فيروس كورونا: كيف أظهر الوباء السمات الثقافية للشعوب؟

فيروس كورونا: كيف أظهر الوباء السمات الثقافية للشعوب؟

منذ 4 سنوات

فيروس كورونا: كيف أظهر الوباء السمات الثقافية للشعوب؟

\nهذه روابط خارجية وستفتح في نافذة جديدة\nكثيرا ما يُقال إن معادن الناس تظهر عند الشدائد، وقد كشف لنا وباء كورونا المستجد، أن هذا ينطبق على الدول بقدر ما ينطبق على الأشخاص.\nوتزامنا مع فرض إجراءات تقييد حركة المواطنين وإلزامهم بالبقاء في منازلهم للحد من انتشار الفيروس، انتشرت ظواهر لافتة، أبرزها الطرق المبتكرة والملهمة والعجيبة التي تعاملت بها المدن والبلدان المختلفة مع الوباء، وأدت إلى ظهور "ثقافة الحجر الصحي" التي تميز طرق تعامل الشعوب المختلفة مع وباء كورونا المستجد.\nفقد انتشرت مقاطع فيديو لسكان في إيطاليا يصدحون بالغناء الأوبرالي من شرفاتهم أثناء العزل الذاتي. ولم تتوقف مطاعم البطاطس في بلجيكا عن تقديم البطاطس المقلية الفرنسية للزبائن، في حين أن البعض في الدول الاسكندنافية لم يثنهم الوباء عن الذهاب لأعمالهم بالدراجات.\nوكشف هذا الوباء عن الكثير السمات الثقافية التي يمتاز بها كل بلد عن غيره، وأعاد إلى الواجهة أهمية الثراء والتنوع الثقافي في العالم.\nوفي السطور التالية يستعرض بعض الكتّاب الأساليب والطرق التي ابتكرها سكان البلدان التي يعيشون فيها للتعامل مع العزل المنزلي فيما بات يعرف باسم ثقافة الحجر الصحي.\nكتبت كاسيا دايتز تقول إن المخابز هي إحدى السمات الأساسية لفرنسا، ولا يمكن للفرنسيين الاستغناء عن الخبز الفرنسي.\nوقد سارت الحكومة الفرنسية على خطى نظيرتها الإيطالية، وفرضت إجراءات صارمة لتقييد حركة المواطنين، ومنعت الخروج إلا للضرورة القصوى. وأغلقت جميع المتاجر التي لا تندرج ضمن قائمة الاستثناءات التي وصفها قرار وزارة الصحة الفرنسية بأنها "ضرورية لتسيير الحياة"، مثل المخابز ومتاجر الجزارة والخمور والجبن، والمتاجر الصغيرة لبيع المستلزمات الأساسية والسجائر.\nولا تزال رائحة الخبز الطازج تفوح كل صباح من شوارع فرنسا الخاوية التي تضم نحو 33 ألف مخبز يمارس أعماله كالمعتاد. ويحضر السكان الخبز الطازج يوميا من المخبز مع الحفاظ على مسافة آمنة بينهم وبين غيرهم.\nويصف دومينيك أنراكت، رئيس الاتحاد الوطني للمخابز الفرنسية، خبز الباغيت الفرنسي بأنه بمثابة الشعار الوطني للثقافة الفرنسية. ويقول إن المخابز تلعب دورا مهما في حياة الفرنسيين، من الصغار إلى كبار السن. ويعتمد عليها الفرنسيون للحصول على الطعام، ولا سيما في المناطق التي لا توجد فيها متاجر السلع الغذائية.\nوزاد إقبال سكان باريس في الآونة الأخيرة على الخمور بقدر إقبالهم على مطهرات اليد، إذ أن تناول الخمر مع الطعام في فرنسا لا يقل أهمية عن الخبز. وشرعت بعض متاجر الخمور المحلية في توصيل عبوات الطوارئ المكونة من ست أو 12 قارورة خمر للسكان تحت الحجر الصحي.\nتقول كريستين أرنيسون إن العاصمة برلين اشتهرت بالحياة الليلية الصاخبة التي لا تضاهى، وساهم في ترسيخ هذه السمعة نواديها الليلية الشهيرة التي تعد قبلة للباحثين عن المتع والملذات من كل مكان، وأصبحت برلين عاصمة عالمية للموسيقى.\nلكن التدابير الجديدة التي فرضتها الحكومية الألمانية مؤخرا لمنع التجمعات، أجبرت الألمان على إقامة الحفلات في مكان واحد لا بديل له، وهو المنزل.\nواستجابة لهذه التطورات، دشن اتحاد نوادي برلين الذي يضم 245 ناديا وقاعة حفلات، مبادرة بدعم من الحكومة لإقامة الحفلات يوميا عبر البث الحي لعروض منسقي الموسيقى من قاعات النوادي بينما يتابعه عشاق الحفلات من منازلهم.\nوتقام الحفلات عبر الإنترنت من السابعة مساء وتستمر حتى منتصف الليل، ويحث موقع الاتحاد المتابعين على التبرع بالمال لدعم النوادي والفنانين الذين تأثر مصدر رزقهم بالحجر الصحي.\nورغم غرابة ارتياد حفل ليلي من المنزل، إلا أن كايسا بيرغر، التي تعيش في برلين تقول إنها تستمتع بالاستماع لأغانيها المفضلة التي يختارها مشغل الموسيقى "دي جي"، بينما ترتدي ملابس النوم بجوار كلبها في المنزل، وأحيانا ترقص على أنغامها في غرفة الجلوس.\nوتقول راكيل فيداتو، التي تنظم حفلات في برلين، إن بث الحفلات عبر الانترنت هو وسيلة لجمع أفراد المجتمع معا. وترى أن الرقص أمام الشاشة، رغم أنه غير مألوف، إلا أنه يساعد في تشتيت الانتباه عن الظروف العصيبة التي نمر بها.\nورغم غرابة هذه الأوقات، لا يتوقع أن تتوقف الحياة الليلة في العاصمة الألمانية برلين أو تنطفئ أنوارها، على الأقل ما دامت الحفلات تقام عبر الإنترنت.\nويقول ديميتري هيغمان، مؤسس أحد أشهر النوادي الليلية، إن الحفلات ستنطلق مجددا بمجرد ما ينحسر وباء كورونا المستجد.\nكتبت تشاروكيسي راماديوراي تقول إنه منذ أن أعلن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي فرض الحجر الصحي العام الذي يلزم 1.3 مليار نسمة بالبقاء في منازلهم لمدة 21 يوما، لإبطاء تفشي فيروس كورونا، ما زال المواطنون لم يفطنوا بعد إلى عواقب الحجر الصحي ولا الطرق البديلة لتلبية احتياجاتهم اليومية من التسوق إلى العلاج الطبي في ظل العزلة المنزلية وإغلاق المتاجر.\nولم يكد مودي يعلن التدابير الجديدة، حتى نشر لاعب الكريكيت الشهير فيرات كوهلي وزوجته الفنانة أنوشكا شارما تغريدات على تويتر لتشجيع الناس على اتباع التعليمات و"أن نتحد" معا لمواجهة الوباء. لكن المفارقة أن العقبة الكؤود في الأسابيع القادمة التي ستقف أمام جهود مكافحة المرض هي تعليم الهنود أن يتفرقوا.\nففي هذا البلد الذي يعد ثاني أكبر الدول من حيث عدد السكان، فإن فكرة احترام الحيز الشخصي معدومة تماما. وربما يدرك من زار الهند من قبل أن الصف هو عبارة عن حلقة من العشرات المحتشدين الذين يصيحون في آن واحد لإيصال صوتهم للبائع.\nولهذا شرعت متاجر السلع الغذائية في تعليم المواطنين الحفاظ على مسافة آمنة من خلال رسم دوائر مرقمة بالطباشير خارج المتاجر.\nوعلى مدى الأيام القليلة الماضية، يستمع المتصل في الهند إلى رسالة مسجلة عن أهمية تغطية الفم عند السعال وغسل اليدين. ونشر قسم شرطة كيرلا في الهند مقطع فيديو راقص عن أهمية الاعتناء بنظافة اليدين على أنغام الموسيقى الهندية.\nيقول مايك ماكيتشيران إنه على الرغم من زيادة الوعي بمخاطر الخمور على الصحة وانتشار البيرة منخفضة الكحول أو الخالية من الكحول، إلا أن الحانات البريطانية تكون عادة عامرة بالرواد، وبالطبع لا أحد يراعي قواعد التباعد الاجتماعي أو ترك مسافة آمنة بينه وبين غيره.\nوأعرب رئيس الوزراء بوريس جونسون عن أسفه لإغلاق جميع الحانات في بريطانيا، ووصف القرار بأنه يحرم البريطانيين من حق أصيل ومكفول لكل مواطن.\nلكن إغلاق الحانات في يوم 20 مارس/آذار، دفع البريطانيين إلى ابتكار طرق جديدة وخلاقة للتجمع واحتساء المشروبات مع الأصدقاء، بحكم العادة، بعد نهاية يوم العمل الشاق. وأتاحت لهم تطبيقات مثل، واتساب وسكايب وزوم و"هاوس بارتي"، المنصات اللازمة لتجاذب أطراف الحديث وتبادل الضحكات مع الأصدقاء عن بعد، وانتشرت حفلات الشراب الافتراضية والساعة السعيدة الرقمية.\nودشن البعض حانات افتراضية، مثل حانة "جيم ذا جاني" على موقع فيسبوك، التي يرتادها افتراضيا نحو 13 ألف زائر.\nوأقيمت حفلات أعياد ميلاد افتراضية، ومسابقات فكرية وثقافية عبر الانترنت. وشارك في مسابقات موقع "مسابقات الحانات الافتراضية" 340 ألف مشارك الأسبوع الحالي. وأتاح الحجر الصحي الفرصة للعازفين الهواة لمشاركة مهاراتهم الغنائية والموسيقية عبر موقع تويتر في حفلات افتراضية تقليدية للموسيقى الشعبية.\nأما عن خططي في عطلة نهاية الإسبوع، فأنا أنوي حضور حفل افتراضي مع 12 صديقا من اسكتلندا في الساعة السعيدة وسيحتسي كل منا مشروباته من منزله.\nكتبت كاثرين مارشال تقول إن الأستراليين يعشقون التخييم في إجازة عيد الفصح لأنها تجمع بين الاستمتاع بالطبيعة والاسترخاء والمغامرة وسط التماسيح وأسماك القرش والثعابين والعناكب الفتاكة.\nوكان الأستراليون ينتظرون بفارغ الصبر قدوم عيد الفصح لإقامة حفلات الشواء مع الأهل والأصدقاء في عطلة نهاية الأسبوع قبل حلول الشتاء. لكن التدابير الجديدة التي فرضتها الحكومة لتقييد حركة المواطنين أحبطت خطط الأستراليين للاستمتاع بالإجازة في الهواء الطلق.\nوشجع اتحاد شركات التخييم في أستراليا الأسبوع الحالي أكثر من 300 ألف أسترالي كانوا يخططون للتخييم في عطلة نهاية الأسبوع، على نصب خيامهم في الحدائق الخلفية أو غرف الجلوس.\nوبإمكان المخيمين الاستمتاع بمناظر من الحياة البرية الأسترالية عبر خدمة البث الحي عبر الإنترنت من محمية لون باين للكوالا، وحديقة حيوان ملبون ومتنزهات الحياة البرية في كوينزلاند. وقام اتحاد الكريكيت في أستراليا بمحاكاة المباريات عبر تطبيقات الكمبيوتر وقدم نصائح للصغار حتى يحافظوا على ليقاتهم البدنية.\nورغم أن وباء كورونا المستجد أجبر الكثيرين على البقاء في منازلهم، إلا أن بعض مغني الأوبرا الأستراليين أمتعوا الجيران بأغان ارتجالية من الشرفات لرفع الروح المعنوية للأستراليين.\nكتبت هاهنا يون تقول إنه قد يبدو غريبا أن تكون مدينة سيول بأسواقها التي تغص بالزوار آناء الليل وأطراف النهار وموظفيها الذين لا يتوقفون عن العمل على مدار الساعة، هي عاصمة بلد يعرف الآن بأنه "أرض هدوء الصباح".\nلكن إجراءات التباعد الاجتماعي الصارمة التي طبقت في كوريا الجنوبية منذ أسابيع، أطلقت العنان لمواهب وإبداعات الكوريين الذين تنافسوا في نشر مقاطع فيديو ملهمة عن طرق تحضير قهوة "دالغونا" الكورية.\nوتمثل المقاهي أهمية كبيرة في الحياة الاجتماعية الكورية. وبحسب رويترز، تضم كوريا الجنوبية أكبر عدد من المقاهي في العالم قياسا بعدد السكان. لكن بعد أن أغلقت المقاهي أبوابها، تفنن الكوريون في تحضير القهوة المحلية في منازلهم ونشروا فيديوهات تعليمية لطرق تحضيرها بخلط القهوة الفورية مع السكر والحليب والثلج لتصبح كثيفة القوام.\nولاقت هذه المقاطع صدى عالميا، وحاول الكثيرون حول العالم تحضير القهوة الكورية بأنفسهم في العزل المنزلي، وحصدت بعض المقاطع 3.5 مليون مشاهدة، وحققت مقاطع تحضير قهوة دالغونا 64 مليون مشاهدة على موقع "تيك توك".\nوانتشرت ظاهرة أخرى في كوريا الجنوبية تزامنا مع بداية الحجر الصحي، تتمثل في ترك رسالة شكر مصحوبة أحيانا بهدايا صغيرة لعمال توصيل الطرود للمنازل. إذ تعد رسائل الشكر المكتوبة بخط اليد في كوريا الجنوبية أكثر تعبيرا عن الامتنان من نظيرتها الشفوية أو المرسلة عبر البريد الإلكتروني.\nوكانت أكثر العبارات شيوعا في رسائل الشكر والدعوات التي تركها الكوريون لعمال التوصيل تقول: "نأمل ألا يحصد وباء كورونا المزيد من الضحايا".\nيمكتك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Travel

الخبر من المصدر