المحتوى الرئيسى

«الحشيش والنساء».. جوانب خفية في حياة «حضرة المحترم» نجيب محفوظ | المصري اليوم

12/11 13:20

عُرف الأديب الراحل، نجيب محفوظ، بأنه رجلاً وقورًا، إذ كان مؤمنًا بأن «الأدب الذي لا يرتقي إلى مرتبة الشعر- حتى لو لم يكن منظوما- ليس من الأدب في شيء»، وخلال مشوار «حضرة المحترم»، أنجز «محفوظ» 55 كتابا روائيا وقصصيا، وعدد من المسرحيات وكتاب مترجم.

«المصري اليوم» ترصُد ملامح الجوانب «الخفيّة» في حياة نجيب محفوظ، بالتزامُن مع ذكرى ميلاده، 11 ديسمبر 1911.

كيف وصفَ نجيب محفوظ «الحشيش»؟

يذكُر الناقد الأدبي والصحفي، رجاء النقاش، في كتابه «في حُب نجيب محفوظ»، الصادر سنة 1995 عن دار «الشروق»، حديث نجيب محفوظ عن مُخدر «الحشيش»، وقال إن الصوفيين هم أول من اكتشف «الحشيش» واستخدموه، بعد أن وجدوا أنه يعطيهم شعورًا بالانبساط، مما يساعدهم ويسعفهم في تجربة التجلي والوصول.

وأضاف «محفوظ» أنه، في بدايات هذا القرن، كان «الحشيش» من المواد المحتقرة في مصر، ولا يستخدمه سوى أراذل الناس، ولا تقربه الفئات المحترمة، وكانت كلمة «حشّاش» تعني أن صاحبها أقرب إلى فئات الحرامية والنشالين، ثم انقلب الوضع، فعندما قامت الحرب العالمية الأولى اختفت الخمور الجيدة من السوق، ولم يكن أمام الفئات العليا من المجتمع إلا استخدام الحشيش، وأصبح في بيوت كثيرة «غرزة» صغيرة للحشيش بدلًا من البار، وساعد على انتشار الحشيش أنه لم يكن ممنوعًا بحكم القانون، بل كان الناس يدخنونه في المقاهي، وأكثر عقوبة لحشاش هي الغرامة وكانت قروشًا معدودة.

ويرى نجيب محفوظ أيضًا أن مساواة الحشيش بالمواد المخدرة الأخرى التي انتشرت مؤخرًا، مثل «الهيروين»، ليس بمنطقي، لأن «الهيروين» من المواد التي تدمر الجسم وتقضي على عقول الشباب، وربما كان سيد درويش من أوائل الذين تنبهوا إلى هذا الفارق، فعندما لحن أغنية عن «الكوكايين» هاجمه بشدة وحذر من خطورته.

كما أن هناك عددًا من كبار الكُتاب السياسيين، مثل عباس محمود العقاد، شنوا حملة شديدة على تعاطي «الكوكايين» عندما بدأ في الانتشار في فترة ما بين الحربين العالميتين. وعندما غنى سيد درويش للحشيش في أغنيته المعروفة عن «الحشاشين» لم يهاجمه أحد، وكانت كلمات هذه الأغنية فيها نوع من البهجة والسخرية، ولا يقف سيد درويش ضد الحشيش إلا عند الشدائد والأزمات الوطنية. وأقول هنا إنه يجب إعادة النظر في العقوبة الخاصة بالحشيش، فربما تؤدي إلى التخفيف من خطر المخدرات وصفوف الإدمان الرهيبة الأخرى.

ويُكمل نجيب محفوظ رأيه عن الحشيش قائلًا: «عن طريق صديقي (الشماع) الذي كان يعمل في الغورية، عرفت (الحشيش)، وفي ذلك الوقت، كان تدخين الحشيش يتم بصورة علنية في المقاهي كما أشرت، حتى إني أذكر أن (الشماع) كان يجلس في مقهى (علي يوسف)، وينتظر حتى يأتي (عسكري الدرك) الموجود في الشارع حتى يشرب معه (التعميرة)».

ويُضيف: «وفي اعتقادي الشخصي أن الأوضاع السيئة التي عاشها الشعب المصري، وما تعرض له من ظلم وقهر، كان سببًا أساسيًّا في إقباله على (الحشيش)، لأنه وجد فيه نوعًا من المسكن لآلامه وأوجاعه، يخفف عنه ولو لساعات، ما يمر به من هموم وأزمات، حتى أصبح تدخينه بالنسبة لهم عادة شعبية، مثل شرب الشاي والقهوة. وأكاد أقول إنه ما من مصري من أولاد البلد إلا ويحمل صفة (حشاش)، إلا إذا كانت هناك ظروف قهرية منعته، حتى إن غير القادر منهم تجده على استعداد لأن يخدم في (الغرزة) مقابل (نَفَسين)».

ويستكمل «محفوظ»: «كان الحشيش للشعب المصري نِعم الصديق، لأنه خفّف عن الناس المرارة التي يعيشونها في نهارهم، وكان بمثابة المسكن للأوجاع في الليل. وساعد على انتشار الحشيش بين جماهير الشعب، خاصة الطبقات الفقيرة، أنهم لا ينظرون إليه نظرة التحريم الديني التي يرونها في الخمر، فالإنسان المصري لديه استعداد لأن يدخن الحشيش ولكن لا يتناول البيرة مثلًا، رغم أنها أخف أنواع الخمور، وذلك لاعتقاده أنه لا يوجد نص ديني قاطع يحرّم الحشيش بالتحديد».

ما تأثير المرأة في حياة أديب نوبل؟

«خيوط بِكر الإلهام»، هكذات وصف نجيب محفوظ دور النساء في حياته، إذ قال إنه كتب الكثير من أعماله تحت تأثير حُب المرأة، مُسترجعًا ذكرياته بـ «عرفت النساء في الأحياء الشعبية من المعايشة المباشرة، يكفي جلوسي أمام بيتنا في الجمالية، كنّ يجئن إلى أمى، إحداهن تبيع الفراخ، أخرى تكشف البخت، دلالات، منهن نساء واظبن على زيارتنا في العباسية، كُنت أصغي إليهن في أحاديثهن مع الوالدة، وهن يروين لها الأخبار، وعرفتُ نماذج عديدة منهنّ ظهرت في رواياتي فيما بعد».

وأضاف: «الحقيقة أن المرأة في حياتي وأدبي شيء واحد، لعبت المرأة في حياتي دورًا كبيرًا، إن لم يكن مثل السياسة فهو يفوقها، أثر الوالدة في التربية، ونوع الثقافة التي منحتها لي، على الرغم أنها لم تكُن مثقفة، ثم تجربة الحب الأول التي سيطرت على حياتي بدرجة كبيرة، وبعد ذلك تجارب حُب، يمكن أن تسميه (طياري)، لكن كان لهُ أثره الكبير في تعرفي إلى عدد كبير من النساء والفتيات، نماذج عجيبة وغريبة، ظهرت فيما بعد في أعمالي كُلها».

«عايدة يا قضائي وقدري، ولو لم أعرف عايدة لكُنت إنسانًا غير الإنسان، ولكان الكون غير الكون»، هكذا قال كمال عبدالجواد، في «قصر الشوق»، الرواية التي سطّرها نجيب محفوظ، بناءً على مشاعر حقيقية، مستوحاة من شخصية «عايدة»، كما اعترف في أواخر الثمانينيات للأديب الراحل، جمال الغيطاني، وهو ما سجّله الغيطاني ضمن كتاب بعنوان «نجيب محفوظ يتذكّر».

يقول «محفوظ» عن المرأة التي ألهمتهُ: «خبأت حبي الأول مُنذ زمن بعيد، لا أستطيع تتبع أخبارها الآن، لأنها ابنة عائلة اندثرت منذ مدة، قصرهم أصبح عمارة، كانت سراياهم في شارع بالعباسية اسمه حسن عيد يصل بين شارع العباسية وشارع الملكة نازلي، أصبح مكان السراي الآن عمارتان حديثتان؛ لا أعرف مصيرها، أو أين هي الآن، في مصر أو خارجها، حتى إخوتها انقطعت أخبارهم عني».

ويُضيف، أحيانًا يقولون إن الدنيا تلف وتدور ثم تشوف، لكن هذه انقطعت أخبارها كلها عنى بالمرة، الغريب أن البيت الصغير الذي أسكن فيه بالإسكندرية تعيش به قريبتها في الطابق الذي يقع تحتي، ابن عمها دكتور قابلني ذات مرة وتذكرني، لكن ليس من المعقول أن أسأله عنها، معقول أن تكون ماتت، لو أنها تعيش، فهي الآن فوق الثمانين.

وفي أحد اللقاءات الصحفية القديمة، التي عُقدت مع الأديب الراحل نجيب محفوظ، سألهُ المحاور «ماذا كان موضوع قصتك القصيرة الأولى؟»، فردّ نجيب قائلًا: «جامعة أعقاب سجائر»، فكانت تلك الفتاة هي إحدى مُلهمات الأديب، نجيب محفوظ، والتي أثرت عالمه الروائي.

تدور القصة المستوحاة من أحداث حقيقية، حول فتاة تبحث عن أبيها فتجدُه في طرف من أطراف القاهرة، حيث لا يصل رجال البوليس، يدير عصابة لتجارة المخدرات، والقصة بعد ذلك تصوير لانفعالات المسكينة بين أبيها وأعوانه، دائمًا ما يعترف أن أبطال قصصه أُناس ممن تراهم العين كُل يوم، آدميون، ينفعلون ويثورون ويضحكون ويضيعون في زحمة الحياة، كما قال: «قد يكونون معي في البيت أو قبالتي في السكن، أو جواري في المكتب، وقد يكونون في حانوت أو طريق. وأنا آخذ من الواقع وأنسج عليه من الخيال، فإن العمل الفني ليس أن تعطي الواقع كما هو، بل أن تأخذه وتهضمه وتبلوره في أعماقك ثم تخرجه من جديد خلقًا آخر».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل