المحتوى الرئيسى

«السلطان» يقتحم «الجماهيرية»: ليبيا ــ الدولة تندثر.. ويبقى النفط!

01/21 22:48

خلال قرن إلا قليلا، شهدت ليبيا تحولات خطيرة بدَّلت أحوالها جذريا، وحولتها من بعض «ممتلكات» السلطنة العثمانية، إلى بلاد صحراوية يحكمها الطليان بوحشية مطلقة ويواجهون فرسانها بقيادة البطل عُمر المختار حتى ألحقوا بهم الهزيمة وأعدموه شنقا ثم بعد انتصار الحلفاء فى الحرب العالمية الثانية، تقاسمها البريطانيون (فى الغرب، طرابلس والشرق، بنغازى) مع الفرنسيين فى الجنوب (سبها هى عاصمة الجنوب الغربى من ليبيا. فى الصحراء، يحدها من الشمال منطقة زلاف الصحراوية وأودية الشاطئ وعتبة والآجال ومناطق مرزق والقطرون)..

كانت نهاية الحرب هى اللحظة المناسبة لإعلان قيام المملكة الاتحادية تحت قيادة الملك إدريسef="/tags/88398-%D8%A5%D8%AF%D8%B1%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D9%88%D8%B3%D9%8A">إدريس السنوسى وإن استمر تأثير الطليان، لغويا على الأقل، حتى بعد «ثورة الفاتح» فى الأول من سبتمبر 1969 (الذى كان يعيش منفيا فى بعض أنحاء مصر، قرب حدود ليبيا).

هكذا قامت دولة اتحادية: غربها، بعاصمته طرابلس، يتحدث الإيطالية إلى جانب العربية، وشرقها يتحدث الإنجليزية إلى جانب العربية بلهجة بدوية، وجنوبها ــ المحاذى لتشاد ــ يتحدث الفرنسية.

ولقد أعيد إدريس السنوسى، المنفى إلى بعض الشاطئ المصرى القريب، إلى ليبيا، وتم إعلانه ملكا، مركزه فى طرابلس، ومصيفه فى البيضاء فى بعض الجبال المطلة على بنغازى..

هكذا فقد كان الليبيون يتقنون الإيطالية فى طرابلس، والإنجليزية فى بنغازى، والفرنسية فى سبها.

أما طبرق والمسافة بينها وبين الحدود المصرية، قصيرة جدا فقد كانت تضم فى صحرائها ذكريات المواجهة الاستثنائية بين جيش الحلفاء بقيادة الجنرال برنارد مونتجمرى، والجيش الألمانى بقيادة الجنرال رومل.. وهى مواجهة انتهت بانتصار الحلفاء وهزيمة الألمان.

... وكان أن ظهر النفط عند الشاطئ الليبى وفى بعض أنحاء الصحراء الشاسعة التى تفجر بها الذهب الأسود، وانتبهت إليها الدول على أنها أرض الذهب.

فى الفاتح من سبتمبر (1969) قام الجيش بقيادة معمر القذافى بانقلاب، بينما الملك إدريس فى مصر.. وتم خلعه والقبض على ولى العهد، وإعلان الجمهورية، التى سيحولها القذافى بعد وقت قصير إلى «الجماهيرية» الوحيدة فى العالم.

ولقد ذهب القذافى إلى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى القاهرة، «ليسلمه الأمانة»، إلا أن عبدالناصر اعتذر طالبا إلى «الضباط الأحرار» أن يهتموا ببناء ليبيا وإخراج القوى الأجنبية منها.. ومن ثم يجرى البحث فى أمر المستقبل.

بعد عام وأكثر قليلا 28 سبتمبر 1970، توفى جمال عبدالناصر بعد قمة عربية طارئة وعاصفة فى القاهرة لوقف الصدام المسلح بين الجيش الأردنى وقوات المقاومة الفلسطينية.

عاد القذافى إلى طرابلس يملؤه الشعور بأنه «الوريث الشرعى» لعبدالناصر!

وهكذا توالت تصرفات غير متوقعة منه:

1 ــ جعل ليبيا ــ أول جماهيرية فى التاريخ.

2 ــ ابتكر نظام اللجان الشعبية بديلا من مجلس النواب. أعطى لكل عضوا رقما ينادى به عليه إذا أراد الكلام فى الاجتماع.

3 ــ استغنى تدريجيا عن مجلس قيادة الثورة، مكتفيا بعبدالسلام جلود للمهام الخارجية التى لا يريد السفر للقيام بها.

صار معمر القذافى «الأخ القائد» يتصرف على هواه وبمزاجه مع الملوك والرؤساء العرب بعد رحيل جمال عبدالناصر..

بعد حين انتخبته قمة إفريقية: «ملك ملوك إفريقيا» لا سيما أنه قدَّم الكثير من المساعدات لبعض دولها.

كانت ليبيا الغنية بنفطها محط أنظار الغرب والشرق، من هنا كان القذافى محل ترحيب فى معظم العواصم القريبة والبعيدة (خارج نطاق الولايات المتحدة الأمريكية...) ولقد تقبلت هذه العواصم مزاجه وتقلباته وأزياءه المختارة، واصطحابه الجمال والنوق فى بعض زياراته الرسمية لأنه يفطر بلبنها..

كذلك سلمت معظم الدول العربية بمزاجه الخاص وتقلباته السياسية، خصوصا أنه تولى رعاية المقاومة الفلسطينية بالمال والسلاح، ومعها الحركة الوطنية اللبنانية، لا سيما خلال الحرب الأهلية ــ العربية الدولية فى لبنان (1975 ــ 1980)... ثم فى مواجهة الاجتياح الإسرائيلى فى صيف 1982.

بعد أربعين سنة ونيف من الحكم المطلق، واجه معمر القذافى غضبة شعبية عارمة... ولقد فوجئ بها، وكانت نهايته مفجعة.

كان النظام يقوم على شخص القذافى، فلما قتل، عمت الفوضى ليبيا، وانقسم الليبيون وجاءت «الدول» لتتقاسم الغنائم.. وكادت البلاد تنشطر من جديد، خصوصا وقد انقسم الجيش، وتولى قيادة بعضه خليفة حفتر، ممسكا بالشرق، بينما أقيمت حكومة مؤقتة، ثم اختير مجلس نيابى فى طرابلس.. قبل أن تدور الحرب بين الطرفين.

وفى حين اتكأ حفتر على الدعم المصرى كانت الحكومة المعترف بها دوليا فى طرابلس لا تجد فى الدعم الدولى (المعلن) ما يكفى لحمايتها.. وهكذا قصدت حكومتها برئاسة السراج تركيا تطلب النجدة.

ولعل الرئيس التركى أردوغان كان ينتظر مثل هذه اللحظة ليؤكد جدارته بدور السلطان.. وهكذا أعلن استعداده لنجدة «حليفه» الجديد.

حاول التمهيد بزيارة لتونس، لكنه لم يجد قبولا أو تأييدا، بالمقابل شنت القاهرة حملة دبلوماسية شرسة ضد «هذا التدخل التركى الفظ»..

أطرف ما أقدم عليه أردوغان أنه أرسل أكثر من ألفى مقاتل انتقاهم من بين اللاجئين السوريين إلى تركيا ليرسلهم إلى طرابلس الغرب.. رافضا تهديد القاهرة بأنها لن تسكت على «هذا العدوان».

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل