة إسرائيل بسبب آرائه السياسية وتصريحاته المعادية لدولة الاحتلال، وتم اعتقاله خمس مرات أولها عام 61 ثم عام 65 وعام 66 وعام 67 وعام 69، وفرضت عليه الإقامة الجبرية حتى عام 1970.

كانت تلك الفترة شديدة الصعوبة على الفلسطينيين عامة وعلى درويش خاصة، وحكي عنها وقال: "كنت ممنوعًا من مغادرة حيفا مدة عشر سنوات، كانت إقامتي في حيفا إقامة جبرية ثم استرجعنا هويتنا، هوية حمراء في البداية ثم زرقاء لاحقًا وكانت أشبه ببطاقة إقامة.. كان ممنوعًا علي طوال السنوات العشر أن أغادر مدينة حيفا، ومن العام 1967 لغاية العام 1970 كنت ممنوعًا من مغادرة منزلي، وكان من حق الشرطة أن تأتي ليلًا لتتحقق من وجودي. وكنت أعتقل في كل سنة وأدخل السجن من دون محاكمة. ثم اضطررت إلى الخروج".

حاول درويش السفر إلى باريس عام 1968 لكن رفضت السلطات الفرنسية دخوله الأراضي الفرنسية لأن هويته غير محددة لجنسيته، فأعادته السلطات إلى الأراضي المحتلة، خرج بعدها عام 1970 إلى موسكو للدراسة وكانت هذه أول غربة له بعيدا عن فلسطين، كان وقتها طالب في معهد العلوم الاجتماعية، أقام هناك سنة وفقد ثقته بالشيوعية، وسقطت موسكو من نظره من مدينة "الفردوس" ليراها على حقيقتها مدينة عادية يعاني أهلها من الحرمان والفقر ويعيشون في خوف.

لم يتحمل الحياة في موسكو وقرر الذهاب إلى القاهرة واتخذ قرار صعب وقتها بعدم العودة إلى فلسطين مرة أخرى، فقد أحب العيشة في القاهرة وقال: "وجدت نفسي أسكن النصوص الأدبية التي كنت أقرؤها وأعجب بها، فأنا أحد أبناء الثقافة المصرية تقريبًا والأدب المصري، التقيت بهؤلاء الكتاب الذين كنت من قرائهم وكنت أعدهم من آبائي الروحيين، التقيت محمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ وسواهما، والتقيت كبار الكتاب مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم. ولم ألتق بأم كلثوم وطه حسين، وكنت أحب اللقاء بهما".

عينه الكاتب محمد حسنين هيكل في نادي كتاب الأهرام مع نجيب محفوظ ويوسف إدريس وعائشة عبد الرحمن في مكتب واحد، وبجانب توفيق الحكيم في مكتب منفرد، فنشأت بينه وبينهم صداقة قوية، وتربى على يد شعراء كبار أمثال صلاح عبد الصبور وأحمد حجازي وأمل دنقل وعبدالرحمن الأبنودي.

انتقل بعد ذلك الى بيروت لتصبح مقر لأفكاره وتياراته الأدبية والفكرية والسياسية، ولكن لسوء الحظ اندلعت الحرب الأهلية في لبنان بعد فترة ومات بعض أصدقائه هناك مثل غسان كنفاني، فتحول من الشعر العاشق الرومانسي لشعر الرثاء والأوطان.

هدأت الحرب في لبنان ولم يخرج منها كما خرج آخرون حتى احتلت إسرائيل لبنان وقضى أيام صعبة كان لا يعرف فيها أين ينام وكان ينام في مطعم حتى لا يقبض الإسرائيليين عليه حتى حدثت المجزرة الكبرى "صبرا وشاتيلا " وهرب وقتها.

هرب من بيروت إلى الأشرفية ومنها إلى سوريا ومنها إلى تونس ثم باريس ليقضي هناك حوالي 10 سنوات على فترات متقطعة في الثمانينيات، عمل هناك في منظمة التحرير الفلسطينية واستقال من اللجنة التنفيذية لها احتجاجا على اتفاقية "أوسلو"، وفي عام 1981 أسس مجلة "الكرمل" التي عمل على تحريرها وأكمل إصدارها حتى بعد سفره من لبنان، واستمر في ذلك حتى وفاته، وصدر منها 89 عدد وخصصوا العدد التسعين لسيرته الذاتية بعد وفاته.

غادر لبنان إلى دمشق كمرحلة مؤقتة في الطريق إلى تونس، وذهب إلى باريس ليعيش فيها عشر سنوات لكن على فترات متقطعة وهناك كانت ولادته الشعرية الحقيقية على حد قوله لجمال تونس الذي أتاح له فرصة للتأمل والنظر إلى الوطن والعالم.

أهم أخبار صحة وطب

Comments

عاجل