المحتوى الرئيسى

«المصري اليوم» مع أسَر مشجعي الزمالك المحبوسين: حكايات من وحيّ الأزمة | المصري اليوم

02/24 11:17

مثل بطل الأفلام التراجيدية تبدو حياة والد كريم رجب، مُشجع الزمالك. جلس الأب الخمسيني صباح عيد الأضحى الماضي، على كرسي خشبي أمام سجن الحَضرة بالإسكندرية، حيث نجله قابعاَ في الزنزانة منذ يوليو الماضي، محبوساً على ذمة قضية «أحداث شغب برج العرب»، مع 235 آخرين.

لنحو ساعة كاملة، لم يُحرك نظره في اتجاه آخر، بقت عيناه التي تملأها الدموع ثابتة على شباك السجن، تتدفق معها مشاعر الحزن والألم تجاه نجله المُصاب بمرض «الصَرع». مشهد لم يكن يتوقعه الأب، هو الآن حائر وساخط وعاجز عن إنقاذ ابنه، ويأمل في عفو من الرئيس عبدالفتاح السيسي.

كانت قوات الأمن ألقت القبض على 236 مشجعاً، مساء 9 يوليو الماضي، عقب مباراة الزمالك وأهلي طرابلس الليبي، في بطولة دوري أبطال أفريقيا، التي أقيمت بملعب برج العرب بالإسكندرية، وجرى إحالتهم للمحاكمة العسكرية بتهمة «الإتلاف والتخريب العمدي، والتعدي على رجال الشرطة ومقاومتهم أثناء ممارسة عملهم».

في حَارة ضيّقة بمنطقة الخصوص، تَسكن أسرة «كريم» في منزل مكون من 3 طوابق، على واجهته لافتة مكتوب عليها «هذا البيت معروض للبيع». قال لنا الأب، إنه لا يطيّق العيش هنا بعد القبض على نجله، وينتوي السكن في مكان آخر بعيداَ عن المنطقة التي عاش فيها طوال حياته.

اصطحبنا الوالد إلى غرفة ضيّقة تتزيّن جدرانها بـ«تي شيرتات» الزمالك، هنا كان «كريم» يحيا حياة طبيعية قبل أن تشهد تحوّلاً درامياً، باتت كابوساً مع دخوله السجن لأول مرة. يَرسم الأب صورة لابنه: «شاب دؤوب ومجتهد. عمل في أكثر من وظيفة إلى أن استقر في شركة ملابس جاهزة. وَرثته تشجيع الزماللك، كان يرتمي في حضني ويُقبلني حينما يفوز الفريق».

«الجحيم» عنوان اختاره الأب لتوصيف حياة الأسرة، حينما جرى إلقاء القبض على نجله من محيط ملعب برج العرب، بعد أحداث شغب داخل المدرجات. تلقى خبر القبض فجر اليوم التالي: «ابنك مقبوض عليه في قسم العامرية». توجّه إلى هناك فلم يجد نجله، بعدها ذهب إلى مديرية أمن الإسكندرية دون أي نتيجة، فاضطر 4 أيام متواصلة البحث عن «كريم» في عدد من أقسام الشرطة، والمستشفيات: «4 أيام مش بنام، مش لاقي ابني، وكان أزمتي الكبيرة إنه عند الصَرع، ولازم ياخد الدواء في الصباح والمساء».

يقول الوالد، الذي يعمل موظفاَ في مصلحة الضرائب بالدرب الأحمر، إن نجله يعاني من الصَرع، ومُلتزم في العلاج مع أحد الأطباء، وحصل بسبب ذلك على إعفاء نهائي من الجيش لعدم لياقته الطبية. وتحتفظ «المصري اليوم» بنسخة من الشهادات الطبية.

يَخشى الأب على نجله المريض، صدمة السجن لم تكن بصدمة تعرض الابن لمضاعفات المرض. صمت لحظة، ثم بكى: «المفروض ياخد الدواء الصبح وبالليل، لكن في السجن بياخده الصبح، وجات ليه حالات صَرع، ابني مريض، وأنا خايف عليه».

يَرسم الأب صورة أخرى للأسرة بعد إحالة «كريم» إلى المحاكمة: «ابني اتقبض عليه يوم الإثنين، وكان المفترض زواج شقيقته يوم الخميس، أجلّنا الفرح، الأم تمر بأزمة صحية بسبب مرض في القلب، ويتضاعف لحزنها وألمها، بروح شغلي وأعمل اللي عليّ بضيق عشان دا أكل عيشي، وبقعد على المكتب ساكت وببكي في معظم الأوقات. الحالة النفسية لنا جميعا سيئة، أول مرة نمرّ بهذا المشهد».

على جدران الغرقة، صورة لجواب يتوسطه علم الزمالك، كتبه «كريم» من داخل زنزانته إلى أسرته، تحدث للأب والأم وشقيقه الصغير المُلقب بـ«حمبوزوا»: «أنا أسف يا أبويا، والله غصب عني، مقدرتش أقولك رايح الماتش عشان كنت هتمنعني. أسف إني بهدلتك معايا. أنا مقدرش أعيش من غيرك. والله العظيم أنا مش زعلان على نفسي، أنا زعلان عليكم إنتوا. سامحني يا أمي، ووحشتيني. وإنت يا حمبوزوا إيه رأيك في ماتش الزمالك، وتابع الأخبار عشان تحكيها لما تيجي تزرني».

ذهب الابن إلى المباراة دون علم الأسرة، إذ يرفض الأب ذهابه إلى المباريات، بسبب مرضه: «دي أول مرة كريم يقولي فيها أنا أسف من قلبه. وأنا مش زعلان إنه راح الماتش، أنا علمته حب الكرة والزمالك. إحنا بنحب الكرة، نتسجن بسببها؟!».

وفق الوالد، لم يَمنع السجن «كريم» من تشجيع الزمالك، إذ غَنى مع زملائه داخل الزنزانة بعد فوز فريق اليد ببطولة أفريقيا قبل نحو أسبوعين: «كلمة نقولها وإحنا معاك. نادي الملوك والأبطال، وفي أي مكان دايما وياه، إحنا جمهوره الجبار. تاريخ كبير يحكي عليه».

حكايات وأخبار الزمالك حاضرة في زيارات الأسرة لنجلها. شقيقه «حمبوزوا» الزملكاوي، «5 سنوات»، يلتقظ الحديث بضحكة طفولية: «بقوله على أخبار الزمالك، وهو بيسألني. وفرحنا لما الأهلي اتغلب في أفريقيا».

لحظات طمأنينة وأمل داعبت الأسرة لدقائق، مع حديث الرئيس السيسي، في منتدى الشباب العالمي بشرم الشيخ، عن تشكيله للجنة لبحث حالات المحبوسين احتياطياً والصادر ضدهم أحكام، للإفراج عنهم وفق صلاحياته في ضوء الدستور والقانون.

يقول الأب: «فرحنا لما الرئيس اتكلم عن الشباب المحبوس، وننتظر عفواً عن ابني، نأمل في عَطف الرئيس السيسي، لأننا بنحب البلد. أنا كنت بشتغل في الإمارات، ورجعت مصر لأنها بلدي، وبحبها، فمش هنخربها».

كان رئيس الزمالك، مرتضى منصور، تنازل عن قضاياه ضد مشجعي الزمالك، واستقبل نحو 200 من أسر المحبوسين بمقر النادي، وأرَسل عدد من المحامين للدفاع عنهم.

من منطقة كوبري القبة بالقاهرة، تحرّك الشاب عبدالرحمن الأنصاري، مرتدياً «تي شيرت» الزمالك، مع مجموعة من أصدقائه إلى ملعب برج العرب، يرددون أغاني «وايت نايتس»: «عمري ما هنسى أبويا وهو ياخدني الاستاد. من صغره في حبه بيعلمني. قالي يا ابني الزمالك هو حياتنا».

لم يعتاد «عبدالرحمن»، (16 سنة)، الذهاب للمدرجات، لكن هذه المرة كان حريصاَ على مؤازة فريقه الذي يحتاج للفوز للتأهل إلى دور الـ16 بدوري أبطال أفريقيا. منذ ذلك اليوم، لم يَرِ والدته التي كانت تعاني مرض «السرطان»، توفت بعد 4 أيام من القبض عليه، حينما سمعت خبر تجديد حبسه 15 يوماَ.

أجرينا اتصالاً بوالده، للتصوير معه في المنزل، فأخبرنا أنه يَسكن حالياَ في منزل والدته، بعدما أغلق منزل أسرته إثر أزمة ابنه، ووفاة زوجته: «البيت مغلق بعد وفاة زوجتي، حالتي النفسية لا تسمح ليّ بالعيش فيه، ابني مسجون، ومراتي ماتت. انتقلت مع أبنائي إلى منزل والدتي».

التقيناه على مقهى مجاور لمحطة مترو كوبري القبة. قبل أن نتحدث في الأزمة، فاجأنا: «والله الموت أرحم ليّ من اللي أنا فيه»، صمت لدقائق ثم عاود الحديث: «حياتي واقفة. تلقيت أكبر صدمتين في 4 أيام، ابني مسجون، وبعدها زوجتي ماتت من تأثير حبسه».

مَزاج الأب سوداوي، لم يذهب لشركة السياحة التي يملكها منذ حَبس نجله، ووفاة زوجته، مشغول الآن بزيارة نجله في السجن، ورعاية بناته.

يَحكي الأب عن «بودي» اسم الشهرة لابنه: «دا طفل، إزاي هيكسّر كراسي. هو مراحش الاستاد غير مرتين أو تلاتة في حياته. بيروح عشان يشجّع مش يكسّر». يعترف بانكساره وعجزه: «مش عارف أعلمه حاجة. ياريت لو أعرف أخرجه بكرة الصبح، أروح لمين يخرجه؟».

لم يُخبر الوالد، نجله، بوفاة والدته، لا يريد تدهور حالة طفله أكثر، يسرّد مبررات عدة لغياب الأم عن الزيارة: «تعبانة شوية ومش قادرة تتكلم. هي في المستشفى عشان فحوصات طبية». يخشى سيناريو المواجهة حال خروجه، لأول مرة في حياته أمام مشهد درامي: «مش عارف هقوله إيه، بس هحاول أقوله دا قدّر من ربنا، والموت علينا حق، وأخفف عنه. بس هو يخرج».

حاول الأب، تغيير الحالة المزاجية لطفلته الصغرى، التي ساءت مع القبض على شقيقها، فسافر إلى الجزائر، حيث أهَل زوجته: «مراتي كانت جزائرية، وأخدت بنتي الصغيرة عشان أغير ليها جو، وروحت الجزائر حوالي مرتين، بس مفيش نتيجة. الأوضاع السيئة تبقى كما هي».

عشرات الأسر في انتظار عفو رئاسي عن ذويهم المحبوسين حالياً، حيث أرسلوا طلب استغاثة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي، والفريق أول صدقي صبحي، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، للعفو عن أبنائهم. وطالبوا بتفريغ كاميرات الملعب، حتى لا يجرى سجن أبنائهم ظُلماَ.

في محافظة السويس، أُصيب والد محمد عادل، أحد مشجعي الزمالك، بجلطة بعد إحالة نجله إلى المحكمة العسكرية. مَكث 4 أيام في أحد مستشفيات السويس بعد تحسّن حالته الصحية، وطُلب منه الالتزام مع أحد الأطباء في القاهرة، لإجراء فحوصات دورية، لكنه تجاهل الأمر، وفق ابنته «دينا»، فيما أُصيبت الأم بضيق في تنفس، وباتت تعاني من «الضغط».

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل