المحتوى الرئيسى

تحليل: الزيادة السكانية تُجهض التنمية وتزيد الفقر في مصر

02/23 08:47

قبل أيام أفاد الجهاز المركزي المصري للاحصاء أن عدد سكان مصر تجاوز رسميا 100 مليون نسمة. وكان العدد قبل أربع سنوات ما يزال بحدود 90 مليونا، ما يعني أن معدل الخصوبة ما يزال بحدود 3 بالمائة وأن الزيادة السكانية بلغت 2,5 مليون نسمة سنويا. الخبر عن تجاوز عدد السكان عتبة المائة مليون تناقلته وكالات الأنباء بشكل مقتضب ومر على صناع القرار في مصر ومن يهمهم الأمر خارجها بدون ضجيج رغم تبعاته الكارثية على مستقبل الاقتصاد المصري الذي يشهد منذ أكثر من 4 سنوات تحولات هيكيلية عميقة ومؤلمة تهدف إلى النهوض به وتنويع مصادر دخله. وقد بدأت هذه الإصلاحات تعطي ثمارها المتمثلة في مؤشرات عدة أبرزها تجاوز معدلات النمو الاقتصادي 5,5 بالمائة سنويا وزيادة الاحتياطات من العملات الأجنبية وتنفيذ مشاريع ضخمة في البنى التحتية وزيادة الصادرات بنحو ملياري دولار سنويا خلال السنوات الثلاث الماضية.

صحيح أن الرئيس السيسي نجح في تحسين مؤشرات الاقتصاد، لكنه فشل في وقف تدهور مستوى المعيشة. ويبدو صبر المصريين من وعوده الكثيرة بكبح الغلاء والفساد على وشك النفاذ، فهل يتعلم الدرس ويبدأ بالاستجابة للمطالب المحقة؟ (29.09.2019)

صعوبة السيطرة على النمو السكاني

ليست الزيادة السكانية في حد ذاتها مشكلة إذا كان هناك نمو اقتصادي يواكبها إلى جانب نظام تعليمي وسوق عمل تستوعب الكفاءات الشابة وتدفع بالاقتصاد إلى مزيد من النمو. في هذا السياق تفيد مراكز الأبحاث والخبراء أن النمو الاقتصادي ينبغي أن يكون ثلاثة أضعاف معدل النمو السكاني كي يكون قادرا على خلق الوظائف اللازمة للجيل الجديد. ومما يعنيه ذلك أن نسبة نمو سكاني بين 2,5 إلى 3 بالمائة سنويا في مصر تحتاج إلى نسبة نمو اقتصادي من 7,5 إلى 9 بالمائة سنويا للسيطرة على الوضع. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن نسبة النمو الفعلي ما تزال بعيدة عن النسبة المطلوبة، فإن فرص جني ثمار النمو في تحديث البنية التحتية المتهالكة وبناء صناعة تحويلية بقيمة مضافة عالية تصبح شبه مستحيلة إذا أرادت مصر الاعتماد على نفسها. ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى أن المواليد الجدد يلتهمون هذه الثمار التي يذهب ريعها إلى توفير الأدوية والأغذية والخدمات بدلا من استثمارها في قطاعات تولد الإنتاج والثروة اللازمة لتحديث نظم التعليم والبحث العلمي والبنية التحتية. ويزيد الطين بلة نسبة البطالة العالية في صفوف الشباب وأخطبوط الفساد الذي يضرب أطنابه في الكثير من مؤسسات الدولة. كما أن نسبة الفقر زادت لتشمل أكثر من 32 بالمائة من المصريين.

استخدام الأطفال كقوة عمل من أبرز أسباب ارتفاع نسبة الانجاب في الريف المصري

وجه الخطورة في الحالة المصرية

ولا تكمن مشكلة مصر مع النمو السكاني في افتراسه لثمار النمو فحسب، بل أيضا في تسببه بقضم الاراضي الزراعية ومصادر المياه المحدودة. وتقع هذه الأراضي التي تشكل فقط 5 بالمائة من مساحة البلاد على طرفي نهر النيل الذي يشكل مصدر المياه شبه الوحيد. وقد أظهرت خبرات العقود الخمس الماضية أنه كلما زاد عدد السكان يتم التوسع العمراني على حساب ما تبقى من الأراضي الزراعية التي كانت حتى ستينات القرن الماضي تنتج ما يزيد على حاجة المصريين من القمح والأرز. أما اليوم فقد أضحت البلاد من أكثر بلدان العالم المستوردة للحبوب. كما تراجعت حصة الفرد من المياه إلى أكثر من 50 بالمائة خلال الخمسين سنة الماضية. ومن الواضح أنها ستتراجع أكثر فأكثر مع استمرار الزيادة السكانية وبناء سد النهضة الإثيوبي على النهر واحتمال قيام دول أخرى ببناء مشاريع مماثلة. ويزيد الطين بلة غياب نظام تعليمي وتطبيقي يخرج كفاءات قادرة على الإبداع في منتجات وتكنولوجيات ومعارف جديدة. وحتى الآن لم تقم أية حكومة مصرية منذ الاستقلال بالاستثمار في التعليم رغم أهميته الحيوية بمبلغ يعادل نسبة مُعتبرة مما يتم استثماره في مشاريع السكك الحديدية والعاصمة الجديدة على سبيل المثال لا الحصر. وتفيد المعطيات المتوفرة أن مستوى التعليم العام يتراجع بشكل مريع لصالح التعليم الخاص الذي لا يستطيع تحمل تكاليفه سوى ميسوري الحال.

إرسال Facebook google+

أقدم الرئيس السيسي وحكومته على القيام بإصلاحات اقتصادية عميقة وجريئة حظيت بمديح صندوق النقد الدولي. وغير ذلك  فإن أية حكومة مصرية ومن ضمنها حكومات عهد السيسي لم تقدم على وضع خطط جريئة وجدية لخفض معدل الخصوبة إلى طفل أو طفلين للمرأة الواحدة بدلا من 3 إلى 5 أطفال لكل امرأة. الجدير ذكره أن خطط السيطرة على الخصوبة بحدود طفل إلى طفلين للعائلة الواحدة لم تنجح في الصين وحسب، بل وحتى في بلدان إسلامية مثل ماليزيا. ولا يعني غياب هذا النجاح في مصر التقليل من أهمية حملات وبرامج تنظيم الأسرة التي يتم العمل بها منذ عقود على غرار الحملة الحالية الهادفة إلى الاكتفاء بطفلين تحت عنوان "2 كفاية". ويدل على هذه الأهمية خفض معدل الخصوبة من 3,4 بالمائة إلى نحو 3 بالمائة خلال السنوات الأربع الماضية، أي إلى ما كان عليه قبل ثورة 25 يناير 2011. وبغض النظر عن صعوبة تحقيق مزيد من الخفض وخاصة في الأرياف وفي مجتمع محافظ غالبيته مسلمة، فإن أي نمو اقتصادي مستدام لا يمكن ضمانه في ظل معدل كهذا. فإذا استمر هذا المعدل سيتضاعف عدد السكان في غضون أقل من 40 سنة. ومن هنا فإن هناك ضرورة لإعادة النظر بالحملات والبرامج الحكومية الحالية والحوافز المرتبطة بتنفيذها.

ابراهيم محمد: النمو السكاني في مصر يخنق فرص التنمية الذاتية المستدامة

ومما يعنيه ذلك على سبيل المثال أن دور بعض مؤسسات الدولة والإعلام لا يكفي لتحقيق هدف الحملة الحالية المتمثل بخفض معدل الخصوبة إلى طفلين لكل امرأة. فالمطلوب هنا أيضا حملة وطنية تشمل أيضا تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني والمساجد والكنائس والتعليم وباقي وسائل الإعلام بشكل أكبر في عملية التوعية بمخاطر النمو السكاني على هذه الشاكلة وتقديم الحوافز اللازمة لها بهذا الخصوص. وفيما يتعلق بفرص العمل فإنه من الضروري تشجيع المرأة ودعمها في الحصول عليها بنسبة لا تقل عن 50 بالمائة مثلها مثل الرجل. فالمرأة الموظفة عموما تنجب أطفالا أقل وتعطي أهمية أكبر لتعليم أبنائها مقارنة بالمرأة التي تقوم فقط بالأعمال المنزلية. 

استطاعت مصر خلال فترة رئاسة السيسي أن تحصر بؤرة الحركات المسلحة في سيناء. وحققت، حسب مراقبين، نجاحات عديدة فيما يخص مكافحة الإرهاب. وبالرغم من اعتماد استراتيجيات جديدة، كـ "قيادة قوات شرق القناة لمكافحة الإرهاب"، في فبراير 2018، لا تزال مصر تشهد هجمات إرهابية بين فترة وأخرى.

تمكن السيسي خلال أربع سنوات من تنويع شركائه الإقتصاديين. إذ قام بعدة زيارات لبلدان عرفت علاقتها بمصر فتورا منذ ثورة 25 يناير، وكانت فرنسا وأمريكا من أهمها. وشهد التعاون بين الجيشين المصري والأمريكي تقدما ملحوظا، وهو ما أشار إليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أيضا. كما تعتبر صفقات الأسلحة بين مصر وفرنسا وكذلك روسيا من النجاحات التي حققها السيسي.

شهد الاقتصاد المصري تحسنا خلال السنوات الأربع الأخيرة. وقد رصدت صحيفة "اليوم السابع" مؤشرات مهمة على ذلك، أبرزها: تراجع العجز في الميزان التجاري بمعدل 5 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية، وارتفاع حصيلة صادرات السلع الاستهلاكية بمعدل 11 بالمائة لتصل إلى نحو 5,8 مليار دولارا بالإضافة إلى زيادة تحويلات المصريين العاملين بالخارج لتسجل نحو 6 مليارات دولار.

عرفت المشاريع في مصر قفزة نوعية خلال فترة رئاسة للسيسي، فقد تم إطلاق مشاريع عملاقة مثل توسيع قناة السويس، فضلا عن بناء عاصمة إدارية جديدة في شرق القاهرة،ن تتضمن بناء 240 ألف وحدة سكنية جديدة خلال خمس سنوات. كما تمت زيادة الرقعة الزراعية عبر مشروع "المليون ونصف فدان".

كان ملف الطاقة من بين الملفات الشائكة في مصر، لكنه عرف نوعا من التحسن مؤخراً. لا سيما مشكلة انقطاع الكهرباء التي عرفت انفراجا مهما بعد توقيع شراكات دولية، بينها أربع مذكرات تفاهم مع شركة سيمنس الألمانية لإقامة مشروعات في مجال الطاقة بإجمالي استثمارات تصل إلى عشرة مليارات دولار. وقال بيان لوزارة الكهرباء المصرية إن الشراكة شملت إنشاء محطات لتوليد الكهرباء بنظام الدورة المركبة.

توفر السياحة في مصر عائدات مالية مجزية، لكنها شهدت تراجعا في السنوات الأخيرة بسبب غياب الاستقرار الأمني حسب ما ذكر تقرير مجلس السياحة والسفر العالمي سنة 2016. وكان لسقوط الطائرة الروسية عام 2015، تأثير كبير على تراجع توافد السياح الروس إلى مصر. وتحاول القاهرة استقطاب السياح مجددا.

لم تنعكس بعض القرارات الهامة التي اتخذت في السنوات الأخيرة إيجابيا على المصريين. فقد أدى تحرير سعر صرف الجنيه المصري إلى ارتفاع كبير في الأسعار أثر بشدة على الأسر المصرية وخاصة الفقيرة، فضلا عن ارتفاع التضخم لمستويات قياسية، بالرغم من القروض التي حصلت مصر عليها من الصندوق الدولي.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل