المحتوى الرئيسى

اللواء حسام سويلم يكتب: سد النهضة لن يؤثر على حصتنا فى مياه النيل (2/2)

04/08 21:04

تركيا وقطر تلعبان دوراً مشبوهاً لتعطيش أم الدنيا وضرب اقتصادها

إثيوبيا أحرجت أمريكا.. واللوبى اليهودى ينحاز لهم لحسابات إسرائيلية قديمة وحديثة

الدبلوماسية المصرية تحملت تقلبات السياسة الإثيوبية وتجنبت أى أزمة بين البلدين

الولايات المتحدة وإسرائيل تريدان استخدام أديس أبابا كقاعدة للسيطرة على المنظومة الإقليمية

شكل موقف السودان الأخير من قضية سد النهضة، حين امتنع عن التوقيع على الاتفاق فى واشنطن، وتحفظ على بيان وزراء الخارجية العرب فى دعم ومساندة مصر فى موقفها من قضية سد النهضة، صدمة أمام الجميع ليس فى مصر فقط، بل وفى كثير من الدول العربية، ربما باستثناء قطر المعروف عداؤها لمصر، فلا شك أن موقف السودان هذا قد أضر كثيراً بالموقف المصرى، بل إنه وضع القضية كلها فى موقف لا تحسد عليه، مما أثار غضب كثير من المصريين الذى اعتقدوا طويلاً فى أن العلاقة بين البلدين ترتفع فوق مستوى الدول الصديقة إلى مستوى الدولتين الشقيقتين، فكثيراً عبر التاريخ وحتى اليوم، وهو ما تشهد به أحداثه وحتى الأمس القريب واليوم، أن مصر فضلت السودان على نفسها فى كثير من المواقف والأزمات التى تعرض لها السودان، وهو ما عمق الشعور لدى المصريين بأنهم تلقوا فى ظهرهم «طعناً بخنجر» من دولة السودان التى كانوا يظنون أنها بمثابة الأخ الشقيق.

وإذا كنا توقفنا كثيرا عند موقف السودان أيام الرئيس السودانى السابق البشير بحكم انتمائه الإخوانى الإرهابى ضد مصر، فماذا نقول فى موقف السودان الآن؟!.. فهل يقتصر موقف السودان الآن على منافع وفى مقدمتها الكهرباء، وإمكانية حماية أراضيه من الغرق تحت مياه الفيضان، فى حين أن السودان ليس دولة مصب، بل دولة معبر، لأن النيل بعد أن يعبر أرض السودان يواصل طريقه إلى مصر ليصب فيها، كما أنه ليس بحاجة إلى مياه النيل الأزرق، إذ به العديد من الأنهار مثل إثيوبيا أيضاً، لكن الموقف السياسى، والتنافس التاريخى بين مصر وإثيوبيا، اتضح أنه لحد كبير يحرك الأمور فى العلاقات القديمة والحديثة مع إثيوبيا.

وقد جاءت تصريحات عدد من المسئولين السودانيين لتزيد من خيبة أمل المصريين فى الموقف السودانى، وهو ما انعكس فى تلميحات وتلقيحات ضد مصر، فهى تقول: إن إثيوبيا هى الصديق الحقيقى، وكأن مصر ليست صديقاً ولا شقيقاً للسودان! كما أثار موقف السفير السودانى فى إثيوبيا كثيراً من الاستغراب، عندما تحدث عن دور إثيوبى فى التحول السودانى الحالى، وينكر دور مصر نحو تثبيت الدولة السودانية، وعبور الأزمة، وزاد السفير قائلاً: إن السودان ممتنة لدعم إثيوبيا الحقيقى، وكأن دعم مصر كان دعماً وهمياً. كما صرح الأمين العام لهيئة الطاقة والتعدين والكهرباء والتنظيم السودانية - تيجانى آدم - منتقداً سياسة مصر فى تدويل الأزمة، قائلاً: إن تدويل قضية سد النهضة لا يمكن أن يوقف المشروع، ولا يزيد ذلك إلا تعقيد الأمور وتأخير الحلول المتوقعة. وأضاف: أنا ضد تدويل هذا الملف، وزعم تيجانى بأن لأديس أبابا الحق الكامل فى استغلال مواردها الطبيعية وبناء سدها، مضيفاً: أن أصل النهر من إثيوبيا، فدع شعب إثيوبيا يأخذ احتياجاته، ثم يذهب الباقى إلى السودان، والباقى يذهب إلى مصر!

ولا يصدق أحد أن موقف السودان من ملف سد النهضة يرجع إلى مجرد وعد من إثيوبيا بمد الخرطوم بالكهرباء التى سيتم توليدها من السد، فالموضوع أكبر من ذلك، ففى بداية شهر فبراير الماضى استقبل د. عبدالله حمدوك رئيس السودان وفداً أمريكياً برئاسة مارشال «بلينجسلى» مساعد وزير الخزانة الأمريكى، وهو نفسه الذى يمثل بلاده فى مفاوضات سد النهضة منذ انتقالها إلى واشنطن. فقد جاء الوفد الأمريكى ليبلغ «حمدوك» بأن رفع السودان من قائمة الإرهاب مسألة وقت، وهذه فى حد ذاتها مسألة محيرة لأن الوزارة المعنية بقائمة الإرهاب أمريكياً هى وزارة الخارجية لا الخزانة، وأن مساعد وزارة الخارجية كان قبل أسابيع قد وصف موضوع رفع السودان من قائمة الإرهاب بأنه طويل ومعقد وليس سهلاً، هكذا قال عندما سألوه فى القضية، فبدا أى شىء يومها أقرب إلى الحكومة السودانية، إلا أن يكون هذا الشىء هو رفع السودان من هذه القائمة.. فإذا بالشىء ذاته مسألة وقت لا أكثر!.. وبالتزامن مع زيارة وفد وزارة الخزانة، نقلت وكالة الأنباء السودانية «سونا» عن «ألبوت إنجل» رئيس لجنة الشئون الخارجية فى الكونجرس الأمريكى، أنه تقدم بمشروع قانون إلى الكونجرس لدعم البرامج التنموية التى تتبناها الحكومة السودانية الحالية!.. وإذا كانت مصر، ولا تزال، ليست ضد دعم السودان بكل ما هو ممكن، ولكن عندما يتوازى هذا الدعم الأمريكى المفاجئ مع موقف سودانى مفاجئ أيضاً، ومعاكس فى ملف سد النهضة، فلابد أن يثير الانتباه والتساؤل.. فإذا عرفنا أنه ليس دعماً مفاجئاً على مستوى أمريكا وحدها، إنما على مستوى أوروبا أيضاً، ومن خلال زيارة للرئيس الألمانى إلى محطة كهرباء الخرطوم، وأيضاً من خلال محاضرة ألقاها فى جامعة الخرطوم «جوزيب بوريل» مسئول السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى، فإن الحيرة تزداد، والتساؤل يصبح أوجب، خصوصاً وأن الدول الكبرى ليست جمعيات خيرية فى تعاملها مع الدول الأخرى، فإذا بذلت شيئاً، أو وعدت بشىء، فإن ذلك من أجل هدف سياسى تسعى لتحقيقه بكل وسيلة.

وتزداد الأمور وضوحاً بشأن الموقف السودانى المعادى لمصر من قضية سد النهضة، عندما نربطه بتصاعد فعاليات حملة شعبية فى السودان للتحذير من مخاطر هذا السد على السودان.. وهو ما انعكس فى سلسلة ندوات يحاضر فيها خبراء ومسئولون سابقون فى ملف المياه بالسودان، من أعضاء مجموعة «مخاطر السد الإثيوبى» والتى حذرت من «غرق السودان» إذا لم تراجع اتفاقيات سد النهضة.. كما حذر آخرون من تأثير السد على «شعب بنى شنقول»، وهم جماعة عرقية تعيش على الحدود الإثيوبية - السودانية، وهو أحد الأقاليم المكونة للفيدرالية الإثيوبية، التى أصبحت عشرة أقاليم بعد تصويت غالبية أفراد قومية «سيداما» الإثيوبية لصالح استحداث إقليم جديد يتمتع بالحكم الذاتى، حسبما أعلن المجلس الانتخابى الوطنى مؤخراً، وحيث يقع السد فى إقليم بنى شنقول، الذى يعتبره السودانيون إقليماً خادماً للاحتلال الإثيوبى، ويعيش فى هذا الإقليم نحو 4 ملايين نسمة، معظمهم من أصول سودانية.. وكانت الحكومة الإثيوبية أعلنت سنة 2017 أن أجهزتها الأمنية تصدت لهجوم مجموعة مسلحة تتبع حركة تحرير بنى شنقول الإثيوبية المعارضة، وكانت هذه المجموعة تتكون من 20 فرداً، انطلقوا من إريتريا بهدف الاعتداء على سد النهضة، لكن القوات الأمنية الإثيوبية تصدت لهم وقتلت 12 مهاجماً وهرب 7 آخرون إلى داخل السودان، ولكن الحكومة السودانية سلمت المهاجمين فوراً إلى نظيرتها الإثيوبية. وقد أفاد «إبراهيم الحناقى» رئيس مؤسسة بنى شنقول لحقوق الإنسان، بأن الشعب السودانى مغيب عن تاريخه الذى يذكر أن بنى شنقول كان أحد أهم المراكز الحضارية فى السودان تاريخياً، لأنه كان منبع النيل الأزرق، ومركزاً للثروات المعدنية، خاصة الذهب، وكل أراضى بنى شنقول تتبع السودان، وبذلك فإن الاعتراف بالسد يعنى إعطاء إثيوبيا حقاً لا تملكه، وتنازل عن سودانية إقليم بنى شنقول المحتل من إثيوبيا، والموافقة على ذلك تعنى تكريس احتلال بنى شنقول.. وطالب الخناقى حكومة رئيس الوزراء السودانى عبدالله حمدوك بتغيير نهجها الراهن إزاء سد النهضة نظراً لأضراره «المدمرة» على السودان وسيادته.

لم يكن غريباً أن تلعب تركيا دوراً مشبوهاً لدعم إثيوبيا فى ملف سد النهضة، بهدف الانتقام من مصر، ومحاولة تعطيشها وضرب اقتصادها، بعد أن أحبطت ثورة 30 يونيو مخطط أردوغان للتدخل فى شئون مصر الداخلية واستعادة وهم الخلافة العثمانية عبر جماعة الإخوان التى ينتمى لها أردوغان، والتى كان قاب قوسين أو أدنى من تنفيذ أخونة الدولة المصرية.

فقد وضع أردوغان يده فى يد رئيس وزراء إثيوبيا «آبى أحمد على» لحرمان مصر من حقها التاريخى فى مياه النيل، إذ أعلن دعم أنقرة لمشروع سد النهضة، ووعد الحكومة الإثيوبية بالمعدات والأموال اللازمة لضمان نجاح المشروع لتقليص حصة مصر من مياه النيل، وما يترتب على ذلك من تراجع المساحات الزراعية بنسبة تصل إلى 25٪، ويعنى ازدياد معدلات البطالة.

وقد وضع أردوغان خطة ذات محاور متعددة لتحقيق أطماعه، حيث يرى أن سيطرته على إثيوبيا تضمن له دوراً محورياً فى المنطقة، لكونها تتحكم فى منابع النيل الأزرق الذى يشكل حوالى 85٪ من إجمالى مياه نهر النيل، ما يجعل جميع دول حوض النيل «11 دولة» مرهونة بموقف أديس أبابا من بناء السدود المائية.

وبحسب موقع المعارضة القطرية «قطريليكس» يعد الدور التركى - القطرى المشبوه السبب الرئيسى فى تعثر مفاوضات سد النهضة فى أمريكا، إذ إن وفداً قطرياً - تركياً سافر إلى أديس أبابا وحمل رسالة مفادها أن الموافقة على المفاوضات المصرية - الإثيوبية فى واشنطن ستكون لها خسائر كبيرة لن يستطيع النظام الإثيوبى تحملها.. حيث تبلغ حجم الودائع التركية - القطرية فى إثيوبيا 6 مليارات دولار سيعطل بناء السد من الأساس، ويؤخر خطة التنمية الإثيوبية فى ظل أزمات عالية متلاحقة.. كما يمكن عرقلة تمويل مشروع استثمارى زراعى ضخم، لزراعة مليون ومائتى ألف فدان فى منطقة السد.. كما سيتأثر سلباً نصيب إثيوبيا - 2٫5 مليار دولار - من الاستثمارات التركية فى إفريقيا، وإجمالها 6 مليارات دولار، تتطلع تركيا زيادتها لتصل إلى 10 مليارات دولار، حيث احتلت تركيا المركز الثانى بين الدول الأجنبية الأكثر استثماراً فى إفريقيا، هذا فضلاً عن وجود أكثر من 350 شركة تركية تعمل فى إثيوبيا بها أكثر من نصف مليون إثيوبى.

وقد كشفت شبكة «قطريليكس» بعداً جديداً عن عمق التآمر والحقد والكراهية، عندما أعلنت عن زيارة وفد أمنى قطرى - تركى مشترك لأديس أبابا لتحريض إثيوبيا

وقد شجع الدعم القطرى - التركى لإثيوبيا ضد مصر على مطاردتها فى إفريقيا، كما وفر لها قوة فى ذلك، وهو ما تمثل فى الجولة الأخيرة التى قامت بها رئيسة إثيوبيا «سهدورق زودى» إلى كل من كينيا وأوغندا لخلق تكتل من دول حوض نهر النيل ضد مصر، وهو ما تجاوب معه الرئيس الأوغندى «يورى موسيفينى» بتأييده أهمية ضمان الاستخدام العادل لمياه نهر النيل، وضرورة عقد قمة إفريقية عاجلة لدول حوض النيل.. ومن ضمن مصادر القوة الإثيوبية التى اكتسبتها إثيوبيا أخيراً، وربما أهمها ما برز من تحالف إثيوبى - إسرائيلى - أمريكى، وهو ما تمثل فى دعم إسرائيل لنظام الدفاع الجوى الإثيوبى لموقع سد النهضة، وما كشفت عنه زيارة وزير الخارجية الأمريكية «مايك بومبيو» لأديس أبابا قبل أسبوع واحد من موعد توقيع الاتفاق الذى رعته بلاده، وإعلانه من هناك أن هذا الاتفاق لن يوقع فى موعده، وربما يستغرق الأمر عدة أشهر.

وكانت تركيا قد وقعت مع إثيوبيا اتفاقية تعاون لتوليد الطاقة الكهربائية من سد النهضة وإيصالها لدول الجوار، باعتبار تركيا دولة منبع، وله خبرة واسعة فى إنشاء السدود واستثمارها، وفى الخلاصة تمثل إثيوبيا بالنسبة لتركيا سوقاً اقتصادية واعدة بفضل مواردها المتعددة، ويحرص أردوغان على اختراقها بإشراكها فى العديد من الاتفاقيات التى تخدم مصالح أنقرة، ولذلك تعد تركيا الشريك الاقتصادى الرئيسى لإثيوبيا، وهو ما أكده وزير الخارجية الإثيوبية.

والمتتبع لسياسة أردوغان فى إفريقيا، يلمس حرصه الشديد فى العشر سنوات الأخيرة، على التقارب مع دول القرن الإفريقى «إثيوبيا، إريتريا، الصومال، جيبوتى» مستنداً فى ذلك على أكاذيب حول حقوق تاريخية لتركيا فى هذه البلدان، وللأهمية الجيو-استراتيجية لهذه المنطقة أنشأ عدة قواعد عسكرية تركية، أبرزها الموجودة فى الصومال، وتوقيع اتفاقية تعاون عسكرى مشترك مع إثيوبيا، فالجيش الإثيوبى لا يغيب أبداً عن نظر أردوغان الذى عقد معه عدة اتفاقيات تعاون عسكرى فى مجالات الصناعات الدفاعية، ونقل التكنولوجيا الدفاعية، وتحديث الموجودات العسكرية لإثيوبيا، هذا فضلاً عن اتفاقية دفاع مشترك مع أديس أبابا فى مايو 2013، تنص على قيام تركيا بمساعدة إثيوبيا فى الدعم الفنى والعسكرى واللوجيستى، خاصة بالنسبة للدفاع الجوى والصاروخى عن منطقة سد النهضة، بأنظمة رادارية للإنذار المبكر، وأنظمة دفاع جوى وصاروخى حديثة.

ويستخدم أردوغان قواه الناعمة وسلاح المساعدات الإنسانية لاختراق إثيوبيا، وحتى يجعل لنفسه موضع قدم فى المنطقة، وأن يكون له مخلب قط لمناكفة مصر، ولتكون أداة ضغط على القاهرة.. وأنشأ لذلك منظمة للتعاون والتنسيق فى إفريقيا، أطلق عليها «تيكا» قامت بتطوير المناطق المرتبطة بالتاريخ الإسلامى، وافتتاح مراكز ثقافية تقوم بتعليم اللغة التركية، وبناء المساجد، وتقديم المنح والبعثات التعليمية فى الجامعات التركية إلى جانب تقديم المساعدات الطبية للمستشفيات فى إثيوبيا، ولا سيما مستشفيات الأطفال لخلق جيل يدين بالولاء لتركيا.

لا أحد يعلم إلى أى مدى سوف يصل الموقف الأمريكى الذى استضاف المفاوضات مع البنك الدولى، بجانب محادثات بين رئيس وزراء إثيوبيا والرئيس الأمريكى ترامب، فى ذات الوقت الذى وعد فيه الرئيس الأمريكى، الرئيس السيسى بأنه لن يسمح بأن تتضرر مصر من وراء إقامة هذا السد.. فمما لا شك فيه أن الجانب الأمريكى يشعر بالحرج أمام موقف إثيوبيا، والذى يمثل إهانة واضحة للدولة العظمى أمام العالم.. وهو ما دفع وزير الخزانة الأمريكى لإطلاق تصريح مهم للغاية قال فيه: إن إثيوبيا لن تستطيع ملء السد، أو إجراء تجارب الملء، أو تشغيل السد بالتبعية، من دون اتفاق بين دول الاتفاق الإطارى وواشنطن.

إلا أن إثيوبيا تدرك جيداً حرج الإدارة الأمريكية فى هذا الوقت بالذات، والذى تخوض فيه معركة انتخابات الرئاسة، حيث يضغط عامل الوقت على قرارات الرئيس الأمريكى ترامب، لمنعه من اتخاذ قرارات حاسمة، قد لا تتفق مع الموقف الإسرائيلى واللوبى اليهودى فى أمريكا والمنحاز لإثيوبيا تاريخياً وواقعاً، وذلك لحسابات استراتيجية إسرائيلية قديمة وحديثة.. ولذلك فليس غريباً أن تتحدى إثيوبيا الإدارة الأمريكية فى هذا الوقت بالذات، وتسابق الزمن من أجل فرض الأمر الواقع باستكمال بناء السد وملء بحيرته، ومن هنا فإن تصريح وزير الخزانة الأمريكية الأخير هو تنبيه مهم فى ذلك الإطار، هذا رغم أن إثيوبيا تعتمد على دعم أمريكا والبنك الدولى فى مروحة واسعة من المشروعات والمجالات.

ناهيك عما هو معروف عن الموقف الأمريكى المبدئى من أحداث «الربيع العربى» فى يناير 2011، حول مخطط «تفتيت العالم العربى» تنفيذاً لاستراتيجية «الشرق الأوسط الجديد» الذى أعلنه الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش عام 2003، وسياسة «الفوضى الخلاقة» التى أعلنتها وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس فى عام 2006 تنفيذاً لهذه الاستراتيجية، وقد ظهر ذلك بوضوح كامل فى الدور الأمريكى لدعم جماعة الإخوان أثناء فترة حكمها لمصر عام 2012، وحتى ما بعد ثورة 30 يونيو 2013 فى مصر، والتى أطاحت بالأحلام الأمريكية فى دعم تنظيمات الإسلام السياسى فى العالم العربى، كما يفسر رفض إدارة ترامب حتى اليوم اعتبار جماعة الإخوان تنظيماً إرهابياً، رغم توصية الكونجرس بذلك، وهو ما يفسر كثيراً الموقف الأمريكى المانع من قضية سد النهضة.

تؤكد تقارير معلومات دولية أن المخابرات الإسرائيلية عقدت اجتماعات أمنية مع بعض دول حوض النيل من أجل تحريضها والضغط على مصر لتعديل اتفاقية دول الحوض، وتقديم مساعدات مالية مغرية وسخية وتقنيات حديثة من أجل بناء سدود ومشروعات زراعية فى كل من إثيوبيا وأوغندا، وهذه المساعدات التى تقوم بها إسرائيل تتجاوز حدود ما يسمى بالمنافسة الدبلوماسية مع مصر، ناهيك عن هدف إسرائيل القديم والحديث فى الحصول على 10٪ من مياه النيل، منذ أن تم شق ترعة «الشيخ جابر» فى أوائل التسعينيات التى تنقل مياه النيل إلى سيناء أسفل قناة السويس، وهو ما تحسبت له مصر بإغلاق هذه الترعة مؤقتاً، كما لا يمكن تجاهل تهديد إسرائيل لأمن السودان وبما يهدد بالتالى الأمن القومى المصرى، وهو ما تمثل فى الدور الذى لعبته إسرائيل لفصل جنوب السودان عن شماله، ناهيك عن الدور الإسرائيلى فى إشعال الاضطرابات الانفصالية التى وقعت فى إقليم درافور شرق السودان، وإقليم كردفان فى غرب السودان، وذلك فى محاولة لتفكيك السودان.

ووفقاً لهذا التصويت أنشأت وزارة الخارجية الإسرائيلية داخلها «المؤسسة الدولية للتعاون والتنمية» MASHAV «موشاف»، والتى تقوم بمهام الربط بين مؤسسات الدولة وشركات القطاع الخاص لإحداث اختراق إسرائيلى محكم للقارة الإفريقية، وأبرز الأنشطة التى تقوم بها MASHAV تقديم المساعدات المالية والتقنية فى مسائل إقامة السدود والمزارع وتأسيس غرفة للتجارة الإفريقية والإسرائيلية، فضلاً عن الدعم فى مجالات الصحة والتعليم والتنمية الاقتصادية والمجالات التكنولوجية والعلوم التطبيقية، إلى جانب تقديم المنح والقروض والدورات التدريبية فى العديد من الأنشطة التى تحتاجها دول القارة الإفريقية، ويتركز نشاط هذه المؤسسة فى فئات معينة مثل القادة والخبراء والشباب والنساء الذين سيصبحون صناع السياسة مستقبلاً.

ولا ينبغى أن ننسى تأثير إسرائيلى كبير على إثيوبيا من الباب الواسع المتمثل فى العقيدة

أما أحدث المعلومات التى توافرت مؤخراً عن دعم إسرائيل لإثيوبيا فى موضوع سد النهضة، فهى تفيد بأن إسرائيل بطلب من إثيوبيا تخطط لبناء حائط صواريخ مضاد للطائرات والصواريخ حول منطقة السد، لمواجهة احتمال قيام مصر بضرب سد النهضة بالطائرات والصواريخ، وهو سيناريو لا تستبعده إثيوبيا، رغم أن مصر لم تشر له، لا سياسياً ولا إعلامياً.

ولا يمكن أن ننسى أو نتجاهل، أن ما إن تحط إسرائيل رحالها فوق أى بقعة من بقاع الأرض، إلا وتظهر دويلة قطر لتقديم الدعم المالى غير المحدود لتنفيذ مخططات تل أبيب، وهو ما يحدث الآن، حيث هناك استثمارات قطرية كبيرة فى إثيوبيا، بجانب ودائع بقيمة 3 مليارات دولار، وهو ما كشفت عنه المعارضة القطرية فى الأيام القليلة الماضية، وهددت الدوحة بسحب استثماراتها، واسترداد ودائعها فى حالة توصل أديس أبابا إلى اتفاقيات نهائية مع القاهرة حول سد النهضة، وذلك بإيعاز من إسرائيل.

مصر تأخذ بكل أسباب المواجهة:

إلا أن هذا الإيمان واليقين القوى بنصر الله تعالى لمصر وشعبها، لم يمنع مصر من أن تأخذ بكل أسباب المواجهة السياسية والاقتصادية والدفاعية، لمواجهة هذا الخطر الكيانى، وهو ما يتمثل فى الجهود التى تبذلها كافة أجهزة الدولة، وعلى رأسها الرئيس السيسى شخصياً لمنع وقوعه، أو الحد من تأثيراته السلبية، حيث لم يأل جهداً فى سلوك كافة دروب التفاوض السياسى مع كافة القوى السياسية المحلية والإقليمية والدولية للضغط على إثيوبيا، وقد يصل الأمر بمصر إلى اللجوء إلى مجلس الأمن وغيره من المؤسسات الدولية مثل المحكمة الدولية، كما حدث مع إسرائيل عقب حرب أكتوبر 1973 لاستعادة باقى أراضى سيناء حتى آخر حبة رمل فى سيناء فى أبريل 1982، فى حين لا تزال باقى الأراضى العربية المحتلة فى حرب 1967 محتلة من قبل إسرائيل حتى اليوم، وهو أبرز درس ودليل على إصرار مصر وتصميمها على نيل حقوقها كاملة غير ناقصة بكافة الوسائل العسكرية وغير العسكرية، وهو للأسف ما لم تستوعبه إثيوبيا ومن ورائها فى المعركة التى تخوضها مصر دفاعاً عن حقوقها فى نهر النيل.

فعلى الصعيد السياسى، تحملت الدبلوماسية المصرية الكثير من تقلبات السياسة الإثيوبية، وتعاملت بسعة صدر وصبر بهدف تجنب أي أزمة فى العلاقات بين البلدين، حتى إن الرئيس السيسى قام أكثر من مرة بزيارة أديس أبابا، وخطب فى برلمانها مؤكداً أن مصر تحترم حقوق إثيوبيا فى التنمية، خاصة على صعيد الطاقة، ولكن ليس على حساب حقوق مصر الأساسية لشعب مصر، خاصة الحقوق المائية لأنها مسألة حياتية بالنسبة للمصريين، كما حرص الرئيس السيسى على إقحام الولايات المتحدة، والرئيس ترامب شخصياً فى قضية السد، لتمارس ضغطها على أديس أبابا لمنعها من تهديد الحقوق المائية لمصر فى مياه النيل، لكن الطرف الإثيوبى لم يقابل المرونة المصرية بالمثل. فبعد ماراثون من المفاوضات حول الجدول الزمنى المناسب لملء خزان مياه سد النهضة «البحيرة خلف السد»، وذلك برعاية الولايات المتحدة ومشاركة صندوق النقد الدولى، إلا أن الوفد الإثيوبى إمعاناً فى سياسته المرسومة مسبقاً لكسب الوقت، لم يحضر التوقيع على ما سبق الاتفاق لعيه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل