المحتوى الرئيسى

150 عاما قناة السويس ـ الأهمية آنذاك واليوم

11/17 08:53

الحكومة المصرية تعلن تأميم قناة السويس". بهذه الكلمات الجهورية اتخذ الرئيس جمال عبد الناصر في أكتوبر 1956 قرار التأميم الذي جلب البهجة في مصر والغضب في أوروبا. انتظر ناصر طويلا للحصول على قروض أمريكية لبناء سد أسوان، لكن بما أن البيت الأبيض كان يخشى أن يميل ناصر في لعبة موازين القوة في الحرب الباردة باتجاه المعسكر السوفياتي، تخلف الرئيس أيزنهاور عن تقديم تلك القروض. على ضوء ذلك قرر ناصر على غضب الحصول على تمويل من جانب آخر أي تأميم قناة السويس التي كانت في غالبيتها ملك مؤسسة السويس الفرنسية البريطانية. ناصر وعد بتقديم تعويض مقبول، إلا أن الدولتين الأوروبيتين لم تريدا قبول هذا الخيار. وعندما فشلت مفاوضات إضافية، هاجمت الدولتان الأوروبيتان بدعم من اسرائيل نهاية أكتوبر 1956 مصر في منطقة القناة. وكرد فعل على ذلك فرضت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي عن طريق الأمم المتحدة انسحاب الوحدات الفرنسية والبريطانية والاسرائيلية. فالشرق الأوسط وجب أن يكون منطقة تأثير القوى الكبرى وليس للأوروبيين.

تدشين قناة السويس 1859 ـ العبور الأول للسفن في 17 نوفمبر 1869

تعلق الأمر بالنسبة للرئيس جمال عبد الناصر على وجه الخصوص بجمع أموال لمشروعه المرموق، سد أسوان، كما يقول خبير السياسة توماس ديملهوبير من جامعة إرلانغن نورنبيرغ. كان واضحا أيضا أنه ومنذ افتتاحها كانت قناة السويس مشروع هيبة قومي. "منذ تدشينها قبل 150 عاما من طرف مزارعين مصريين، كانت قناة السويس رمزا للتقدم المصري. وهذه الفكرة لعبت أيضا دورا في التأميم". وحقيقة أن التأميم يتجاوز عملا اقتصاديا صرفا، كشف عنه ناصر في أكتوبر 1956، بالنسبة إليه كان الاستحواذ على القناة بصمة لفكرة القومية العربية التي لعبت دورا كبيرا بالنسبة للرئيس ناصر. وهذا ما "ينبع من مشاعر العرب وقلوب العرب الذين يريدون العيش في كرامة. ويريدون أن يكونوا مستقلين".، كما أوضح الرئيس ناصر.

مخططات بناء قناة بين البحر المتوسط والبحر الأحمر كانت موجودة منذ مدة طويلة، كما يقول توماس ديملهوبير: "العثمانيون كانت لديهم تلك الفكرة منذ القرن السادس عشر. وحتى المهندسون الفرنسيون الذين أتوا في 1798 ضمن حملة نابوليون إلى مصر قاموا بفحوصات وتوصلوا إلى نتيجة أن المشروع غير قابل للتنفيذ. وعلى هذا النحو رأى البريطانيون أيضا الأمر. فيردناند دي ليسبس هو الأول الذي دفع بالمشروع".

في البداية ظل آلاف العمال الأوروبيين منشغلين بفتح المجرى المائي. وبما أنه لم يوجد عدد كاف من الرجال، ألزم الحاكم المصري، محمد سعيد في عام 1861 عشرة آلاف عامل من صعيد مصر بالعمل في المشروع. وبعدها بسنة كلف مرة أخرى 18.000 عامل إضافي.

كان الحاكم مدفوعا بقلق ديمغرافي: فالكثير من الأوروبيين، كما كان يخشى قد يحولوا منطقة القناة إلى مركز خارجي لأوروبا. لكن القناة ظلت بالفعل مصرية وتطورت إلى منطقة دولية. "بور سعيد تظهر تقريبا كمدينة"، كما كتبت المستشرقة الفرنسية نارسيس بيرشير التي قضت في 1861/62 بدعوة من ليسبس بعض الشهور على قناة السويس حيث كانت توجد مطاعم ومقاهي وخياطون. وليس فقط أشخاص شرفاء يأتون إلى المدينة. بور سعيد، كما لخص مسافر بريطاني كانت "المكان الذي تجد فيه خطايا من الشرق والغرب ملجأ مشتركا لها".

"لم تعد جزءا من افريقيا"

بالفعل غيرت القناة مصر السابقة كثيرا: فمدن القناة وفي مقدمتها بور سعيد تحولت إلى مراكز تجارة ديناميكية ربطت مصر بشبكة التجارة العالمية. والقناة قصَرت الطريق بين لندن ومومباي بشكل كبير من 19.855 إلى 11.593 كيلومترا. وعمل هذا على تنشيط حركة الملاحة: في عام 1870 عبرت 486 سفينة بـ 26.758 من الركاب القناة. "بلادي لم تعد طويلا جزءا من افريقيا"، قال الحاكم المصري اسماعيل باشا بمناسبة تدشين قناة السويس في 17 نوفمبر 1869. مضيفا بأن القناة "جعلتها جزء من أوروبا".

انطلاق عملية توسيع قناة السويس في أغسطس 2015

منذ التوسيع المقرر في 2015 يمكن لعدد أكبر من السفن عبور القناة. وبعدما أعطى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إشارة البدء في مشروع التوسيع، أزالت عشرات الجرفات وعربات النقل ملايين الأمتار المكعبة من الرمل. وعلى امتداد نحو 40 كيلومترا تم توسيع القناة القناة.

وهذا التوسيع والحفر في العمق يعني بالنسبة إلى السيسي الأهمية التي كان يضعها ناصر على سد أسوان: مشروع بهيبة يشهد على قدرة الحكومة. ومن خلال التوسيع تضاعفت طاقة النقل في القناة: فعوض 49 يمكن الآن لـ 100 سفينة عبور الطريق المائي يوميا. لكن من الناحية الاقتصادية لم يتم بعد استغلال طاقة القناة بالكامل. "في ميزانية 2018/19 تم ذكر إيرادات بقيمة 5.9 مليار دولار. وهذا مبلغ كبير، لكنه لا يتطابق مع الإيرادات المتوقعة التي كان يُراد الحصول عليها من خلال التوسيع". "وبالتالي تبقى القناة مؤشرا على الهيبة القومية وفي آن واحد تذكيرا بأن البلاد لم تصل بعد إلى توظيف كل إمكانياتها".

احتفالاً بافتتاح القناة الجديدة علق كثير من المصريين أعلام بلدهم على سياراتهم وشرفات منازلهم، وسط تركيز إعلامي كبير على الإنجاز الذي صنعه المصريون خلال عام واحد.

دشن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الخميس "قناة السويس الجديدة" التي تعقد عليها الآمال لإنعاش الاقتصاد المصري بعرض جوي وبحري، وبمشاركة دولية واسعة.

من جانبه أشاد نائب المستشارة ووزير الاقتصاد الألماني زيغمار غابرييل، المشارك في حفل الافتتاح، بجهود مصر في إنجاز المشروع العملاق، قائلاً: "إن توسيع قناة السويس يعد إنجازاً هندسياً رائعاً تم النجاح في إتمامه في وقت قياسي بفضل مشاركة شركات ألمانية وخبرتها".

وكانت أولى تجارب تشغيل قناة السويس الجديدة قد كللت بالنجاح. وانطلقت التجارب يوم السبت الماضي وشاركت فيها قافلتان من السفن العملاقة. وتعد القناة الجديدة جزءا من مشروع بمليارات الدولارات يهدف إلى تحفيز التجارة بين أوروبا وآسيا.

يبلغ طول قناة السويس الجديدة 72 كلم، وهي عبارة عن فرع للقناة الأصلية التي يعود تاريخ بنائها إلى 145 عاما. ويمر الفرع الجديد بالموازاة مع قناة السويس التي يبلغ طولها 190 كلم وتشكل محورا هاما للتجارة العالمية، حيث عبرتها نحو 17100 سفينة خلال عام 2014، وفق الأرقام الرسمية للهيئة المديرة للقناة.

الهدف من تشغيل المجرى الجديد هو مضاعفة القدرة الاستيعابية لحركة الملاحة في القناة وتتوقع هيئة قناة السويس أن يكون بوسع حوالي 97 سفينة عبور القناة يومياً بحلول 2023 مقابل 49 سفينة حالياً.

ويزيد افتتاح القناة الجديدة إيرادات القناة السنوية من 5.3 مليارات دولار (حوالي 4.7 مليار يورو) متوقعة لعام 2015 إلى 13.2 مليار دولار ( 11.7 مليار يورو) عام 2023.

مثل القناة الأولى تربط قناة السويس الجديدة بين البحر الأحمر والبحرالمتوسط، حيث يمكن الإبحار في كلا الاتجاهين، أي من الجنوب عبر البحر الأحمر إلى البحر المتوسط وفي الاتجاه المعاكس من الشمال أيضا. ومن المنتظر أن تساهم القناة في تخفيض فترة انتظار عبور السفن من 18 إلى 11 ساعة.

بلغت تكلفة أعمال بناء قناة السويس الجديدة التي انطلقت في الخامس من آب/ أغسطس 2014 نحو أربعة مليارات دولار، وفق تقديرات للحكومة المصرية.

شاركت في تجارب تشغيل قناة السويس الجديدة ست سفن حاويات عبرت القناة في قافلتين: القافلة الأولى قدمت من السويس وضمت سفنا حملت أعلام سنغافورة ولوكسمبورغ والبحرين. أما الثانية فجاءت من بورسعيد، الواقعة شمالا على البحر المتوسط، وقد ضمت سفنا تحمل أعلام ليبيريا وهونكونغ وسنغافورة أيضا.

تمت عملية التشغيل التجريبي لقناة السويس الجديدة في ظل تأمين جوي وبحري مكثف من خلال استخدام طائرات الهليكوبتر والمنشآت البحرية التابعة للجيش المصري.

مشروع تطوير قناة السويس هو أحد المشاريع الكبيرة للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أصر على ألا تتجاوز عملية البناء مدة عام. وبالفعل تم الافتتاح الرسمي كما خُطط له من قبل. ويأمل السيسي في أن يعوض هذا المشروع العجز الذي تسبب فيه تراجع قطاع السياحة والاستثمارات الأجنبية منذ ثورة يناير/ كانون الثاني 2011.

تم البدء في حفر قناة السويس الأولى عام 1859 ودامت مدة بنائها عشرة أعوام. وتعد القناة مصدرا حيويا للعملية الصعبة في مصر. وقد كانت القناة في ملك شركة فرنسية-بريطانية قبل أن يعلن الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر عام 1956 تأميمها. وقد تتسبب ذلك في اندلاع حرب عرفت بـ"العدوان الثلاثي" على مصر.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل