المحتوى الرئيسى

المركز القانونى للكنيسة القبطية

02/27 20:52

الكنيسة جمهور القديسين الذى يضمه الإيمان القويم والسلوك الحسن

القانون اعتبر الكنيسة شخصاً اعتبارياً والبابا نائباً عنها ولا تعد مالاً عاماً

لم تمنح القوانين واللوائح الكنيسة سلطة من السلطات التى تتمتع بها جهات الإدارة

الكنيسة لا تبتغى من قراراتها إلا مصلحة المؤمنين.. فقراراتها خاضعة للرقابة الإلهية

آثار خضوع القرارات الدينية التى تصدرها الكنيسة القبطية بحرمان أى من المؤمنين من تناول جسد المسيح ودمه للرقابة موجة من الجدل داخل الأوساط القبطية، ففى الوقت الذى أعلنت فيه الكنيسة رفضها للحكم، لمخالفته تعاليم السيد المسيح، اعتبر بعض الأقباط الأمر تدخلا فى شئونهم الدينية، وماساً بالعقيدة التى يدينون ويؤمنون بها، واعتبر البعض الآخر الأمر مستحيل التنفيذ عقلا ومنطقا.

ويبدو أن مرد الخلاف الحاصل بين الكنيسة والقضاء مرده إلى نص المادة 52 من التقنين المدنى التى عرفت الأشخاص الاعتبارية، واعتبرت الهيئات والطوائف الدينية المعترف بها من الدولة من بين هذه الأشخاص.

والمعروف أن الشخص الاعتبارى يقوم على عنصرين: الأول موضوعى، وهو الكيان الذاتى لجماعة من الأشخاص تنفصل بكيانها عن كيان أعضائها، وهو ما لا يتحقق إلا بتوافر أمرين، أولهما غرض أو مصلحة مشتركة تتميز عن المصالح الفردية، ولا تندمج فيها، وثانيهما :وجود تنظيم يستوجب أعضاء الشخص الاعتبارى. والعنصر الثانى: معنوى وهو أن يمثل ذلك الكيان قيمة اجتماعية ذات وزن تبرر الإقرار له بالشخصية القانونية، وهو ما يستقل المشرع بتقديره عن طريق الاعتراف.

ولما كان الفرمان العالى الصادر فى 18 من فبراير سنة 1856 بشأن تنظيم أمور الطوائف غير الإسلامية فى الدولة العلية، تضمن النص على حق هذه الطوائف فى أن يكون لها مجالس مخصوصة، تشكل فى البطركخانات، ثم اتبع ذلك صدور الأمر العالى الصادر فى 14 من مايو سنة 1883 بالتصديق على لائحة ترتيب واختصاصات مجالس الأرثوذكس العمومى، المعدل بالقوانين 8 لسنة 1908، و3 لسنة 1917, و29 لسنة 1927 و48  لسنة 1950 و267 لسنة 1955 ونص فى المادة الأولى على أن يشكل مجلس عمومى لجميع الأقباط فى القطر المصرى للنظر فى كافة مصالحهم الداخلية، ويكون مركزه بالدار البطريركية، وفى المادة الثالثة على أن يتولى رئاسة المجلس حضرة البطريرك، فإن مؤدى ذلك أن المشرع اعترف بالشخصية الاعتبارية لطائفة الأقباط الأرثوذكس، واعتبر البطريرك نائبا عنها، وبعدا عن إرادتها.

ولما كانت المادة 53 من القانون المدنى تنص على أن الشخص الاعتبارى يتمتع بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازما لصفة الإنسان الطبيعية، ويكون له: ذمة مالية مستقلة، وأهلية فى الحدود التى يعينها القانون وله مواطن مستقل، ونائب يعبر عن إرادته، وله حق التقاضى، وبالتالى فإن كاتدرائية الأقباط الأرثوذكس يكون لها مالية مستقلة، ولها أهلية ولها حق التقاضى ولها موطن مستقل، ولها نائب يعبر عن إرادتها.

ثم نصت المادة 87 على أن تعتبر أموالا عامة العقارات والمنقولات التى للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة، والتى تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل، أو بمقتضى قانون أو مرسوم، وهذه الأموال لا يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها، أو تملكها بالتقادم.

وقضت محكمة النقض بحكمها الصادر بجلسة 15/5/1958، فى الطعن رقم 55  لسنة  24ق بأن الكنيسة لا تعتبر من الأموال العامة المبينة فى المادة 9 من القانون المدنى القديم، حتى لو صح قياسها على الجوامع المنصوص عليها فى هذه المادة، ذلك أن عبارة الفقرة السابعة صريحة فى أن الجوامع لا تعتبر من الأموال العامة إلا إذا كانت الحكومة قائمة بإدارتها، أو بصرف ما يلزم لحفظها وبقائها، فشرط اعتبارها من الأموال العامة هو أن تكون فى رعاية الحكومة، وإذا كانت الكنيسة لا ينطبق عليها هذا الوصف فلا يصح اعتبارها من الأموال العامة.

فإذا كانت الكنيسة شخصا من أشخاص القانون العام، وأموالها ليست أموالا عامة فهل تتمتع الكنيسة بثمة قسط من اختصاصات السلطات العامة، وهل يمكن اعتبار قراراتها بعد ذلك من القرارات الإدارية؟

والبداية عندما ظهر القانون الإدارى، وازدهرت أحكامه كان ضروريا تحديد نطاق تطبيقه، وبيان الموضوعات التى تشملها أحكامه، وقد أدى تدخل الدولة وازدياد نشاطها الإدارى منذ القرن التاسع عشر إلى تطور أحكام القانون الإدارى واتساع مجال تطبيقه.

ورغم أن تدخل الدولة فى هذا الزمان كان محدودا إلا أنها كانت تباشر سلطة آمرة إزاء الأفراد، لما تملكه من امتيازات السلطة العامة، وقد ميز الفقه آنذاك فى تصرفات الإدارة بين نوعين من الأعمال، أعمال السلطة وهى التى تتصف بالصفة الإدارية وتصدر عن إرادة الدولة الآمرة وتعتبر المنازعات المتعلقة بها منازعات إدارية تخضع للقضاء الإدارى، وأعمالا عادية لا تستخدم فيها الإدارة سلطاتها العامة، وتقف على قدم المساواة بين الأفراد.

وقد هاجم الفقه معيار السلطة العامة منذ أوائل القرن العشرين، وذلك لتعذر التفرقة بين أعمال السلطة وأعمال الإدارة العادية، ولهذا اعتنق الفقه معيارا آخر لمفهوم السلطة، وهو القائم على التفرقة بين الإدارة العامة والإدارة الخاصة، ولم ينج أيضاً هذا المعيار من النقد، مما حدا بالفقه إلى البحث عن معيار آخر لتمديد

ولا شك أن المرفق العام يعتبر مظهرا إيجابيا لنشاط الدولة، وبه تتدخل الدولة لكى تشبع حاجات الجمهور، لذلك كان لزاما باسم المصلحة العامة أن تؤدى المرافق العامة خدماتها للجمهور على نحو يمكن الكافة من الاستفادة منها وقد عرف الفقه المرفق العام بأنه نشاط تباشره السلطة العامة لإشباع حاجة ذات نفع عام، وهذا التعريف يركز على العمل الذى يقوم به المرفق تحقيقا للنفع العام، كمرفق التعليم والأمن والصحة والدفاع، ويعرفه البعض الآخر بأنه هيئة عامة تعمل بانتظام واطراد على تزويد الجمهور بالحاجات العامة، وتستعين بسلطات الإدارة لتحقيق أهدافها، مثل الجامعات والمستشفيات العامة والوزارات وما يتبعها من فروع.

وتتمثل عناصر المرفق العام فيما يلى: أنه مشروع منظم بمعنى أن المرفق العام وكل مشروع تنشئه الدولة أو تشرف على إدارته، ويعمل بانتظام واستمرار، ويستعين بسلطات الإدارة لتزويد الجمهور بالحاجات العامة التى يتطلبها.

ولا يعتبر المشرع مرفقا عاما إلا إذا كان النفع العام الذى يسديه ليس فى مقدور الأفراد القيام به على الوجه الأكمل، مما يتطلب تدخل الحكومة لمساعدة المرفق فى تقديم خدماته، على نحو يمكن الجمهور من الاستفادة منه، ومن ثم فإن الصفة المميزة للمرفق العام أن يكون المشروع من المشروعات ذات النفع العام، والمرفق العام إما أن تسيره الإدارة أو يديره النشاط الخاص تحت رقابتها، فالإدارة هى التى تقرر اعتبار نشاط معين مرفقا عاما، سواء كانت الهيئة التى تتولاه عامة أو خاصة، فهو فى كلتا الحالتين يخضع فى إدارته للسلطة الحاكمة، بمعنى أن تكون الكلمة الأخيرة فى إدارة المشروع، وتنظيمه للسلطة العامة!! ويختلف المركز القانونى للأفراد تبعا لاختلاف الخدمات التى يسديها المرفق العام، وما إذا كانت خدمات مباشرة أو غير مباشرة، فالمرافق ذات الخدمات المباشرة تسدى منافعها بطريقة مباشرة، بتحديد كل منتفع على حدة، كمرفق النقل والتعليم والتليفون وتوزيع الغاز والكهرباء، ويترتب على ذلك قيام روابط مباشرة بين المرفق والمنتفعين بخدماته، بحيث ينتفع هؤلاء الأفراد مما تقدمه المرافق العامة من سلع وخدمات مادية محددة يستحوذ عليها كل منهم، ويختص بها على سبيل الانفراد، بخلاف المرافق الإدارية البحتة التى تسدى خدمات ذات نفع عام، ولا تقدم حاجات مادية محددة، يمكن للأفراد أن يختصوا بها على سبيل الانفراد، كما هو الحال بالنسبة لمرافق الأمن والدفاع والصحة والتعليم، فكل فرد فى الدولة يظله وارف أمنها وحمايتها، وبذلك فإن المرافق التى تقدم خدمة مباشرة هى المرافق الاقتصادية سواء كانت صناعية أو تجارية وأموال هذه المرافق لا تعتبر أموالا عامة، وبالتالى كان يجوز الحجز عليها، ولكن لأن هذه الأموال خصصت لإدارة المرافق العامة، وأصبحت لازمة لحسن سيرها، فقد تدخل المشرع بالنص على عدم جواز اتخاذ إجراءات التنفيذ الجبرى ضدها، تطبيقا لمبدأ دوام سير المرافق العامة حتى تستطيع أن تحقق رسالتها فى خدمة الصالح العام، وقد حدد المشرع مركز المنتفعين بالخدمات المباشرة، فاعتبر نصوص عقد الالتزام بمثابة أحكام لائحية تحكم علاقة الملتزم بعملائه.

وقد تكون الخدمات التى تسديها المرافق العامة غير مباشرة، يقدمها المرفق للأفراد الذين يستفيدون من نشاطه دون تخصيص أفراد محددين، وفى هذه الحالة لا تنشأ روابط مباشرة بين المرفق وأولئك الأفراد، فلا يوجد بين هؤلاء الآخرين والمرفق العام أى عقد أو اتفاق، ولا تستلزم إدارة المرافق العامة وتنظيمها إنشاء صلات خاصة بينهما وبين المنتفعين بخدماتها، فالمرافق الإدارية البحتة تؤدى خدمات ذات نفع عام للجمهور، لا تسدى خدمات مادية محددة يستحوذ عليها الأفراد أو يختصون بها على سبيل الانفراد، وهى بالتالى لا تهدف إلى تحقيق فائدة لشخص معين، وإنما تقدم خدمات للجمهور بدون تحديد.

فكل فرد فى الدولة يستفيد مما يحققه مرفق الأمن من خدمات، ومرفق الدفاع بمجابهة العدوان ورد كيد المعتدين، كما يستفيد الأفراد من المتنزهات المفتوحة لخدمة الجمهور، دون أن تنشأ بسبب هذا الانتفاع رابطة شخصية بين المنتفع والمرفق، وبالتالى فإن مركز المنتفعين إزاء المرافق الإدارية يكون دائما مركزا قانونيا عاما تحكمه القوانين واللوائح المتعلقة بذلك المرفق، ويستمدون حقوقهم فى المطالبة بأداء الخدمة من قانون المرفق ذاته.

ولما كان المرفق العام يعتبر وسيلة الدولة فى أداء خدماتها الأساسية للجمهور وكانت هذه الخدمة تمس الأفراد، فى صميم حياتهم لذلك استقر الأمر على خضوع تلك المرافق لعدد من القواعد الجوهرية: أولها المساواة أمام المرافق العامة وثانيها هو مبدأ دوام سير المرافق العامة بطريقة منتظمة وثالثها هو قابلية هذه المرافق للتعديل، فحق الإدارة فى تغيير أو تعديل نظام المرفق العام، هو حق أصيل لها، فالمرفق إن كان وسيلة لتحقيق الغاية من وجود الدولة ومظهر من مظاهر سلطتها فى تحقيق الصالح العام لكافة الشعب، ومن ثم يجب إحاطته بكافة الضمانات التى تمكنه من أدائها بصورة مطردة ومنتظمة حتى يستطيع الاستمرار فى إسداء الحاجات العامة للجمهور، الذى يعلق أهمية كبيرة على المرافق العامة، وبالتالى فإذا ظهر للإدارة فى أى وقت أن تنظيم المرفق العام لم يعد متفقا مع المصلحة التى أنشئ من أجلها أو أن هناك طريقة أفضل لزيادة كفاءته كان لها أن تجرى ما تشاء من تعديل فى تنظيمه دون أن يكون لأحد من الناس الادعاء بقيام حق مكتسب فى استمرار نظام معين.

والمرافق العامة متعددة الأنواع، فإذا كان للدولة الكلمة الأخيرة فى إدارة أى مرفق عام، فإن مدى سيطرتها عليه وتدخلها فى شئونه تتوقف على وسيلة إدارته، فقد تكون إدارة المرفق عن طريق الاستغلال المباشر، وهذه الطريقة تفترض أن الدولة أو أحد أشخاص القانون العام الأخرى هى التى تدير المرفق العام مستعينة فى ذلك بأموالها وموظفيها ومستخدمة وسائل القانون العام، فالدولة فى هذه الحالة هى وحدها صاحبة الكلمة فى تسيير المرفق العام بالنسبة لجميع شئونه.

وقد تعهد الدولة أو أحد أشخاص القانون العام الأخرى إلى أحد أشخاص القانون الخاص فردا أو شركة بإدارة مرفق عام اقتصادى واستغلاله لمدة محدودة على مسئوليته وبأمواله وعماله مقابل رسوم يدفعها المنتفعون بخدمات المرفق، وهذه الطريقة تسمى التزام المرافق العامة، فالالتزام عقد إدارى ذو طبيعة خاصة، وموضوعه إدارة مرفق عام، ولا يكون إلا لمدة محدودة ويتحمل الملتزم نفقات المشروع وأخطاره المالية ويتقاضى عوضا فى شكل رسوم يتقاضاها.

وقد تكون الطريقة فى الإدارة عن طريقة الاستغلال المختلط وتنشأ هذه الوسيلة عن طريق اكتتاب السلطات العامة مع أشخاص خاصة فى تكوين شركة مساهمة تتولى إدارة المرفق العام، على أن تشترك الحكومة فى إدارتها، وتتحمل أسوة بغيرها من المساهمين مخاطرها، ويعتبر الاستغلال المختلط بمثابة شركة مساهمة عادية تخضع لأحكام القانون التجارى.

ولا شك أن الدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة تمتلك نوعين من الأموال: الأول: أموال عامة وهى التى تخصص لخدمة المرافق العامة أو لخدمة الجمهور مباشرة وهذه الأموال لا تستطيع أن تحقق الأغراض المرجوة منها إذا بقيت خاضعة لأحكام القانون المدنى التى يسودها مبدأ المساواة والعقد شريعة المتعاقدين لذلك تقررت لها أحكام قانونية خاصة ونظام قانونى يحكمها.

والثانى: أموال خاصة وهذه الأموال تمتلكها الدولة أو غيرها من الأشخاص الإدارية وتستغلها وتتصرف فيها طبقا للتى تخضع لها ملكية الأفراد.

وقد بين المشرع فى القانون المدنى أنه تعتبر أموالا عامة العقارات والمنقولات التى للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة، والتى تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل، أو بمقتضى قانون، أو قرار جمهورى أو قرار من الوزير المختص، وهذه الأموال لا يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم، كما نص على أن تفقد الأموال العامة صفتها بانتهاء تخصيصها للمنفعة العامة.

وقد عنى المشرع بإسباغ حماية قانونية خاصة على أموال الدولة العامة، فمن ناحية حرم الاعتداء عليها وفرض عقوبات على كل من يخالف النصوص إلى تقرر حماية الأموال العامة، ومن ناحية أخرى حرم التصرف فى هذ الأموال أو الحجز عليها أو تملكها بوضع اليد.

ولا جدال أن الكنيسة ليست بناء يحتوى على مذبح وهيكل ومقاعد، إنما هى جمهور القديسين الذى يضمه للإيمان القويم والسلوك الحسن، أو هى بمعنى أدق الشعب المؤمن بالمسيح، أو أنها جمهور أناس يعترفون بالإيمان بالمسيح إيمانا قويا حقيقيا واحدا متحدين بالاشتراك فى أسرار واحدة يقضون حياتهم تحت إدارة رعاة قانونيين ورأسهم المسيح ذاته، فالكنيسة لها معنيان أحدهما روحى والآخر حرفى فالروحى هو جماعة المؤمنين بالمسيح، والحرفى هو المكان المشيد للعبادة المسيحية.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل