المحتوى الرئيسى

بعد أزمة "صاحب المقام".. هل التبرك بالأضرحة مخالف للدين؟

08/03 21:34

بعد ساعات من عرضه، خطف فيلم "صاحب المقام" الأنظار عبر السوشيال ميديا، وخلق حالة نقاش ضخمة لفكرته، ولدّت جدالا كبيرا بين مؤيد ومعارض لما تعرض له من زيارة والتبرك بالأضرحة آل البيت وأولياء الله الصالحين، لتشتعل مواقع التواصل الاجتماعي بهذا الجدل.

وتدور أحداث الفيلم حول يحيى "آسر ياسين" الغارق في عالم من الثروة واللا مبالاة، ويقرر هدم مقام "سيدي هلال" يرتاد عليه الزوار من أجل إنشاء منتجع سياحي، بمساعدة أحد معاونيه حليم "بيومي فؤاد" والذي يحاول توأمه حكيم التصدي لتلك الفكرة المخالفة للدين في رأيه، وبالفعل ينفذوا ذلك، لتنقلب الأمور رأسا على عقب ويخسر يحيي بالبورصة ثم تحترق فيلته بالساحل الشمالي، قبل مرض زوجته راندا "أمينة خليل" المفاجئ، ويصبح الأمل الوحيد في امرأة غامضة هي روح "يسرا" التي توجهه من خلال عملها بالمستشفى لزيارة الأضرحة وتحقيق أمنيات البسطاء والفقراء.

ولحسم الجدل الدائر على مواقع التواصل الاجتماعي، تواصلت "الوطن" مع علماء الدين للتقصي عن رأيهم في هذا الشأن، حيث قال الدكتور خالد عمران، أمين لجة الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إنه بصرف النظر عن الفيلم، فهناك عدة قواعد وممارسات تحكم هذا الأمر تستخلص من فتاوي دار الإفتاء منذ إنشائها وحتى اليوم، منها أنه من ثوابت العقيدة الإسلامية المستقرة في تدين المصريين أن النفع والضر بيد الله وحده ولا يملك أحد لنفسه نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله فالجميع متوجه له سبحانه وهذا تعلمه الجميع من الكتاب والسنة ومن الأولياء والعلماء.

وتابع عمران بأنه من بين ذلك أهمية احترام الصالحين وتقديرهم من العلماء والأئمة مثل الإمام الشافعي ما دعت إليه الشريعة وتمسك به المصريون عبر العصور، ومنها أن انتقال الإنسان عن الدنيا ليس انقطاعا عن الحياة فهناك حياة في البرزخ وحياة أخرى وهذا يؤمن به أهل الأديان جميعا والمنتقلون إلى الله خصوصا من الصالحين لهم درجاتهم عنده ولهم إدراك واتصال بعالمنا، كيف وقد قال تعالى: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُور" [الممتحنة: 13] ، "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون" [آل عمران: 169].

وأوضح أنه مع أهمية رفض الخرافات يجب تأكيد أن العلم لا يقتصر على الماديات المحسوسة فقط فكما أن هنا عالم شهادة فوراءه عالم آخر موجود أخبر القرآن والسنة عن بعض ما فيه وهو عالم الغيب حيث وجود الروح، مشيرا إلى أن هذه الممارسات فهي ممارسات يفعلها المصريون في الجملة بدافع المحبة بعيدا عما يزعم البعض انه من الشرك أو البدعة؛ فالصلاة مثلا هي صلاة لله وإن كانت بجوار ضريح أو مقام ولا يقدح فيها أنها قريبه من المقام بخلاف ما يردده السلفيون المتشددون الذين يتساهلون برمي الناس بالكفر والشرك والبدعة ولم يسلم منهم لا بسطاء ولا علماء.

وأردف أمين لجنة الفتوى أن التبرك بالضريح مع التزام الأدب من الشريعة ومن علماء الصوفية هو نوع من التوسل المشروع الذي لا ترفضه الشريعة كيف والدين كله ادب وخلق واحترام للانسان حيا ومنتقلا.

أما فيما يخص قول بعض الناس "مدد يا شافعي أو يا سيدة أو يا فلان من العلماء والأولياء أو أهل البيت الكرام"، أوضح أنه استشفاع مشروع بعالم أو صالح له عند الله منزلة ننزه الناس أن يكونوا يقصدوا به العبادة وننبههم ونعلم من جهل منهم ذلك الأمر، وهذه القواعد والممارسات مستقرة في التراث أيضا سواء في النصوص من الكتاب والسنة أو في أقوال ومذاهب العلماء، حيث قال الله تعالى: "ولو أَنَّهم إذ ظَلَمُوا أَنفُسَهم جاءوكَ فاستَغفَرُوا اللهَ واستَغفَرَ لهم الرسولُ لوَجَدُوا اللهَ تَوّابًا رَحِيمًا" [النساء: 64.

وأشار إلى قول الله تعالى: "فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا" [الكهف: 21]، وهو ما يفيد مشروعية الأضرحة والصلاة بجوارها والتبرك بأهلها.

وشاركه في الرأي نفسه، العالم الأزهري محمد وهدان، وأكد أن الصلاة في مساجد بها أضرحة أمر مقبول وجائز شرعا، كون المسلمون يصلون في المسجد النبوي المدفون به المصطفى الكريم، وجواره الخلفاء الراشدين من أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، بشرط أن تكون الصلاة لله وحده فقط.

وتابع وهدان بأن الحنابلة بعضهم أجاز الصلاة في الضريح وبعضهم رفضوه، بينما أجازه المالكية كليا، فيما حدد الشافعية شرط عدم نبش الضريح، وهو ما يعني أن التبرك والصلاة بالأضرحة لمن ثبت تقواه وصلاحهم صحيحة، ومنهم ضريح عطاء الله السكندري الموجود ضريحه بالمقطم.

واستطرد أنه يجب أن يكون طلب المدد من صاحبه فقط، وهو الله سبحانه وتعالى، بينما يمكن طلبه من الرسول الكريم وأهل بيته للتقرب إلى الله عز وجل، وهو مثلما فعل عمر بن الخطاب عند نزول المطر بعد وفاة المصطفى، حيث استشفع بعم الرسول العباس بن عبدالمطلب، مشيرا إلى أن كل تلك الممارسات هي عادات قديمة موروثة منها إلقاء الخطابات بالمقام وهو أمرا بعيدا عن الدين لأن الطلب لله وحده فقط.

ولدار الإفتاء المصرية فتوى تفصيلية في هذا الشأن، تضمنت في أبرز محاورها على أن قضية حياة المسلم هي أن يتقرب إلى الله ويحصل رضاه وثوابه، ومن رحمة الله بنا أن شرع لنا العبادات وفتح باب القربة إليه، ليتقرب المسلم إلى الله بشتى أنواع القربات التي شرعها الله عز وجل، والقرآن كله يأمرنا بالوسيلة إلى الله، أي بالتقرب إليه سبحانه، وأجمع المسلمون أن النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم هو الوسيلة العظمى، واتفقت الأمة على التوسل به صلى الله عليه وآله وسلم من غير خلاف من أحد يُعتَدُّ به.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل