المحتوى الرئيسى

الهند وإدارة التنوع الثقافى

01/23 23:31

نشرت جريدة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب عبدالحسين شعبان ركز فيه على القانون الجديد الذى يمنح الجنسية الهندية لجميع المجاميع المهاجرة للهند باستثناء المسلمين، ونعرض منه ما يلى:

اعتبرت أوساط هندية عديدة إصدار البرلمان قانونا جديدا للمواطنة فى 4 ديسمبر 2019، تجاوزا صارخا لتنوع الهند وتراثها الحضارى المعقد وأسس الديمقراطية الهندية المكفولة بالدستور الصادر عام 1950، والتى تصلب عودها على مدى زاد على سبعة عقود من الزمان منذ أن نالت استقلالها عام 1947. وبموجب القانون الجديد يُسمح للحكومة بمنح الجنسية الهندية لمجاميع ثقافية مهاجرة من ثلاثة بلدان هى باكستان وبنجلادش وأفغانستان، وتم حصر ذلك بالهندوس والسيخ والبوذيين والجينز والفرس والمسيحيين، واستثناء المسلمين منه.

وركز القانون على الأفراد الذين تعرضوا للاضطهاد الدينى أو الخوف من تعرضهم له فى بلدانهم الأصلية، وقرر تخفيض مدة الحصول على الجنسية من 11 سنة إقامة إلى 5 سنوات، وكان ذلك تنفيذا لوعد حزب «بهارتيا جاناتا» الحاكم فى بيانه الانتخابى عام 2014 بتوفير «ملاذ آمن» للهندوس المضطهدين فى دول الجوار.

وإذا كنا حتى وقت قريب نعتبر الهند من البلدان النامية التى استطاعت إدارة التنوع الثقافى على نحو «ناجح»، من خلال دستور يُقر مبادئ المساواة والمواطنة المتكافئة، فضلا عن ممارسة سليمة جرى تطبيقها بما يوفر فرصا مناسبة لمختلف المجموعات الثقافية العرقية والدينية والطائفية واللغوية والسلالية وغيرها، فإن مثل هذا الاعتقاد يواجه اليوم تحديا كبيرا وقد يتعرض للتصدع إذا ما جرى الإصرار على إمرار القانون، خصوصا أنه يولد شعورا لدى المسلمين بشكل عام، فضلا عن آراء حقوقية ومدنية بشأن تمييزية القانون الجديد فى ظل احتدام «هوياتى» مجتمعى أصاب مبدأ المواطنة فى الصميم، وهى المسألة التى ظلت الهند تتمسك بها على الرغم من كل الظروف التى واجهتها والتجاذبات الطائفية والدينية والإثنية التى تعرضت لها، ناهيك عن أعمال العنف والإرهاب التى صاحبتها.

وكنت قد عبرت فى وقت سابق عن إعجابى بما أوردته سفيرة الهند فى المغرب خيا باتاشاريا، بشأن فكرة التعايش الهندية، وذلك خلال ندوة شاركت فيها حين قالت: «إن لسان حال المواطن فى بلدى يقول: أنا هندى، لا أذهب إلى المسجد أو الجامع أو الكنيسة أو المعبد، وإذا أردت أن ترانى، فستجدنى فى جميع هذه الأماكن»، بمعنى أننى مواطن بغض النظر عن الدين أو الطائفة أو اللغة أو العرق، وهو ما سارت عليه الهند فى إدارة التنوع والتعايش الذى وضع لبناته الأولى المهاتما غاندى؛ بل دفع حياته ثمنا لقناعاته، حيث تم اغتياله على يد متطرف هندوسى فى 30 يناير 1948.

ما حصل فى الهند مؤخرا من أعمال عنف منفلت من عقاله ويمكن أن يتوسع، أثار ردود فعل عديدة وقلقا واسعا متناميا، فاندلعت تظاهرات احتجاجية تندّد به قابلتها السلطات الحاكمة بالقمع فسقط عشرات القتلى والجرحى فيها، وهو ما دفع 1000 عالم وباحث هندى إلى توقيع عريضة احتجاج ضد القانون؛ لأنه يضفى الشرعية على التمييز الدينى حسبما ورد فيها.

جدير بالذكر أن المسلمين يؤلفون نحو 20% من سكان الهند، بمعنى أنهم يشكلون ما يزيد على 230 مليون نسمة، وهم جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعى، الأمر الذى يثير قلقا مشروعا حول امتداد أعمال العنف والعنف المضاد، وهو ما يمكن أن يترك تأثيره فى العلاقات الاجتماعية فى الهند ومع جيرانها، وخصوصا باكستان التى تتنازع وإياها على مصير كشمير منذ سبعة عقود من الزمن، والتى شهدت احتداما كبيرا فى الأشهر الأخيرة، وسيزداد الأمر تعقيدا فى علاقتها مع البلدان العربية والمسلمة التى تمتلك علاقات وثيقة وقوية اقتصادية وتجارية واجتماعية وثقافية مع العديد منها.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل