المحتوى الرئيسى

المدارس مقبرة الهوايات

11/22 10:02

هنا.. وداخل هذا السور وخلف مجموعة الجدران والفصول وليس فى أى مكان آخر يمكن للأمم أن ترسم مستقبلها بأنامل أبنائها.

هنا فقط فى المدرسة يمكن للشعوب أن تصنع نهضتها.. لكن التحدى الأساسى هو كيف تجعل المدرسة مكاناً محبباً للصغار صانعى النهضة؟!.

كيف تنجح فى هذا التحدى قبل أن تحول المدرسة إلى مؤسسة محبوبة يمارس فيها التلميذ كل أنشطته المفضلة، وأيضاً يحصل دروسه المقررة فى المنهج بحب، كيف نجعل الطالب يتغزل فى مدرسته، كما تغزل فيها الشاعر الكبير صلاح جاهين عندما قال:

ع الجسر فت الصبح تحت الضباب

بين اللى لسه بينغرس واللى طاب

ما اهتز قلبى لنبت طالع جديـــــــد

قد اللى ماشى.. وتحت باطه كتاب

الواقع الذى رصدته «الوطن»، يؤكد أن معظم مدارسنا تعانى من غياب ثقافة احترام الأنشطة المدرسية، لا فرق بين مدرسة حكومية وخاصة.. لا فرق بين تجريبى أو رسمى، لغات أو عربى، دولى أو محلى، فمعظمها يتشابه فى غياب الأنشطة، أو على الأقل «تهميشها» وكأن النشاط المدرسى نوع من الرفاهية يمكن الاستغناء عنها.

هكذا لن تجد أثراً فى معظم مدارسنا لحصة الموسيقى، رغم أهميتها البالغة فى تهذيب مشاعر أطفالنا ومراهقينا، والتى يمكنها تقليل جرعات العنف التى اجتاحت هذا الجيل.. لن تجد نشاطاً أدبياً منتظماً.. شعراً أو قصة.. فيما أصبحت القراءة أو استعارة الكتب من المكتبة المدرسية شيئاً نادر الحدوث، أيضاً غاب الرسم والتصوير فغاب الخيال.

«الوطن» فى هذا الملف تناقش ظاهرة غياب الأنشطة المدرسية، وكذلك حصة الموسيقى.

 «الألعاب، الكمبيوتر، الرسم، الموسيقى»، أنشطة مدرسية مختلفة، من المفترض أن يمارسها الطفل فى سنوات تعليمه الأساسى لتنمية مهاراته، والخروج به بعيداً عن مناخ الحصص الدراسية، والمذاكرة، إلا أنه مع مرور الوقت، انقلب الأمر رأساً على عقب، فأصبح ولى أمر الطفل هو المسئول الأول عن توفير وتمويل النشاط المدرسى.

«الأنشطة كلها بقيت مدفوعة الأجر دلوقت».. هكذا علقت نهلة لاشين، أم لطفلين، مضيفة: «فى الوقت الحالى مفتقدين غالبية هذه الأنشطة مع الأطفال، سواء فى المدارس الخاصة أو الحكومية»، مبدية استياءها الشديد من تحول معظم الأنشطة لجانب مادى بحت.

لم يكن الطفل هو المستهدف الوحيد من الأنشطة، بل أصبح ولى الأمر هو محورها الأساسى، حسب «لاشين»، موضحة، أن هناك بعض المدارس الخاصة تنظم معارض لمواد دراسية مختلفة كالعلوم فى إعادة تدوير البيئة، مثل «تحويل علبة كانز لمقلمة»، أو «مصباح قديم لأباجورة»، ويتم تكليف الطفل بإعادة تدوير أى شىء معين، إلا أن ولى الأمر هو المتحمل تكاليف النشاط، مؤكدة أن المدرسة هى المستفيد الوحيد من هذه الأنشطة لكونها تستخدمها فى الدعاية لنفسها: «بتقول عندنا أنشطة مختلفة وقوية عشان تجذب الأطفال يقدموا فيها»، أضافت «لاشين» أنه فى الغالب يضطر ولى الأمر للذهاب إلى مكتبة خارجية لتصميم النشاط المدرسى لصعوبة تصميمه، الأمر الذى يضعه تحت جشع المكتبات، حيث إن بعض الأطفال تضطر للجوء إلى مكتبات خارجية أو عنصر خارجى لتنفيذ النشاط المطلوب، لافتة إلى أن هناك بعض الأنشطة التى تنفق عليها الأسرة دون ضجر والممثلة فى شكل تبرعات، سواء بملابس قديمة أو مواد غذائية كالزيوت والسكر، قائلة: «بنستفاد فى عمل الخير وخلاص»، وتابعت «هناك نشاط الاقتصاد المنزلى يتمثل بتكليف أمهات الأطفال بعمل المخبوزات وتباع بمقابل مادى لصالح المستشفى العام»، لافتة إلى أن حصة «البيئة» لم يمارس فيها أى نشاط: «الأولاد تقعد على الأرض تحت الشمس وخلاص»، مؤكدة أن غالبية الأنشطة فقدت حيويتها وتحولت إلى جوانب استثمارية أكثر ما هى مهارية.

أمنيات بسيطة كشفت عنها نهلة فى حديثها لـ«الوطن»، أبرزها ضرورة وجود معمل صوتيات ومكتبة مسموعة ومرئية لكل لغة، وإدراجها ضمن قائمة الأنشطة المدرسية لتنمية وتعليم اللغة، كالتمثيل أو الغناء باللغة، ويكون الاختبار لقياس المهارات الأربع، بالإضافة إلى عقد كورسات دورية لرفع كفاءة هيئة التدريس. طبقاً لجداول الحصص، يتم تخصيص حصص لـ«الكمبيوتر والألعاب الرياضية، والمكتبات»، إلا أنها تحولت إلى حصص نظرية وليست عملية، وأصبحت الألعاب حصة نوم، حسب «نهلة لاشين»، قائلة: «المدارس بتعلم الكمبيوتر نظرى مش عملى لأن الأجهزة بايظة»، مؤكدة أن الأنشطة الخارجية ككرة القدم والطائرة والسلة بمقابل مادى.

محاولات بائسة بذلتها «لاشين» هى وأقرناؤها من أمهات الأطفال لإصلاح وتفعيل بعض الأنشطة المدرسية: «طالبنا بإصلاح حديقة المدرسة وقدمنا شكوى جماعية لتحسين الحديقة للأطفال الصغار لكن مفيش نتيجة»، مشيرة إلى أن غالبية المدارس الخاصة لا تضع تكلفة الأنشطة المدرسية ضمن مصروفات الدراسة، وتابعت أنه لا بد من تطوير الأنشطة المدرسية، موضحة أن تطوير النشاط اللغوى مرتبط بالتعليم الصحيح للغة وليس فقط تعليم اللغة بالحفظ والتلقين، فتعلم أى لغة يقوم على تنمية المهارات الأربع وهى: الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة، موضحة أن مفهوم التطبيق فى المدارس الحكومية والخاصة خطأ «فأول ما نتعلمه الكتابة وآخر ما نتعلمه الكتابة أيضاً».

تتفق بيرى علاء، أم للطفلة حلا، مع نهلة لاشين، فى كون النشاط المدرسى يمثل محوراً أساسياً للطفل، إلا أن هناك إهمالاً فى تفعيله خاصة فى المدارس الخاصة، موضحة أن المدارس الحكومية تهتم بالأنشطة بدرجة تفوق اهتمام المدارس الخاصة بحكم مساحتها الكبيرة، قائلة: «هيكون فيها مجال للزراعة، والتطريز والاقتصاد المنزلى»، مؤكدة أن ولى الأمر يضطر فى غالبية الأوقات لشراء آلة موسيقية يصل سعرها لـ23 ألف جنيه لإتاحة الفرصة لطفله فى الاشتراك فى أنشطة المدرسة.

تؤكد «بيرى» على ضرورة تخصيص حصص للموسيقى وتوفير بعض الآلات فى المدرسة كالأورج، والجيتار، وغيرهما من الآلات الموسيقية، موضحة أن الأطفال مسموح لهم بدخول المكتبة مرة فى الأسبوع، وحصص الأنشطة والحصص الترفيهية لا تستغل جيداً: «المدرسين بيقولوا للأطفال اللى معاه حاجة عايز يعملها يعملها واللى عايز ينام ينام».

لا يوجد مدرس متخصص للأنشطة، فمدرّسة الألعاب وزنها زائد، ومش قادرة تتحرك، ولا توجد أى أدوات ألعاب، بجانب أن حصص الرسم تفتقد جدية النشاط المدرسى «ارسمى ولونى وخلاص» مفيش شغل يدوى برمل أو أخشاب، والطفل عضو غير فعّال فى النشاط، حسب «بيرى»، موضحة أن ذلك يؤثر نفسياً على الأطفال، وأكدت أن هناك نشاطاً شهرياً على الدروس التى تم شرحها للطفل، وولى الأمر يقتنى الألوان والأوراق المطلوبة للنشاط، قائلة: «فيه ناس بتروح لخطاط أو رسام عشان يصمم النشاط أو مكتبات خارجية سعرها 70 جنيه للوحة الواحدة»، موضحة: «قدام عنينا بتترمى الأنشطة فى الزبالة، والمدارس بتهتم باللوحات المتكلفة قوى»، لافتة إلى أن آلية تطبيق الأنشطة غير دقيقة خاصة فى المدارس الخاصة التى تهدف للربح أولاً «المدرسة أم جنيه زى أم عشرة»، لافتة إلى أن المدرسين غير متخصصين: «مدرّسة الألعاب كانت بتدى دراسات اجتماعية».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل