فرنسا ومستعمراتها السابقة.. لماذا بقي الاستقلال منقوصا؟

فرنسا ومستعمراتها السابقة.. لماذا بقي الاستقلال منقوصا؟

منذ ما يقرب من 4 سنوات

فرنسا ومستعمراتها السابقة.. لماذا بقي الاستقلال منقوصا؟

الحرية والارتياح والأمل. هذا ما كان يجب أن يكون عليه شعور ملايين الأفارقة قبل ستين عاماً عشية انتهاء الاستعمار الفرنسي عن بلدانهم. نالت 14 دولة إفريقية في عام 1960 استقلالها: بنين، وبوركينا فاسو، وساحل العاج، ومالي، والنيجر، والسنغال، وتوغو، والكاميرون، وتشاد، والكونغو-برازفيل، ومدغشقر، وموريتانيا، والغابون وجمهورية إفريقيا الوسطى.\nكانت الجزائر أول بلد إفريقي تحتله فرنسا. وبعدها جاء دور منطقة الساحلوجزء كبير من غرب ووسط القارة السمراء. واستغرق الأمر سنوات طويلة حتى كُسرت قيود الاستعمار. ملايين الأفارقة عانوا وقضوا بيد الفرنسيين.\nفي عام 1946 أسست فرنسا الاتحاد الفرنسي ليحل محل التنظيم الاستعماري القديم. التنظيم الجديد سمح للمستعمرات بالتمثيل في الجمعية الوطنية الفرنسية، ولكن دون سيادة. تصاعدت المقاومة ضد الفرنسيين وكانت غينيا أول دولة إفريقية تستقل عن فرنسا عام 1958.\nفي 13 من فيبراير/ شباط 1960، أجرت فرنسا، القوة الاستعمارية آنذاك، أول تجربة نووية لها في الصحراء الجزائرية. اليوم، وبعد ستة عقود، لا تزال المنطقة تعاني من آثار تلك التجربة التي لم تُوثق بشكل كاف، وتجعل الجرح غير مندمل.\nخلال الحرب العالمية الأولى خدم مئات الآلاف من الأفارقة والهنود وأبناء الشعوب الأخرى ضمن جيوش الدول التي كانت تستعمر بلادهم وخاصة بريطانيا وفرنسا. وهؤلاء الجنود لم يكونوا سوى "وحوش" بالنسبة لألمانيا وآلتها الدعائية.\nتصريحات نائب رئيس وزراء إيطاليا دي مايو التي انتقد فيها فرنسا محملا إياها مسؤولية هجرة الشباب الأفريقي إلى أوروبا، لاقت استحسانا من لدن شباب أفارقة على مواقع التواصل. فهل تقف فرنسا وراء "إفقار" إفريقيا، كما صرح دي مايو؟\n"بعد ستين عاماً لم تنل الدول الإفريقية الفرنكوفونية استقلالاً حقيقياً ولا حرية"، تقول ناتالي يامب، المستشارة لحزب "الحرية والديمقراطية لجمهورية ساحل العاج"، وتضيف أن الأمر يبدأ من المدارس التي تقرر مناهجها في فرنسا.\nأنشأت فرنسا نظم سياسية قبل رحيلها."قبل 1960 قررت باريس إلغاء النظم البرلمانية في بعض الدول كساحل العاج وإقامة بدلاً عنها نظم رئاسية يمسك رأس الدولة فيها بكل شيء في البلاد. الفكرة من وراء ذلك أنه "للسيطرة على البلد ينبغي فقط التحكم بشخص يتمتع بكل السلطات"، تضيف يامب في حديثها مع DW.\nالنفوذ الفرنسي مستمر في المستعمرات السابقة. وينمو الغضب في نفوس الشباب من السياسات الاستعمارية القديمة. ومنذ مطلع ثمانيات القرن العشرين يعد الكثير من المرشحين بالابتعاد والتخلص من ذلك النفوذ.\nالوعود بفتح صفحة جديدة بين فرنسا ومستعمراتها لا يعدو كونه كلاماً في كلام ومجرد "طقس"، حسب البرفيسور يان تايلور المختص بالسياسية الإفريقية في جامعة سانت أندروز في أسكوتلندا. "يعدون بالتغير، لكن بعد استلامهم مهامهم سرعان ما يلاحظ الرؤساء الفرنسيون أن المصالح السياسية والاقتصادية لبلادهم في القارة السمراء كبيرة وأن ليس هناك مصلحة حقيقة لدى الأفارقة ولا لدى الفرنسيين بأي تغيير"، يقول المحلل في حديثه مع DW.\nصورة تُظهر مستعمرين فرنسيين في دولة مالي بمدينة تمبوكتو عام 1894\nفي عام 1962 كلف الرئيس الفرنسي شارل ديغول مستشاره جاك فوكار بصياغة علاقة جديدة بين فرنسا ومستعمراتها السابقة في إفريقيا. أطلق البعض على فوكار لقب "مهندس الاستعمار الفرنسي" الحديث لإفريقيا. يعلق باول ملي من معهد شاتم-هامس البريطاني أن تلك العلاقة بين القادة الفرنسيين والنخب في البلدان المستقلة حديثاً كانت "غير شفافة وأبوية وفيها تحكم"، حسب تصريحه لـ DW.\nأبرم فوكار عقوداً مع حكام نلك البلدان لا تزال سارية حتى اليوم: مقابل الحماية العسكرية والحماية من الانقلابات وفي مقابل ملايين من الدولارات كعمولات ضمنت الدول الإفريقية للشركات الفرنسية استغلال الموارد الاستراتيجية كالماس واليورانيوم والغاز والنفط. الوجود الفرنسي ملحوظ اليوم في القارة: 1100 شركة كبرى، و2100 شركة صغرى وثالث أكبر محفظة استثمارية بعد بريطانيا والولايات المتحدة.\nملايين الافارقة يعتمدون على الاعانات الغذائية رغم ثروات بلدانهم الكبيرة، من المسؤول عن ذلك؟\nكل ما سبق ذكره يدعو ناتالي يامب إلى الإحباط: "رؤساء تلك البلدان الإفريقية يفضلون مواصلة خدمة فرنسا عوضاً عن وضع مصالح بلدانهم في المقدمة. بالمقابل يطالب الشباب الإفريقي بالاستقلال الحقيقي وإنهاء هذه العلاقة المجنونة وغير الصحية مع فرنسا".\nالباحثة في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في فرنسا IRIS، كارولين روسي، تختلف مع ناتالي يامب في الرأي: "الاستقلال ليس كاملاً، بيد أننا لا يمكن أن نقارنه بمثيله في ستينات القرن العشرين. فرنسا والرئيس إيمانويل ماكرون يحاولان تغيير النهج. نحن نبدأ بصفحة جديدة بين فرنسا وإفريقيا".\nوتسوق كارولين روسي مثلاً على ما تقول وهي "قمة إفريقيا-فرنسا"، والتي تأجلت بسبب فيروس كورونا. ومن المنتظر أن يتم دراسة مشاريع والبحث عن حلول لبناء المدن والمناطق الإفريقية ومواجهة مخاطر الهجرة من الريف للمدينة التي تهدد القارة في العقود القادمة.\nبالنسبة لناتالي تامب التغيير هو مجرد لعب على الكلمات وماكرون أسوء الرؤساء الفرنسيين فيما يخص العلاقة مع المستعمرات السابقة. وتشبهه بشارل ديغول من جهة إخفاء النوايا الحقيقية، على حد تعبيرها.\nتعترف كارولين روسي بأن ماكرون ارتكب أخطاء بعد تسلمه منصبه كدعوة رؤساء مجموعة دول الساحل الخمسة إليه بدلاً من الذهاب إليهم. غير أنها تستدرك في حديثها مع DW أنه فعل أشياء جمة: "وضع وزيرة خارجية راوندا، لويز موشيكيوابو، على رأس المنظمة الفرنكوفونية الدولية، ووعد بإعادة معظم التحف الفنية الإفريقية الموجودة في المتاحف الفرنسية".\nالرئيس ماكرون يواصل سياسة أسلافه واجداده باستغلال ثروات أفريقيا خدمة للشركات الفرنسية\nالفرنك الإفريقي (فرنك س ف أ) عملة متداولة في 12 دولة إفريقية وهو مربوط باليورو وهذا ما يحول دون انتهاج سياسة نقدية مستقلة. وتدفع تلك الدول المتعاملة بالفرنك الإفريقي ما يصل إلى 65 من احتياطاتها النقدية للخزينة الفرنسية.\nويتهم الباحث يان تايلور في حديثه مع DW الفرنسيين بإعادة ضخ الأموال الإفريقية التي تأتي إلى خزينتهم من جديد على شكل مساعدات تنموية، ما يقوي من نفوذهم في المنطقة". ويلخص المختص بالعلوم السياسية: "الخطوة الأولى للاستقلال الحقيقي هي دفن الفرنك الإفريقي. ما تحتاجه الدول الفرنكوفونية بعد ستين عاماً من الاستقلال هو نخبة إفريقية تضع مصلحة بلدانها في المقدمة".\nإرسال Facebook Twitter google+ Whatsapp Tumblr Digg Newsvine stumble linkedin

الخبر من المصدر