المحتوى الرئيسى

شريف عارف يكتب: الإخوان المتسلقون

01/26 21:02

هم «خونة العصر» وكل عصر!

لا أمان لهم أو عهد معهم أو ضمان لاتفاق أو تحالف، تلك هى «عقيدة الإخوان» الراسخة فى العملية السياسية على مر الزمان، فهم يعتبرون أن كل التيارات مهمتها خدمتهم والوصول بهم إلى السلطة!

قد تتعجب أو تتساءل: لماذا «يتسلقون» بهذا الشكل الاحترافى ويتملقون من أجل الوصول إلى أهدافهم المشبوهة؟ ولماذا «يغدرون» بحلفائهم الذين تعاهدوا معهم على الشراكة.

كانت «ثورة يناير» الميدان المناسب والمجال الخصب والتربة الملائمة لأن يستعيد الإخوان قدراتهم التاريخية فى «القفز» على الواقع السياسى، رغم أن فكرة الثورة ليست من «أدبيات الجماعة»، وقادتها تعاملوا مع القوى السياسية رغم إيمانهم بـ«رفض الحزبية»، وهى القاعدة التى أقرها «البنا» قبل عقود طويلة، وتحديداً فى المؤتمر العاشر للجماعة عام 1938.

الواقع الذى مرت به مصر منذ يناير 2011 كان أفضل «ممارسة» لكى يرى الكل بعينيه إلى أى شىء يسعى «الإخوان»، وما هو مخططهم فى «القفز والتسلق» على كل القوى السياسية، بهدف الوصول إلى الحكم!

هم يجلسون مع كل القوى السياسية، ويديرون مخططاً لنشر العنف والفوضى، ويتواصلون مع الدول المحركة للمخطط فى آن واحد!.. والضحية فى النهاية هم «الحلفاء» الذين وثقوا بهم وأعطوا لهم الأمان.

فى أوائل أبريل من عام 2012 فجّرت جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية «الحرية والعدالة» مفاجأة، عندما أعلنت عن سفر وفد من أعضائها إلى واشنطن للقاء مسئولين أمريكيين فى البيت الأبيض.

من بين عشرات التصريحات والتعليقات حول الزيارة.. قالت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية إن الوفد الذى يزور واشنطن يهدف إلى محاولة «تحسين» صورة الجماعة أمام الإدارة الأمريكية وإبرازها على أنها حركة معتدلة ذات وعى اجتماعى.

إلى ذلك تناولت معظم وسائل الإعلام مضمون «الرسالة التطمينية» التى حملها الوفد «الإخوانى»، والتى تلخصت فى الحفاظ على موقف مصر تجاه السياسة الخارجية الأمريكية.. وتماسك معاهدة السلام مع إسرائيل.. قدر الإمكان!

لقد عاد الإخوان مرة أخرى إلى المربع الأول فى الصراع مع اليهود، رغم أنهم كانوا المحرضين ضدهم فى منتصف الأربعينات، ونفذوا أكبر عمليات تفجير لحارة اليهود بالقاهرة فى يونيو 1948!

بعد ستة شهور من وصول «الجماعة» إلى حكم مصر، وتحديداً فى ديسمبر 2012، تصاعدت حدة المقاومة لبقاء «الإخوان» فى سدة حكم الدولة المصرية.

أيام قليلة وشهد محيط «قصر الاتحادية» الرئاسى موجات عنف بين الثوار المعارضين وميليشيات الجماعة.

وسط هذا الجدل الكبير فجّر القيادى الإخوان عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، مفاجأة من العيار الثقيل، قائلاً فى تصريحات لبرنامج تليفزيونى: «إن عودة اليهود المصريين من إسرائيل واسترداد أملاكهم ستفسح المجال للفلسطينيين للعودة إلى أراضيهم».

«العريان» أضاف: «كل مصرى من حقه أن يعود، خاصة إذا كان سيفسح المجال لفلسطينى»، لكنه فى الوقت ذاته طرح سؤالاً ضمنياً فى مبادرته بقوله: «جمال عبدالناصر طردهم ليه؟!.. كل مصرى له الحق فى العودة لبلده.. وأطالب يهود مصر بالرجوع، لأن بلدهم أولى بهم من إسرائيل»، وتساءل: «لماذا يعيشون فى كيان عنصرى» وهو ما يمكن أن يحولهم إلى «ملوثين»، على حد تعبيره.

كانت المبادرة مفاجأة حقيقية، لكنها بمثابة «بالون اختبار» لمغازلة الغرب واليهود عموماً، وتوجيه ضربة أخرى إلى «التيار الناصرى» فى مصر، الذى كان أحد الداعمين للثوار المعارضين لحكم الإخوان، والتأكيد على أن «عبدالناصر» كان سبباً فى طرد اليهود من مصر، وهو ما نفاه رموز من التيار الناصرى آنذاك.

قبل شهور، كنت أستمع إلى حديث شيّق مع مجموعة من الأصدقاء من القيادى الوفدى والسياسى الكبير الدكتور محمود أباظة عن دور الإخوان فى العملية السياسية خلال حقبة الثمانينات من القرن الماضى، فقد كان دائماً ما يردد مقولة: «إحنا عارفينهم كويس.. وهما عارفينا»!

روى لى «أباظة» قصة مهمة، وهى أن زعيم الوفد فؤاد سراج الدين أدرك خطر الإخوان فى الوقت المناسب، وأن المرحوم إبراهيم شكرى، رئيس حزب العمل، جاء إلى سراج الدين وأخذ يعدد المنافع التى ستعود على حزبه بعد تحالفه مع الإخوان، وبعد استئذان شكرى وخروجه من المكان، قال سراج الدين: «إن هذا الرجل سيدمر حزبه بالتحالف مع الإخوان»!..

وقد كان.. فقد انتهى حزب العمل «الاشتراكى» على أيديهم!

هذه حقيقة «الإخوان»، فهم لم يدخلوا حركة أو يتحالفوا مع حزب إلا وأفسدوه بتآمرهم وغدرهم!

كان التحالف بين «الوفد» والإخوان فى منتصف الثمانينات هدفه أن الجماعة تبحث عن قناة شرعية أو رسمية بقدر الإمكان لخوض الانتخابات عبرها أو على قوائمها، ومن المؤكد أن الوفد بعد عودته إلى الحياة السياسية سيجتاز نسبة الـ8٪ التى حددها القانون للحصول على مقاعد برلمانية!

التاريخ يعيد نفسه عند الإخون وحدهم..!

الجماعة الآثمة أرست مبدأ «التجسس» على كافة التيارات السياسية الأخرى.. والمرشد الأول زرع «عيوناً» داخل الأحزاب المنافسة للاطلاع على أدق أسرارها.

الدكتور محمود عساف، مؤسس جهاز معلومات الإخوان، يقول فى مذكراته: إن هناك بعض أعضاء الجماعة كانت لهم صلات وثيقة بالقلم السياسى، وإن «البنا» اكتشف بعضاً ممن يعملون مع البوليس السياسى، فكان يبعث إليهم ويجلس مع كل منهم على انفراد، ثم يقول له: عرفت أنك تعمل لحساب القلم السياسى، فيرد الآخر طبعاً منكراً بشدة، يقول الإمام: أنا أعلم ذلك يقيناً، ولم أحضرك هنا للتحقيق معك، بل لأحل لك المال الذى تأخذه من الحكومة، فأنت تتجسس علينا وهذا حرام، وتتقاضى أجراً نظير تجسسك وهذا الأجر حرام، وأنت لا تعلم شيئاً ذا قيمة من أخبار الإخوان فتؤلف لرئاستك فى القلم السياسى أى أخبار من عندك، وهذا كذب وهو حرام، أريد أن أبعدك عن هذا الحرام كله، وأسمح لك بأن تتقاضى ما شئت من أجر من الحكومة بشرط أن تبلغهم الأخبار الصحيحة..

ويُنهى حديثه بالقول: اذهب إلى محمود عساف، مدير شركة الإعلانات العربية، وهى من شركات الإخوان، وهو سيعطيك الأخبار الصحيحة، وبالفعل كان «البنا» قد أبلغ عساف بهذا الاتفاق، وكان يبعث له كل يوم بأهم الأخبار فى ظرف مغلق -وغالبيتها مكتوبة بحرفية تحمل شفرات للمتعاونين أو مغلوطة لتضليل الأمن- ويبلغها له فى آخر الليل، وكان عساف يعد أوراقاً يكتبها بنفسه على الآلة الكاتبة، كل منها تحتوى على خمسة أو ستة أخبار، بحيث يكون هناك خبر مكرر عند كل اثنين، وبذلك يؤكد كل منهما على تقرير الآخر المرفوع للقلم السياسى!

الإخوان أنفسهم لا ينكرون وقائع الغدر بالتيارات السياسية، وغالباً ما يتباهون بها، فهم فى كثير من اعترافاتهم خلال محاكمات قالوا إننا كنا نستهدف الحركة الشيوعية المصرية.

وكذلك حينما التقى حسن البنا بالسكرتير الأول للسفارة الأمريكية بالقاهرة «فيليب إيرلاند» فى منزله بالزمالك قال له: نحن على استعداد لأن نساعدكم فى مقاومة الشيوعيين.. إنما «ده عايز فلوس كتير»..! وهذا يعنى أن «البنا» استخدم التحالف ضد الشيوعية فى جلب أموال طائلة من الأمريكيين..!

الحكاية كانت فى شتاء عام 1947، عندما أرسل سكرتير السفارة الأمريكية بالقاهرة فيليب إيرلاند مبعوثاً إلى المرشد العام حسن البنا بمقر المركز العام للإخوان المسلمين بالحلمية يطلب لقاءه.. اندهش المرشد العام من الطلب فى البداية، ولكنه وافق على الفور، وطلب من المبعوث أن يكون اللقاء بعيداً عن المقر العام للجماعة، لأنه مراقب من «البوليس السياسى».. خاصة أن المرشد -وفقاً لرواية الدكتور محمود عساف مؤسس جهاز معلومات الإخوان- «يرى أن البعض سوف يؤولون تلك المقابلة ويفسرونها تفسيراً مغلوطاً ليس فى صالح الإخوان»!

حمل المبعوث رد المرشد إلى سكرتير السفارة الأمريكية، الذى تفهّم الوضع جيداً، وطلب أن يكون اللقاء فى بيته بحى الزمالك على النيل!

وفى الموعد مساء إحدى الليالى -لم تحدد أى من الروايات التاريخ- حضر الشيخ البنا إلى بيت سكرتير السفارة، ومعه اثنان من أقرب معاونيه، الدكتور محمود عساف ومحمد الحلوجى، ويعمل مترجماً فورياً.. دخل الثلاثة إلى بيت سكرتير السفارة الذى استقبلهم استقبالاً حاراً، وكانت المفاجأة هى حديثه الطلق باللغة العربية، مما جعل المترجم يجلس «مجرد مستمع»، ودفع البنا إلى أن يأمره بالانصراف!

دخل «إيرلاند» فى الموضوع مباشرة، وقال: «إن موقفكم من الشيوعية واضح ومعروف لنا.. ولقد عبّرتم كثيراً عن أن الشيوعى الحاد يجب محاربته». واستطرد إيرلاند: «لقد طلبت مقابلتكم، حيث خطرت لى فكرة وهى لماذا لا يتم التعاون بيننا.. أنتم برجالكم ومعلوماتكم.. ونحن بأموالنا»!..

أظهرت وثيقة صادرة بتاريخ 28 فبراير عام 1948، وتمثل عرضاً لتقرير سرى أعده قسم الدعاية الشيوعية التابع للمفوضية الروسية، التى كانت تعمل فى مصر، أن حسن البنا قد اتفق مع «البوليس السياسى» على منحه قوائم بأسماء القيادات الشيوعية التى هو على علاقة بها فى مقابل منح كوادر الجماعة حرية فى التحرك.

وتذكر الوثيقة نصاً أن قسم الدعاية الشيوعية قدّم مذكرة تشير إلى بعض الخطابات المتبادلة بين الأستاذ حسن البنا ومحمد بك إمام إبراهيم، مدير البوليس السياسى، فى هذا الموضوع!

حكى الشيخ محمد متولى الشعراوى تجربته مع جماعة الإخوان المسلمين بقوله: «كانت لى تجربة فى البداية مع الإخوان، ففى سنة 1937 التقيت بالشيخ حسن البنا، وفى العام نفسه خرج حزب الوفد من الحكم وكنت وفدياً كطبيعة بلدى، وفى عام 1938 منعونا من الاحتفال بذكرى سعد زغلول، فذهبنا إلى النادى السعدى واحتفلنا وألقيت قصيدة فى مدح سعد وخليفته مصطفى النحاس، وعندما بلغ البنا نص القصيدة زعل جداً وعاتبنى، فقلت له: يا شيخ حسن، إذا استعرضنا زعماء البلد اليوم نرى أقربهم إلى منهج الله فلن نجد إلا مصطفى النحاس، وحينئذ قال الشيخ حسن مقولته الشهيرة: «هو أعدى أعدائنا لأن له ركيزة فى الشعب، وهو الوحيد الذى يستطيع أن يضايقنا، أما الباقون فنقدر أن نبصق عليهم جميعاً!!».

«ومن هنا (يقول الشعراوى) انفصلت عن الإخوان المسلمين، وأصبح رأيى فيهم: كنتم شجرة ظليلة غفر الله لمن تعجّل ثمرتها!!.. تكاتف الإنجليز مع حكومة صدقى للقضاء على المعارضة فى الأوساط الأزهرية برجلهم الشيخ الظواهرى، وتحركت السلطة يومئذ فقبضت على زعماء الحركة، وكنت أنا واحداً منهم، وبقيت فى سجن الزقازيق لمدة شهر، حيث تم إيداعنا أنا وفهمى عبداللطيف، كل منا فى زنزانة انفرادية بتهمة العيب فى الذات الملكية، وهى التهمة التى اعتادت الحكومة وقتها إلصاقها بأى وطنى لتغطية أسباب الاعتقال.. وهى تأليب الرأى العام ضد الملك وسلطات الاحتلال الإنجليزى»!.. هذا الموقف من المرشد العام للجماعة حسن البنا يكشف عن نظرة الإخوان لفكرة «الحزبية» وليس حزب الوفد أو شخص مصطفى النحاس.

ربما كان الموقف السابق بين الشيخ محمد متولى الشعراوى والبنا لا يتعدى الحديث الشخصى.. ولكنه يشير إلى نظر مرشد الجماعة إلى فكرة الحزبية، رغم أنه (أى البنا) كان أحد المشاركين فى ثورة 1919 وواحداً ممن أيدوا فكرة تشكيل «الوفد المصرى»! إلا أن الموقف اختلف تماماً مع ظهور جماعة الإخوان المسلمين فى المشهد السياسى المصرى اعتباراً من عام 1928، وهو العام الذى أعقب وفاة الزعيم سعد زغلول، فقد أصبحت الجماعة منافساً سياسياً للوفد، وبالتالى كانت هناك حاجة ماسة لدى «البنا» لضرب فكرة «الحزبية» من الأساس. وعلى هذا الأساس لم تكن جماعة الإخوان المسلمين جماعة دعوية، بل جماعة سياسية تسعى -كبقية الأحزاب السياسية القائمة- إلى الحكم!

وربما يتضح ذلك من المفهوم الذى حددته الجماعة لـ«الإسلام» وفقاً لما أكده مرشدها ومؤسسها «حسن البنا» بقوله: «فالإسلام عبادة وقيادة، ودين ودولة، وروحانية وعمل، وصلاة وجهاد، ومصحف وسيف، لا ينفك واحد عن الآخر، (حسن البنا، مذكرات الدعوة والداعية).

وقال فى المذكرات نفسها: «فالإسلام الذى يؤمن به الإخوان المسلمون يجعل الحكومة ركناً من أركانه، ويعتمد على التنفيذ كما يعتمد على الإرشاد، وقد جعل النبى عليه السلام الحكم عروة من عرى الإسلام: والحكم معدود فى كتبنا الفقهية من العقائد والأصول لا من الفقهيات والفروع، فالإسلام حكم وتنفيذ، كما هو تشريع وتعليم، وكما هو قانون وقضاء، لا ينفك واحد منهما عن الآخر.

وفى مقال له بصحيفة «الإخوان المسلمون» كتب: «أستطيع أن أجهر فى صراحة بأن المسلم لا يتم إسلامه إلا إذا كان سياسياً بعيد النظر فى شئون أمته، مهتماً بها، غيوراً عليها»!

وفى عام 1928، وفى مدينة الإسماعيلية، حيث كان حسن البنا يعمل مدرساً فى مدرستها الابتدائية، نشأت الجماعة لتعمل فى سبيل الإسلام والمسلمين، وكان البنا أخذ يدعو إلى الله قبل هذه النشأة بوقت قصير، ولم يكن يدعو فى المساجد فقط، وإنما كان يدعو فى كل تجمُّع كالمقاهى وسرادقات المآتم.

ولفت هذا التحرك الناس إليه، فأخذوا يزورونه فى منزله ويستمعون إليه ويأنسون به، وفى إحدى هذه الجلسات كان الحديث بينه وبعض هؤلاء الزوار الذين حدد أسماءهم فى كتابه «مذكرات الدعوة والداعية» (حافظ عبدالحميد، أحمد المصرى، فؤاد إبراهيم، عبدالرحمن حسب الله، إسماعيل عز، زكى المغربى)، حول العمل فى سبيل الإسلام والمسلمين. اتفقوا على ذلك، وبايعوا الله على هذا العمل، وأخذوا يتشاورون فى أمر التسمية التى يطلقونها على أنفسهم، وهل تكون التسمية جمعية، أو نادياً، أو طريقة، قال البنا: «دعونا من الشكليات والرسميات وليكن أول اجتماع لنا أساسه الفكرة، نحن إخوة فى خدمة الإسلام، فنحن إذاً الإخوان المسلمون».

وهكذا تكونت جماعة الإخوان، وأخذت تعمل فى سبيل الإسلام والمسلمين. «أيها الإخوان، إن الأمة التى تحسن صناعة الموت، وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة، يهب لها الله الحياة العزيزة فى الدنيا والنعيم فى الآخرة، وما الوهن الذى أذلنا إلا حب الدينا وكراهية الموت.. فأعدوا أنفسكم لعمل عظيم، واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة، واعلموا أن الموت لا بد منه، وأنه لا يكون إلا مرة واحدة، فإن جعلتموها فى سبيل الله كان ذلك ربح الدنيا وثواب الآخرة، فاعملوا للموتة الكبرى تظفروا بالسعادة الكاملة، ورزقنا الله وإياكم كرامة الاستشهاد فى سبيله».

سعى الإخوان إلى كسب ود النظام الملكى ورجاله من خلال وسائل دعايتهم والحشد البشرى ضد كل أعداء الملك أو من يفكر فى الهجوم عليه! وبالتالى كان على «البنا» أن يقدم، هو وجماعته، فروض الطاعة والولاء «المعلن» للملك، وكان أول هذه الفروض الدفع نحو فكرة أن يكون «فاروق» خليفة للمسلمين! لقد وجد الإخوان فى فكرة «الخلافة» ضالتهم، ولكن طرح الفكرة لم يكن من جانب الجماعة، فقد طرحتها المؤسسة الدينية فى السنوات الأولى من حكم فاروق بإيعاز من الشيخ المراغى، الذى أشرف على تنظيم زيارات الملك للمساجد فى عهد حكومة على ماهر، وأصبح الملك الشاب يختلط بجماهير المصلين عقب صلاة الجمعة من كل أسبوع، ووسط هذه الدعاية ظهر مصطلح «الملك الصالح».. (الملك فاروق والخلافة الإسلامية، د. أمل فهمى).

أصبحت هناك رغبة أكيدة لدى الجالس على عرش مصر فى ضرورة عودة «الخلافة الإسلامية» إلى مصر، وأن يصبح «فاروق» أميراً للمؤمنين، كان التأكيد استمراراً لما سعى إليه الملك الوالد من قبل «فؤاد»، ولكنه فشل فى تحقيق الهدف.

ولقد تأثر الملك الشاب بالمحيطين به، وبإحساسه بأنه ملك لأهم دولة فى العالم الإسلامى، وأصوله الألبانية، وتربيته واستغلال رغبة الغالبية العظمى من الشعب، كل ذلك جعله ملتهب الحماس لتأدية هذا الدور، وجُهزت الإمكانيات وهُيِّئ المناخ لإضفاء التكوين الإسلامى على الخليفة الجديد (لطيفة سالم: فاروق وسقوط الملكية).

مع إعداد مصر للاحتفال بالعيد الألفى للأزهر، الذى سوف يتوافد عليه زعماء العالم الإسلامى وكبار مفكريه ستكون الفرصة مناسبة لأن ينادى المسلمون بإعادة الخلافة الإسلامية، ولم يجدوا أفضل من الملك فاروق لهذا المنصب، وقد قابلت الجماهير هذه الدعوات بالتصفيق والهتاف بحياة الملك فاروق خليفة المسلمين.

وجاء دور المرشد العام للجماعة «حسن البنا» ليقدم فروض الطاعة التى تخدم أهداف الجماعة من ناحية، وتحقق البقاء تحت «مظلة الملك» من ناحية ثانية.

وهنا أعلن «البنا» عن تأييده الكامل، هو وجماعته، لفكرة الخلافة، فكتب يقول: كان المسلمون فى الخلاف يرجعون إلى الخليفة.. فأين هو الآن؟ لا بد أن نعمل جميعاً على إيجاده، بهذا المفاد دعا الإخوان إلى الفكرة من منظور دينى، إذ لم يكونوا قد أعلنوا بعد بدء اشتغالهم بالسياسة، وإن كانت دعوتهم تحمل تلميحاً بالخلافة، فضلاً عن ذلك فإن حركة الإخوان كانت تتحسب وقتذاك الصدام مع القوى السياسية الأخرى وفى مقدمتها الوفد، ولما تكتمل للحركة أسباب القوة بعد. «لطيفة سالم».

من جانبها بدأت جريدة «الإخوان» حملة للإشادة بمكارم «فاروق» وأخلاقه ومدى تأثر رجال الوعظ والإرشاد به وقولهم الشعر فيه رغم أنهم لا يصوغونه إلا لدافع قوى يتصل بمهمتهم فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. هذا الشعر الذى يعبّر عن رجاء أن يظلل التاج المصرى يوماً الأمم العربية والأعجمية ويستعيد الإسلام مجده، وتنتهى إلى أن الإخوان المسلمين يعقدون الآمال على الملك فى خدمة الإسلام والمسلمين.

ويكتب حسن البنا فى مقال تحت عنوان «حامى المصحف» أن الملك فاروق أثناء رحلته للصعيد أخرج أحد الذين اصطحبهم فى رحلته فصاً أثرياً وقال «إنه يجلب له الحظ»، وأخرج آخر مفتاحاً وكرر نفس المعنى، حينئذ أخرج الملك مصحفاً وقال: «إن هذا هو مفتاح كل خير عندى»، ويعلق حسن البنا: إذا كان قد ضم القرآن إلى قلبه ومزج به روحه، فإنه لا يخدم نفسه فى الدنيا والآخرة فحسب، ولكنه يريد أن يؤسس مصر على أفضل المناهج ويسلك بها أقرب الطرق إلى كل خير، وهو بذلك يكسب ولاء أربعمائة مليون من المسلمين فى آفاق الأرض تشرئب أعناقهم وتهفو أرواحهم إلى الملك الفاضل الذى يبايعهم على أن يكون حامى المصحف، فيبايعونه على أن يموتوا بين يديه جنوداً للمصحف، وأن الله قد اختار لهذه الهداية العامة الفاروق. «لطيفة سالم».

وبمناسبة تولى فاروق سلطاته الدستورية، انهمر سيل الإخوان إلى ساحة قصر عابدين، بعد أن أصدر المرشد العام الأوامر إلى الفرق العسكرية بالزحف رافعين أعلامهم يهتفون «الله أكبر والحمد لله، الإخوان المسلمون يبايعون الملك المعظم، نبايعك على سنة الله ورسوله» (الإخوان المسلمون - 9 فبراير 1937). على الجانب الآخر هاجم الإخوان المسلمون الوفد عندما خرجت جموع الوفديين فى مظاهرات صاخبة تتحدى الملك وتهتف «الشعب مع النحاس» جاء رد الملك سريعاً، حيث خرج آلاف المتظاهرين من الإخوان والأزهريين بدعم من المراغى، وهتفوا: «الله مع الملك»، لتؤكد الجماعة بذلك الصيغة الدينية لحكم القصر إلى أن أقيلت وزارة النحاس فى أواخر عام 1937. (حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار الشباب».

جريدة «النذير» -وهى إحدى أذرع جماعة الإخوان الصحفية- اهتمت بصفة خاصة بأخبار «فاروق» ولم تعتبره مجرد خليفة، أما الجماعة فقد زادت درجة التقارب بينها وبين القصر، ففى إحدى رحلات فاروق وعودته إلى القاهرة، أصدر مكتب الإرشاد أمراً إلى جميع الشعب الإخوانية بضرورة اصطفاف الأعضاء وفرق الجوالة على المحطات التى يقف بها القطار الملكى فى المحافظات لأداء فروض الطاعة والولاء. وعقب حادث 4 فبراير 1942.. عاد الوفد إلى الحكم وهو العدو التقليدى للملك وللجماعة معاً، فأعدت جريدة «النذير» احتفالاً خاصاً بعيد جلوسه على العرش، حيث شبّهته بالفاروق عمر بن الخطاب ولقبته بأمير المؤمنين، ونشرت مجلة الإخوان المسلمين، التى أعيد إصدارها عام 1942، صورة الملك على عددها الأول، ونشرت فى عددها الثانى نبأ عن ذهاب وفد من الجماعة إلى الملك على رأسه المرشد العام ليقدم العدد الأول من المجلة إلى الملك فاروق: (يف هيوج: الملك السرى للملك فاروق، ترجمة أحمد فوزى).

وفى عام 1945 أظهرت مجلة الإخوان ولاءها للملك، فانتهزت فرصة عيد ميلاده وحمل غلافها صورته، وذكرت أن عيد الملك هو عيد الشعب، وأن الحب الذى يكنّه له هذا الشعب لم يمنحه لغيره من قبل.

تظل معركة القنال التى دارت رحاها منذ نهاية 1951 وحتى 25 يناير 1952 الساحة الكبرى لغدر الإخوان، فيوم «25 يناير 1952» لم يكن معركة الشرطة وحدها، كانت «كتائب التحرير» التى تقودها القوى المدنية، ويدربها ضباط من الجيش المصرى بقيادة الفريق عزيز المصرى بمساعدة عدد من الضباط العاملين، فى مقدمة عناصر المقاومة، حتى التجار والشرفاء من أبناء الوطن موّلوا الفدائيين، ويظل الإخوان هم «خونة العصر» فى كل حين برفضهم المشاركة!

عندما عاد حزب الوفد مرة أخرى إلى الحكم فى يناير 1950، بعد سنوات من الإقصاء، ورغم العداء «التاريخى» بين الحزب والجماعة، فإن النحاس باشا أصدر قراراً بإلغاء حل الجماعة بشرط الابتعاد عن السياسة.

وعلى أثر ذلك اجتمع أعضاء جماعة الإخوان لاختيار خليفة لحسن البنا الذى اغتيل فى 12 فبراير عام 1949.

وتقول جريدة اللواء الجديد: «إن مزراحى باشا، محامى الخاصة الملكية، كان له دور فى تحسين العلاقات بين الملك والإخوان، وإن الصحف البريطانية أظهرت ترحيباً شديداً بتعيين المستشار حسن الهضيبى مرشداً عاماً للإخوان». وكان الملك يؤيد انتخاب الهضيبى مرشداً عاماً، فهو متزوج من شقيقة مراد حسن، ناظر الخاصة الملكية، كما أنه وطيد الصلة ببعض العائلات الكبيرة الثرية المقربة من الملك، إذ تربطه بها علاقات عائلية وشخصية.

وعندما خرجت المظاهرات فى مصر كلها تهتف ضد الملك وحافظ عفيفى، عقب تعيينه رئيساً للديوان الملكى، شنّت مجلة «الدعوة» التى كان يصدرها صالح عشماوى هجوماً حاداً على رئيس الديوان الجديد، فقام عبدالحكيم عابدين، سكرتير الجماعة، بإصدار بيان يقرر فيه «إن مجلة الدعوة لا تصدر عن المركز العام للإخوان المسلمين، ولا تنطق بلسانه، ولا تمثل سياسته، وإنها صحيفة شخصية تعبّر عن آراء صاحبها»!

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل