المحتوى الرئيسى

وجهة نظر: السلاح وحده لا يكفي.. يجب استعادة الثقة بمنطقة الساحل

01/18 16:03

الأمر كان بحاجة إلى محاولة ثانية: منذ ديسمبر كان يعتزم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون جمع زعماء دول بلدان الساحل الخمسة من بوركينا فاسو ومالي وتشاد وموريتانيا والنيجر حول طاولة واحدة في مدينة بو الفرنسية الجنوبية للتباحث معهم حول مكافحة الارهاب والمشاعر المناوئة للفرنسيين. لكن تم تأجيل القمة في آخر دقيقة. رسميا بسبب اعتداء في النيجر. لكن تردد أن زعماء دول افريقيا الغربية كانوا مستائين من الطريقة التي وجه بها ماكرون الدعوة إليهم. دعوة ذكرت العديد من مواطني هذه البلدان باستدعاء.

العلاقة بين فرنسا وافريقيا معقدة: "Francafrique" هو اسم سياسة افريقيا الفرنسية المعتمدة على شبكة ملتوية ومعقدة من أصحاب القرار والشركات وشركاء آخرين. ويتعلق الأمر في أعين الكثير من الأفارقة الناطقين بالفرنسية بدعم دكتاتوريين مقابل الولوج الفرنسي لموارد القارة. وحتى التعاون العسكري يُعتبر جزء من هذا النظام. إذن علاقة صعبة ولا عجب أن يكون الرؤساء الفرنسيون في الماضي الفتي قد حاولوا جميعهم الابتعاد عن Francafrique.

فرنسا ترفع مجددا من وجودها العسكري

لكن نقاط الارتباط ظلت وثيقة سياسيا واقتصاديا وعسكريا. وفرنسا حاضرة في إطار مهمة الأمم المتحدة "مينوسما" في مالي وأوفدت 4.500 جندي في مهمة مكافحة الارهاب إلى الساحل. والعلاقات مع منظمة دول الساحل الخمسة الافريقية هي أيضا وثيقة، وهي منظمة تضم البلدان الخمسة بوركينا فاسو ومالي وتشاد وموريتانيا والنيجر لمكافحة الفقر وضمان مزيد من الأمن. وحسب إرادة زعماء دول الساحل المجتمعين في بو الفرنسية وجب ـ حتى ضد إرادة الكثير من رعاياهم ـ أن يظل ذلك قائما. فبالاشتراك مع فرنسا وشركاء آخرين أعلنوا عن قيام ما سُمي بتحالف من أجل الساحل. وفرنسا ترسل من أجل ذلك 220 جنديا إضافيا.

مزيد من الجنود و"مهمة" أكثر هي الفكرة الأولى. لكن كيفما كان التفكير حول دور فرنسا في افريقياـ فالواضح أيضا أن بلدان الساحل ليس بمقدورها حل الأزمة لوحدها: فالجيوش الوطنية مكونة بشكل سيء ومنظمة الساحل الإقليمية لمجموعة الخمس لا تتوفر على التمويل الكافي والدولة في أجزاء واسعة من بلدان الساحل المعنية بالارهاب غائبة. الشرطة؟ والعدالة؟ والمستشفيات والمدارس؟ ممثلون حكوميون؟ كلها أشياء غير موجودة. وهذا الغياب في سلطة الدولة يستغله جهاديون على غرار التوترات العرقية وانعدام الآفاق عند الشباب الذين يريد الكثير منهم فقط الرحيل. لكن الارهابيين يدَعون أنه يوجد الأمن في صفوفهم ومواطن عمل جيدة وشعور معنوي مرتفع. ولا تتوفر فرنسا رغم وجودها العسكري على شيء تجابه به هذا الوضع. فالجنود يتعقبون الارهابيين وحلفاءهم في صفوف السكان وكذلك في شبكات إجرامية على الأقل خطوة إلى الوراء.

بالأسلحة وحدها لا يمكن حل أزمة الارهاب

ويوميا تقريبا تحصل في الأثناء اعتداءات في الساحل. ففي عام 2019 حصل حسب "مركز افريقيا للدراسات الاستراتيجية" نحو 700 اعتداء بأكثر من 2000 قتيل. وخلف هؤلاء الموتى توجد قصص حزينة لعائلات فقدت عضوا محبوبا وربما تفكر في الانتقام ويائسة وفقدت كل ثقة في الدولة والسياسة. وهذا يعمل على حشد أنصار جدد في صفوف الجهاديين. فالثقة في الدولة والسياسة وجب إذن إعادة اكتسابها. وهذا ما فهمه زعماء الدول ودونوه في البيان الختامي لبو. وهي خطوة مهمة، لأنه بالأسلحة وحدها لا يمكن حل أزمة الارهاب في الساحل. فالدولة يجب أن تعتني في النهاية بمواطنيها ـ وليس فقط بأولائك في العواصم وحولها.

لكن جانبا آخر يجب أن يكون واضحا: فبدون حل الأزمة السياسية في ليبيا، فإن الساحل لن ينعم بالهدوء، لأنه ما دام الصراع على السلطة في البلد الافريقي محتدما، فإن حشد الأسلحة والجهاديين يأتي من هناك. ومن أجل حل أزمة ليبيا، يجب أن تتخذ أوروبا موقفا موحدا. ودعوة الرئيس الفرنسي إلى مزيد من الالتزام الألماني في الساحل رفضته برلين إلى حد الآن. والآن تريد الحكومة الألمانية بذل الجهد من أجل حل لليبيا. فيما وجب عليها في ذلك إشراك فرنسا بقوة حسب الإمكان والوقوف على الارتباط القائم بين الأزمة والارهاب. وعندما يسير الأوروبيون في اتجاه واحد، فستكون لهم الفرصة لمواجهة تأثير روسيا ومصر أو الإمارات العربية المتحدة. وحينها فقط توجد فرصة للسلام في ليبيا والساحل.

نهاية 2014، تُرك 450 شخصا غالبيتهم سوريون على ظهر سفينة شحن معطلة قبالة سواحل كالابريا، وكانوا على وشك الغرق لو لا تدخل البحرية الحربية الإيطالية، التي تمكنت من السيطرة على السفينة التي تركها طاقمها.

قبل ذلك بعشرة أيام، أنقذ الإيطاليون، ضمن بعثة "تريتون" الحدودية البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي، 194 مهاجرا سوريا بعد عطب حل بقاربهم الذي انطلق من تركيا إلى إيطاليا، ومن بينهم 23 امرأة: اثنتان حاملتان و38 طفلا.

من الصعب حصر أعداد المفقودين من المهاجرين غير الشرعيين، لكن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تتحدث عن غرق 4272 مهاجرا في عام 2014، بينهم 3419 في البحر المتوسط.

من بين أكثر الحوادث مأساوية في العام المنصرم، وفاة أكثر من 220 مهاجرا في آب/أغسطس، إثر غرق 3 سفن قبالة سواحل ليبيا وإيطاليا.

بيد أن أكبر فاجعة كانت في أيلول/سبتمبر، حين لقي زهاء 700 شخص مصرعهم في المتوسط عقب حادثين كبيرين بما في ذلك حادث إغراق متعمد لقارب كان يقل 500 سوري وفلسطيني ومصري وسوداني.

وحتى عند إحياء الذكرى السنوية الأولى في أكتوبر لمأساة قارب المهاجرين في لامبيدوزا، الذي أسفر عن مقتل 366 شخصا، تمّ الإبلاغ عن وفاة 130 مهاجرا في غرق قاربين قبالة الساحل الليبي.

في جيبي سبتة ومليلية الأوروبيين الواقعين في طرف شمال إفريقيا (المغرب)، تسلل نحو 4469 مهاجرا غير شرعي في 2014، مقابل 3 آلاف في العام الذي سبقه حسب وزير الداخلية الإسباني.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل