المحتوى الرئيسى

النظام الغذائي: هل يمكن أن يساعدنا أكل النمل في أن نعمر طويلا؟

07/13 13:59

هذه روابط خارجية وستفتح في نافذة جديدة

يحظى "يوم الخروج" بأهمية كبيرة في بلدة باريشارا في منطقة جبال الإنديز بكولومبيا، وهي بلدة يغلب عليها الطابع المعماري الذي تميزت به حقبة الاستعمار الإسباني، حتى إن سكان البلدة يعتبرون هذا اليوم أهم من يوم عيد الميلاد أو عيد الفصح.

وعند بزوغ فجر هذا اليوم، تبدو مظاهر الترقب والاستعداد واضحة في شوارع البلدة المعبدة بالحجارة، وجدران مبانيها المطلية باللون الأبيض، إذ يلقي الكناسون وعاملو النظافة أدواتهم، ويتسلل الأطفال خفية من المدارس، ولا تجد أثرا لأصحاب المتاجر.

ويخرج سكان البلدة في هذا اليوم بحثا عن نوع من النمل قاطع الورق يطلقون عليه اسم "النمل ذو المؤخرة الكبيرة" الذي يعد من أشهى المقبلات وأشهرها في دائرة سانتاندير شمال وسط كولومبيا.

وعندما يحل الربيع، يفقس البيض ويخرج منه الملايين من هذه الحشرات في المناطق الريفية، وتبدأ حمى جمع النمل السنوية.

وتقول مارغريتا هيغويرا، الأخصائية النفسية التي تركت مجال علم النفس لتمتهن الطهي وانتقلت إلى باريشارا في عام 2000: "في هذا اليوم، تكون العبرة بمن يصل أولا. فإذا وضعت الدلو فوق عش النمل، فهو من حقك حتى لو لم تكن صاحب الأرض".

ويحل "يوم الخروج" سنويا في شهر مارس/آذار أو أبريل/نيسان، عندما تسطع الشمس بعد أيام من هطول الأمطار بغزارة ويصير القمر بدرا، ويؤذن هذا اليوم ببدء موسم تزاوج النمل السنوي، الذي قد يدوم لشهرين، ويتهافت السكان خلالهما لجمع أكبر قدر من ملكات النمل.

ويبحث الناس تحديدا عن ملكات النمل البنية التي تكون في هذه الفترة منتفخة بالبيض ومستعدة للتكاثر. وتستهوي هذه الملكات كبيرة الحجم الناس لأن مذاقها عندما تحمص ويضاف إليها الملح يشبه مذاق الفول السوداني أو الفشار أو لحم الخنزير المقدد.

وتقول هيغويرا، التي كانت تنزع أجنحة النمل في قدر صغير مملؤء بالنمل على منضدة المطبخ، إن مذاق ملكات النمل لا يشبهه شيء، فهو يذكرها بالماضي.

وتحكي هيغويرا أن جدها أحضر في إحدى المرات برميلا مملؤا عن آخره بملكات النمل وكانوا يسمعون دبيبها داخل البرميل، وجلست العائلة بأكملها تحضر كل نملة على حدة.

وتُقدم ملكات النمل المحمصة على الموائد كأحد المقبلات الشهية ويأكلها الناس في الشوارع، وتقلى على المواقد في منازل الطبقة العاملة، وتظهر في قوائم الطعام في المطاعم الفاخرة بمختلف أنحاء كولومبيا. ويصل سعر الكيلوغرام الواحد منها إلى 300 ألف بيزو، أي ما يعادل 65 جنيها إسترلينيا، أي أنها أعلى سعرا من القهوة الكولومبية العالمية بمراحل، وقد أصبحت أيضا مصدرا للدخل لبعض السكان.

ويقول فيدريكو بيدرازا، عامل النظافة في بلدة باريشارا: "قد أتقاضى في يوم واحد أجر أسبوع كامل من جمع ملكات النمل، رغم أن جمعها ليس سهلا، لأن المستعمرات تدافع عن ملكاتها بشراسة".

وينبغي على جامعي النمل، الذين ينتعلون أحذية من المطاط تغطي الكاحل وقمصان طويلة الأكمام، العمل سريعا تجنبا لعضات جنود النمل بالمستعمرة والمكلفون بحماية الملكة من المخاطر التي تهددها. فإن عضاتها مؤلمة وقد تسبب جروحا.

ويضع الفلاحون المنتشرون في أرجاء الحقول هذه الملكات المثيرة للعاب في أكياس أو قدور، ويجمعون أكبر قدر منها في أسرع وقت ممكن في ساعات النهار. لكن المكافآت تستحق العناء، ولا سيما لعشاق مذاق ملكات النمل.

إذ يعد النمل قاطع الورق الذي يعيش في أمريكا الجنوبية، مصدرا ممتازا للبروتين، فضلا عن أنه غني بالأحماض الدهنية غير المشبعة التي تمنع ارتفاع الكولسترول.

وأشار بحث نشر في دورية "فرونتيير إن نيوتريشن" للتغذية، أن النمل يحتوي على نسب كبيرة من مضادات الأكسدة وأن استهلاكه بانتظام قد يقي من السرطان.

وتعلق سيسيليا غونزالز كوينتيرو، التي تحفظ النمل في أوان زجاجية وتبيعها في متجرها منذ 20 عاما بالقول: "لهذا السبب نعمر نحن سكان باريشارا طويلا ونتمتع بصحة جيدة. إذ يمدنا أكل النمل، وخاصة ملكات النمل ذات المؤخرة المقرمشة الغنية بالعصارة، بالطاقة".

وتعود عادة تناول النمل قاطع الورق في دائرة سانتاندير والأراضي المجاورة، إلى نحو 1,400 عام. وتشير السجلات التاريخية إلى أن "شعب غوان"، السكان الأصليين لوسط كولومبيا، شرعوا في تربية هذه الحشرات وطهيها منذ القرن السابع، واستخدموا فكيها الأماميين لخياطة الجروح. وأخذ عنهم الغزاة الإسبان هذه العادة لاحقا.

وتعد حشرات النمل هذه من المنشطات الجنسية أيضا، ربما لأنها تجمع في موسم التكاثر، وكثيرا ما تقدم كهدايا للعرس في أوان خزفية. وتشيع هذه العادة بين المجتمعات الأصلية التي تعيش في جبال الإنديز ويعرف أفرادها باسم "أصحاب الأقدام الصفراء" نسبة إلى الرمال البرتقالية والصفراء التي يمشون عليها ويستخدمونها في بناء منازلهم.

وشيدت تماثيل معدنية ضخمة في بلدة بوكارامانغا المجاورة، تكريما للنمل. وتنتشر جداريات ملونة في أنحاء البلدة تجسد النمل. ويتوقف سائقو سيارات الأجرة لتناول حفنة من النمل المحمص المقرمش في فترات الراحة، ويلعب الأطفال بدمى من الفراء على شكل نمل.

لكن في السنوات الأخيرة، عرف طبق ملكات النمل المحمصة طريقه إلى المطاعم الفاخرة خارج المنطقة، وأصبح يضاف إلى الأطباق العالمية. وعند حلول الربيع، يرسل جامعو النمل شاحنات محملة بملكات النمل لتلبية الطلب المتزايد عليها في أنحاء كولومبيا.

وتقدم بعض أفخم المطاعم في العاصمة الكولومبية بوغوتا، ملكات النمل المحمصة في المواسم إلى جانب سمك بيراروكو الأمازوني المدخن، أو يعدون منها صلصة النمل مع الفلفل الأسود التي تقدم مع اللحم البارد.

ويقول الطاهي إدواردو مارتينز، الذي تذوقها لأول مرة في سن التاسعة عندما كان في رحلة إلى سانتاندير، إن "النمل قاطع الورق يمثل جزءا مهما من المطبخ الكولومبي، وأرجو أن يبقى هذا الإرث وتتوارثه الأجيال".

غير أن تزايد قطع الأشجار والزحف العمراني تسببا في وقوع بعض المشاكل بين النمل والسكان، إذ أجبر النمو السكاني النمل على حفر أنفاق في أساسات المباني وأثار النمل قاطع الأوراق النهم غضب المزارعين بعد أن أكل محاصيلهم.

وأثر تغير المناخ على دورة تكاثر النمل، إذ أدى الطقس المتقلب والمتطرف إلى اختلال توازن الرطوبة في المستعمرات، وهو التوازن الذي يعد ضروريا في دورة حياة النمل، وتغيرت مواعيد هطول الأمطار وأنماطها.

ولأن موسم تزاوج النمل قاطع الورق يعتمد على حالة الطقس، فإن ملكات النمل لن تتمكن من الخروج من الأنفاق بسهولة إن لم تكن الأرض لينة بما يكفي. وأثر قطع الأشجار والزحف العمراني على المواطن الأصلية للنمل الذي لم يعد يجد مكانا كافيا لبناء أعشاشه.

وتقول أورا جوديت كوادروس، الباحثة في جامعة بوكارامانغا المستقلة وتدرس أساليب تربية النمل لاستهلاكها على نطاق واسع دون التأثير على أعدادها: "إن هذا النمل قد لا يولد أو لا يستطيع الخروج من الأرض، لو لم يكن الطقس مواتيا".

لكن بالنظر إلى جحافل هذه الحشرات الثمينة المنتشرة في تلال باريشارا والوديان المحيطة ببلدة سان غيل وفيلانويفا، فمن الواضح أن النمل قاطع الورق لا يواجه خطر الاندثار بعد.

وعندما زرت أليكس خيمنيز، المرشد وخبير النمل في المنطقة، أخذ يلوّح على مدخل عش النمل بغصن طويل، فخرجت مجموعات غاضبة من جنود النمل لاستكشاف مصدر الإزعاج، وأخذت تتفقد المنطقة بحثا عن مصدر الخطر.

ويقول خيمنيز، إن كل عش يحتوي على الآلاف من النمل، ويتكون من متاهة شاسعة من الأنفاق التي قد تمتد لخمسة أمتار تحت الأرض، ولو فُردت هذه الأنفاق لغطت أميال. وقد تعيش الملكة لما يصل إلى 15 عاما، لكن عندما تموت، يغادر الجميع المستعمرة لبناء عش جديد.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل