المحتوى الرئيسى

الكاظمي وتحدي دولة العصابات

07/13 22:19

يبدو رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي وكأنه يخوض حملة انتخابية من دون انتخابات. فهو يطلق دعوات، ويرفع شعارات، ويقوم بزيارات، توحي وكأنه يريد أن يكسب معركة من قبل أن تبدأ.

وما من شيء ضار في ذلك سوى أن المقاربة بين الأقوال والأفعال تحتاج الكثير من ردم الهوة بينهما، كما تحتاج إلى الكثير من التدقيق في الإمكانيات الواقعية. 

الكاظمي يمكنه، بالفعل أن يكسب المعركة في مواجهة سلطة المليشيات، كما يمكنه أيضا أن يكسب المعركة ضد الفساد، بل ويمكنه أن يكسب معركة الثقة به أيضا، وهذه أهم وأصعب.

العراقيون يعرفون أيضا حدود ما يمكن فعله حتى بالنسبة لرئيس الوزراء، وفي هذا ما يمكن أن يغفر له أي تقصير محتمل. فالعين بصيرة.. والباقي معروف. 

سوى أن يده القصيرة يمكن أن تطول إذا امتدت مع ما تمتد له يد ملايين العراقيين الذين كان يرى وهو في منصبه كمدير لجهاز المخابرات، ماذا يريدون وضد من يتظاهرون.

يريد الكاظمي أن يواجه ما أسماه "دولة العصابات"، ولكن قدره، وإرادته ذاتها، وضعته في مواجهة هذه "الدولة" وهو يعرف أنها ضخمة وواسعة الإمكانيات ويمكنها أن تهدده شخصيا.

يعرف أيضا أنها ليست مجرد "دولة عصابات" داخلية، ذلك أنها مدعومة من دولة عصابات أخرى في الجوار، كما أنها دولة عقائدية أيضا، بمعنى أنها تستطيع أن تبرر لنفسها كل ما ترتكبه من جرائم.

فكل شيء من تلك الجرائم يمكن لصقه بظهر تلك العقائديات حتى ليبدو وكأنه جهاد، رغم أنه ليس سوى جريمة وسلوك قذر، لا يجرؤ عليه إلا الصعاليك، ممن يظنون أنهم يحملون مفاتيح الجنة، حتى وهم يقتلون أطفالا ويسبون نساء، أو يغتالون أبرياء، أو يعذبون سجناء. 

وما ذلك إلا سلوك داعشي، كان هو الذي أنتج داعش من الأساس. ولكن فمثلما اقتضت محاربة داعش تحالفا دوليا ضخما، فان الكاظمي سوف يكون بحاجة إلى تحالف دولي وشعبي ضخم لكي يتمكن من قهر الداعشية الصفوية التي تهيمن على العراق. 

أما الفساد، فإنه دولة داخل الدولة، بأشد ما يمكن للعبارة أن تكون من الوضوح. قال الكاظمي لدى زيارته بعض المنافذ الحدودية مع إيران "إن مرحلة إعادة النظام والقانون بدأت ولن نسمح بسرقة المال العام عبر تلك المنافذ".

والمال العام إنما يُسرق من تلك المنافذ ولكنه يُسرق من غيرها أيضا، وهي أوسع بكثير. 

الخطوة الأولى التي خطاها الكاظمي مهمة للغاية، ولكنها ما تزال قصيرة في مواجهة دولة فساد تقف وراءها أحزاب ومليشيات وشبكة متورطين تتغلغل في كل مكان وتفرض هيمنتها على معظم المصالح، وتبتز الجميع. ورؤوس الفساد الكبيرة معروفة للعراقيين، كما أنها معروفة للكاظمي أيضا.

لا شيء يخفى عليه من هذه الناحية. وتلك الرؤوس تمكنت، تحت أنظار الجميع، من نهب ما يقدر بنحو 800 مليار دولار، 300 منها أقرت بها حكومة عادل عبد المهدي السابقة كمشاريع وهمية أو معطلة.

ولقد جرت العادة، أن يتقدم وكلاء إيران إلى تلك المشاريع، ليحصلوا على المال، قبل أن يهربوا به إلى وليهم الفقيه. 

والمال إنما ظل يذهب لتمويل عمليات الحرس الثوري الإيراني بالدرجة الأساس. وببساطة، فإن إدارة الفساد جزء لا يتجزأ من تلك العمليات، فليس القتل هو الوظيفة الوحيدة لتلك العصابة، وهي نفسها التي تقود إيران. وما الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها إيران، في جانب منها على الأقل، إلا لأن ضرع النهب في العراق قد جف. 

هل يستطيع الكاظمي مواجهة هذه العصابة وتلك العمليات؟ سؤال كبير للغاية، ويتطلب تحالفا مع ملايين العراقيين الذين وجدوا أنفسهم يدفعون الثمن بفقرهم وبطالتهم وفشل مؤسسات الخدمات في بلدهم، وانهيار بنيته التحية وضياع الاقتصاد. 

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل