المحتوى الرئيسى

خوسيه ماريا الرئيس التنفيذي لمجموعة السويس للأسمنت: صناعة الأسمنت فى خطر.. والحكومة قادرة على إنقاذ استثماراتنا (حوار) | المصري اليوم

01/21 00:12

تدخل أزمة الأسمنت فى مصر عامها الرابع، وسط أجواء متشائمة حول إمكانية التوصل لحلول جذرية لإنقاذ هذه الصناعة الاستراتيجية التى تعانى خللا جوهريا مع تضخم الطاقات الإنتاجية، فى وقت يشهد الطلب تراجعا بمتوسط 5% سنويا ليصل حجم الطاقات الفائضة لـ33 مليون طن، ويرى الرئيس التنفيذى لمجموعة شركات السويس للأسمنت، خوسيه ماريا، أن الوضع فى السوق أصبح خطرًا، وقد نشهد خلال 2020 مزيدا من حالات الإفلاس ما لم تتدخل الحكومة لوضع حلول جذرية للأزمة الطاحنة.

وأضاف خوسيه ماريا فى حوار لـ«المصرى اليوم»، أنه يثق فى قدرة الحكومة المصرية على خلق حلول فاعلة لإعادة التوازن للسوق، حفاظا على الاستثمارات الأجنبية التى وثقت فى كفاءة الاقتصاد المصرى.. وإلى نص الحوار:

■ بداية خلال الثلاث سنوات السابقة مرت سوق الأسمنت بتحديات جسام فما تقييمك للوضع حاليا وكيف ترى مستقبل القطاع؟

- دعينى أوضح أولًا أسباب الأزمة، فالأسمنت كأى سلعة تتأثر بالتوازن بين العرض والطلب، وتنخفض الأسعار عندما يفوق الإنتاج الطلب عليه، ولما كان حجم الاستثمارات الموجودة فى مصانع الأسمنت ضخم جدا، فإن الشركات تترقب دائما تأثيرات دخول خطوط جديدة على التوازن المطلوب، لأن اختلاله يؤدى إلى خسائر فادحة، وما يحدث فى حالتنا تحديدا يتمثل فى أن المعروض يفوق احتياجات السوق فى ظل دخول الاستثمارات الجديدة العامين الماضيين، ويتقابل معه تراجع معدلات الطلب فبدأت عام 2016 بنسبة 5% سنويا وزادت حدة التراجع لتسجل خلال 2019 نسبة 7%، كل المؤشرات السابقة أدت إلى زيادة فائض الإنتاج لتتجاوز 33 مليون طن/ سنويا، وتراجع الطاقات التشغيلية لأقل من 50%، الأمر الذى دفع المصانع للبيع بأقل من التكلفة للتخلص من المخزون، وترتب عليه أيضا قيام مجموعة السويس للأسمنت إلى إغلاق مصنع طره أقدم مصنع أسمنت فى مصر بشكل مؤقت، فضلًا عن تصفية شركة «القومية للأسمنت» المملوكة للدولة.

■ بعض البنوك البحثية تتوقع استمرار المأزق لعشر سنوات قادمة فما تعليقك؟

- الوضع صعب للغاية، نتوقع إفلاس بعض الشركات وخروجها من السوق، فى ظل تخمة المعروض، والمنافسات السعرية الشرسة بين الشركات لتصريف منتجاتها، فسعر الأسمنت فى السوق حاليا أقل من تكلفة إنتاجه، والمنافسة بين الشركات حاليا ليست لتحقيق أرباح وإنما للحد من الخسائر، فالسويس للأسمنت خسرت 2 مليار جنيه عامى 2017 و2018، وخلال التسعة أشهر الأولى من 2019 تراكمت الخسائر على المجموعة بقيمة 500 مليون جنيه. نحن كشركة كل هدفنا سداد الديون والتوقف عن تخفيض العمالة، وإجراء بعض المخططات الاستثمارية، غير أن هذا مستحيل فى ظل الظروف القائمة، فى الفترة السابقة اضطرت المجموعة إلى هيكلة وخفض العمالة لتصل إلى 1500 عامل بدلا من 3800 عامل، وكانت خطوة صعبة للغاية على إدارة المجموعة لأن كل هؤلاء الأشخاص خسروا وظائفهم ولديهم عائلات وأطفال وعلى الحكومة أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار.. هذا ليس حالنا فقط ولكن جميع شركات الأسمنت تحقق خسائر متوالية، والامر يتطلب تدخلا سريعا من الحكومة لحماية الصناعة من الانهيار.

■ ما الإجراءات التى يجب على الحكومة اتخاذها لإنقاذ الصناعة؟

- الحكومة هى اللاعب الأساسى، وهى التى تمتلك إجراءات الإصلاح ووضع الحلول الجذرية للأزمة، نحن شركة نمتثل للقانون وللقرارات السيادية الصادرة عن الحكومة، وهناك دول أخرى مرت بتجارب مثيلة كالصين ونجحت فى الخروج من الأزمة مع الحفاظ على الاستثمارات الموجودة ودفعت بالسوق للاستقرار عبر تطبيق آليات لحماية العملاء وترشيد الإنتاج وضبط السوق.

■ عقدت شركات الأسمنت اجتماعات مع الحكومة العام الماضى هل تعتقد أنها جادة فى التصدى لهذه الأزمة؟

- الاجتماعات الماضية لم تسفر حتى الآن عن حلول جذرية للمشكلة، ونعتقد أن الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، متحمس جدا لحل الأزمة، ونحن نثق فى رغبته وقدرة الحكومة على ذلك، ولكن المقترحات التى تم عرضها- فى رأيى- لن تسهم فى علاج المشكلة.

■ بعض الجهات ارتأت أن حل الأزمة يتطلب تدخلا حكوميا بتقييد الإنتاج فى المصانع ووضع حصة لكل شركة للسيطرة على المعروض كما حدث فى تجربة الصين.. ما رأيك؟

- الصين مثال رائع على الطريقة التى يمكن بها تنظيم قطاع صناعى على نحو مرضٍ للعملاء والشركات والحكومة على السواء. لكن تطبيق التجربة الصينية لا يكون ممكنًا إلا إذا وضعت الحكومة قرارات ولوائح لتكييف الوضع القائم. ونحن فى النهاية كشركة نمتثل للقوانين المصرية. ما أقصده هو أن على الحكومة أن تأتى بلوائح لتحل هذه المشكلة فى إطار القوانين الحاكمة التى تسمح بالتدخل فى حالات الاختلال الكبرى، وهو ما ينطبق على الوضع الراهن. فمثلًا كان لدى الصين إنتاج 3 مليارات طن، واستهلاك لا يتجاوز 2 مليار طن، كل ما فعلته الصين هو خفض الإنتاج إلى مستويات تتقارب مع حجم الاستهلاك، نحن فى النهاية نترك الأمر للحكومة لاتخاذ حلول غير تقليدية للخروج من الأزمة.

■ إذا ما كان تقييد الإنتاج مخالفا للقانون فما مقترحاتك للإنقاذ؟

- يمكننى الإجابة بالعكس، وأقول لكم ما هى الأشياء التى لن تكون حلا للأزمة، أولا التصدير.. ليس حلا.. لأن صناعة الأسمنت هى صناعة محلية فى الأساس فالأسمنت هو منتج ثقيل، وتكلفة نقله مرتفعة ولا يمكن أن تعتمد ربحية الشركات على التصدير وإنما على السوق المحلية. فضلا عن أن المنطقة المحيطة بمصر لديها فائض إنتاج وأسعارنا غير تنافسية، أما عن خطوات خفض التكاليف أو دعمها فليس حلا أيضا بسبب المنافسة الطاحنة، وهذه التكاليف سوف يتم تحميلها على عاتق المستهلك. ونحن مؤمنون بأهمية خفض الدعم، ولا نطالب بذلك. والحل الأخير هو أن نترك السوق هكذا لتقضى الشركات على بعضها البعض، ما سيخلق بيئة احتكارية ولن ينجو من هذا الوضع إلا عدد قليل من الشركات، وعندها سوف تفرض هذه الشركات أسعارها. وسيكون المستهلك هو المتضرر الأكبر من هذا الحل، على المدى المتوسط، نظرًا لعدم توافر الفرص المتاحة أمامه للاختيار بين شركات ومنتجات متماثلة كما هو الحال. كما أن ذلك يبث برسالة سلبية للمستثمرين الأجانب والمحليين.

■ هل لديكم توقعات لعدد الشركات التى قد تغادر السوق هذا العام؟

- التفكير فى ذلك شىء سلبى للغاية وسيؤثر على الاقتصاد بشكل عام، وخروج شركات من السوق يعد كارثة للاقتصاد، وإذا حدث ذلك وخرجت الشركات الواحدة تلو الأخرى، فإن ذلك سيؤثر على مناخ المنافسة ويخلق بالتبعية أوضاعا احتكارية.

■ هل تسهم زيادة الطلب المحلى على خلق ظروف أفضل للسوق؟

- السوق المصرية من أعلى معدلات الاستهلاك عالميا حيث يصل نصيب الفرد 500 كيلو أسمنت/ سنويا، فى حين يتراوح المعدل السائد فى أوروبا من 100 إلى 200 كيلو للفرد سنويا، وزيادة الطلب ستكون من خلال بناء مدن جديدة وهذا أمر مكلف جدا، المشكلة متمثلة فى المعروض وعلى الحكومة أن تتصدى للمشكلة الرئيسية فى إطار القانون.

■ لكن مشكلة زيادة المعروض موجودة فى أسواق كثيرة غير مصر فلماذا الوضع هنا هو الأسوأ؟

- بالفعل يوجد تخمة فى الإنتاج العالمى من الأسمنت، ولكن لا توجد دولة تعانى من الأزمة مثل مصر.. فعلى سبيل المثال تعمل مجموعة هايدلبرج سيمنت فى 60 دولة حول العالم، ولكن للأسف فرع الشركة فى مصر هو الوحيد الذى يتكبد خسائر حاليا ويرجع ذلك إلى حقيقة أن الأسمنت المنتج محليا يباع من أقل الأسعار فى العالم، فى حين تزيد التكاليف عن متوسط البلدان فى العالم.

ظروف كل دولة وتشريعاتها تختلف عن غيرها وتساهم فى تشكيل الوضع القائم بها. ففى إسبانيا يبلغ الاستهلاك 14 مليون طن والإنتاج 52 مليون طن، ولكن الشركات تجنى أرباحًا.

ونضرب مثلًا بالنقل، الذى يعد أحد العوامل التى تسهم فى اختلاف الوضع فى مصر. فتكلفة النقل داخل مصر منخفضة للغاية وتقطع شحنات الأسمنت مسافات بعيدة جدًا تصل أحيانًا إلى 800 كم، قبل بيعه. والأمر مختلف إذا ما قورن بأوروبا أو المغرب، حيث تقطع شحنات الأسمنت مسافات أقصاها 80 كم لأن مصانع الأسمنت عادة تبيع إنتاجها إلى المناطق المجاورة لها.

■ ما ردكم على بعض الأقاويل بأن هذه الخسائر وهمية وتعتمد على مقارنات لمعدلات ربحية مرتفعة حققتها الشركات فى وقت سابق؟

- لا ليست وهمية، هذه خسائر حقيقية، فعلى سبيل المثال، منذ عامين كان فى حسابنا البنكى 400 مليون جنيه، واليوم نحن مدينون للبنوك بـ1.4 مليار جنيه، إذا كانت الخسائر معتمدة على مقارناتنا بأرباح الماضى فالمقارنة لن تجعل الأموال تختفى مثلما حدث، ومن يقول إن خسائرنا وهمية فهو لا يعرف شيئا فى الاقتصاد، نحن نبيع اليوم الطن أقل كثيرًا من التكلفة، وتكبدنا خسائر تقدربـ 500 مليون جنيه فى التسعة أشهر الأولى من العام الماضى.

■ شركة السويس للأسمنت تابعة لمجموعة هايدلبرج سيمنت الألمانية، إلى أى مدى تستمر الشركة الأم فى دعم مصنعها بمصر؟

- شركة السويس للأسمنت، مملوكة لمجموعة هايدلبرج سيمنت، وهى من أكبر الاستثمارات الألمانية فى مصر، وتمتلك 4 مصانع بطاقة إنتاجية تبلغ 12 مليون طن/ سنويا، ولكنها تعمل حاليًا بنحو 59% من طاقتها الإنتاجية، أى تنتج نحو 7 ملايين طن سنويًا.

وردًا على سؤالك، ليس أمامنا بديل إلا مواصلة العمل حتى يتحسن الوضع. ولا نعلم إلى أى مدى سوف نقبل تكبد الخسائر فى السوق المصرية، ولكننا على ثقة من أن الحكومة لن تسمح باستمرار هذا الوضع أكثر من ذلك.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل