المحتوى الرئيسى

عواطف عبدالرحمن: رأيت الله من خلال جدتى.. وتعلمت الدين من تلميذ محمد عبده

05/21 19:37

رحلة الدكتورة عواطف عبدالرحمن، أستاذة الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، مع الله، بدأت من خلال جدتها الضريرة «صفصافة»، فهى أول شخص رأت الخالق من خلاله، وتجلى ذلك فى حكمتها وتدينها البسيط وتعلقها بالقرآن الكريم.

ربتها والدتها على «إعمال العقل»، واتخذت من ذلك سبيلًا حتى آمنت بالله «عن وعى»، وتعلمت الدين من جدها الشيخ «عبدالرحمن»، تلميذ الإمام محمد عبده، فتكونت لديها «تجربة إيمانية» فريدة، بدأت من قريتها الصغيرة فى أسيوط، ونستعرض أبرز محطات المفكرة الكبيرة فى الحوار التالى.

■ كيف بدأت علاقتك بالله؟

- بدأت علاقتى بالله منذ طفولتى المبكرة فى قرية «الزرابى» بأسيوط، حيث تفتح وعيى فى سنواتى السبع الأولى، وأنا فى كنف جدتى «صفصافة»، وهى خالة أمى وكانت ضريرة، لأن والدتى كانت تقضى معظم الوقت فى منزل جدى بالقاهرة.

تفتح وعيى على يد جدتى أكثر من أمى، فعلمتنى مبادئ الدين، وكنت أراها تصلى بانتظام، وتتحدث عن الأمانة، وأن الدين يعلم الفرد أن يكون إنسانًا أمينًا، وهو أول درس تعلمته منها، وهو أن تكون أمينًا فى كلمتك وصادقًا فيها، وألا تستحل لنفسك أشياء الغير، كما علمتنى كيف أصلى.

وكان يتردد علينا يوميًا فى منزلنا قارئ يدعى الشيخ «خالد» لتلاوة أجزاء من القرآن الكريم، وكنت أراه طوال فترة طفولتى، وكانت جدتى تستشيره فى أمور الدين.

كانت لدىّ أزماتى الخاصة منذ طفولتى، فكانت تؤرقنى علاقتى بزميلات اللعب: «ليان» و«صديقة» و«ثريا» و«حياة»، وكلهن من فروع فقيرة فى عائلتى، وكنّ أذكى وأكثر مهارة منى، وأنا كنت أقل منهن ذكاءً ومع ذلك كانت ملابسهن رديئة جدًا، وكن يجبن شوارع القرية حافيات، فى حين أن أمى كانت ترسل لى دائمًا الأحذية من القاهرة، إلا أننى كنت دائمًا ما أتركها فى المنزل وأسير معهن حافية.

ولم يكن لدى زميلاتى وعى بالدين أو بالصلاة، وعندما كنت أسأل جدتى عن ذلك كانت تقولى لى: «أمر ربنا وحكمة لا نعرفها» وهو ما جعل سؤال المعرفة يلح علىّ، وعندما كنت أسال عن أحوال أقاربى الفقراء وأنا أعلى منهم ماديًا، كانت جدتى تقول لى دائمًا: «ورفع بعضكم فوق بعض درجات»، ورغم أننى لم أكن مقتنعة بهذا الرد الذى رأيته مجرد تفسير دينى من جدتى، ظللت أتساءل: لماذا رفعنا الله فوق بعض درجات؟ وظل هذا السؤال يلح علىّ حتى العام الثانى لى فى الكلية، ولم أجد إجابة له إلا فى كتاب «أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة» من تأليف فريدريك أنجلس، إذ ذكر أن الأسرة عبارة عن منظومة «اجتماعية اقتصادية» أساسها اقتصادى، وهو ما جعلنى أفهم أن علاقة الدم لا تعنى أبدًا أن نكون جميعًا متساوين ماديًا داخل الأسرة، وأن هناك تفاوتًا فى القدرات والطبائع ينتج عنه اختلاف فى المهارات وهو ما يجعل الأشقاء منهم الغنى ومنهم الفقير، علاوة على عدم إغفال العامل الاجتماعى الأساسى.

ولفت انتباهى قول جدتى لأمى إنها دائمًا ما تتعرض لحالة من الضيق النفسى، وإن الشيخ «خالد» أوصاها بقراءة «الورد» وأن تمشى ٢٠ خطوة فى البيت أثناء القراءة ثم تنام بعدها، فسألتها أمى: وهل يساعد ذلك على فك ضيقك؟ فقالت لها: «لا.. بالعكس.. الضيق يزيد».

كل ذلك شكّل بعض الألغاز فى طفولتى، التى لم أستطع حلها إلا من خلال العلم والمعرفة، والتعلم والاحتكاك بأساتذة أثروا فىّ، وبعض الجيران عندما انتقلت إلى القاهرة، وهى جميعها علاقات مختلفة عن علاقات القرية بما فيها من تدين شعبى، وبدأت تتفتح رؤيتى.

■ وماذا عن دور الأم فى هذا التصور الدينى المبكر؟

- كانت دائمًا ما تصلى وتعطينى المصروف للذهاب إلى السينما والمتاحف والمعارض، وكانت تقرأ لى وشقيقى بعض الصحف، وهو ما جعلنى أشعر بأن الدنيا ليست فقط ما كنت أراه داخل الحدود التى كنت أعيش فيها بالقرية، وأن علاقتى بالله أوسع، وأن الله يجب تذكره فى كل الأوقات، فى الحزن والفرح.

وبدأت أعرف معنى القتال، فهو مفهوم دينى فى الأساس، وأن الإنسان الذى يفرط فى حقه هو إنسان غير مؤمن، وهو ما تعلمته من أمى عندما كانت تقرأ لى أخبار فلسطين المحتلة، وكنت أسألها عما يتعرض له الفلسطينيون من ظلم، هل يرضى الله بذلك؟ فكانت تقول لى دائمًا: لا يرضى الله بالظلم، ويجب أن يدافع الإنسان عن حقوقه.

وأنا أنتمى إلى أسرة لها فرعان، واحد إسلامى متعصب وهو فرع أبى، وآخر عصرى مستنير وهو لجدى والد أمى، ولحسن حظى أننى تربيت فى كنف أمى، وهو الجانب العلمانى الذى يحث على إعمال العقل، وأنه على الإنسان فهم الأسباب التى دعا لها الدين والشرع.

■ من أول شخص رأيتِ الله من خلاله إذن؟

- جدتى «صفصافة» هى أول شخص رأيت الله من خلاله، ثم جدى الشيخ «عبدالرحمن»، نائب شيخ الأزهر فى صعيد مصر.. وعندما كنت فى الصف الأول الثانوى، تمت دعوتى لافتتاح مسجد فى مدرستى، ولم أنس عندما طلب منى مدرس اللغة العربية «بدرى» أن نشرح أحد أبيات الشعر من خلال رؤيتنا وعلاقتنا بالله، وحين قدمت شرحى تفاجأت بأنه أعطانى الدرجة النهائية، وطلب منى أن أقف فى الفصل وأذكره، حتى يتعرف زملائى على صاحبة التفسير الأفضل للبيت.

وسألنى ما إذا كان والدى أحد المشايخ، فقلت له: لا، بل جدى «عبدالرحمن» مسئول عن الأزهر فى جنوب مصر، وهو أحد تلاميذ الإمام محمد عبده، وكان يحكى لنا كثيرًا عنه وعن تلاميذه، وكان يحثنا دائمًا على إعمال العقل، وتعلمت منه التدين بمعناه الحقيقى الصحيح.

■ هل شكّل الدين عائقًا فى حياتك أم قوة دفع؟

- لم يكن الدين أبدًا عائقًا فى حياتى، وكانت جدتى تقول لى دائمًا: «خليكى مع ربنا وكل أزماتك هتتحل»، ويعود الفضل فى تطور علاقتى بالله إلى أمى التى استطاعت أن تنمى لدىّ فكرة إعمال العقل فى استنباط التفاسير.

■ متى شعرتِ بأن الله يقف إلى جانبك؟

- مررت بعدة أزمات وشعرت فيها بأن الله يقف إلى جانبى، منها أزمة زواجى، إذ كانت أمى وأسرتى كلها ترفض العريس، زوجى السابق ممدوح طه، رئيس قسم الأخبار بجريدة «الأهرام»، لكنى عندما استخرت الله وافقت عليه.

وشعرت بوقوف الله معى، عندما حدثت أزمة بينى وأستاذى محمد أنيس، إذ طلب منى أن أقف إلى جوار الدكتور مختار التهامى فى أزمته الشهيرة بعد أن ضربه الدكتور إبراهيم إمام، عميد كلية الإعلام، بالحذاء، فى عام ١٩٧٣، وكان الدكتور مختار التهامى يحتاج إلى من يؤيده.

فى تلك الفترة كنت قد سجلت رسالتى للدكتوراه فى كلية الآداب جامعة القاهرة مع الدكتور «أنيس»، وحدث أن التقينا فى أحد الفنادق وكان معنا الدكتور «مختار»، وحاولا إقناعى بأن أقف إلى جوار الأخير فى أزمته ورفضت، ولم ينس لى أبدًا ذلك الموقف، وظل يحاربنى طوال سنوات عمله بالكلية للأسف الشديد، رغم أنه يحمل فكرًا اشتراكيًا مثلى، وهو ما جعل أستاذى الدكتور «أنيس» يتخلى عن إشرافه على رسالتى العلمية.

وظللت لمدة شهر فى حيرة من أمرى، بعد أن تعقدت الأمور، وفى يوم من الأيام وجدت الدكتور «أنيس» يتصل بى طالبًا لقائى فى قسم التاريخ بالكلية، وعندما ذهبت إليه قال لى: «أنا أخدت درس العمر.. تعلمت من تمسكك وإصرارك بأنك ممكن تضحى بالدكتوراه مقابل موقفك»، فكان ردى بأننى راجعت نفسى جيدًا واستخرت الله وقررت ألا أعدل عن موقفى، فقال لى: «أنا احترمتك جدًا وأتمسك بالإشراف على رسالتك وأتوقع أنك ستكونين كادرًا علميًا محترمًا».

وهناك أيضًا أزمة قرار طلاقى، حينها ذهبت إلى الدكتور أحمد عكاشة، الطبيب النفسى، من أجل العلاج، وقال لى: «إنتى راكبة أتوبيس غلط والمحطات بتمر ولم تنزلى، ستصلين لسن الخمسين وستجدين نفسك أمام حارة سد لن تستطيعى أن ترجعى أو تتقدمى»، فخرجت من عيادته وظللت أبكى حتى وصلت إلى بيتى، وسرعان ما كنت أخذت قرار الطلاق من زوجى ممدوح طه.

وشعرت أيضًا بوجود الله جانبى، حينما اندلعت ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، خاصة عندما حضرت إلى ميدان التحرير وشاهدت بعينى «موقعة الجمل» التى حدثت فى فبراير ٢٠١١، ورأيت هجوم البلطجية بالجمال والخيول على المعتصمين، وبعد عودتى إلى المنزل دعيت الله أن ينهى هذه الأزمة، وفعلًا ظهر عمر سليمان، نائب الرئيس حينها، بعد ذلك بأيام بقليلة، لإلقاء بيان تنحى الرئيس الراحل حسنى مبارك.

ودائمًا ما يقف الله إلى جوارى، ولمست ذلك على عدة مستويات، أهمها القضايا الوطنية، فحين شكك «بعض الصهاينة» فى مواقفى من القضية الفلسطينية، لم يخذلنى الله أبدًا، وكذلك فى الأزمات المالية، ذات مرة لم يكن فى بيتى إلا ١٠ جنيهات، وبعدها بساعات جاء لزيارتى الدكتور أحمد محمود وهو من تلامذتى وأبنائى، وإذ به يحمل لى ظرفًا به ٥٠٠ جنيه مقابل مقالات نشرت لى فى جريدة «المصرى اليوم»، وإذا بسكرتيرتى ترى هذا الموقف وتتفاجأ، وهذه كلها مواقف عمقت إيمانى بالله كثيرًا، إلى جانب تربيتى وتجاربى الشخصية وبعض قراءاتى.

■ هل لديك شيوخ أو مُقرئون مفضلون؟

- الإمام محمد عبده وجمال الدين الأفغانى فى الجانب الإصلاحى والسياسى، وكذلك الشيخ حسن العطار، وعلى عبدالرازق، وأحترم للغاية محمود كريمة، والشيخ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الذى اعتبره مستنيرًا وعقلانيًا ومن أعظم من تولوا الأزهر فى السنوات الأخيرة.

وبالنسبة إلى المقرئين، أحب الشيوخ محمد رفعت وعبدالباسط عبدالصمد والطبلاوى والحصرى، وفى التواشيح أفضل سيد النقشبندى الذى يُسكرك بصوته الذى يتغلل فى داخلك ويدفع بك إلى حالة من الوجد والتواصل الصوفى.

■ ما رأيك فى الفقه الإسلامى المعاصر؟

- أرى أن كل الفقهاء العظماء فى التاريخ الإسلامى كانوا أبناء عصرهم، وللأسف هذا العصر لم يطرح فقهاءه بعد، بسبب غلق باب الاجتهاد منذ العصر العثمانى، وعندما قرر أئمة السنة أن يطيعوا الله وأولى الأمر- السلطة- سقط التيار النقدى فى الفقه الإسلامى، وأنا من أنصار على عبدالرازق ومحمد عبده وجمال الدين الأفغانى والشيخ محمد سعاد جلال.

■ لماذا يُتهم التيار اليسارى دائمًا بأنه «لا دينى»؟

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل