المحتوى الرئيسى

فلسفة الإسلام.. فى مقاومة الأوبئة

06/03 22:21

الرسول أول من طبق الحجر الصحى.. ووضع أساس العزل الوبائى

كبار المستشرقين انتبهوا للمنهج النبوى فى علاج الأمراض المعدية

قواعد الوقاية واجب دينى ووطنى.. والاستهانة تؤدى إلى التهلكة

الإسلام يشدد على النظافة.. وخبراء مناعة: علاج ناجع ضد «كورونا»

إن الإسلام دين عالمى ارتضاه رب العالمين ليكون للناس منهجاً وطريقاً يخرجهم من المهالك إلى طرق النجاة، فقد قال تعالى: «وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا» (المائدة: 3)، و«لكم» هذه ليست للمسلمين، بل للعالم كله إذا أراد أن ينجو من مصائب الدنيا وأزماتها، ومزالق الآخرة، وطاماتها، والأعجب من هذا كله أن الرسالات ختمت بنبى واحد هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يتساءل المرء: لماذا كان هذا الختم بنبى واحد هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن الأنبياء كانوا يأتون تترا، بل فى كل قرية أو فى زمن واحد قد تجد نبياً أو اثنين، وفى بنى إسرائيل تعدد الأنبياء أكثر من غيرهم.. ترى لماذا؟

الدكتور عبدالمنعم فؤاد، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر والمشرف العام على أروقة الجامع الأزهر، يجيب عن هذا التساؤل قائلاً: ما يجرى فى هذه الأيام من قلق وهلع وخوف مما يشاع من وباء كورونا «كوفيد-19» حسب المسمى الطبى العالمى هو الذى يجعل مثل هذا السؤال يثار، لأن الإجابة عنه ستكون من نفس ما يشغل أذهاننا، حيث إن العالم صار غرفة واحدة إذا وقع لساكنيها هلع، أو قلق، تأثر بذلك من بالغرفة جميعاً، وهكذا الناس عبر اتصالاتهم الحديثة صاروا كالجسد الواحد، فإذا ما أصابه مرض تأثر بقية الجسد بالحمى والسهر، وهنا لا يحتاج الجسد إلى مجموعة من الأطباء ليعددوا له الدواء، بل يحتاج إلى طبيب واحد، إذ بلغة الطب: «الداء لو تعدد له الأطباء ما برئ ولا شفى، بل لا بد من طبيب واحد متخصص يتابع مريضه بأدويته فيشفى بإذن الله».

وهكذا العالم لا يحتاج اليوم فى أزماته وأمراضه سواء كانت خلقية أو تشريعية، أو سياسية، أو اقتصادية، أو تعليمية، أو صحية إلا إلى معالج واحد أو طبيب واحد وهو سيد الخلق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل فيه المولى عز وجل: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ» (الأنبياء:107).

ولقد تنبه أكابر المستشرقين إلى هذه النقطة العلاجية لأمراض العالم الآن، ومنهم «برنارد شو- العالم الأيرلندى» الذى فى كتاب له اسمه «محمد» قال: «لو كان محمد بن عبدالله موجوداً بيننا الآن لحل مشكلات العالم وهو يحتسى فنجاناً من القهوة»، والحقيقة أن النبى صلى الله عليه وسلم موجود بيننا الآن، وفى تشريعات ربه علاج لكل الأزمات والداءات أياً كانت خلقية، أو اجتماعية، أو اقتصادية، أو صحية.. إلخ- كما ذكرنا آنفاً- ولو وقفنا عند المنهج الذى أتى به النبى لعلاج الداءات خاصة الداء المتعلق بالصحة الآن، ويصرخ منه العالم شرقه وغربه لوجدنا أن الدين الإسلامى وتشريعاته التى أتى بها هذا النبى الكريم تعتبر هى المنقذ من الهلاك بالفعل لا بالقول.

وهل الإسلام له فلسفة خاصة- دون غيره- تجاه الأوبئة والأمراض، يقول الدكتور عبدالمنعم فؤاد: ما من شاردة فى هذه القضية إلا وبين فيه منهجه الوقائى والعلاجى، فمثلاً بداية طرق العلاج الابتعاد عن مسببات الأوبئة ويتمثل ذلك فى:

< أولاً: التحذير من الفاحشة:

حيث حذر الإسلام من عدم الاقتراب من الفاحشة وبين أنها السبيل لجلب الأوبئة، فقال تعالى: «وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» (الأنعام:151)، فهذا نهى عن مجرد القرب أى نهى عن الملابسات والوسائل التى تؤدى بالإنسان للوقوع فى الفاحشة، لا نهى عن الفعل فقط، فهو لم يقع فيه بعد، فما بالنا لو وقع بالفعل؟.. فالله سبحانه وتعالى يطلب منا ألا نتساهل بمقدمات تأخذنا إلى الفاحشة، فإذا أمن الإنسان المقدمات أمن الفتنة والزلل، ولذا جاء قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر المهاجرين خصال خمس إن ابتليتم بهن ونزلن بكم، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة فى قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التى لم تكن فى أسلافهم، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولا نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدواً من غيرهم، فيأخذ بعض ما فى أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم» أخرجه ابن ماجه والطبرانى.

وهذا نص صريح، وغيره كثير، فى الابتعاد عن الفواحش وتوابعها، ومراجعة النفس والتوبة وإصلاح الحال قبل فوات الأوان، فهل العالم أخذ بهذه النصيحة قبيل الصراخ الذى يملأ أركان المعمورة عبر الفضائيات الآن؟.. وهل يوجد كنترول على الأفلام والمسلسلات والمواقع الفاضحة التى تملأ سماوات الإعلام فى العالم ليلاً ونهاراً، إن الواقع المرير ليشهد بعكس ذلك تماماً كما هو مشاهد، فلا

وهو نوع من أنواع الوقاية، وإليه نرى منظمة الصحة العالمية تدعو الآن وتستجيب جميع الدول من أكبرها إلى أدناها لهذا الأمر، وتغلق المطارات، وتتوقف السفن والقطارات، وتشل حركة المواصلات فى كل أنحاء الدنيا، وينادى منادٍ من مكان بعيد أو قريب «خليك فى البيت» أى لا خروج من المنازل والغاية أو الهدف: الوقاية، ولو قلب الناس فى صفحات السنة المطهرة لوجدوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أول من نادى بهذا الحجر عالمياً، ووضع حجر الأساس الأول لمستشفيات الحجر الوبائى أياً كان نوعه «كورونا أو غيرها» فقال صلى الله عليه وسلم عن طاعون عصره وكل عصر: «إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع وأنتم بأرض فلا تخرجوا منها فراراً منه» (أخرجه البخارى ومسلم وغيرهما).

ويفهم من هذا أن الحجر الصحى فى المفهوم الإسلامى نوعان:

أولهما: عدم الفرار من الموقف إذا كان الإنسان فى دولة ما أو مدينة ما أو قرية، بل لو عمارة يقطن فيها مع الآخرين فلا يفر منه. وللأسف نجد كثيراً من الناس يعودون من دول موبوءة إلى دولهم الآن خوفاً وفراراً من المرض ما أدى لزيادة معدلات الوباء، فيا حبذا لو طبق الناس هذا الحديث وتوقفوا عن ذلك ولو أياماً ليقل البلاء بإذن الله.

الأمر الثانى: الامتناع عن الدخول على المرضى احترازاً من العدوى، بل ورد أيضاً تأكيد لتحذير النبى المصطفى صلى الله عليه وسلم من الدخول على المريض فى حديث آخر قال فيه عليه الصلاة والسلام: «لا يورد الممرض على المصح» (أخرجه مسلم فى صحيحه وصحيح ابن ماجه)، وإن كان هذا قد جاء فى بعض الروايات فى معرض الحديث عن دخول الإبل المريضة على السليمة إلا أنه يعتبر من القواعد الوقائية التى تمنع من تفشى الوباء، فلابد من تطبيق هذه القاعدة الوقائية لأن فى ذلك أمناً للدولة أو المدينة أو القرية وأمن الدولة والأمة وغيرهما واجب دينى ووطنى والاستخفاف به يورد المهالك.

ثالثاً: فهم الصحابة وتطبيق طرق الوقاية

لقد فهم الصحابة الأجلاء قواعد الوقاية من الأوبئة هذه، والتى نبه إليها النبى الكريم صلى الله عليه وسلم فما قصروا فى الأخذ بها، ولا أهملوا قاعدة واحدة منها، فهذا عمر بن الخطاب رضى الله عنه يمتنع عن دخول الشام بعد أن قصدها، ليس بناء على تحذيرات منظمة الصحة العالمية، بل على تحذيرات من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، وقد كان عليها أبوعبيدة بن الجراح الذى علم بقدوم عمر ولما علم برجوعه بعد علمه بالوباء كتب سائلاً ومتعجباً قائلاً:

«أفراراً من قدر الله يا أمير المؤمنين؟ فأجاب عمر بن الخطاب: لو غيرك يقول هذا! نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله» فقدر الله هنا هو الوباء وقدر الله الثانية هو السلامة، والمؤمن وهو يفر لا يفر خوفاً من الموت إنما الفرار بسبب طاعة الدين فى الأخذ بالأسباب فالمولى الذى تعبدنا بالقضاء والقدر هو الذى أمرنا بأن نأخذ بالوقاية والأسباب، فقال سبحانه وتعالى: «وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» (البقرة:195). «وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا» (النساء:29).

بل إن عمر رضى الله عنه وهو فى سبيل طاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم فى الأخذ بالأسباب: «أمر أبا عبيدة أن يرتحل بالمسلمين من الأرض الغمقة التى تكثر فيها المياه، والمستنقعات إلى أرض نزهة عالية ففعل أبوعبيدة» وما قصد إلا الابتعاد عن

فالجواب: أولاً: فيه مخالفة للنبى الأكرم ولمنهج الإسلام، الذى جعل من أول مقاصده الحفاظ على النفس، والأرواح، وأنت هنا ستهلك، وتهلك، فلو بقيت وصبرت إن نجوت من الداء فنعمة من الله تستحق الشكر، وإن كانت الأخرى بعد صبرك فهى شهادة ويعد صاحبها من شهداء الآخرة، لحديث: «الشهداء خمسة: المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد فى سبيل الله» البخارى من حديث أبى هريرة، ويغسل ويكفن ويصلى عليه وقد عد صاحب الوباء خاصة «كورونا» فى زماننا أن مرضه من أمراض البطن.

والثانية: فى عدم الخروج حكمة رآها بعض العلماء إذ قالوا: «فى حكمة النهى عن الخروج فراراً من الوباء، الطاعون القديم أو طاعون العصر «كورونا» لصار من عجز عنه بالمرض المذكور أو غيره ضائع المصلحة، لفقد من يتعهده حياً وميتاً، ولو أنه شرع الخروج، فخرج الأقوياء لكان فى ذلك كسر لقلوب الضعفاء، فقد قالوا: «إن حكمة الوعيد من الفرار من الزحف لما فيه من كسر قلب من لم يفر وإدخال الرعب فيه لاذلاله».

وفى رواية أن الوباء فى الشام وقتها لم يرتفع إلا بعد أن ولى عمرو بن العاص رضى الله عنه الشام من قبل عمر رضى الله عنه، فخطب فى الناس، وقال: أيها الناس إن هذا الوجع إذا وقع إنما يشتعل اشتعال النار فتجنبوا فى الجبال فخرج، وخرج الناس فتفرقوا حتى رفعه الله عنهم فبلغ عمر ما فعله عمرو فما كرهه.

وهنا نلاحظ سير عمرو وفق قاعدة «العزل الطبى» وإبعاد الناس بعضهم عن بعض، فلا تجمعات ولا لقاءات فى أماكن مغلقة، والبعد بين الأفراد بعداً تاماً كما تنادى الحكومات والدول رعاياها فى منع التجمعات الآن، والحكمة هى ما تضمنتها فلسفة الإسلام فى التعامل مع الأمراض والأوبئة المعدية، فعدم التعامل بهذا المنطق الإسلامى قد يهلك الناس كجماعات وتقع الواقعة، وهو ما نشاهده فى هذه الآونة فى دول كإيطاليا وأمريكا وإسبانيا، وفرنسا ومن قبل ذلك الصين إلخ، والجميع يصطرخ وينادى بالتباعد الاجتماعى لتقليل نسبة انتقال العدوى بالتفرق لا التجمع.

يستكمل الدكتور عبدالمنعم فؤاد حديثه عن فلسفة الإسلام تجاه الأوبئة قائلاً: إن منظمة الصحة العالمية توصى العالم بأسره بأن يلتزم بنظافة اليد والوجه والبدن والأماكن العامة، ونرى رئيس أكبر دولة فى العالم «ترامب» على الهواء يمسك بمنظف ليديه وأيضاً رئيس وزراء بريطانيا على الهواء يغسل يديه بالماء أمام المشاهدين له فيتخذونه قدوة فى ذلك.

وهنا وجب أن ننظر إلى شريعتنا الغراء ومن أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذى جعل النظافة من الإيمان، وشقاً من المعتقد فى الإسلام، فقال عليه الصلاة والسلام: «الطهور شطر الإيمان» (أخرجه مسلم).

فالطهور والإيمان صنوان لا يفترقان، وغير المسلم لا يقبل دخوله الإسلام إلا بالنظافة حيث يغتسل ويتطهر ثم ينطق الشهادة، والصلاة لا تقبل من المسلم إلا بالطهارة، والوضوء والطواف حول الكعبة لا يكون إلا بالطهارة، وقراءة القرآن لابد أن تكون على طهارة.. إلخ، وهكذا كانت الطهارة والنظافة لدى المسلم جزءاً من عقيدته يثاب عليه إن فعله، ويعاقب إن تركه فهل منظمة الصحة العالمية ورؤساء العالم غير المسلمين عرفوا ذلك أم لا؟!

عموماً سواء أقروا بهذا الإسلام أم لم يقروا فـ«كورونا» أنطقهم وجعلهم اليوم يعترفون علمياً بذلك، لقد أنطق «كورونا» الجميع بأن الإسلام هو منهج حياة فى كل شئون الحياة.

رابعاً: اعتراف أمريكى بالهدى النبوى فى مواجهة الأوبئة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل