المحتوى الرئيسى

ديكتاتورية ليفربول ..! – توووفه – صحيفة رياضية إلكترونية

07/05 17:15

بطيئة هي أيامنا، رتيبة ومملة، لكن سنين أعمارنا تركض بسرعة البرق.. من يصدق أن ناديا كبيرا يقف ندا لند مع صفوة الأندية الأوروبية مثل ليفربول، انتظر زهاء ثلاثين عاما ليحقق لقب دوري البريميرليج ..؟

الذين رأوا نور الدنيا عام 1990، يقتربون اليوم من طي صفحة الشباب، وتسليم أوراق أعتمادهم في نادي الكهولة، لا يصدقون أنهم عاصروا معاناة ليفربول الطويلة والمؤلمة والشاقة..؟، لا يصدقون أن جبال معاناتهم مع ليفربول تمخضت أخيرا فولدت لقبا كبيرا، كنا نظن أنه بالنسبة لليفربول خيط دخان، مطاردته تنطوي على مخاطر وتشكيك في القوى العقلية.. تخطت أجيال 1990 المراحل الدراسية، تخرجت ونالت أعلى الدرجات العلمية، وليفربول كما هو لابد في مكانه، كل محاولات الفوز بلقب الدوري الإنجليزي باءت بالفشل الذريع..

قبل سبعة أعوام تنفست مدينة ليفربول الصعداء عندما زفت لها الأقدار رحيل رئيسة الوزراء السابقة مارغريت تاتشر، تلك المرأة التي يصفها ذوو الدماء الباردة بالمرأة الحديدية، ليس كلهم، فجماهير ليفربول يرونها امرأة شريرة.. ساحرة.. تلعب بالبيضة والحجر.. يقولون إن تاتشر تكره ليفربول كراهية الذباب للون الأزرق، ويتهمونها بأنها نفثت في عقدة ليفربول، وتسببت في تصدعه لأجل معشوقها وعاقشها الشيطاني مانشستر يونايتد..

قبل ثلاثين عاما، رفع مدرب ليفربول (الكنج) كيني داغليش درع الدوري، وتحديدا يوم 21 مايو 1990، ولم يكن أكثر المتشائمين في ليفربول يتوقعون أن هذا آخر لقب دوري سيدخل خزانة النادي، فيما لم يتوقع الغريم مانشستر يونايتد أن عداد ليفربول سيتوقف عند الدرع الثامنة عشر، وأن رجلا مثلما من اسكتلندا سيرقص مع الشياطين على كل الأرقام القياسية لليفربول..

قبل خمسة أعوام من ذلك اللقب (اللعنة)، تعرض ليفربول لأكبر مجزرة في تاريخه الأوروبي، لقد كان عليه أن يدفع ثمن خروج (الهوليجانز) عن النص، تسببوا في إزهاق أرواح 39 مشجعا إيطاليا ينتمون لنادي يوفنتوس، على خلفية مأساة هيسيل البلجيكية يوم 29 مايو 1985، والمناسبة نهائي أوروبا للأندية أبطال الدوري.. يوم دام بحق لم ير العالم مثيلا له، وكان على ليفربول دفع فاتورة ذلك العمل الوحشي الذي أغرق النهائي في بحر من الدماء الإيطالية.. أرغم الاتحاد الأوروبي ليفربول على خسارة المباراة النهائية أمام يوفنتوس بمسرحية كان بطلها لاعب يوفنتوس البولندي بونييك، إذ تعرض لعرقلة متأخرة خارج منطقة الجزاء، إثر تمريرة بارعة من التمريرات التي اشتهر بها الفرنسي العبقري ميشيل بلاتيني، صاحب الأداء الأنيق والقميص غير المهندم..

ركلة جزاء غير صحيحة جاد بها الحكم ليريح الأرواح الإيطالية التي لقت حتفها، حولها اللاعب الذي لا يخطئ في ركلات الجزاء ميشيل بلاتيني إلى هدف الانتصار والتتويج بأول ألقاب السيدة العجوز.. دخلت تاتشر على الخط، أعلنت الحجز عن الفرح ، ومصادرة أحلام المدينة الحمراء التي تمشي خلف فارسها فائزا أو مهزوما، ليفربول ممنوع من التحليق أوروبيا، ممنوع عليه استعراض عملاته ولوحاته في الملاعب الأوروبية، ليس أمامه سوى البطولات المحلية فقط يتنفس من مساماتها.. لكن علاقة ليفربول ببطولة الدوري لم تدم طويلا، لقد أعلنت بطولة الدوري مقاطعتها لليفربول هي الأخرى، ثم هرولت بكل حمولتها نحو مانشستر يونايتد الذي هيمن لربع قرن، إلى أن تخطى رقم ليفربول..

لا أصدق أنني استقطعت ثلاثين عاما من عمري، لأحظى بلحظة تتويج ليفربول من جديد، لا أصدق أن الحلم الذي كان كابوسا بالنسبة لستيفن جيرارد قد تحقق بنوعية مختلفة من اللاعبين، وبمدرب ألماني استحضر نسبية أينشتاين ليفك عقدة أزلية تسببت في رحيل الكثيرين بالسكتة القلبية.. ثلاثون عاما عجافا وليفربول ودرع الدوري يسيران في خطين متوازيين لا يلتقيان، وكلما اقتربت معجزة التقاطع يطير اللقب في آخر لحظة درامية.. ذات موسم .. كان ليفربول بحاجة للفوز في ملعبه على تشيلسي ليتوج باللقب، لكن جيرارد انزلق في كرة ضالة تحولت إلى هدف في مرمى ليفربول، قصم ظهر المدينة الحمراء التي تنام وتصحو على نشيد لن تمشي وحيدا.. يا إلهي، حتى لو كان جيرارد يؤمن بنظرية الهر الأسود ، وحتى لو أنه التقى ذلك المساء بكل القطط السوداء، لما ارتكب مثل هذا الخطأ الفادح في توقيت الخطأ فيه ممنوع..

هكذا كانت العادة عند ليفربول، كل موسم قطع العادة عداوة، كلما يقترب من الدرع ترتعد فرائص اللاعبين والجماهير وتعود حكاية نفاثة العقد إلى الواجهة.. الموسم الماضي حصد ليفربول 99 نقطة ولم يتوج باللقب، كان حتى قبل عشر جولات يسبق مانشستر سيتي بفارق مريح جدا، لكن اللعنة عادت دون مقدمات، وراح الفارق يتقلص من جولة إلى أخرى، إلى أن أهدى اللقب للسيتي على طبق من ذهب..

خلال ضائقة الثلاثين عاما، عاد ليفربول إلى الواجهة الأوروبية من جديد، فاز بدوري الأبطال مرتين، وخسر البطولة في مناسبتين، حصد كل البطولات الأوروبية والعالمية، وبقي الدوري عصيا عليه، أي لعنة حنطت ليفربول وغلفتها بالشيفرة الهيروغليفية..؟، أخيرا تحقق المراد من رب العباد، نجح يورغن كلوب في استحضار خلطة فيزيائية فكت تلك العقدة المستحكمة، نجح في تحليل ترسبات الماضي النفسية في مختبر التحليل الفني والتكتيكي، لجأ كلوب إلى خلطة سحرية بمقادير موزونة.. قليل من السحر الأفريقي متمثلا في محمد صلاح وساديو ماني ونابي كيتا وجويل ماتيب.. وقليل من البن البرازيلي الذي يعدل المزاج متمثلا في إليسون بيكر وفابينيو وروبيرتو فيرمينو.. وقليل من برودة الجزر البريطانية متمثلا في الكسندر أرنولد وروبرتسون وهندرسون وتشامبرلين وجيمس ميلنر.. ولا بأس من مزج كل هذا مع رحيق أزهار هولندا متمثلا في فان دايك وفينالدوم..

ولأن كلوب رجل فيزيائي يحسب المقادير بمخ بلدياته المتأمرك أينشتاين، فقد نجح في ضبط المحاليل على مقياس شاكلة 4/3/3، فخرج المارد الأحمر من قمقمه، مثل ديكتاتور صارم، في يمينه عطاياه، وفي يساره ضحاياه.. وفي النهاية تكلمت الأرقام بلسانها، اللقب لليفربول، وأعلى رصيد نقاطي لليفربول، أقوى دفاع لليفربول، أقوى هجوم وهاج متوهج لليفربول، أفضل لاعب في البريميرليج من ليفربول، أفضل مدرب من ليفربول، واكتشفنا نحن أن أفضل فريق لعب خارج الملعب كان ليفربول، شتاء إنجلترا أحمر، وصيفها أحمر، فماذا يريد عشاق ليفربول أكثر من هذه الديكتاتورية ..؟

أهم أخبار الرياضة

Comments

عاجل