المحتوى الرئيسى

شبح تفتت الدولة يحوم في سماء إثيوبيا.. صراعات إثنية واحتجاجات شعبية تهدد وحدة وتماسك البلاد.. وعود آبي أحمد الإصلاحية الكبرى تتلاشى.. وبوادر حكم استبدادي جديد تلوح في الأفق

11/14 05:09

إنجازات آبي أحمد لتحقيق السلم الأهلي متواضعة مقارنة بالتوقعات

إدارة آبي أحمد تقف موقفًا سلبيًا من تصاعد المشاحنات الإثنية

أحزاب الائتلاف الحاكم في إثيوبيا تنقسم على نفسها وتتبادل الاتهامات

سمعة التحيز الإثني تلاحق آبي أحمد بسبب علاقته بنشطاء متشددين

وصل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى منصبه العام الماضي مكللًا بحماسة وقبول شعبيين، فجرتهما وعوده الكبرى رافعة شعارات السلام والإصلاح. لقد قطع آبي أحمد على نفسه وعودًا بإنهاء نزاع طويل مع إريتريا، وإخماد صراعات إثنية وقبلية داخلية مريرة، وبناء وحدة وطنية قابلة للحياة، وتدشين مسار حكم ديمقراطي متين الدعائم.

وبفضل نجاحه في تحقيق السلام مع إريتريا، نال آبي أحمد جائزة نوبل للسلام لعام 2019، على أن الداخل الإثيوبي لم يزل يبدو مستعصيًا على جهوده، وما حققه في صدد نزع فتيل المشاحنات القبلية والإثنية ليس سوى نتائج متواضعة مقارنة بالآمال والتوقعات مرتفعة السقف التي رافقته إلى مكتب رئاسة الوزراء.

وبحسب مجلة "ذي ناشونال إنترست" الأمريكية، فقد خفتت الحماسة التي قوبلت بها وعود آبي أحمد الإصلاحية الكبرى، بدءًا من الإفراج عن المعتقلين السياسيين وحتى فتح المجال للإعلام الحر، أما الوعود نفسها فقد باتت ذكريات بعيدة لا أكثر.

وأضافت المجلة أن إدارة آبي أحمد فشلت في معالجة أسباب المشاحنات السياسية بين الأطياف المكونة للحكومة الاتحادية، فضلًا عن نزع فتيل الصراعات الإثنية، وهذان العاملان بالذات يضعان إثيوبيا على طريق الخراب، إذ فشلت الحكومة في حصد قبول قطاع معتبر من المجتمع والقبائل الإثيوبية لاعتبارها السلطة العليا في البلاد، ما فتح المجال لفاعلين قبليين لحمل السلاح في مواجهة الدولة.

وأوضحت المجلة أن الطبيعة الإثنية للمجتمع الإثيوبي، التي فرضت تشكيل حكومة اتحادية تراعي تمثيل الإثنيات المختلفة، فضلًا عن إرث الحكم الاستبدادي الذي لم يزل حاضرًا بشكل ما، كلها تحديات يصعب التهوين من شأنها، لكن إدارة آبي أحمد فضلت إدارة ظهرها لهذه المشكلات الجسيمة وتجاهل وجودها بالمرة.

ومن المؤكد أن الإصلاحات الاجتماعية الكبرى تحتاج إلى بعض الوقت كي تؤتي ثمارها، لكن الإشارات المبكرة لمنهج حكومة آبي أحمد خلقت حالة من عدم الارتياح تجاه قيادته، ومن ذلك اتجاهه لتشكيل حكومة غير إثنية قد تستبعد تمثيل مكونات لها وزنها في المجتمع الإثيوبي.

ونتيجة للتجاهل شبه التام من جانب آبي أحمد وحكومته للعنف الإثني المتصاعد في إثيوبيا، يبدو السلام والأمن والاستقرار في طريقهم إلى الغياب عن معادلة السياسة والمجتمع، فالأرقام تقرع أجراس إنذار مدوية، مع فقدان الآلاف لأرواحهم في صدامات قبلية وإثنية مسلحة، ونزوح الملايين من مناطق سكناهم، ناهيك عن تأثير ذلك المدمر على الاقتصاد.

وما زاد الطين بلة أن الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية، وهي الائتلاف الحاكم في إثيوبيا، منقسمة على نفسها، وخلال الأشهر الأخيرة شرعت الأحزاب المكونة للجبهة في تبادل الاتهامات بالمسئولية عن عجز الحكومة وإخفاقها في إدارة ملفات كبرى.

وانتهى الحال بآبي أحمد سجينًا لحكومة إثيوبيا الاتحادية، تلك الحكومة التي تستمد قبولها من مواطنين متمسكين بهوياتهم الإثنية وانتماءاتهم الإقليمية، وإزاء هذا الوضع يجد رئيس الوزراء الإثيوبي نفسه أمام خيارين: أولهما المضي قدمًا في أجندته التوحيدية على حساب المصالح المباشرة لإثنية الأورومو الكبرى التي ينتمي إليها، ما قد يفقده تأييدها، والثاني هو الانحياز لمصالح الأورومو حفاظًا على قاعدة تأييده الصلبة، لكن هذا الخيار كفيل بحرمانه من تأييد بقية المكونات الإثنية التي رأت فيه زعيمًا توحيديًا عابرًا للإثنيات.

والملحوظ بوضوح أن عنفًا متصاعدًا يجتاح إثيوبيا منذ تولي آبي أحمد منصبه، فليس الشعب الإثيوبي وحده هو المنقسم على نفسه، وإنما طالت الانقسامات النخبة الحاكمة ذاتها، التي أسبغت المشروعية والقبول على قيادة آبي أحمد في البداية.

ومن الأمور ذات الدلالة في هذا الصدد أن الاصوات المنتقدة لآبي أحمد وحكومته تتعالى الآن من داخل الإثنيتين الكبريين في إثيوبيا: الأمهرة والأورومو، وتلك الأخيرة ينحدر منها رئيس الوزراء الإثيوبي.

وإزاء ذلك لم يكن مستغربًا أن يشهد إقليم أمهرة محاولة انقلابية قبل بضعة أشهر، أودت بحياة رئيس الإقليم أمباتشيو ميكونين ورئيس أركان الجيش الإثيوبي سيير ميكونين، فيما كان إقليم أوروميا ولم يزل مسرحًا لاحتجاجات شعبية واسعة النطاق ضد آبي أحمد، لا سيما منذ انهيار تحالفه مع رجل الأعمال وقطب الإعلام جوهر محمد، الذي كان تأييده عاملًا حاسمًا في صعود آبي أحمد إلى قيادة البلاد، فجوهر محمد يتمتع بشعبية لا يُستهان بها وقدرة على حشد الرأي العام وحشد الجموع في الشوارع.

وحتى الآن لا يتجاوز موقف آبي أحمد من العنف الأهلي دعوة الشعب الإثيوبي إلى صم آذانه عمن يحاولون بث الشقاق بين مكوناته، لكنه لم يبذل جهدًا كافيًا لينأى بنفسه عن نشطاء متشددين من الأورومو يبدون قريبين منه أكثر من اللازم، ما أكسبه سمعة سيئة عن التحيز لإثنيته.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل