بي بي سي: روسيا في ظل بوتين.. مطاردة محمومة لجواسيس وأعداء الداخل

بي بي سي: روسيا في ظل بوتين.. مطاردة محمومة لجواسيس وأعداء الداخل

منذ ما يقرب من 4 سنوات

بي بي سي: روسيا في ظل بوتين.. مطاردة محمومة لجواسيس وأعداء الداخل

لم ينجح إيفان سافرونوف عند اقتياده إلى المحكمة مقيد اليدين ومطأطأ الرأس من قبل أثنين من رجال الأمن سوى في النطق بجملة واحدة وهي "لستُ مذنباً" أمام حشد من المؤيدين تجمعوا في ممرات قاعة المحكمة.\nصدم اعتقال المراسل العسكري السابق الصحفيين الروس الذين وصفوا ادعاء جهاز الأمن الاتحادي، إف إس بي، بأنه سلم أسراراً تخص الدولة الروسية للمخابرات التشيكية بأنه "سخيف".\nوقد امتدح الكرملين العمل "الراقي" الذي قامت به المخابرات الروسية في مواجهة أنشطة التجسس، ولكن لم يكشف عن أي دليل على "خيانة" إيفان سافرونوف للرأي العام الروسي.\nلذا يخشى بعضهم من أن يكون أن اعتقال سافرونوف استعراضا للقوة من قبل جهاز الأمن الاتحادي وسط تصاعد في وتيرة عمليات الاعتقال بتهمة الخيانة والتجسس لدرجة أنه أثار الحديث عما يسميه بعضهم "هوس الجاسوسية" في روسيا.\n"بوتين لا يكترث بما يفكر فيه أي شخص آخر"\nيقول غريغوري باسكو ، متذكراً ملاحقته القضائية عام 1997، وهي آخر مرة اتُهم فيها صحفي روسي بالخيانة: "كان أول ما تبادرإلى ذهني هو أنني رجعت إلى الوراء عقدين من الزمن".\nكان باسكو أيضا مراسلا عسكريا وكتب بشكل مكثف عن الانتهاكات البيئية التي قام بها الأسطول الروسي. وحصل على البراءة في البداية من تهمة نقل معلومات سرية إلى اليابان ورغم ذلك حُكم عليه بأربع سنوات سجن في إعادة المحاكمة عام 2001.\nأثارت القضية غضباً واسعاً في الداخل والخارج وأُطلق سراحه في نهاية المطاف لكن بموجب شروط.\nوقال باسكو لبي بي سي هذا الأسبوع: "أعتقد أنهم كانوا خائفين من الاقتراب من الصحفيين بعد ذلك".\n"في ذلك الوقت كانت روسيا تتمتع بسمعة دولية سيئة، لقد أُدمجت في الأطر الدولية القمعية، وكانت موسكو تهتم برأي العالم الخارجي فيها".\nوأضاف: "بعد استمرار فلاديمير بوتين في السلطة لمدة 20 عاماً لم يعد يهتم بما يفكر فيه أي شخص"، مشيراً إلى أن بوتين عدل للتو الدستور ليمنح نفسه فترتين جديدتين في الحكم.\nويرى باسكو أنه: "لا توجد مكابح الآن ولا قيود على ما يمكنهم أن يفعلوا، فهم يفعلون ما يشاؤون وكيفما يريدون وضد من يشاؤون" .\nعلى الرغم من الإصرار الرسمي على أن قضية سافرونوف لا علاقة لها بعمله الصحفي، يشك غريغوري باسكو في أنه قد ألقي القبض عليه مثله بسبب تناوله الكثير من القضايا الحساسة. "إنه بمثابة تحذير للصحفيين بعدم دس أنوفهم في هذه الأمور".\nكيف عززت روسيا حملة بحثها عن الأعداء\nارتفعت وتيرة قضايا التجسس والخيانة التي تنظر فيها المحاكم الروسية بشكل ملحوظ منذ عام 2014، وذلك بعد أن أصبحت علاقات روسيا مع الغرب عدائية بشكل علني إثر ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.\nمن أربعة أشخاص جرت محاكمتهم بتهمة الخيانة في عام 2013، قفز العدد إلى 15 شخصا في العام التالي وفقاً لإحصاءات المحكمة العليا. ومنذ ذلك الحين جرت ما لا يقل عن 36 محاكمة إضافية، وأدين 14 أجنبيا بالتجسس.\nوفي كل عام يهنئ بوتين علناً ضباط المخابرات لدورهم في كشف مئات الجواسيس والعملاء الأجانب، على الرغم من أنه من غير الواضح ما يحدث لهؤلاء الجواسيس.\nوأكد رئيس إف إس بي السابق في فبراير/ شباط الماضي وهو يخاطب ضباط الجهاز على ضرورة حماية "المعلومات المتعلقة بأحدث أنظمة الأسلحة والتكنولوجيا والابتكارات العسكرية" وأشار إلى أن "الإحصائيات تُظهر أن نشاط وكالات الاستخبارات الأجنبية في بلدنا لا يتضاءل".\nيقول إيفان بافلوف، محامي الدفاع عن إيفان سافرونوف: "منذ عام 2014، نحن في حالة حرب دائمة، مع " أعداء " في كل مكان وقد أصبح المجتمع عسكرياً بشدة".\nيتولى بافلوف منذ سنوات مثل هذه القضايا بما في ذلك الدفاع عن غريغوري باسكو. و قال لبي بي سي إنه لم يلتق "بجاسوس حقيقي واحد".\nويعتقد المحامي أن "القبض على الأعداء هو من مهام جهاز الأمن الاتحادي، وإذا لم يتمكن الجهاز من العثور على أي أعداء حقيقيين، فإنه بحاجة إلى اختراعهم، وهو أمر لا يتطلب كثيرا من الجهود".-\nويرى بافلوف أن أسهل الأهداف هم الأشخاص الذين لديهم إمكانية الوصول إلى المعلومات والاتصال بالأجانب.\n"كان العلماء يواجهون المخاطر فعلا والآن انضم إليهم الصحفيون أيضاً".\nارتفعت المخاطر منذ عام 2012 عندما عُدلت المادة 275 من قانون الخيانة. وبات تقديم "مساعدة مالية أو مادية أو استشارية أو مساعدة أخرى" إلى دولة أو منظمة أجنبية جريمة يعاقب عليها القانون إذا رأى القضاء أنها تضر بأمن روسيا.\nتقول الصحفية والناشطة في مجال حقوق الإنسان زويا سفيتوفا: "هذا يعني أن بإمكانهم ملاحقة الجميع". وتقول: "إنها المرة الثانية منذ 20 عاماً التي يُحاكم فيها صحفي بتهمة الخيانة لكن هوس الجاسوسية لم يتوقف أبداً"، وشملت حالات الخيانة خلال السنوات الأخيرة ربة منزل ومراقب حركة جوية والعديد من العلماء.\nيكتظ سجن ليفورتوفو التابع لجهاز الأمن الاتحادي بـ "الجواسيس" و"الخونة "، لكن الكرملين ينفي أن روسيا يسيطر عليها هوس "الجاسوسية".\nوقال المتحدث باسم الرئاسة، ديمتري بيسكوف، لبي بي سي يوم الجمعة إن "أجهزة المخابرات الأجنبية لا تنام في روسيا: إنها تعمل ليل نهار ضد موظفي الخدمة المدنية وعناصر الأمن الروسي".\n"وعناصر محاربة الجاسوسية في روسيا لا يألون جهداً في مواجهة نشاط هؤلاء".\nووصف الاحتجاجات ضد اعتقال سافرونوف بأنها "عاطفية"، لكن السرية التي تحيط بمثل القضايا تجعل من الصعب تقييمها تقييما موضوعيا.\nيُمنع المتهمون من الكشف عن تفاصيل الدعوى وتجري المحاكمات خلف أبواب مغلقة بسبب سرية المعلومات التي تتضمنها الدعاوى حسب رأي السلطات.\nحتى فريق الدفاع عن الصحفي سافرونوف لا يعرف حتى طبيعة التهم الموجهة لموكلهم.\nيعتقد غينادي جودكوف ضابط الجاسوسية المضادة السابق خلال الحقبة السوفييتية والذي اصبح الأن معارضاً أنه: "عندما تصطاد جاسوساً حقيقياً فإنك تظهر الأدلة للعالم كله وعادةً يكون مالاً وربما قرص ذاكرة محمول وهو مفيد لسمعة جهاز إف إس بي لإظهار أهميته للمجتمع وللسلطة".\n"في حالة سافرونوف لا نرى أي شيء من هذا القبيل. إنه أمر غريب ومريب للغاية".\nيقول بافلوف إن الكثير قد تغير مقارنة بالأوقات التي ساعدت فيها الضغوط الشعبية باسكو حتى في مواجهة جهاز الأمن الاتحادي واسع النفوذ.\nويضيف: "سيكون الأمر أكثر صعوبة لنا في الوقت الراهن" في ظل نظام قضائي يبرئ فقط واحداً في المئة من السجناء في مثل هذه القضايا".\nعندما احتج الصحفيون على اعتقال سافرونوف خارج مقر الجهاز تم اعتقال أكثر من عشرين شخصاً.\nعندما تم اعتقال باسكو قبل عقدين وقفت وسائل الاعلام الحكومية إلى جانبه بينما الآن تنشر وتبث تقارير حماسية كثيرة عن "أعداء" روسيا.\nيعتقد باسكو أن الهدف هو "إقناع ناخبي بوتين بأنهم كانوا على حق في اختياره مدى الحياة" وهو ما تم من خلال التصويت مؤخراً على التعديل الدستوري ولاقناع الناخب بأن: "بوتين هو الوحيد القادر على إنقاذنا من الأعداء والجواسيس الذين يتربصون بروسيا طوال الوقت بمن فيهم الصحفيين".

الخبر من المصدر