المحتوى الرئيسى

د. محمد المهدى: التعرض المستمر لأخبار «كورونا» يدمر الجهاز المناعى

04/09 20:36

حذر الدكتور محمد المهدى، أستاذ الطب النفسى، من المتابعة المستمرة للأخبار المتعلقة بانتشار فيروس «كورونا المستجد»، موضحًا أن الجلوس أمام شاشات الأخبار لفترات طويلة، والتركيز على أخبار الفيروس من حيث عدد الإصابات والوفيات، إضافة إلى متابعة الحالة الاقتصادية، يحدث حالة من الهلع والخوف والاكتئاب واضطراب فى النوم، الأمر الذى يضعف جهاز المناعة.

واستعرض «المهدى»، فى حواره مع «الدستور»، الوسائل التى من شأنها الحفاظ على الصحة النفسية للمواطنين وقت حظر التجوال وانتشار الفيروس، منوهًا بأن سلوك الناس سيتغير بعد انحسار أزمة «كورونا» حول العالم، إذ إن جزءًا من الناس سوف يألف الجلوس فى المنازل، والجزء الآخر سيجد صعوبة فى الذهاب إلى عمله مرة أخرى.

■ كيف ترى تعامل الدولة مع حالات الإصابة بفيروس «كورونا»؟

- حتى الآن الدولة ملتزمة بتعليمات منظمة الصحة العالمية، بتطبيق الإجراءات الاحترازية وتدرجها حسب انتشار الوباء، وحاليًا هناك فترة حظر مسائية، وربما إذا زادت أعداد الإصابة سوف تزيد فترة حظر التجوال. والإجراءات الوقائية والتوعية بها مهمة، لكن يجب أن يتم تقديمها عبر وسائل الإعلام، بدون أن تحدث نوعًا من الهلع والخوف، وعلى أى حال، حتى الآن الأمور تسير على ما يرام، وهناك إشادة دولية من مدير منظمة الصحة العالمية بمصر ما يدعو للتفاؤل. ويجب على الدولة فى هذه الظروف تحقيق الأمان الاقتصادى، فالدولة، وهى تواجه هذا الوباء وخطر العدوى، لا بد أن توفر الاحتياجات الاقتصادية، وأن يكون هناك تشجيع على توطين التنمية، وأرى أن مصر تقوم بتوازن جيد ما بين إدارة عجلة السلامة وإدارة الاقتصاد بدرجة معقولة.

■ ماذا تتوقع حدوثه بعد انتهاء هذا الوباء؟

- لا بد أن تكون هناك مراجعات لأشياء كثيرة فى العالم بعد «كورونا». فالعالم انتبه إلى أنه لا بديل عن العلم والتعليم، لأنه كان هناك تسابق فى تسلح جيوش الدول العظمى، وبالتالى ستعيد كل الدول حساباتها، وتوجه استثماراتها فى الرعاية الصحية، وبالتحديد فى الطب الوقائى. وهناك بعض الدول، مثل أمريكا وألمانيا، برغم ما تمتلكه من إمكانيات ضخمة ومراكز طبية ومراكز أبحاث ذات شهرة عالمية وجدت أن الرعاية الصحية الأولية الموجودة فى القرى والأماكن الفقيرة والأماكن المهمشة ضعيفة جدًّا، ومن هنا انهارت المنظومة الصحية لهذه الدول.

كذلك اتضح أن غرف العناية المركزة فى الدول أقل بكثير مما قد تحتاجه فى حالة ظهور كارثة أو وباء مثلما يحدث حاليًا، وهنا سوف يكون هناك تغيير فى العالم من ناحية توجية الاستثمار، فبالطبع سيوجه هذا الاستثمار إلى رعاية الفرد، وسيعاد النظر فى رعاية فئات المجتمع، لأن هناك فئات أخذت أكثر من حقها، على سبيل المثال أهل الفن ولاعبو كرة القدم هؤلاء ليس لهم أى دور خلال الأزمة الحالية، لذلك من الضرورى إعادة النظر فى ترتيب فئات المجتمع، والاهتمام بفئة الأطباء والتمريض والباحثين.

■ هل ستغير هذه التجربة من سلوك المصريين؟

- بالتأكيد، الحياة قبل «كورونا» لن تكون كما بعد «كورونا»، وهذه التجربة جديدة لذلك نحن ليس لدينا تأكيد إلى أين سيتجه سلوك المواطن فيما بعد، لكن من الملاحظات والخبرات، فإن جزءًا من الناس سوف يألف الجلوس فى المنازل، والجزء الآخر سيجد صعوبة فى الذهاب إلى عمله مرة أخرى، أو الخروج من المنزل بصفة عامة، بينما البعض الآخر ستكون لديه شراهة فى الخروج من المنزل بعد انتهاء الحظر. فمن المعروف أن النفس البشرية ليست على حالة واحدة.

وأعتقد أنه سوف يحدث تغير فى سلوك المواطنين، فكان الناس فى السابق يصرفون الأموال ببذخ، لكن حاليًا كل أسرة تحاول أن تحافظ على كل جنيه؛ لأنها لا تعرف متى ستنتهى هذه الأزمة، وبالتالى حدث نوع من الاقتصاد الأسرى والمنزلى، بسبب تأثير الخوف من الوباء، كما أنه لم يعد هناك إهدار للطعام.

■ ماذا عن التعامل النفسى بالنسبة لأخبار «كورونا»؟

- متابعة الأخبار غالبًا ما تؤدى إلى الشعور بالتوتر والقلق عند الناس. فمن ضمن توصيات منظمة الصحة العالمية عدم الجلوس أمام شاشات الأخبار لفترات طويلة، وعدم التركيز على أخبار الفيروس. فمعظم الأخبار حاليًا فى التلفاز والمواقع الأخبارية لها صلة مباشرة بالفيروس من حيث عدد الإصابات والوفيات، وبالتالى هذه النوعية من الأخبار تُحدث نوعًا من الفزع والخوف.

وكذلك متابعة الحالة الاقتصادية تزيد مخاوف الناس من حدوث انهيار اقتصادى ونقص بالأغذية والمواد الأساسية للحياة. فكل هذه الأخبار تحدث حالة من الهلع والخوف واضطراب فى النوم والأكل، وهذا الشعور مقلق جدًا؛ لأن الخوف والهلع والاكتئاب يضعف جهاز المناعة، وهذا الجهاز حاليًا هو أهم جهاز نحن بحاجة إليه؛ لأنه حتى الآن لا يوجد مصل أو لقاح للفيروس، وبالتالى جهاز المناعة هو خط الدفاع الوحيد الذى نملكه.

ولذلك منظمة الصحة العالمية أوصت بعدم مشاهدة الأخبار أكثر من مرة أو مرتين لمدة نصف ساعة فقط يوميًا، وتوزيع باقى اليوم على ممارسة نشاطات أخرى، كالرياضة وسماع الموسيقى والتأمل، كى يشعر الناس أن الحياة مستمرة.

■ ماذا يمكن أن يفعله المواطن لتحسين جهاز المناعة؟

- يجب أن يبتعد عن الأخبار التى تصيبه بالهلع والخوف، ويأخذ قسطًا وافيًا من النوم، مع الالتزام بعدم السهر مع وجود مواعيد ثابتة للنوم، وعدم النوم نهارًا. فالنوم فى النهار لا يعطى الفائدة للجسم مثل النوم ليلًا، وإذا كان الفرد يعمل من المنزل يجب أيضًا أن يأخذ فترات راحة واسترخاء.

ويجب عدم مشاهدة التلفاز أو تصفح «فيسبوك» أو «تويتر» عند النوم أو الاسترخاء، ونعطى الأولوية للتأمل عندما يكون الفرد فى حالة استرخاء. فهذه الأشياء تقوى من جهاز المناعة، وأيضًا الابتعاد عن الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعى، لأن معظمها يكون قائمًا على الشائعات، ولها تأثير سلبى على الناس وتضعف جهاز المناعة.

كذلك الغذاء الجيد مهم جدًا. فالاعتماد على الوجبات السريعة من المطاعم ضار جدًّا بجهاز المناعة، لاحتوائها على مواد نشوية ودهنية، والكثير من مكسبات الطعم والألوان، ولا تحتوى على الخضروات والفواكه اللازمة لتقوية الجهاز المناعى، لذلك أنصح بضرورة الرجوع إلى الأكل المطهو منزليًّا، والتركيز على سلطة الخضروات، ويجب أن يشعر الفرد بحالة التفاؤل، لأن التفاؤل يؤدى لتقوية الجهاز المناعى. فلا بد أن يعرف الجميع أن الوباء غير دائم، وأنه سوف ينتهى، وكذلك ممارسة الطقوس الدينية والروحانية تحدث نوعًا من الصلابة والحصانة النفسية والصمود النفسى. ومن المهم التواصل مع الطبيعة، فالجلوس فى حديقة المنزل أو على السطوح والمساحات المفتوحة والتأمل فى السماء والنجوم والقمر والأشجار، يمنح إحساسًا بأن الحياة ما زالت موجودة، والدنيا لم تنته بعد، وأنه ما زالت هناك أشياء جميلة فى الوجود.

أيضا التواصل الاجتماعى مفيد، لأنه يشعر الفرد بالراحة النفسية والبهجة والسعادة، وليس من المفضل حاليًا الزيارات والتجمعات الأسرية، لكن يجب أن يكون هناك تواصل عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة، بالإضافة إلى ممارسة الرياضة والألعاب التى تعطى نوعًا من المرح والبهجة فى المنزل.

■ ماذا عن المصابين بالفيروس فى هذه الحالة؟

- يجب أن يعلم المصاب أن الدنيا لم تنته، وأنه ما زالت هناك أشياء جيدة فى الوجود، ولا بد أن يعرف أن الإصابة لا تعنى الموت. فالغالبية العظمى من مصابى هذا الفيروس يتم شفاؤهم، وكما هو معروف فإن التعافى يأتى من خلال الجهاز المناعى، فعندما يدخل الفيروس إلى الجسم تهاجمه ملايين الخلايا المناعية، وفى أغلب الأحيان يتم القضاء عليه، فالجسم الصحى عبارة عن مقبرة للفيروس.

ويؤثر الفيروس فى المصاب عندما تكون الحالة الجسمانية أو النفسية ضعيفة ومضطربة، وهناك شىء مهم جدًا أيضًا يجب الانتباه له. فالعديد من الحالات التى توفيت كانت لمدخنين، فالتدخين يضعف خلايا الرئتين، وهذه الخلايا هى المستقر للفيروس، فنصيحتى لجميع المدخنين فى هذه الأيام أن يتخلصوا من هذا الوباء لحماية أنفسهم وأسرهم. فمسألة عدم التدخين مهمة فى النجاة من الفيروس.

■ فى حالة الحظر الحالية.. كيف يمكن إقناع الأطفال بالعزل المنزلى؟

- إدراك الطفل يكون حسيًّا، بمعنى أنه على الأم أن تشرح له عن طريق الأشياء الملموسة. فعند الحديث عن وجود فيروس لن يستطيع أن يستوعب ذلك، خاصة إذا كان أقل من ٦ سنوات، وبالتالى يتم تمثيل الأشياء له، ومن هنا يبدأ الطفل فى عملية الاستيعاب بأن هناك خطرًا على حياته، وأن هذا الإجراء لحمايته.

من هنا يبدأ فى الاقتناع بأهمية وجوده فى المنزل، لكن يجب ألا يُترك الطفل بدون نشاط، أو أن يستيقظ وينام كما يشاء، فمنظمة الصحة العالمية فى نصائحها وجهت بأن الأطفال يجب أن يكون لهم جدول نشاط محدد، وأن ينام ويستيقظ الطفل فى مواعيد الدراسة العادية، وأن يقوم الآباء بتقديم دراسة منزلية له.

كما يجب أن تتم المحافظة على أوقات اللعب والمرح بالنسبة له، لأنه يكون محرومًا من الخروج، ومن الممكن أن يلعب فى الحديقة المنزلية أو فوق سطح المنزل، ويقوم الأب والأم باللعب معه، وفى حالة عدم القدرة على ذلك، فإنه يمكن من خلال البلكونات بالنظر إلى الحياة فى الشارع.

ويجب أيضًا ابتعاد الأطفال عن شاشات التليفزيون، ومشاهدة الصور المرعبة بشأن وجود وفيات أو قتل أو جرائم، لأن ذلك يؤدى إلى اختزانها ويظهر هذا عند النوم فى صورة أحلام مرعبة، وأيضًا عندما تتم إصابة أحد أفراد الأسرة أو فقدانه، يجب أن نشعر الطفل فى هذه الحالة بالأمان، خاصة إذا كان الشخص من المقربين لديه، لأن ذلك يجعله يشعر بما نسميه «فوبيا الفقد».

■ ماذا عن كبار السن؟

- هذه التجربة لحظر التجوال جديدة بالنسبة للجميع، لأن الناس لم تكن معتادة على الجلوس بالمنازل لفترات طويلة، لكنها اضطرارية، ويجب على الجميع التكيف معها، وأعتقد مما أراه أن كل أسرة أصبح لديها نوع من التكيف على ذلك، وهناك نوع من الإبداع كى يصبح الوقت محتملًا ومريحًا.

وهناك بعض الأسر شعرت بالألفة من الجلوس فى المنازل، فعندما أصبحت مقربة من بعضها البعض وجدت نوعًا من الدفء الأسرى افتقدته فى الأيام العادية، وباتت هناك رغبة فى ابتكار الحلول لدفع حالة الملل، وبدأ بعض الناس يمارسون الرياضة. فمثلًا شاهدت تقريرًا تليفزيونيًا عن فتاة صينية كانت تجرى وقت الحظر حوالى ١٠ كيلومترات داخل شقة تبلغ مساحتها ٥٠ مترًا.

وكما أشرت سابقًا، فإن ممارسة الرياضة تحسن من الحالة المزاجية والصحية للمناعة، وبالتالى يجب ممارستها بشكل منتظم من الأشخاص الموجودين داخل المنازل حاليًا، وهناك من يستطيع عمل «جيم» فى المنزل، وهذا شىء جيد، وبعض الأسر فعلت ذلك عن طريق بعض الأدوات البسيطة واللعب معًا، مما يساعد على الراحة النفسية.

■ تحدثت عن المشاكل بين الأزواج.. كيف يتم تداركها؟

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل