أردوغان واللعب مع الكبار

أردوغان واللعب مع الكبار

منذ 4 سنوات

أردوغان واللعب مع الكبار

الدعم التركي العسكري والسياسي للتنظيمات الإرهابية التي تقاتل في سوريا تحت مظلتها منذ العام 2012 وعلى رأسها "هيئة تحرير الشام" المصنفة إرهابيا على مستوى العالم والتي كانت معروفة بـ"جبهة النصرة"، هي قصة لها مغزاها العميق في العرف السياسي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تعاملاته مع الدول الأخرى في العالم. \nسيتطلب الأمر من أردوغان إعادة النظر في سياساته القائمة على الابتزاز والتهديد لكل من يتعامل معه من دول الجوار وغيرها، وسيتطلب منه تصحيح المسار الاستراتيجي له في المنطقة؛ لأنها مساحة لكل دول العالم.\nوقد نجح هذا العرف التركي في عدد من المواقف خاصة مع الدول الأوروبية، حيث كان يمارس عليهم "لعبة الابتزاز" ويهددهم بتلك التنظيمات وبفتح باب الهجرة غير الشرعية، واستطاع أردوغان من خلالها تحقيق الكثير من المكاسب الاقتصادية والسياسية، ولكن هذه المرة تبدو "الحكاية" لها دلالة أخرى مع روسيا بوتين غير تلك التي يعرفها الجميع، فهي دليل أزمة وورطة أوجد نفسه فيها من خلال ممارساته غير محسوبة العواقب، وتمادى فيها لدرجة أنه اعتقد أن أسلوبه يمكن تمريره على الجميع.\nوتشير الأنباء الواردة من موسكو إلى أن المحادثات الروسية-التركية التي تنتهي اليوم ستثبت أن روسيا مصرة على أن يقوم الجيش السوري بتطهير كافة أراضيه من الجماعات الإرهابية التي تقاتل بجانب الرئيس التركي ومثلت تهديداً لاستقرار المنطقة، وأن الرئيس التركي لم يعد بتلك القدرة على المناورة السياسية، حيث لا يوجد حليف غربي يستطيع دعمه نتيجة لمغامراته السياسية.\nهناك الكثير من الأمور التي يمكن أن نستنتجها من الدعم التركي للتنظيمات الإرهابية في هذا التوقيت الذي يبدو أنه الورقة الأخيرة في إنقاذ مشروع طموحاته السياسية، أبرزها: أن أردوغان بدأ يشعر بالقلق من أن يجد نفسه خارج المعادلة الاستراتيجية في المنطقة، خاصة أنه يدرك أن الجيش السوري يلقى دعما جويا من حليفه الجديد روسيا، وبسببه فإن السوريين يحققون نتائج إيجابية في تحرير بلادهم من هذه الجماعات.\nومن تلك المعاني أيضا أن "الفهلوة" التي اتبعها أردوغان مع الأوروبيين لم تنجح في ابتزاز الروس الذين باتوا يحفظون أسلوبه القائم على "التذاكي" على الأمريكان الحليف التقليدي، وقد استغله بوتين في زعزعة حلف الناتو، وبات يعاني سوء إدارة إلى أن عقد مع بوتين صفقات سياسية وعسكرية وشراء منظومة صواريخ روسية.\nيصل قلق أردوغان إلى درجة أن تلك الجماعات التي قامت بلاده بتدريبها قد تنقلب عليه وتوجه أسلحتها تجاهه، وبالتالي فإن أردوغان يحاول أن ينقذ ما يمكن على الأقل ألا يخرج خالي الوفاض من سوريا، ومن المنطقة كلها بما فيها ليبيا.\nالنتيجة أن أردوغان حاليا يعيش مأزقا سياسيا حقيقيا، فهو مثلما كان في فترة ما يتولى مهمة استفزاز الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة من الدول العربية بطرق مختلفة مثل دعم الإخوان المسلمين وشن حملات إعلامية مغرضة وتوثيق علاقاته مع إيران، وكان يصب هذا في صالح استراتيجية بوتين وهدفه الكبير، وهو إضعاف الولايات المتحدة، والعمل على استغلال حماس بشكل جيد، فإنه الآن يحاول (أردوغان) أن يمارس اللعبة نفسها مع الغرب والتحول من روسيا بعدما تأكد أن الروس بدأوا يبحثون عن مصالحهم بعيدا عنه، ولكنه يبدو أنه لن ينجح هذه المرة، وأصبح عاجزا عن البقاء مع الروس أو العودة إلى الولايات المتحدة ليس فقط أنه بات مكشوفا، ولكن المصالح بين الولايات المتحدة وروسيا تتطلب التعامل المباشر بينهما وبعيدا عن تركيا التي عادت العالم.\nالسؤال: هل يمكن للغرب إنقاذ أردوغان من الغضب الروسي الذي ربما يضطر إلى المواجهة المباشرة مع تركيا في سوريا، وبالتالي إعادة أردوغان إلى الصف الغربي وإنقاذه من المأزق الذي وضع نفسه فيه بعدما تنكر له بسبب طموحاته؟!\nفي السياسة كل شيء قابل للحصول، ولكن هذه المرة سيتطلب الأمر من أردوغان إعادة النظر في سياساته القائمة على الابتزاز والتهديد لكل من يتعامل معه من دول الجوار وغيرها، وسيتطلب منه تصحيح المسار الاستراتيجي له في المنطقة لأنها مساحة لكل دول العالم، وسيكون عليه تبني سياسة عقلانية مع الحلفاء التقليديين، ومع ذلك تبقى الكلمة الأخيرة في الوضع الحالي بالنسبة لتركيا في يد كل من روسيا والولايات المتحدة وليس أردوغان.

الخبر من المصدر