المحتوى الرئيسى

محللون ألمان ـ هذه أسباب صدمة العالم المسيحي من قرار أردوغان

07/14 17:42

"ألم" الحبر الأعظم ـ ارتدادات الصدمة لدى المسيحيين

"أسف برلين" والخوف على الحوار المسيحي الإسلامي

طعنة في قلب العالم الأرثوذكسي!

ضرب للعلمانية بمغازلة الإسلاميين المتطرفين

مفترق الطرق ـ نقطة تحول في العلاقات التركية الغربية؟

"ألم" الحبر الأعظم  ـ ارتدادات الصدمة لدى المسيحيين

نددت الكنائس المسيحية عبر العالم، الكاثوليكية منها والأرثوذكسية، بقرار الرئيس التركي تحويل الكاتدرائية البيزنطية السابقة، آيا صوفيا في إسطنبول مجددا إلى مسجد. فببالغ التأثر عبر بابا الفاتيكان فرنسيس عن خيبة أمله إزاء الخطوة التركية. وقال الحبر الأعظم "يتجه فكري إلى إسطنبول وأفكر في آيا صوفيا وأشعر بالألم البالغ". ولأن آيا صوفيا تكتسي أهمية روحية كبيرة للغاية بالنسبة للأرثوذكس، فإن أكثر ردود الفعل حدة جاءت من اليونان وروسيا. الكنيسة الروسية اعتبرت خطوة أردوغان ضربة للأرثوذكسية "بالنسبة لجميع المسيحيين تعد آيا صوفيا رمزًا مهمًا، مثل كنيسة القديس بطرس في روما للكاثوليك"، حسبما علق على ذلك موقع "شبيغل أونلاين" الألماني (11 يوليو/ تموز 2020).

بنيت آيا صوفيا (ومعناها باليونانية الحكمة الإلهية) في القرن السادس الميلادي ولعبت دور الكنيسة المركزية للإمبراطورية البيزنطية التي يُتوج فيها الأباطرة. وبعد أن غزا العثمانيون القسطنطينية عام 1453، جعل السلطان محمد الثاني المبنى مسجدًا، أضيفت له أربع مآذن كميزة معمارية خارجية. وبأمر من مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية الحديثة، قرر مجلس الوزراء تحويل آيا صوفيا إلى متحف عام 1934. ومنذ ذلك الحين وهي تجذب ملايين السياح كل عام (3.8 مليون زائر في 2019).

يورغن غوتشليخ كتب في صحيفة "تاغستسايتونغ" (13 يوليو/ تموز 2020) بأن خطوة الرئيس التركي حققت "حلما لجميع الإسلاميين، وبذلك أصبح أردوغان من وجهة نظر أتباعه في نفس مرتبة السلطان محمد الثاني الذي استولى على القسطنطينية". القرار جاء بعد دعوى رفعتها جمعية تعمل منذ خمسة عشر عامًا من أجل عودة جميع فضاءات العبادة الإسلامية السابقة إلى وظيفتها الأصلية التي تم تغييرها خلال العقود الأولى من قيام الجمهورية التركية العلمانية الحديثة. وإثر تلك الدعوى ألغى القضاء التركي مرسوما وقع عليه أتاتورك حول آيا صوفيا، التي أصبحت مسجدًا بعد الاستيلاء على القسطنطينية من قبل محمد الفاتح عام 1453. قرار المحكمة أكد أنه لا يمكن استخدام آيا صوفيا لأي غرض آخر غير ذلك الذي خصصه له السلطان!.

أوزليم توبسو أعربت في موقع "تسايت أونلاين" عن دهشتها من السرعة التي نفذ بها أردوغان قرار المحكمة بمجرد الإعلان عنه. وأوضحت أن السبب يعود لكون "البلاد تعيش مشاكل أخرى لا يستطيع الرئيس حلها الآن (..). إنها خطوة إضافية تجاه الإسلاموية. الحكومة التركية في حالة عصبية وتبحث عن طريقة لإخفاء ذلك. وهكذا يمكن فهم قرار تحويل آيا صوفيا على أنه فعل عجز ويأس".

"أسف برلين" والخوف على الحوار المسيحي الإسلامي

رد الفعل الألماني الأول جاء من وزارة الخارجية التي أكدت أنه كان يجب التشاور مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) حول معلم مدرج على قائمة التراث الثقافي العالمي. برلين عبرت عن "أسفها" إزاء خطوة أردوغان. وأو ضح شتيفن زايبرت المتحدث باسم الحكومة الألمانية أن "آيا صوفيا لها أهمية تاريخية ثقافية ودينية كبيرة، سواء بالنسبة للمسيحية أو الإسلام، وحوار الأديان هذا، يكتسي بالنسبة لنا أهمية كبيرة".

صوت فيينا، كان الأكثر تشددا من حيث اللهجة داخل الاتحاد الأوروبي، إذ دعا وزير الخارجية النمساوي ألكسندر شالنبرغ التكتل القاري لتغيير مسار سياسته تجاه أنقرة. وقال شالنبيرغ في بروكسل إن تحويل آيا صوفيا إلى مسجد ليس سوى "أحدث حلقة في سلسلة من الاستفزازات". فقد أظهر سلوك أنقرة في نزاعات مثل ليبيا أو التنقيب عن الغاز قبالة قبرص أن تركيا "لم تعد شريكًا موثوقًا به لأوروبا". ودعا الاتحاد الأوروبي إلى سياسة حازمة اتجاه تركيا بل وإنهاء مفاوضات انضمامها إلى الأسرة الاوروبية.

طعنة في قلب العالم الأرثوذكسي!

وصف رؤوف سيلان، عالم سوسيولوجيا الأديان ونائب رئيس المعهد الإسلامي في جامعة أوسناربروك الألمانية، قرار أردوغان بأنه "خطأ تاريخي" يثير تساؤلات حتى حول الأسس الفقهية التي تم الاعتماد عليها. وأوضح بهذا الصدد لوكالة الأنباء الإنجيلية (epd) يوم (13 يوليو/ تموز 2020) "أماكن العبادة المسيحية محمية في الإسلام. آيا صوفيا لا تزال مهمة للعالم المسيحي الأرثوذكسي (..) الآلاف من المؤمنين يقومون بالحج إلى هناك كل عام. إنه طعن في قلب العالم الأرثوذكسي". واستغرب سيلان من خطوة أردوغان هذه خصوصا أن "لا أحد يحتاج إلى مسجد هناك، فجامع السلطان أحمد يوجد مباشرة في الجهة المقابلة لآيا صوفيا". ويذكر أن لآيا صوفيا أيضا غرف مفتوحة لصلاة المسلمين. من جهته، وصف إريك لايتنبرغر، خبير شؤون الكنائس الشرقية قرار أردوغان بـ"الحدث الحزين". وأكد أن هذا الإجراء لا يساعد على تعزيز الحوار بين الأديان وبناء الثقة بينها.

إرسال Facebook google+

وأكد معظم الخبراء الألمان على مكانة آيا صوفيا أوكنيسة "الحكمة الالهية" في التاريخ المسيحي، ليس فقط كمركز لتتويج الأباطرة البيزنطيين على مدى 1000 عام، بل باعتبارها أيضا البوابة الكبرى لشرق الإمبراطورية الرومانية. ويرى توماس أفيناريوس من صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" أن أردوغان يحاول إعطاء الأتراك "ما أخذه منهم أتاتورك: ذاكرة إمبراطورية عالمية، تسبح في ماض إسلامي عثماني، كان راقيا ثقافياً على مدى قرون". غير أنه حذر من أن إعادة تأويل التاريخ خدعة يستعملها عديد الشعبويين، كفلاديمير بوتين، فيكتور أوربان وياروسلاف كاتشينسكي. "أما أردوغان فذهب أبعد من ذلك، إنه لا يوظف قومية الأتراك فقط، بل يستخدم دينهم أيضًا". 

شتيفان هانس كليزنر، موقع "إس.هـ.زد" الألماني (13 يوليو/ تموز 2020) كتب معلقا "بعد الغباء جاء دور الحذر من الخطر"، مؤكدا أن تحويل آيا صوفيا لمسجد "أكثر من مجرد إهانة للمشاعر الدينية".

ضرب للعلمانية بمغازلة الإسلاميين المتطرفين

قرار أردوغان يشكل في رمزيته ضربة أيضا للعلمانية الغالية عند سلفه مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة. وهو نفسه الذي اختار التحول إلى الأبجدية اللاتينية لكتابة اللغة التركية على حساب الحروف العربية، وقرر تحويل آيا صوفيا إلى متحف، كـ"هدية للإنسانية" وكنقطة تلاقي بين الشعوب والأديان، "إعلان أردوغان المشحون عاطفيًا، كفضاء إسلامي حصري لا يخدم تركيا. وسيؤدي ذلك في النهاية إلى نسف نهائي للعلاقة السيئة أصلا مع اليونان.وبهذا الصدد أكد يورغن غوتشليخ في صحيفة "تاغستسايتونغ" أن "خطوة الرئيس التركي ليست انتصارًا رمزيًا على المسيحيين فقط، بل هي أيضًا انتصارٌ على العلمانية".

وتحدث أفيناريوس في صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" (12 يوليو/ تموز 2020) عن مشاعر ممزوجة بالخوف والفزع: "من تصفح ما كتبته الصحف التركية القريبة من الحكومة في اليوم التالي (لتحويل آيا صوفيا إلى مسجد)، سيقرأ عناوين من هذا القبيل: "انبعاث آيا صوفيا"، "نذير بتحرير المسجد الأقصى في القدس"، "إنقاذ تركيا من استبداد الصليبيين"، أو "تم كسر القيود، الحمد لله". وخلص الكاتب إلى أن هذا يشبه "إعلان حرب".

في عام 532 ميلادية أمر الإمبراطور الروماني جستنيان، الذي كان يقيم آنذاك في القسطنطينية ببناء كنيسة صخمة "ليس لها مثيل منذ خلق آدم ولا شبيه في قادم الزمن." وشارك في العمل 10 آلاف عامل. وبعد مرور 15 عاما تم افتتاح المبنى. وبقيت تلك الكنيسة على مدار ألف عام أكبر كنيسة في العالم المسيحي.

ويقال إن جستنيان استثمر ما يقرب من 150 طناً من الذهب في بناء آيا صوفيا. مع ذلك فقد وجب إجراء تحسينات على المبنى. فالقبة كانت في البداية مسطحة للغاية وانهارت عند وقوع أحد الزلازل. "آيا صوفيا" ومعناها "الحكمة المقدسة" اعتبرت مباشرة كنيسة الدولة. ومنذ منتصف القرن السابع الميلادي جرى هنا تتويج جميع حكام بيزنطية تقريباً.

في عام 1453 سقطت القسطنطينية في يد السلطان العثماني محمد الفاتح، الذي أعلن تحويل آيا صوفيا إلى مسجد. وحل الهلال مكان الصلبان، ودمرت أجراس الكنيسة والمذبح وجرى تفكيك الفسيفساء والجداريات. كما أقيمت أول مئذنة بالمبنى فأعطته مظهراً إسلامياً.

في عام 1934 أمر مؤسس الدولة التركية الحديثة؛ مصطفى كمال أتاتورك بتحويل آيا صوفيا إلى متحف. ومع أعمال الترميم المكلفة لآيا صوفيا كانت هناك نية لعدم الإنحياز لدين معين فتم حينها إظهار لوحات الفسيفساء البيزنطية مرة أخرى. كما كان هناك حرص على عدم تدمير البنايات الإسلامية اللاحقة. وفي 10 يوليو 2020، ألغت محكمة تركية عليا مرسوم عام 1934، مما مهد الطريق لتحويله إلى مسجد.

التاريخ المضطرب لآيا صوفيا يتضح اليوم للزوار في كل ركن من أركان البناية المعلمة. كتابات مثل "الله" و"محمد" تحيط بأيقونة مريم العذراء مع الطفل يسوع في حجرها. ومن الجدير بالذكر أن النوافذ الأربعين في القبة الكبيرة تسمح بمرور الضوء وتمنع انتشار الشقوق وتدمير القبة. في عام آيا صوفيا 1985 أعلنت اليونسكو المبنى كأحد مواقع التراث الإنساني.

الفسيفساء الرائعة المعروضة على جدار الرواق الجنوبي لآيا صوفيا تعود للقرن الـ 14 الميلادي. وحتى وإن لم تكن كاملة إلا أن الوجوه المشكلة بالفسيفساء لازالت واضحة جداً للعيان. في المنتصف صورة يسوع كحاكم للعالم، وعن يساره ماريا وعن يمينه يوحنا.

الصلاة في آيا صوفيا ممنوعة اليوم. وقد التزم بذلك أيضاً البابا بنديكت السادس عشر، عندما زار البازيليكا في عام 2006. وجرت زيارته في ظل إجراءات أمنية مشددة، فقد سبقتها احتجاجات للقوميين ضد زيارة البابا. ومؤخراً، جمع شباب الأناضول الوطني المحافظ 15 مليون توقيع لأجل إعادة المتحف ليكون مسجداً من جديد.

المنطقة المجاورة لآيا صوفيا لا تنقصها البنايات الإسلامية: ففي الجهة المقابلة مباشرة ترتفع مآذن جامع السلطان أحمد، المعروف أيضا باسم "المسجد الأزرق" (يمين). ويدعو القوميون إلى إعادة آيا صوفيا لتكون مسجدا، لأنه يرمز إلى فتح القسطنطينية على يد العثمانيين. وفي نظرهم أنه يجب حماية هذا التراث الإسلامي.

برتلماوس الأول بطريرك القسطنطينية؛ الرئيس الشرفي لجميع المسيحيين الأرثوذكس يطالب هو أيضاً بحقوق في آيا صوفيا. ويدعو منذ سنوات، لفتح الكنيسة (البازيليكا) مرة أخرى للقداس المسيحي. ويقول إن آيا صوفيا "بنيت لتكون شاهداً على الإيمان المسيحي" وينبغي أن تكون بمثابة "مكان ورمز للاجتماع والحوار والتعايش السلمي بين الشعوب والثقافات"، حسب تعبيره.

ألغت المحكمة الإدارية العليا في تركيا المرسوم الحكومي الذي استمر لعقود والذي حول آيا صوفيا إلى متحف، مما يمهد الطريق لتحويل المبنى إلى مسجد مرة أخرى، على الرغم من التحذيرات الدولية والمراجع المسيحية من هذه الخطوة وهو ما تتحفظ عليه الحكومة التركية.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل