المحتوى الرئيسى

جورج فلويد: لماذا يندر توجيه الاتهام لضباط الشرطة الأمريكية عندما يقتلون؟

06/05 18:37

هذه روابط خارجية وستفتح في نافذة جديدة

تشير التقديرات إلى أن الشرطة تقتل حوالي 1200 شخص كل عام في الولايات المتحدة، ولكن في نحو 99 في المئة من هذه الحالات لا يتم اتهام الضباط بأي جريمة.

ووسط الضغوط العامة والاحتجاجات وأعمال الشغب التي أعقبت مقتل جورج فلويد على أيدي الشرطة في ولاية مينيسوتا، تم توجيه اتهامات هذه المرة.

فقد اُتهم ضابط شرطة بقتل فلويد بالجثو على رقبته بينما كان مستلقيا على وجهه في مدينة مينيابوليس في 25 مايو/أيار الماضي.

كما اُتهم ثلاثة آخرون ممن كانوا في مكان الحادث بالمساعدة والتحريض على الجريمة. وسيمثل الأربعة أمام المحكمة يوم الإثنين 8 يونيو/حزيران الجاري.

ويأمل المتظاهرون أن تؤدي وفاة فلويد إلى إحداث تغيير جذري في الطريقة التي ينظر بها القانون إلى ضباط الشرطة الذين يقتلون أثناء الخدمة، لأن هذه الحالة هي استثناء إلى حد كبير من القاعدة السائدة.

فالغالبية العظمى من ضباط الشرطة الأمريكية الذين يقتلون لا يتم اتهامهم، ناهيك عن إدانتهم بأي جريمة بسبب الحماية القانونية التي يتمتعون بها بموجب القانون الأمريكي.

يقول النشطاء إن مشروع "تحديد مواقع عنف الشرطة" وثق 7666 حالة قتل معروفة على أيدي الشرطة في الولايات المتحدة بين عامي 2013 و2019.

وفي 99 حالة فقط تم توجيه اتهامات ضد الضباط، أي حوالي 1.3 في المئة من المجموع. وقد تمت إدانة 25 من هؤلاء فقط.

وقال كلارك نيلي، نائب رئيس قسم العدالة الجنائية في معهد كاتو بواشنطن، لـ بي بي سي: "من النادر للغاية" أن يوجه محققو النيابة العامة اتهامات جنائية ضد ضباط الشرطة، كما حدث في قضية فلويد.

ويقول إن المحققين بحاجة إلى العمل جنبا إلى جنب مع ضباط الشرطة، والاعتماد عليهم لكشف القضايا والإدلاء بشهاداتهم في المحاكمات. ويمكن للشرطة استخدام القوة المميتة من دون ارتكاب جريمة جنائية.

وهذه العلاقة القريبة تعني أن "التحقيق الجنائي لا يعد آلية مثالية لمحاسبة" مثل هؤلاء الضباط. فضلا عن أن استخدام القوة المميتة يعد جزءا من عمل ضابط الشرطة الاعتيادي، ويكون في العديد من الحالات قانونيا، على سبيل المثال، في حالة الدفاع عن النفس لمنع وقوع أذى خطير أو موت يطال الأخرين.

ويترك للضحايا والأقارب خيار مقاضاة الضباط للحصول على تعويضات في المحاكم المدنية، لكن يقول نيلي:" إن أبواب المحكمة مغلقة في كثير من الأحيان" أمام هذا الخيار، بسبب مبدأ يسمى "الحصانة المشروطة".

وبمقتضى هذا المبدأ تتم حماية المسؤولين الحكوميين من المقاضاة إذا انتهكوا حقوق شخص ما، ما لم تكن هناك "حقوق ثابتة" تحمي الضحية.

لكن يقول نيلي إن ذلك إن حدث سيعد سابقة قانونية، مما يجعل من شبه المستحيل مقاضاة المسؤولين العامين عن الأضرار.

ففي عام 2014 دخلت إيمي كوربيت في متابعة قانونية لمقاضاة الشرطة بعد حادث انتهاك رجل لحرمة منزلها ودخوله إلى فنائها الخلفي. فقد اقتحمت الشرطة المسلحة المكان وأمرت 6 أطفال كانوا يلعبون هناك بالاستلقاء على الأرض.

وعندما ظهر بروس، كلب إيمي، أطلق أحد الضباط النار عليه مرتين من دون سابق إنذار، على الرغم من أنه لم يشكل أي تهديد للضباط، وفقا لوثائق المحكمة.

وقد أخطأت الرصاصات الكلب، لكن إحداها أصابت داكوتا، ابن إيمي البالغ من العمر 10 سنوات، والذي كان مستلقيا على بعد نصف متر فقط. وقد نجا الصبي لكن الإصابة خلفت جروحا بشعة في ساق الطفل، فضلا عن صدمة نفسية له.

ورفضت المحاكم محاولات إيمي مقاضاة الضباط، قائلة إنه "لا يوجد حق ثابت واضح لعدم الاستخدام العرضي للقوة أثناء عمليات الاعتقال".

وكانت حالة أخرى بارزة هي حالة مالايكا بروكس، التي تعرضت للصعق بالصاعق الكهربائي ثلاث مرات وسُحبت من سيارتها ونُكس وجهها وكُبلت يداها بالقيود الحديدية أمام ابنها البالغ من العمر 11 عاما، على الرغم من أنها حامل في شهرها الثامن.

وكان قد أُوقفت لقيادتها السيارة بسرعة 32 ميلا في الساعة (51 كم / ساعة) في منطقة لا تتجاوز السرعة المقررة فيها 20 ميلا في الساعة، لكنها رفضت التوقيع على مخالفة السرعة خشية الاعتراف بالذنب.

وتم رفض قضيتها في المحاكم بسبب عدم وجود "حقوق ثابتة واضحة" حول كيفية استخدام مسدس الصعق. وقد توصلت إلى تسوية قدرها 45 ألف دولار خارج المحاكم بعد عشر سنوات.

وقال نيلي: "يبدو من المدهش تماما أن نرى أنواع المواقف التي تمنح فيها المحاكم للشرطة خلو سبيل (من المحاسبة) مجانيا ، فهي تضيف أمثلة لما أسميه سياسة محاسبة تقترب من الصفر تطبقها جهات فرض القانون".

ويقول نيلي إن الحصانة المشروطة يُمكن أن تجعل من الصعب على أسرة فلويد الحصول على العدالة.

ويضيف قائلا: "إذا لم يتمكنوا من العثور على قضية سابقة قررت فيها المحكمة أنه من غير الدستوري أن تضع ركبتك على عنق شخص ما لمدة تسع دقائق حتى يموت في النهاية، فإن مبدأ الحصانة المشروطة يقول في جوهره إنه لا يمكنك المقاضاة لأنه ليس لدينا هذه الحالة في الكتب".

وقد اتصلت بي بي سي بجمعية ضباط الشرطة الوطنية الأمريكية (NAPO) للتعليق، ولكن على الرغم من الاتصالات المتعددة، لم تحصل على رد قبل نشر هذه القصة.

وقد علق رئيسها مايكل ماكهيل في وقت سابق على قضية فلويد قائلا: "ما حدث لجورج فلويد كان فاضحا. ليس هناك مبرر قانوني أو مبرر للدفاع عن النفس أو مبرر أخلاقي لأفعال الضابط".

وقد ردد السياسيون هذا الرأي أيضا.

وغردت أيانا بريسلي عضوة مجلس النواب عن ماساتشوستس، قبل تقديم قرار يدين وحشية الشرطة في 29 مايو/آيار الماضي، في حسابها على تويتر تقول: "لطالما تعرض الملونون للمراقبة والوحشية والقتل على أيدي ضباط الشرطة، ولا يمكننا السماح لهذه الممارسات القاتلة بالاستمرار من دون رادع بعد الآن".

ويبدو أن الضغط العام لعب دورا في معالجة قضية فلويد، ولكن هناك مطالب بتغييرات أعمق أيضا.

وقد اقترح الخبراء وتقارير وسائل الإعلام أنه يمكن للمحكمة العليا مراجعة فهمها لمبدأ الحصانة المشروطة.

ودعا النشطاء الكونغرس إلى تمرير قانون يُلزم الشرطة بممارسة العناية المطلقة مع الجميع أو قانون السلام( PEACE Act). وسيمنع مشروع القانون ضباط إنفاذ القانون الفيدراليين من استخدام القوة المميتة ما لم يكن ذلك ضروريا، وكحل أخير فقط عندما يتم استنفاد البدائل المعقولة.

وقد أعرب بعض أعضاء الكونغرس عن دعمهم للتشريع الذي سيوقف نقل أسلحة الجيش إلى أقسام الشرطة. كما ستنظر السلطة التشريعية مشاريع قوانين أخرى معلقة.

لكن يعتقد أودي أوفر، مدير إدارة قسم العدالة في اتحاد الحريات المدنية الأمريكي (ACLU)، أن الولايات المتحدة بحاجة إلى أكثر من ذلك، فهي بحاجة إلى تغيير ثقافتها وموقفها تجاه دور الشرطة.

فالعملية الشرطية تقع في منطقة لامركزية للغاية في النظام الفيدرالي الأمريكي. ويقول أوفر إنها تمثل 40 في المئة من ميزانية بعض المدن.

ويتم نشر الضباط المسلحين في الولايات المتحدة في مجموعة متنوعة من المواقف التي قد يتصاعد فيها النزاع، مثل تسيير دوريات في المدارس والتعامل مع سوء السلوك البسيط.

ويتم القبض على شخص ما في الولايات المتحدة كل 3 ثوان، وتم إجراء 10.3 مليون عملية اعتقال في جميع أنحاء البلاد في عام 2018، وفقا لتقديرات مكتب التحقيقات الفيدرالي.

ويقول أوفر إنه في الغالبية العظمى من هذه الحالات لم يكن من ألقي القبض عليهم متهمين بأي جريمة عنيفة. ويزعم أن جورج فلويد كان يحاول إنفاق ورقة مالية مزورة في متجر.

ويقول أوفر: "نعتقد أنه لا ينبغي أن تتورط الشرطة في هذه الجرائم في المقام الأول".

ويضيف قائلا: "لا ينبغي أن ننفق عشرات المليارات من الدولارات على الشرطة، يجب إعادة استثمار هذه الأموال في المجتمعات التي استهدفتها الشرطة تاريخيا".

وفي حين أن تدابير مثل رفع معايير القبول قد تنجح في بعض الحالات، يصف كل من نيلي وأوفر آليات المساءلة بأنها " للعرض فقط".

ومع عدم ظهور أي علامات على تراجع الاحتجاجات، على الرغم من التهديد الذي يشكله كوفيد-19، يريد النشطاء تحويل غضب الشوارع إلى "تغيير تحويلي".

ويقول أوفر: "لدينا بعض المشاكل الأساسية مع عنف الشرطة وعنصريتها في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من عقود من الجهود لكبح جماحهم، لم ننتصر في هذه المعركة، ولن ننتصر من خلال محاكمات فردية لضابط الشرطة".

توفي جورج فلويد بعد قيام الشرطة باعتقاله أمام متجر في مدينة ميينابوليس في ولاية مينسوتا. وأظهر مقطع فيديو ضابط شرطة أبيض، يدعى ديريك شوفين، يجثو واضعا ركبته لعدة دقائق على عنق فلويد الذي كان مقيدا وملقى على الأرض. ويسمع صوت فلويد وهو يكرر "لا أستطيع التنفس". وقد أعلن موته لاحقا في المستشفى.

طُرد الضباط الأربعة الذين شاركوا في اعتقال جورج فلويد من الخدمة، وبدأت الاحتجاجات في أعقاب تداول مقطع فيديو اعتقال فلويد وانتشاره بشكل واسع عبر  وسائل التواصل الاجتماعي. ونزل مئات المحتجين إلى الشوارع في مينيابوليس، وتعرضت سيارات دوريات الشرطة لعمليات تخريب وكُتبت شعارات وعبارات احتجاج على جدران مراكز الشرطة.

امتدت الاحتجاجات إلى مدن أخرى، وبضمنها ممفيس ولوس أنجليس. وفي بعض الأماكن من أمثال بورتلاند وأوريغون اضطجع المحتجون في الشوارع وهم يرددون "لا استطيع التنفس".  وتجمع المحتجون مرة أخرى حول مركز الشرطة في مينيابوليس، الذي كان يعمل فيه الضباط المشاركين في اعتقال فلويد وأشعلوا النيران فيه. وكانت البناية قد أُخليت وانسحب جميع عناصر الشرطة منها.

ألقى الرئيس ترامب باللائمة في وقوع أحداث عنف على ما وصفه بنقص القيادة في مينيابوليس وهدد في تغريدة كتبها بنشر الحرس الوطني، ثم أعقبها بتغريدة أخرى حذر فيها قائلا "عندما تبدأ السرقة، يبدأ إطلاق النار". وقد أخفى موقع تويتر هذه التغريدة لأنها "تمجد العنف" بنظر الموقع.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل