المحتوى الرئيسى

السعودية أمام عجز الموازنة وتأخر المشاريع الطموحة

12/15 09:53

انتهت "أيام اللولو" أي اللؤلؤ كما يقول أهل الشام، وأضحت الموازنة السعودية منذ سنوات تصدر بعجز متزايد بعد عقود من الفوائض النفطية الضخمة. موازنة السنة القادمة 2020 صدرت بنفقات متوقعة تصل إلى 272 مليار دولار منها عجز متوقع بحدود 50 مليارا مقابل 35 مليارا في ميزانية العام الجاري 2019. ومع العجز الجديد يتوقع وصول مجموع العجز في موازنات المملكة السعودية منذ عام 2014 إلى نحو 435 مليار دولار.

ومع بقاء سعر برميل النفط بحدود 60 دولارا وضعف معدل النمو الاقتصادي وتكاليف التسلح والأمن والحرب في اليمن، فإن على المملكة الاعتماد على مزيد من القروض وزيادة الضرائب ورفع الدعم الحكومي عن السلع والخدمات؛ إضافة إلى خصخصة شركات قطاع الدولة لسد العجز المتزايد في الموازنة وتمويل مشاريع البنية التحتية الطموحة. 

مشاريع أسطورية.. لكن من أين المال؟

في هذا الإطار جرت أول عملية خصخصة شملت بيع 1,5 بالمائة من شركة أرامكو النفطية على شكل أسهم بعوائد تجاوزت 25 مليار دولار. غير أن هذه العوائد على أهميتها لا تشكل سوى جزء يسير من الأموال اللازمة لصندوق الثروة السيادي الذي تتم من خلاله أيضا تمويل مشاريع الخطة الطموحة "رؤية 2030". وقد أطلق هذه الرؤية بقيمة 2000 مليار دولار  ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان عام 2016  لتحديث بلاده ونقل اقتصادها من الإدمان في الاعتماد على النفط، إلى عصر الاعتماد على مصادر دخل متعددة كالسياحة والصناعات التحويلية.

الأمير محمد بن سلمان يريد تحديث السعودية بدون حريات سياسية وليبرالية اقتصادية!

حتى الآن تمكنت الرياض من سد قسم كبير من عجز موازناتها عن طريق فرض وسائل متعددة أبرزها فرض ضرائب ورسوم جديدة إضافة إلى الاقتراض ومصادرة أموال أمراء وأثرياء متهمين بالفساد. غير أن السؤال المطروح هو كيف السبيل إلى تمويل مشاريع "رؤية 2030" بتكاليفها الضخمة رغم أن غالبية أموال الخصخصة من نصيبها؟ ويُخص بالذكر من هذه المشاريع مدينة "نيوم" للعلوم والتكنولوجيا على البحر الأحمر التي ستصل تكلفتها لوحدها إلى نحو 500 مليار دولار؟ ويكتسب هذا السؤال مشروعية أكثر إذا أخذنا بعين الاعتبار أن خصخصة شركات قطاع الدولة بالكامل غير وارد، لأنه يشكل الأرضية الاقتصادية التي يقف ويستند عليها حكم العائلة السعودية التي تحكم بشكل مطلق.

سد العجز يتطلب المزيد من الضرائب الإضافية

في مجال التحديث شهدت المملكة منذ الإعلان عن الرؤية خطوات انفتاح اجتماعي وثقافي أعطت للمرأة مشاركة أكبر في سوق العمل وسمحت بأنشطة ثقافية متنوعة. كما شهدت فرض ضرائب ورسوم جديدة بينها ضريبة للقيمة المضافة بنسبة 5 بالمائة. غير أن عوائد هذه الخطوات لا تكفي لتغطية نفقات الدولة المتزايدة وخاصة في مجالي التسلح والأمن. وقد انفقت الرياض عليهما خلال العامين الماضيين نحو أكثر من 120 مليار دولار لتحتل بذلك المرتبة الرابعة عالميا بعد الولايات المتحدة والصين وروسيا. ومما يعنيه ذلك مستقبلا فرض المزيد من الضرائب ورفع الدعم الحكومي عن خدمات وسلع أبرزها مصادر الطاقة. كما يعني خصخصة أجزاء إضافية من أرامكو ومؤسسات حكومية أخرى.

إرسال Facebook Twitter google+ Whatsapp Tumblr Digg Newsvine stumble linkedin

وفيما يتعلق بمشاريع "رؤية 2030" تظهر خبرات السنوات القليلة الماضية تقدما بطيئا في تنفيذ مشاريعها. ولا يعود ذلك إلى تراجع إيرادات الدولة مع استمرار انخفاض أسعار النفط وحسب، بل أيضا إلى عزوف الاستثمارات الأجنبية عن الاستثمار المباشر في المملكة. وتكمن المشكلة في أن تنفيذ مشاريع الرؤية يحتاج إلى رؤوس أموال وخبرات أجنبية لا توفر السوق السعودية عناصر الجذب الكافية لها. ويعكس الأداء الضعيف والفشل في تنفيذ مشاريع الرؤية والإنفاق العام  تراجع معدل النمو الاقتصادي الفعلي إلى ما دون 1 بالمائة خلال السنوات الثلاث الماضية واستمرار ارتفاع معدل البطالة الرسمي إلى أكثر من 12 بالمائة، في حين أن المعدل الفعلي أكثر من ذلك بكثير وخاصة في صفوف الشباب.

وعلى ضوء النتائج غير المرضية ذكرت وكالة "بلومبيرغ" للأنباء أن ولي العهد محمد بن سلمان غير راض عن سير عملية تنفيد مشاريع الرؤية وأن هناك حاجة لإعادة النظر فيها. ويدل على عدم الرضى قول وزير المالية السعودي محمد الجدعان في تصريح للوكالة بأن مراجعة الخطة تجري كل عام بناء على المعطيات المستجدة. ومن تبعات ذلك خفض البرامج والمشاريع ودمجها أو تعديلها إضافة إلى استبدال مجالس إدارتها. وهذا ما حصل مؤخرا في "شركة القدية للاستثمار" حيث تأخر إنجاز مشاريعها السياحية غرب العاصمة الرياض. وهو الأمر الذي دفع بن سلمان إلى التدخل شخصيا من أجل "تصحيح الوضع" حسب مصادر إعلامية مقربة من الحكومة السعودية بينها صحيفة "سبق".

الخبير الاقتصادي ابراهيم محمد: رؤية الأمير محمد بن سلمان لتحديث المملكة بحلول 2030 غير قابلة للتطبيق

تلقت السعودية منذ إطلاق الرؤية ضربات قوية زعزعت الثقة بمستقبل الاستثمار فيها. وتمثل أبرزها مؤخرا في الهجمات التي تعرضت لها شركة أرامكو النفطية في سبتمبر/ أيلول 2019، والتي أدت خلال دقائق إلى تعطيل نصف الانتاج النفطي السعودي. وقبل ذلك أدت جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي بطريقة مروعة في القنصلية السعودية بمدينة اسطنبول إلى جعل صورة السعودية أكثر سوداوية وقتامة، لاسيما في عالمي السياسة والاقتصاد. وبما أن تنفيذ مشاريع الرؤية الطموحة يعتمد على الاستثمارات والخبرات الاجنبية بشكل كبير، فقد أصبح من غير الواقعي المراهنة على "رؤية 2030" بالشكل الذي تم فيه الإعلان عنها. وقد يكون من الأفضل التخلي عنها والتركيز على تحديث البنية التحتية في المدن والأرياف بدلا من بناء مدن ومجمعات جديدة معزولة عن المجتمع السعودي. ويدعم هذا الاستنتاج حقيقة أن رأس المال الأجنبي لن يستثمر في مشاريع طويلة الأجل في بلد لا يعاني فقط من غياب الحريات السياسية والاقتصادية فقط، بل والاجتماعية كذلك.

االأزمة بين السعودية وكندا هي أحدث الأزمات الدبلوماسية في عهد محمد بن سلمان والتي بدأت بسبب انتقادات وجهتها السفارة الكندية للمملكة بشأن حقوق الإنسان، وذلك على خلفية اعتقال نشطاء المجتمع المدني ونشطاء حقوق المرأة في السعودية، ومن بينهم الناشطة سمر بدوي. الأمر الذي اعتبرته السعودية تدخلاً في شؤونها الداخلية واتخذت قرارات تصعيدية تجاه كندا مست الطلاب السعوديين الدراسين هناك والمرضى والرحلات الجوية.

في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي 2017، استدعت السعودية سفيرها في برلين، عندما انتقد وزير الخارجية آنذاك زيغمار غابريل السياسة الخارجية السعودية تجاه كل من لبنان واليمن. وبعدها قامت الرياض بسحب سفيرها من ألمانيا، ولم يتم إرجاعه لحد الآن، بالرغم من إبداء الحكومة الألمانية حينها رغبتها في عودة السفير السعودي إلى برلين، كما عبّرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية عن أملها في العمل على تحسين علاقات الجانبين.

بدأت الأزمة مع قطر قبل أكثر من عام عندما أطلقت فضائيات ومواقع إماراتية وسعودية هجوماً كاسحاً على الدوحة متهمة إياها بدعم تنظيمات متطرفة في المنطقة ودعم جماعة الإخوان المسلمين التي تعتبرها مصر والسعودية والإمارات والبحرين تنظيماً إرهابياً. على إثر ذلك قطعت الدول الأربعة علاقاتها مع قطر في الخامس من حزيران/ يونيو 2017، وشنت حملة حصار عليها لاتزال مستمرة. من جهتها نفت قطر دعم أي تنظيم متطرف.

الأزمة مع لبنان بدأت إثر اعلان رئيس الوزراء سعد الحريري استقالته المفاجئة من الرياض، وظهر التصعيد بعد إقرار الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون بتعرض رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري للاحتجاز هناك في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، ما أدى إلى نشوب توتر في العلاقات بين البلدين. من جهته نفى الحريري والرياض احتجازه في السعودية رغما عنه. وبعد تدخل دولي شارك فيه ماكرون غادر الحريري المملكة وعدل عن استقالته.

الأزمة السعودية مع إيران وصلت إلى أشدها بعد أن قام محتجون في طهران باقتحام مبنى السفارة السعودية احتجاجاً على قيام المملكة بإعدام الزعيم الشيعي البارز نمر باقر النمر . ويذكر أنه قد تم اضرام النار في أجزاء من مبنى السفارة وتدمير أجزاء أخرى في الهجوم عليها، وهو الأمر الذي أدى إلى القبض على خمسين شخصاً من جانب السلطات الإيرانية، ودفع السعودية مطلع عام 2016 إلى قطع علاقاتها مع إيران.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل