المحتوى الرئيسى

بعد توقيع الخرطوم و"جوبا".. هل يقترب حل أزمة "آبيي" بين البلدين؟

02/20 10:03

وقعت حكومتا السودان وجنوب السودان، في عاصمة الأخيرة "جوبا"، بالأمس، على توصيات وقرارات اجتماع الآلية السياسية الأمنية المشتركة للبلدين، الذي عقد خلال اليومين الماضيين، إثر تداعيات أحداث منطقة أبيي الحدودية بين البلدين، والتي كانت قد شهدت الشهر الماضي أعمال عنف أسقطت قتلى وجرحى، من أجل حفظ الأمن والاستقرار في تلك المنطقة، وفقا لما ذكرته وكالة أنباء "الشرق الأوسط".

وذكر مجلس السيادة الانتقالي في السودان، أن التوصيات وقعها عن حكومة السودان، رئيس هيئة الأركان بالقوات المسلحة السودانية، الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين، وعن حكومة جمهورية جنوب السودان رئيس هيئة الأركان بقوات دفاع جنوب السودان، الفريق قبريال جوك رياك، بحضور أعضاء بعثة "يونسفا" الخاصة بحفظ الأمن والسلام في أبيي.

وأكد الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين، في كلمته عقب مراسم التوقيع، عزم وتصميم القيادة في البلدين على توطيد الأمن والسلام والاستقرار في الدولتين، واصفا العلاقة بين السودان وجنوب السودان بأنها "أصيلة ومتينة ومتجذرة في التاريخ".

وأوضح الحسين، أن اجتماع الآلية كان مقررا له أن يعقد في الخرطوم، ولكن تمت الدعوة لانعقاده في هذا التوقيت بجوبا إثر تداعيات الأحداث الأخيرة بمنطقة أبيي، مشيرا إلى أن الآلية تمثل حلقة منظومة الحكم في البلدين، ومن مهامها الأساسية الاضطلاع بحفظ الأمن والاستقرار في البلدين، وحفظ السلام في منطقة أبيي."الحسين": الاجتماعات سادتها روح وطنية عالية وشفافية

وتابع رئيس هيئة الأركان بالقوات المسلحة قائلا: "إن الاجتماعات سادتها روح وطنية عالية وشفافية وتجرد ونكران ذات، وتناولت تقارير بعثة "يونسفا" حول الأوضاع بمنطقة أبيي، لافتا إلى أن هذه الاجتماعات توصلت إلى توصيات وقرارات بناءة وقابلة للتنفيذ".

وأكد رئيس هيئة الأركان بالقوات المسلحة، التزام السودان بكل قرارات الآلية السابقة الخاصة بفتح المعابر واستكمال إجراءاتها، التي تم الإتفاق عليها، معربا عن ثقة السودان في بعثة "يونسفا".

وأوضح الحسين، أن القرارات، التي توصل إليها إجتماع الآلية بجوبا تهدف إلى إعانة البعثة في أداء مهامها وواجباتها في حفظ السلم والاستقرار في منطقة أبيي، داعيا البعثة إلى الإضطلاع بمسؤولياتها الكبيرة، مشددا على أن أي تقصير في أداء المهام سيؤثر علي علاقات دول الإقليم، مبينا أن الاجتماع المقبل للآلية سيعقد في 25 مارس المقبل في الخرطوم.

من جهته، أكد الفريق رياك، عقب مراسم التوقيع، التزام بلاده بتنفيذ توصيات وقرارات اجتماع الآلية، لافتا إلى أن هدفها المشترك هو تحقيق الأمن والسلام والاستقرار في الدولتين، منوها بأنهم يسعون إلى توفير بيئة آمنة ومستقرة للتعايش السلمي في منطقة أبيي.

وكان رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت قرر السبت الماضي،  إعادة تقسيم البلاد إلى عشر ولايات، وهو مطلب رئيسي للمعارضة، مع ثلاث "مناطق إدارية" هي روينق وبيبور وأبيي، فيما اعلن زعيم المتمردين رياك  مشار أعلن رفضه إقامة ثلاث مناطق إدارية.

وقال مشار في بيان: "لا يمكن الإشارة إلى هذا القرار إلى أنه عودة إلى عشر ولايات ولا يمكن القبول به كذلك"، مضيفاً: "لذلك ندعو الرئيس كير إلى إعادة النظر بفكرة إنشاء مناطق إدارية"، محذرا من أن إقامة المناطق الثلاث قد يؤدي إلى مشاكل إضافية.

وعند استقلاله عن السودان في عام 2011، كان جنوب السودان مكونا من 10 ولايات بحسب الدستور، ورفع سلفا كير عدد الولايات إلى 28 في عام 2015، ثم إلى 32، قبل أن يقرر تقليصها إلى 10 ولايات، بالإضافة إلى ثلاث مناطق إدارية.

وكانت مجموعة مسلحة، شنت هجوما في يناير الماضي على قرية بمنطقة أبيي، راح ضحيته أكثر من 30 قتيلاً وجرح العشرات بينهم نساء وأطفال، فيما أشارت  قوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة لأبيي "يونيسفا"، في 23 يناير الماضي، إلى مقتل 32 شخصا على الأقل، بمن فيهم نساء وأطفال، وإصابة العشرات، نتيجة هجوم شنه أفراد مسلحون من قبيلة المسيرية على قبيلة الدينكا في قرية كولوم، شمال غرب بلدة أبيي.

ووقع الحادث على خلفية قتل الدينكا ثلاثة من افراد المسيرية الرحل في 20 يناير الماضي مع عدد كبير من أبقارهم في ذات المنطقة التي ووقع فيها رد الفعل الانتقامي.

ونشرت بعثة حفظ السلام الأممية عناصر من القوة الأمنية في منطقة كولوم للسيطرة على الوضع. وقال فرحان حق، نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة، في مؤتمر صحفي في ذلك الوقت، إن قوات حفظ السلام ألقت القبض على خمسة أشخاص بعد الهجوم، فيما تستمر البعثة في القيام بدوريات في المنطقة والتحقيق في الحادث، مشيرا إلى وقوع هجوم مماثل في 19 يناير، في نفس المنطقة، قتل فيه ثلاثة أشخاص، وفقا لما ذكره موقع منظمة الأمم المتحدة على الإنترنت.

ودانت الحكومة الانتقالية في السودان، الأعمال الانتقامية ضد المواطنين من أي طرف، وأكدت رفضها التصعيد والتحريض القبلي الذي يؤدي إلى المزيد من التوتر وأعمال العنف.

وحمل مجلس السيادة السوداني، في ذلك الوقت  قوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة بمنطقة أبيي "يونيسفا" مسؤولية تردى الأوضاع الأمنية .

وقال المتحدث الرسمي باسم مجلس السيادة الانتقالي محمد الفكي سليمان فى تصريح صحفي في ذلك الوقت، "نحمل الأوضاع الأمنية المتردية فى المنطقة لبعثة حفظ السلام المؤقتة المناط بها حفظ الأمن فى المنطقة ، وهذا الأمر مسؤوليتها التامة باعتبار أن منطقة أبيي ما زالت تحت مظلة البعثة الأممية".

وأعلن سليمان قبول مجلس السيادة لاستقالة رئيس اللجنة الإشرافية لمنطقة أبيي من جانب السودان أحمد صالح صلوحة.

من جانبه، قال رئيس إدارية منطقة أبيي، من جانب جنوب السودان كوال الور كوال، في تصريح إنه تم  اختطاف 15 طفلا وحرق عدد من المنازل، مشيرا إن المهاجمين جاءوا من المناطق التي تتبع قبيلة المسيرية.

واتفقت حكومتا السودان وجنوب السودان في ذلك الوقت، على تشكيل لجنة تحقيق مشتركة في الأحداث التي شهدتها منطقة أبيي المتنازعة بين البلدين، وأكد رئيس مجلس السيادة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، في رسالة شفاهية، لرئيس حكومة جنوب السودان، سلفا كير ميارديت، على ضرورة احتواء الأحداث والوصول المتورطين فيها، وفقا لما ذكرته صحيفة"الشرق الاوسط"، في ذلك الوقت.

وفي يوليو 2019، تعرض اثنين من جنود حفظ السلام الأمميين في بعثة الأمم المتحدة المؤقتة في مدينة أبيي لهجوم من قبل "مجموعة من مسلحين مجهولي الهوية" في سوق أميت، أسفر عن مقتل واحد منهما. 

وفي 12 أغسطس 2017، بحث وفد من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والآلية الإفريقية للوساطة ملف منطقة أبيي المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان، وفقا لما ذكرته قناة "روسيا اليوم" الإخبارية الروسية.

وكانت أبيي ساحة قتال كبيرة في سنوات الحرب الأهلية بين السودان وجنوب السودان ولها أهمية رمزية واستراتيجية كبيرة للجانبين، ومنطقة أبيي واحدة من سلسلة نزاعات بين السودان وجنوب السودان والتي تشمل مناطق حدودية أخرى وحقوق النفط.

وتقع منطقة أبيى فى الجزء الجنوبى الغربى لولاية جنوب كردفان السودانية، بين خطي عرض 30,4 - 11,5 غربا، وخطي طول 27,10 - 30 شرقا، في مساحة تقدر بـ 25 ألف كم مربع.

وتتبع منطقة أبيي إداريا لولاية جنوب كردفان، وتنتشر فيها حقول النفط بالسودان والتي تبدأ شرقا بحقلي "شارف وأبو جابرة"، منتهيا بحقول "هجليج وبليلة"، وفقا لما ذكرته وكالة "شينخوا" الصينية.

وتبعد منطقة أبيي التماسية نحو 50 كم عن بحر العرب "نهر صغير بين السودان وجنوب السودان" وهي منطقة يعيش فيها خليط من القبائل الأفريقية والعربية ومعظمها رعوية.

وتعتبر هوية منطقة أبيي المحصورة بين السودان وجنوب السودان إحدى النقاط الخلافية الرئيسة، التي لم تحل بعد بموجب اتفاق السلام الشامل، الذي تم التوصل اليه في 2005، ووضع حد لعقود من الحرب بين الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان الجنوبية، وأدى في نهاية المطاف الى تقسيم السودان في يوليو 2011.

وتسكن في شمال منطقة أبيي قبائل المسيرية العربية أما جنوبا فتستوطن قبائل دينكا نقوك. وشعب الدينكا الذي يشكل الأغلبية في جنوب السودان وينتمي إليه العديد من المسؤولين الجنوبيين ومن بينهم الرئيس سيلفا كير

ويدور الخلاف بين الشمال والجنوب في المنطقة حول قبيلة المسيرية العربية التي قال الجنوبيون إن هذه القبيلة ليست مستقرة في أبيي بل تقوم بالانتقال إلى المنطقة للرعي لبضعة أشهر كل عام ثم تهاجر شمالا بقية العام.

أما وجهة النظر الشمالية فقالت إن ابيي هي أرض المستقر للمسيرية وأن هذه القبيلة تهاجر شمالا بسبب الظروف المناخية التي تؤثر على المراعي ثم تعود إلى أبيي.وقبيلة دينكا نقوك -المتفرعة من قبائل الدينكا- تشكل غالبية السكان في جنوب السودان، ويتحدر منها عدد كبير من المسؤولين الجنوب سودانيين، وهي تتقاسم هذه المنطقة التي تضاهي مساحتها مساحة لبنان، مع قبيلة المسيرية العربية من الرحل التي تتنقل مع مواشيها بين السودان وابيي.

وشمل اتفاق السلام بين الخرطوم وجوبا إجراء استفتاء على تقرير المصير في أبيي، إلا أنه يؤجل باستمرار، خاصة بسبب الخلاف بين الخرطوم وجوبا على من الذين يحق لها التصويت.

وبعد الملل من انتظار هذا الاستفتاء، قررت قبيلة دينكا نقوك تنظيم استفتاء خاص بها. لكن سلطات جنوب السودان أعلنت عدم موافقتها عليه. وكانت قبيلة المسيرية شبه البدوية التي تتكلم العربية والتي تتنقل بين السودان وأبيي والتي تؤيد الانضمام إلى السودان، أعلنت عدم مشاركتها في هذا الاستفتاء وهددت بتنظيم استفتاء خاص بها.

وفي 31 أكتوبر 2013، أعلنت نتائج استفتاء غير رسمي لا تعترف به الخرطوم ولا السودان نظمته قبيلة الدينكا نقوك في منطقة أبيي المتنازع عليها، أن أفراد القبيلة يرغبون في الانضمام لجنوب السودان. وصوّت سكان منطقة أبيي السودانية من قبيلة دينكا نقوك بنسبة 99.9% على ضم هذه المنطقة إلى جنوب السودان، وفقا لما ذكرته إذاعة صوت المانيا "دويتشه فيله".

وقال المراقب المستقل تيم فلاتمان في ذلك الوقت، إن 63 ألفاً و433 من أصل 64 ألفاً و775 ناخباً مسجلاً صوتوا خلال  استنفتاء استغرق 3 أيام. ولم يصوت على الانضمام للسودان سوى 12 ناخباً، فيما أعلن بطلان 362 بطاقة تصويت.

ورغم أن المنظمين أكدوا أن الاقتراع مفتوح للجميع، إلا أنه لم يشارك فيه سوى أفراد قبيلة الدينكا نقوك، المنتمية إلى شعب الدينكا الذي يشكل الأغلبية في جنوب السودان وينتمي إليه العديد من المسؤولين الجنوبيين ومن بينهم الرئيس سيلفا كير.

واعتبر الاتحاد الإفريقي، الذي يقوم بدور الوساطة بين السودان وجنوب السودان، أن هذه الاستفتاء يشكل تحركاً "غير مسؤول" و"تهديداً للسلام". كما اعتبرت الأمم المتحدة مؤخراً أن الوضع في أبيي "متفجر".

 أما على صعيد الجهود الدولية لحل الازمة، استجاب مجلس الأمن الدولي بموجب قراره رقم 1990 بتاريخ 27 يونيو 2011، للوضع العاجل في إقليم أبيي بالسودان، بتأسيس بعثة القوة المؤقت في أبيي، المعروفة اختصارا باسم"يونيسفا".

وكانت اشتباكات اندلعت عند دخول القوات السودانية إلى أبيي ما شرد عشرات الآلاف من الأشخاص في غضون أسابيع قبل أن يصبح جنوب السودان دولة مستقلة، وفقا لما ذكره موقع عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام على الإنترنت. ويقع المقر الرئيس للبعثة الأممية في "بلدة آبيي".

واهتم مجلس الأمن بشدة بالعنف والتوتر المتصاعد والنزوح السكاني، وكلفت العملية بمراقبة الحدود الملتهبة بين الشمال والجنوب وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، كما خُوِلَت لها سلطة استخدام القوة في حماية المدنيين والعاملين في المجالات الإنسانية في أبيي.

وأسست مهمة القوة الأمنية المؤقتة في أبيي بعد اتفاقية أديس أبابا بين حكومة السودان وحركة تحرير شعب السودان، والتي بموجبها تم تجريد منطقة أبيي من السلاح والسماح للقوات الأثيوبية بمراقبة المنطقة.

عدد أعضاء بعثة "يونيسفا"- المصدر: الموقع الرسمي لعمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام

وتمول بعثة "يونيسفا" عن طريق حساب مستقل يعتمد سنويا بواسطة الجمعية العامة للأمم المتحدة، فيما تبلغ الميزانية المعتمدة للبعثة "يوليو 2018 -يونيو 2019" 263 مليون و858 ألف و100 دولار أمريكي، فيما بلغت عدد قتلى البعثة الأممية 36 عنصرا.

وقام مجلس الأمن الدولي في نوفمبر الماضي، بتمديد بقاء قوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة لأبيي حتى 15 مايو 2020، وتحديد "تقدم ملموس" في قضايا الحدود المطلوبة من السودان وجنوب السودان قبل ذلك التاريخ، كما طالب المجلس حكومتي السودان وجنوب السودان بتقديم الدعم الكامل لقوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة لأبيي في نشر أفرادها، معربًا عن خيبة أمله لاستمرار إعاقة الأطراف في هذا الصدد، وفقا لما نشرته وكالة الأنباء الإثيوبية.

 الدول المشاركة بالقوات في بعثة "يونيسفا"- المصدر: الموقع الرسمي لعمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل