المحتوى الرئيسى

العلاقة بين الخطاب الديني والتطرف.. ننشر تفاصيل ورقة عمل ندوة الشأن العام والأمن القومي المصري

12/07 18:03

بدأت منذ قليل ندوة " الشأن العام والأمن القومي المصري " بمؤسسة الاهرام .

و تتناول الندوة عدة محاور أساسية أهمها تحديد مفهوم قضايا الأمن القومي وعلاقته بالشأن العام، وتحديد السمات الرئيسية لمن يتولون الحديث في هذه القضايا الوطنية والسياج القانوني والدستوري لتنقية المجالات دون المساس بالحريات العامة.

وننشر ورقة عمل الندوة التى تنظمها الهيئة الوطنية للصحافة مساء اليوم بمؤسسة الاهرام .

تعالج هذه الورقة مسألة "الخطاب الدينى"، وليس النص الدينى فى ذاته وتحديدا الخطاب الذى يقدم تفسيرات متشددة أو مغالية لنصوص دينية، أو يُطِّوعها لخدمة أهداف سياسية واجتماعية، أو يوجه المتلقى نحو نصوص فقهية دون غيرها، وقد يجتزئها ويخرجها أحيانا من سياقها.. وأثر الخطاب فى التطرف, الذى أصبح فى مقدمة الأخطار على الأمن القومى المصرى.

و تبين أن هذا النوع من الخطاب الدينى قد يغير أولويات المواطن, ويدفعه فى اتجاه معين، ويعيد ترتيب أمور الدين, وتغيير الأوزان النسبية لهذه الأمور، ويفتح الباب أمام الإرهاب, الذى يهدف إلى النيل من الأمن القومى.

وأبرز الموضوعات ضمن ورقة العمل هي كالتالي :

ولا- العلاقة بين الخطاب الدينى والتطرف:

هناك عدة مداخل يمكن من خلالها تحليل العلاقة بين الخطاب الدينى والتطرف والأمن القومى, منها:

● الأحادية الفكرية: فالخطاب الدينى المتشدد, الذى يرسخ الأحادية الفكرية، يساعد على تشكيل عقل على الشاكلة نفسها يصبح قابلا للتطرف.

● الإقصاء: احتكار فهم النص, وتمثيل جماعة المسلمين, وإقصاء المخالف, مما يهدد الوحدة الوطنية, التى تعد صمام أمان للأمن القومى.

● هالات التقديس: الخطاب الدينى المتشدد عندما يُلقى هالات تقديسية مبالغًا فيها، يمنع الفرد من محاولة الاقتراب من مضمون النصوص, وإعمال العقل فيها, أو حتى التفكير فى تفسيرات مختلفة لأفعال بشرية.

● النقد: وهو يرتبط بما سبق, بأن يقوم الخطاب الدينى المتشدد بزجر من يفكر فى نقد بعض الأفكار, أو تقديم تفسير مختلف للمحافظة على الأمن القومى.

● الحشد والتجييش: واحدة من مشكلات الخطاب الدينى المتشدد, التى تساعد على إيجاد أرضية للتطرف, وعدم عقلانيته, واعتماده على العاطفة, والحشد والتجييش, بكل انعكاساته على الأمن القومى.

● رفض الآخر: تمثل فكرة "الآخر" إحدى العلامات المهمة فى الخطاب الدينى والثقافى المتطرف.

● العلاقة بين السياسى والدينى: لسنوات ظلت السياسة تصوغ خطابا دينيا يُوجِدُ لا شعوريا تفهما, وقابلية للتطرف، مثل الدعاء على المنابر "للمجاهدين" و"المستضعفين", وهو ما يمكن أن نلحظه بوضوح فى حالات أفغانستان والشيشان, ثم سوريا، مؤخرا.. وقد عانينا فى مصر فترة طويلة من التداعيات الفادحة للخلط بين السياسى والدينى.

● تجاهل التاريخانية: واحدة من أزمات الخطاب الدينى هى عدم احترام فكرة "التاريخانية", إذ تظل النظرة للمجتمع والدنيا قائمة على الفصل بين المسلمين وغير المسلمين على أساس التقسيم, الذى كان موجودا وقت "الدولة الإسلامية"، وهو ما لا يواجهه الخطاب المعتدل بشكل منهجى، بل يسعى, فى كثير من الأحيان, إلى تبرير بعض الأمور, مثل عدم فرض الجزية, وتجاهل التاريخانية، إذن، يعنى الانطلاق من الماضى التاريخى أكثر منه الدينى.

ثانيا- العلاقة بين التطرف والإرهاب:

تحظى ظاهرة التطرف باهتمام واسع فى الأوساط السياسية، كما فى الدوائر الأكاديمية والبحثية في العالم, ويزداد هذا الاهتمام بشكل مطرد منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي, لذا، أصبح التطرف، والإرهاب, الذى يُعد امتدادا له، مجالا بحثيا قائما بذاته، إلى جانب كونه جزءًا من مجالات أخرى.

وقد أُضيع وقت كبير فى مناقشات حول المقصود بكل من التطرف والإرهاب، سعيا إلى بلورة تعريف مُتفق عليه لكليهما، أو يلقى قبولا واسعا ممكن فى العالم, ولكن إذ تعذر التوافق على تعريف واحد, ليس فقط للإرهاب، ولكن أيضا للتطرف, خاصة من حيث مسئولية بعض ما يرد فى الخطاب الدينى عنه، وما يُعد متطرفا فيه من عدمه, ولذلك مازال تحديد اتجاهات الخطاب الدينى التى تعتبر متطرفة, فى حاجة إلى دراسات تعتمد على مقابلات مع عناصر إرهابية, بهدف حصر ما تأثروا به من هذا الخطاب

وتدقيقه, ويضاف إلى ذلك أنه على الرغم من كثرة الدراسات التى أُجريت، وتُجرى، حول هذه الظاهرة، فإنه لم يتيسر بعد سبر أغوارها كافة، خاصة على صعيد المراحل التى تمر بها، وهل هى أربع كما يرى كثير من الباحثين, (التعصب، والتطرف، والعنف اللفظي، والإرهاب المادى).. أم أكثر؟!.

وعلى الرغم من أن مفهومى التطرف والإرهاب يُعدان من المفاهيم التى يصعب ضبطها علميا وإجرائيا، فإن القدر المتيقن يظل هو أن للتطرف مستويات عدة يؤدى أعلاها إلى الإرهاب، الذى يمكن تعريفه بشكل عام جدا أنه استخدام العنف المسلح لتحقيق أهداف سياسية.

والتطرف، إذن، هو خطاب يقوم على تفسير معين لنصوص دينية وفقهية، ويؤدى إلى التأثير فى بعض الأفراد الذين يوجد لديهم بحكم تكوينهم استعداد للتأثر به، والاتجاه إلى العنف, فيحدث الانتقال إلى مرحلة الإرهاب, بوصفه فعلا سياسيا واجتماعيا يميزه عن العنف المستخدم فى مختلف أشكال الجريمة المنظَّمة, لكن المعيار النهائى يظل مرتبطا بحجم التأثير على الأمن القومى.

نحو تجاوز إشكالية العلاقة بين النص والواقع:

يفيد الاتجاه العام فى الدراسات، التي عُنيت بتحديد العوامل, التى تؤدى إلى تحول شخص عادى إلى إرهابى، وجود مصدرين أساسيين لهذا التحول، أحدهما نصوص دينية يقرأها, أو يسمعها، والثانى بيئة اجتماعية - ثقافية - تعليمية ينشأ فيها, أو واقع موضوعى يعيشه.. كل إرهابى، تقريبا، يُعد حصيلة تفاعل بين هذين المصدرين، اللذين قد يزيد أثر أحدهما فى حالة، وقد يكون أثر الثانى هو الأقوى فى حالة أخرى, لذا، يمكن التمييز بين اتجاهين في دراسة عملية تشكل الكائن الإرهابى، والتي تُعد بمثابة البنية الأساسية لظاهرة الإرهاب: الاتجاه الأول يركز على البيئة والظروف الموضوعية, والاتجاه الثاني يركز على النصوص الدينية.

ويمكن، بشىء من الاختزال والتبسيط، إجراء مقارنة مركزة بين الاتجاهين المذكورين, حيث يرى الاتجاه الأول أن تفاعل شخص مع الظروف, التى ينشأ فيها هو المصدر الأساسي لتعصبه، ثم تطرفه، وصولا إلى تحوله إرهابيا.. حيث يتحول الشاب، وفق الاتجاه الغالب فى هذا الاتجاه، نتيجة ظروف ينشأ فيها، وعندئذ إما أن يبحث عن عقيدة حافزة لهذا التمرد ومُوجهة له، أو "تبحث" هى عنه – فى بعض الحالات- إذا كان هناك من يراقبه، ويلتقطه، ويُحبذَّه، ويبث نصوصا متشددة، أو تفسيرات متطرفة، فى دماغه.. هذه النصوص، إذن، ليست هى المصدر الأول للتطرف المؤدى إلى الإرهاب, على الرغم من دورها الجوهرى، حسب الاتجاه الأول, أما الاتجاه الثانى فيرى أن تفسير النص الدينى هو المصدر الأساسى, فالتحول إلى الإرهاب، حسب الاتجاه الثانى، لا يحدث دون التفسير المتطرف أو الدينى.

وبمعنى ما، يذهب الاتجاه الأول إلى أن الإرهاب يخرج من قلب البيئة المجتمعية حين يكون الشاب مستعدا, بحكم تكوينه, للتمرد، بينما يعتقد الاتجاه الثانى أنه يخرج من بطون نصوص دينية.

لكن كلا المنهجين يكتسب قيمته نتيجة أن الثانى يكمله، إذ يتعذر واقعيا ومنهجيا تَشَكُلّ الظاهرة الإرهابية إلا حين يجتمعان, وهذه قاعدة عامة يجوز الاستثناء منها، مثلها مثل غيرها, ولكن الاستثناء من هذه القاعدة يبدو أقل من غيرها، لأن الأثر المترتب على كيفية تفاعل الشخص مع بيئته المجتمعية، ومع التفسيرات المتشددة, والغالبة للنصوص الدينية، لا يكتمل غالبا إلا حين يوجدان معا, وهذا هو ما توصلت إليه الدراسات, التى أُجريت وفق قواعد منهجية منضبطة، بغض النظر عن الوزن النسبي لكلا المصدرين النصى والواقعى, فمن الطبيعى أن يختلف هذا الوزن من شخص إلى آخر.

وهكذا، تحدث عملية تَشَكُلّ الكائن الإرهابى نتيجة تفاعله مع كل من البيئة المجتمعية والنصوص الدينية، والتفاعل بين هذه النصوص وتلك البيئة.. فكيف حدث هذا التفاعل في منطقتنا؟!

رابعا- حول التفاعل المُنشئ للظاهرة الإرهابية:

تبدو الظاهرة الإرهابية، بشيء من الاختزال، مثل معادلة تتكون من طرفين، هما البيئة الاجتماعية - الثقافية - التعليمية، والنصوص الدينية المتشددة, وفى ستينيات القرن الماضى، كانت هذه النصوص نائمة في بطون كتب فقهية وتراثية فى انتظار من يوقظها ويستخدمها، وهو ما تحقق نتيجة التغير, الذى حدث في البيئة الاجتماعية – الثقافية - التعليمية، سواء على المستوى الكلى أو الجزئى.

ويُقصد بهذه البيئة على المستوى الكلى: الوضع العام, الذى يؤثر فى اتجاهات الأفراد، أى كل ما يتعلق بالاتجاهات السائدة فى المجتمع (كلما تنامت النزعات المحافظة التى ترفض التجديد, يزداد احتمال انتشار التعصب، الذى قد يؤدى إلى تطرف، ثم انتقال بعض المتطرفين إلى الإرهاب), وحالة التعليم (أكثر نظم التعليم التى تعتبر بيئة منتجة لتطرف محتمل فى أوساط بعض التلاميذ

هى تلك التى تقوم على التلقين، وتنمية الذاكرة بدلا من تفتيح العقل، وقمع الأسئلة, التى تتوارد فى أذهان المتعلمين فى المرحلتين الابتدائية والإعدادية، فيتعود الطالب على النظر إلى ما يسمعه كما لو أنه كان حقيقيا وصحيحا دوما، ولا يفكر فيه أو يفحصه، فإذا سمع تفسيرات دينية متطرفة تأثر بها, كما أن منعه من طرح سؤال أو آخر، أو مناقشة المعلم فى بعض ما يقوله، يَحول منذ البداية, دون إدراكه أهمية الحوار وفضائله، فلا يجادل أو يناقش, إذا سمع تفسيرات دينية متطرفة، ولا يراجعها, أو يسأل عن مدى صحتها, وتزداد مساهمة نظام التعليم فى صناعة التعصب، وإيجاد أرضية للتطرف، عندما يحدث خلط فى مناهج التربية الوطنية والتاريخ بين ضرورة الوعى بالأخطار التى تحيق بالوطن، وكراهية الأجانب, فالكراهية مصدر أساسى من مصادر التعصب, الذى قد يؤدى إلى تطرف يتحول بعضه إرهابا), أما البيئة على المستوى الجزئى فتعنى الظروف التى يََنشأ فيها الفرد على المستوى المحلي، والمؤثرات المترتبة عليها, وهذه كلها عوامل مؤثرة فى الأمن القومى.

ومادمنا فى نقاش موضوعى صريح يهدف إلى تصحيح حقيقى للخطاب الدينى، انطلاقا من صحيح الدين، فإنه يَحسُن أن نصارح أنفسنا بأن بعض مكونات الخطاب الدينى المعتدل لا تفعل فعلها المفترض والمُبتغى فى مواجهة التفسيرات المتشددة والمغالية، التى تفتح الباب أمام تهديد الأمن القومى المصرى.

وهذه عينة من أسلة وإشكاليات فى هذا المجال نطرحها للنقاش بعقل مفتوح من أجل حماية أمننا القومى:

● لماذا يبدو دور المؤسسة الدينية الرسمية فى تصحيح الخطاب الدينى بطيئا ومحدودا؟

● هل تُغذى بعض اتجاهات الخطاب الدينى المعتدل القابلية للتطرف لدى بعض الأفراد, وتساعد فى تشكيل حاضنة للأفكار المتطرفة؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل