المحتوى الرئيسى

الكاتب السوداني الطيب صالح.. عبقري الرواية العربية

02/19 21:40

حلت، الثلاثاء، ذكرى وفاة الكاتب السوداني الطيب صالح الذي أطلق عليه النقاد لقب "عبقري الرواية العربية" وارتبط اسمه برواية واحدة من بين روايات قليلة كتبها وخلدته إلى الأبد.

 حينما بدأ الطيب الكتابة الأدبية، كان مبدعو الرواية العربية يدورن في فلك ما أنتجه أعلام الرواية المصرية الكبار من أمثال توفيق الحكيم ويحيى حقي ونجيب محفوظ ويوسف إدريس، لكن الطيب استطاع وحده أن يبتكر عالما فنيا خاصا له.

واستدعى الطيب فيما كتب بيئته المحلية بأساطيرها وبساطة أساليب العيش فيها، لكنه طرح بفضل ثقافته العميقة تساؤلات خالدة عن الوجود والعدم امتدت معه لتشمل المأزق الحضاري الذي شكل مفهوم النهضة وحصره في علاقة الشرق والغرب. 

ولد الطيب صالح في 12 يوليو 1929 في إقليم مروي شمالي السودان بقرية كَرْمَكوْل بالقرب من قرية دبة الفقراء، وهي إحدى قرى قبيلة الركابية التي ينتسب إليها، وتوفي في أحد مستشفيات العاصمة البريطانية لندن التي أقام فيها في ليلة الأربعاء 18 فبراير 2009.

عاش مطلع حياته وشبابه المبكر في السودان وحصل من جامعة الخرطوم على بكالوريوس في العلوم، وسافر إلى إنجلترا لمواصلة دراسته، وهناك غيّر تخصصه إلى دراسة العلوم السياسية ثم عمل في مجال الإعلام وبالتحديد في إذاعة "بي بي سي".

وتعرف هناك على المستعرب الشهير دينيس جونسون ديفز الذي كان على معرفة كبيرة بالأدب العربي وبفضل الصداقة العميقة بينهما حفزه دينيس على كتابة "موسم الهجرة إلى الشمال" التي نشر بعض فصولها بالإنجليزية في مجلة "أصوات" التي كان دينيس يصدرها.

 وفي الستينيات عمل الطيب صالح في بيروت وبدأ فى 1966، نشر روايته باللغة العربية قبل أن تصدر في كتاب مستقل عن دار العودة في بيروت في العام نفسه ثم في طبعة شعبية عن سلسلة روايات الهلال في مصر ومقدمة للناقد البارز رجاء النقاش.

ومنذ نشرها لأول مرة صنعت الرواية لمؤلفها شهرة استثنائية حتى أنها اختزلت تجربته الروائية التي شملت أعمالا أخرى منها: "دومة ود حامد، ومريود" ثم "منسي" التي كتبها في سنواته الأخيرة وبعد توقف قارب 35 عاما.

ولا أحد يعرف السر وراء هذا النجاح المدوي لـ"موسم الهجرة إلى الشمال" هل طبيعة موضوعها الشائك الذي يجدد السؤال عن مواجهة الشرق والغرب أم مضمونها الجريء الحافل بضرب جميع المحرمات، فضلا عن تقنياتها الفنية الرفيعة وسرديتها العذبة التي يندر أن تتكرر، أم أن عمق معرفة المؤلف باللغة العربية أعطاها سحرا لا يقاوم شمل بطلها "مصطفى سعيد" الذي خلده الأدب كما خلد "عطيل" بطل شكسبير.

واختيرت "موسم الهجرة إلى الشمال" كواحدة من أفضل مائة رواية في القرن العشرين على مستوى الوطن العربي، ونالت استحسانا وقبولاً عالميين وترجمت إلى عدة لغات.

أكثر من هذا تعرضت في بلدان عربية عدة للمنع بسبب مضمونها الجريء واتهمتها حكومة الرئيس السوداني المعزول عمر البشير قبل 20 عاما بـ"الاستهزاء بقيم المجتمع السوداني، وعجزها عن نقل صورة واقعية وأمينة لملامح الحياة في السودان". 

والمفارقة اللافتة أن الرواية صارت رغم كل مزاعم المنع والرقابة نصا مركزيا في الأدب العربي عموما وفي الأدب السوداني الذي لا يزال مبدعوه يسعون للتحرر من أسطورة الطيب صالح الذي كان يزعجه جدا اختزال الأدب السوداني في شخصه.

وبسبب طبيعته المتواضعة كان يقول: "إني لا أستحق.. صدقوني إنني أتمنى ذلك؛ لأنه ليس تواضعاً مزيفاً بل هو إحساس صادق، وإنني لأدهش حين يطلب مني الناس أن أتحدث لأني لا أجد شيئاً جديداً أقوله، لقد كتبت أشياء لكن لا أحس بأن لي حكمة أمتاز بها عن بقية خلق الله، وقد عشت في بيئة في قرية من قرى شمال السودان، كنت أظن كل الناس أكثر حكمة مني، أهلي.. أعمامي، أخوالي، أبناء عمي. نحن ننتمي إلى بيئة زراعية وجزء من أهلي رجال دين وعلم، ظللت أحس هذا وأنا أتعلم هذا التعليم المدني، ففي كل زيارة لأهلي أشعر والله أن أي مزارع في هذا البلد أكثر حكمة مني، ولذلك ظللت أسير في الدنيا بهذا الإحساس".

ومن عرف صاحب "مريود" كان يدرك أن السر الحقيقي فيما ناله من شهرة يتعلق بزهده الذي كان زهدا حقيقيا وسعيه الدائم للعيش ببساطة رغبة في النجاة من "محنة الكتابة".

لذلك ورغم إلحاح الجميع تجنب التورط في كتابة "سيرة ذاتية" على الرغم من اتساع عالمه الإنساني وخبراته التي تعدد في العمل داخل مؤسسات دولية أبرزها منظمة اليونسكو وانتقاله بين عواصم عدة منها لندن وبيروت والقاهرة والدوحة والرياض، فضلا عن تجواله الدائم وسفره الذي لم يتوقف.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل