المحتوى الرئيسى

وجهة نظر: الرياض وطهران .. عدوان متفقان ضد "ربيع عربي جديد"

12/16 09:16

من يريد قياس إن كانت الموجة الثانية من حركات "الربيع العربي" المنطلقة في 2019  ناجحة أم لا، وجب عليه التذكر في الأسباب التي جعلت الموجة الأولى ابتداء من 2011 في بلدان مثل مصر أو سوريا تصاب بالفشل. فهي لاقت الفشل في أشكال مختلفة من الفوضى والعنف والحرب ـ لكن دوما بسبب إرادة البقاء السياسي للنخب الحاكمة والقوى التي تحميها.

أثار بيان لسفارات غربية يطالب "بإبعاد الحشد الشعبي عن أماكن الاحتجاج" حفيظة الحكومة العراقية التي اعتبرته "تدخلا مرفوضا" في الشأن الداخلي. بغداد استدعت سفراء بريطانيا وفرنسا والقائم بالأعمال الألماني للاحتجاج على البيان. (09.12.2019)

الاحتجاجات المتواصلة في العراق ولبنان وأيضا قبلها في السودان والجزائر تُذكر بما يُسمى الربيع العربي في 2011 و 2012. راينر زوليش يتساءل في تعليقه هل الاحتجاجات ستنتهي بنفس الطريقة وتفشل؟ (05.11.2019)

في دولة البحرين الصغيرة مثلا حيث يحكم نظام ملكي سني في بلد غالبية سكانه من الشيعة تم وقف الانتفاضة في 2011 بفضل الوحدات المسلحة من العربية السعودية. فالقصران الملكيان في المنامة والرياض اللذان تربطهما علاقة "أخوة" وثيقة منعا بالتالي حصول سيناريوهات رعب محتملة. تتمثل أولا في تطور ديمقراطية حقيقية في البحرين ذات قيمة نموذجية وقوة لمعان في كافة منطقة الخليج. وثانيا قيام دولة شيعية تنفصل عن تأثير العربية السعودية السنية وتجرؤ في المقابل على التقارب من خصم الرياض طهران. وإيران يروق لها منذ مدة طويلة التموقع "كقوة حماية للشيعة" وتوطد تحت هذه الذريعة تأثيرها في العالم العربي، لاسيما على حساب السعوديين أصحاب الكلمة هناك. هذان الاحتمالات كان من شأنهما تهديد مصالح السلطة البحرينية وكذلك الحكام السعوديين. ولذلك كان من الضروري إفشال الانتفاضة هناك.

ومثال مثير مشابه هو مصر حيث قادت الانتفاضة الشعبية في 2012 إلى انتخابات حرة ـ أدت من جانبها إلى قيام حكومة تحت رقابة الإخوان المسلمين. والإخوان المسلمون هم حلفاء قطر وتركيا ويعتبرهم السعوديون والإمارات العربية المتحدة المتحالفة منافسين خطيرين على السلطة والتأثير في المنطقة. وحتى هنا تعرف السعوديون والإماراتيون حينها على خطر مزدوج: فمجتمع مدني زاهر ومصر "ناجحة" يطغى عليها الإخوان المسلمون تحت تأثير تركي وقطري ستكون انتكاسة قوية لموقع سلطتهما. وبالتالي تعاونوا بشكل وثيق مع العسكر المصري كمشاكسين داخليين للإخوان المسلمين: وقامت حركة احتجاجية "تمرد" نهضت بشجاعة ضد الحكومة السابقة بزعامة محمد مرسي وفي الحقيقة فتحت الطريق لاسيما لاستيلاء جديد على السلطة من طرف الجيش. وتم تمويلها بسرية من أموال من أبو ظبي. وموجة القمع اللاحقة والمستمرة إلى اليوم في مصر قادت ليس فقط الكثير من الإخوان المسلمين، بل الكثير من القوى الديمقراطية إلى الصمت أو الجلوس وراء القضبان. والرياض وأبو ظبي مسؤولتان عن ذلك.

محرر شؤون الشرق الأوسط راينر زوليش

ويمكن بالتالي وصف ذلك تقريبا بالقاعدة: في أي مكان ينهض فيه غضب شعبي ثوري ضد حكام فاسدين ومستبدين، تتدخل إلى جانب الحكام المهددين بصفة مباشرة قوى إقليمية متحالفة مثل العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة لمقاومة ذلك التيار. فهم كما يمكن القول رأس حربة الثورة المضادة. وهذا ينطبق أيضا على القوة الإقليمية المنافسة إيران، لأنه حتى في طهران يسود خوف من فقدان التأثير الإقليمي، ولهذا أمرت ايران مبكرا حزب الله اللبناني بالتوجه إلى سوريا لدعم نظام بشار الأسد الحليف. ولهذا أيضا تتموقع طهران بوضوح ضد انتفاضات شعبية في لبنان وفي العراق. فكلاهما موجهان ضد النظام العقائدي وسيقضيان في حالة النجاح على التأثير الايراني الكبير إلى حد الآن في كلا البلدين. وفي لبنان دفعت ايران عدة مرات حزب الله للتظاهر للإبقاء على الجالية الشيعية بعيدة قدر الإمكان عن الاحتجاجات. وفي العراق تقاتل قوى تابعة لإيران  باستعمال عمليات القنص أو السكاكين، كي لا تنهض شرائح واسعة من غالبية السكان الشيعة مجددا ضد التأثير الكبير "لقوة الحماية الشيعية" المجاورة. فتأثير طهران في العراق مهدد بجدية.

إرسال Facebook Twitter google+ Whatsapp Tumblr Digg Newsvine stumble linkedin

وأمام هذه الخلفية لا يسعنا إلا استحسان الشجاعة التي تبرهن عليها حركات الاحتجاج الجديدة في بلدان مثل العراق ولبنان والجزائر والسودان. والناس في غالبيتهم يتظاهرون سلميا. والقيم التي ينهضون من أجلها ويخاطرون جزئيا بحياتهم هي أيضا قيم يدافع عنها الكثيرون اليوم في أوروبا: الحرية والعدالة وكرامة الإنسان وهي قيم تُداس منذ عقود بالأقدام في جميع البلدان العربية تقريبا. ومادامت هذه البلدان لا تتيح لمواطنيها حياة بكرامة وبدون آفاق تنمية، فإن الضغط الاجتماعي الهائل سيتسبب باستمرار في احتجاجات جديدة. لكن من جانب آخر لا يحق التقليل من شأن قوى الأنظمة المتعنتة والميليشيات والقوى الإقليمية. بالنسبة إليها يتعلق الأمر بكل شيء ـ بصلب سلطتها الذاتية. وإراقة دماء إضافية فيما يُسمى "الربيع العربي الثاني" لا يمكن بالتالي استبعادها.

استقالة رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، لم تقنع المتظاهرين بإنهاء احتجاجاتهم المتواصلة في بغداد والمناطق الجنوبية، مؤكدين عزمهم على "تنحية جميع رموز الفساد". فيما دعا نائب عراقي إلى محاكمة عبد المهدي وأركان حكومته.

دفعت المظاهرات عبد المهدي إلى الاستقالة في الـ 29 من تشرين الثاني/نوفمبر، بعد أن سحبت قوى سياسية دعمها له. مجلس النواب العراقي وافق على الاستقالة وأعلنت كتلة سائرون وهي الأكبر، تنازلها عن حقها في ترشيح خليفة لرئيس الوزراء المستقيل وتركت الاختيار للشارع. فيما أكد المتظاهرون أن ذلك ليس كافيا، ورفعوا شعارات منددة برجل الدين الشيعي مقتدى الصدر ومنافسه السياسي الشيعي الآخر هادي العامري.

مع تواصل الاحتجاجات تزداد حدة العنف ويسقط عشرات الضحايا، كما حدث في محافظة ذي قار، حيث سقط في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر فقط، نحو 32 قتيلا وأكثر من 250 جريحا. وقد أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن قلقه العميق من استمرار استخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين.

في خضم الاحتجاجات، نشرت صحيفة نيوريورك تايمز وموقع ذي انترسبت الأمريكيين يوم 20 تشرين الثاني/ نوفمبر، وثائق مسربة من أرشيف الاستخبارات الإيرانية كتبت بين 2014 و2015، كشفت حجم التدخل الإيراني السافر في العراق. وحسب هذه التسريبات فإن البلاد سقطت تماما في قبضة النظام الإيراني بعد عام 2003 والانسحاب الأمريكي من العراق وليصبح معظم المسؤولين مجرد متلقين للأوامر من إيران!

مع تصاعد المظاهرات المطالبة بوقف التدخل الإيراني، هاجم محتجون مبنى القنصلية الإيرانية في كربلاء مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 12 آخرين. وتكرر ذلك مع القنصلية في النجف بعدما أضرم متظاهرون النار في المبنى. واستنكرت إيران إحراق قنصليتيها وطالبت بغداد بحماية مقراتها الدبلوماسية. كما أجج الحادث العنف في العراق.

في نبرة متصاعدة، أبدى المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله العظمى علي السيستاني مساندته للاحتجاجات في خطبته التي قرأها ممثل عنه يوم الجمعة 15 تشرين الثاني/ نوفمبر. وقال إنه لا يتدخل في أمور السياسة إلا في أوقات الأزمة، محذرا من أن التدخل الخارجي في شؤون البلاد سيجعل العراق ساحة لتصفية الحسابات.

مع تصاعد الاحتجاجات والعنف، بدأ المتظاهرون باستخدام تكتيك جديد في مواجهة حملات التضييق والقمع التي تشنها السلطات، حيث بدأوا بقطع الطرق ومنع الوصول إلى المدارس والدوائر الرسمية والدخول في إضراب طوعي، وبالتالي توقف العمل في غالبية مدن جنوب العراق من البصرة وصولاً إلى الكوت والنجف والديوانية والحلة والناصرية.

كشفت الاحتجاجات حجم دور وتدخل إيران في العراق، حيث يطالبها المحتجون بالكف عن تدخلها. فيما وصف المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي الاحتجاجات بـ"المؤامرة"، التي تهدف للتفريق بين العراق وإيران. وكانت وسائل إعلام إيرانية قد وجهت أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية وأطراف أخرى في تأجيج الأحداث بالعراق.

بعد ثلاثة أسابيع من الاحتجاجات أوصت لجنة تحقيق في الإضطرابات التي شهدها العراق بإحالة عدد من كبار قادة الجيش والأجهزة الأمنية للقضاء على خلفية مقتل متظاهرين. كما تعهدت الحكومة بمحاسبة المتورطين في الفساد. لكن المحتجين الذين تصدرت قضايا الفساد والقمع والبطالة شعاراتهم، يواصلون مظاهراتهم ويطالبون برحيل النظام.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل