المحتوى الرئيسى

د. أحمد فؤاد باشا: لا انفصال بين الدين والعلم.. والعقل المسلم قادر على الإبداع

05/26 17:26

الانغلاق والانكفاء على الذات أبرز أسباب تراجع الأمة عن التقدم

القرآن أعطانا مفتاح «الحضارة».. والاستفادة من التراث ضرورة

أرفض مصطلح «الإسلام السياسى».. والفكر الإسلامى الصحيح قادر على استيعاب حركة المجتمعات

أكد المفكر الإسلامى الكبير الدكتور أحمد فؤاد باشا أستاذ علم الفيزياء والنائب الأسبق لرئيس جامعة القاهرة وعضو مجمع اللغة العربية والمجمع العلمى بالقاهرة أن العقلية العربية صنعت أعظم الحضارات التى حققت انتشارا لم تسبقه أى حضارة أخرى عبر التاريخ.

لكن ما حدث من تراجع لها الآن كان بسبب استثمار الغرب لأسباب الحضارة على العكس منا، وقال صاحب «نظرية العلم الإسلامية» إن العلاقة بين العلم والإسلام ضرورية وواجبة بين دين يقدم الحقيقة للإنسان وبين علوم تتوصل إلى حقيقة، وطالب «باشا» بضرورة الاستفادة من التراث العلمى العربى والإسلامى فى الميادين المختلفة.

وأضاف أستاذ علم الفيزياء أن الانغلاق والانكفاء على الذات كان أبرز أسباب تراجع وتخلف الأمة عن اللحاق بركب التقدم والحضارة بل إنه انعكس على مسيرة الأمة الإسلامية وقيّد حريتها، «الوفد» التقت المفكر الإسلامى الكبير وهذا نص الحوار معه:

< بداية.. ما تقييم المفكر الإسلامى الكبير الدكتور أحمد فؤاد باشا للعقلية العربية؟

- لا شك أن العقلية العربية صنعت أعظم الحضارات، وهى الحضارة العربية الإسلامية التى حققت انتشارا لم تحققه أى حضارة أخرى على مدى التاريخ، وأذكر كلمات للأديب العالمى نجيب محفوظ وهو يتسلم جائرة «نوبل» ويفتخر بأنه «ابن حضارتين» وهى عبارة موجزة تنم عن العقلية العربية التى إذا أتيح لها الفرصة فإنها تصنع الإبداع وتاريخنا ملىء بالعلماء العظام الذين أسسوا علوما ونظريات لولاها لتأخر سير المدنية عدة قرون، وأشير هنا إلى عقليتين عربيتين صنعتا معجزة وابتكارا وهما العالم الكبير الراحل أحمد زويل الحاصل على جائزة نوبل عام 1998، وسلفه العربى المسلم الحسن بن الهيثم فى القرن العاشر الميلادى، فالأخير وضع فكرة ونظرية أول للتصوير أو كاميرا للتصوير وزويل اكتشف أحدث كاميرا وهى كاميرا الفيتموثانية، وهذا دليل على أن العقلية العربية الإسلامية قادرة على صناعة الإبداع والابتكار إذا ما أتيحت لها الفرصة والإمكانات.

< إذن.. مادامت العقلية العربية قادرة على الابتكار والإبداع فما سر الفجوة الحضارية بيننا وبين الغرب؟

- سبب ذلك أن الغرب استطاع استثمار أسباب الحضارة، وعرف كيف يستفيد من التفاحة قبل أن يلتهمها فى بطنه، ونحن نحتاج - بل فى أشد الاحتياج - إلى فكر ورؤية جديدة تؤمن بدور العلم والتكنولوجيا فى التقدم مع الاحتفاظ بالقيم الأخلاقية والحضارية.

< قدمت مشروعا فكريا بعنوان «نظرية العلم الإسلامية» فما مضمونها؟

- أعتبر «نظرية العلم الإسلامية» مشروعى الفكرى الذى شغلنى طوال حياتى، وقد بدأ منذ الثمانينيات مع مبادرات فكرية أخرى انتشرت فى العالم العربى والإسلامى، ومشروعى له ضوابط وإطار محدد وواضح قائم على العلم والإسلام، لأن بعض التيارات تقصى وتستبعد أو حتى تنكر هذه العلاقة، لكننى أرى أن العلاقة بين العلم والإسلام ضرورية وواجبة بين دين يقدم الحقيقة للإنسان وبين علوم تتوصل إلى حقيقة ولهذا أنادى بضرورة الاستفادة من التراث العلمى العربى الإسلامى فى ميادين تطبيقية مختلفة، أما مشروع هذه النظرية فمرتبط بحياتى الفكرية، ففى بداية الثمانينيات وبالتحديد عام 1980، كان مما قرأت عن العلم وفلسفة العلم وعلاقتها بالإسلام وعقيدة وشريعة وحضارة وثقافة فلاحظت أننا فى حاجة إلى مشروع فكرى يرتكز على العلم

< حديثنا عن العلم يستدعى السؤال عن مدى أهميته لأن يكون سبيلا للنهوض بالأمة العربية والإسلامية والخروج من أزماتها واللحاق بركب الحضارة؟

- العلم فى الثقافة العربية والإسلامية يشمل كل العلوم التى تسعى إلى معرفة الحقيقة سواء كانت علوما دينية أو اجتماعية أو كونية أو غير ذلك، وقد ورد فى الأثر «من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم»، وقد أصبحت كلمة العلم توازى كلمة القوة، خاصة بعد حدوث الثورات العلمية والتقنية الهائلة خلال العقود القليلة الماضية، فمن يمتلك العلم هو الذى يستطيع فرض هيمنته وسيطرته على غيره من الشعوب الضعيفة، وهو ما نراه اليوم من أن الدول المتقدمة تسعى بكل ما أوتيت من قوة فى العلم إلى بسط هيمنتها على الدول النامية بسبب التخلف العلمى الذى لحق بها، ولذلك أؤكد دائما أن التقدم والتفوق العلمى مطلب إسلامى ضرورى وملح لأمتنا العربية والإسلامية لسد ضرورات مهمة فى الدفاع عن النفس وفى تحقيق الأمن القومى الشامل، وفى تنمية المجتمع الإسلامى.

< وماذا عن الصياغة الإسلامية لنظرية العلم من وجهة نظركم؟

- أرى أن الصياغة الإسلامية لنظرية العلم فى المعرفة العلمية والتقنية يجب أن تخضع لدراسات متأنية فى عدة موضوعات تتعلق بطبيعة التطور التاريخى لمفهوم العلم والتقنية مثل تنقية التاريخ العلمى للحضارة الإسلامية من مزاعم المستشرقين والمؤرخين وتنقية العلوم جميعها من المفاهيم المعارضة لروح الدين الإسلامى الحنيف.

وتصنيف العلوم وتأصيل منهجية الفكر الإسلامية، والمعالجة الإسلامية لمختلف جوانب العلوم المعرفية والتاريخية والاجتماعية وغيرها، أيضا الانطلاق فى جميع عمليات التفكير العلمى من مسلمتى التوحيد الإسلامى والنظام الكونى وربطهما بالظواهر الطبيعية واحتمالية صدق الكشوف العلمية، وصياغة أدوات وعناصر كل من المنهج الاستقرائى والمنهج الاستنباطى والمنهج الفرضى «الاستنباطى المعاصر» فى إطار إسلامى مع بيان شمولية هذا المنهج الإسلامى وعدم مقدرة المحدثين على استيعاب كل جوانبه وأبعاده، وتأكيد إسلامية المعرفة العلمية وبيان ضرورة ذلك، لتقدم المجتمع الإسلامى وتمكين العقلية الإسلامية من المشاركة فى الإبداع الحضارى بنصيب يتناسب مع مجد أمتنا ومكانتها الرفيعة فى تاريخ العلم والحضارة.

< هناك تخوف وتحذير من انفتاح الشباب على ثقافات الغرب حتى لا تختلط المفاهيم وتتسرب القيم الغربية الهابطة إلى نفوس الأجيال الجديدة من الشباب فما ردكم على هذا الطرح؟

- قبل الحديث عن هذه التحذيرات

< من بين الافتراءات التى وجهت هى أن تراجع المستوى العلمى للدول العربية والإسلامية كان بسبب تمسكها بالدين على العكس من الغرب، فما ردكم على هذا الافتراء؟

- لن تكف الافتراءات، لكن على من يدعى ذلك أن يأتى بآية واحدة أو حديث واحد يدعو إلى عدم التمسك بالعلم، فكلما قلنا: «الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها» ورسالة الإسلام بدأت بكلمة «اقرأ» أو ما نزل من الوحى، وهل يمكن أن تتم عملية القراءة إلا بالعقل والتفكير، إذن فقد حسم القرآن الكريم المسألة منذ أول كلمة فيه وبأول قسم له «ن والقلم وما يسطرون» (القلم: 1)، فالحضارة التى سادت العالم تركت علومها فى مخطوطات وكنوز مازالت مهجورة فى مكتبات العالم، فعظمة القرآن الكريم أنه أعطانا مفتاح الحضارة، وعندما أؤكد على التعليم ثم التعليم ثم التعليم، فهذا معناه تأكيد للمبدأ الإسلامى الذى يصل فى درجته إلى التكليف فى قوله تعالى «اقرأ» بالمعنى القديم ليس الحروف الأبجدية بل بالمعنى المعاصر «الحاسوب» فالإسلام دين واضح يدعو إلى العلم وربطه بالدين، وليس هناك تعارض بين الدين والعلم.

< كتابكم «التراث العلمى للحضارة الإسلامية ومكانته فى تاريخ العلم والحضارة» ما أهم الخطوط العريضة التى أردت إيضاحها فيه؟

- هذا المؤلف هدفت من خلاله إلى تقديم صورة جامعة خاصة بمعالم التراث العلمى فى الحضارة الإسلامية بلغة العصر، فى أسلوبه ومصطلحاته وعرضه لأثر هذا التراث فى دفع مسيرة الفكر البشرى خلال العصور الوسطى، وإلقاء الضوء على مكانته الكبرى فى تاريخ العلوم عبر الحضارات القديمة والوسطى والحديثة، وتطرقت فيه أيضا إلى موضوع في غاية الأهمية وهو «الإعجاز العلمى فى القرآن» دون شطط أو جنوح أو ميل وإسراف فى التأويل.

< كثير من المفكرين والاستراتيجيين يطلقون مصطلح «الإسلام السياسى» على الفرق والتنظيمات والجماعات المشتغلة بالسياسة فما موقفك من ذلك؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل