المحتوى الرئيسى

بينامينو باريسي لـ"الفجر الفني": أتمنى إحضار أمي إلى مصر لمشاهدة "اختفاء والدتي" بين الجمهور (حوار)

11/11 22:37

يفتتح المخرج الإيطالي الشاب بينامينو باريسي، فيلمه التسجيلي "اختفاء والدتي"، بالحديث عن شغفه منذ صباه، بتصوير والدته عارضة الأزياء الإيطالية الشهيرة بينيديتا بارزيني، والتي يراها عارضته الأولى والمفضلة، التي فقدت فجأة وبعد سنوات عملها تحت الأضواء في عالم الأزياء، رغبتها في التصوير.

يستكشف "بين" كما تدعوه والدته، أبعاد عدة لشخصيتها، فهي ترغب في الاختفاء والذهاب بعيدا وحدها إلى عالم لا يحكمه الرجال، تبحث فيه عن يوتوبيا أفتقدتها على أرض الواقع، وذلك بعدما أصابها الاكتئاب جراء عملها في عالم الأزياء، وتسبب في كراهيتها للصور التي كانت أساس عملها السابق، فيحاول ابنها من خلال فيلمه الأول، أن يحيي هذه العلاقة من جديد، بتصوير تفاصيلها اليومية على مدار أكثر من عامين، تظهر والداته خلالها كفيلسوفة غاضبة وناقمة على الواقع وسلطة الرجال والأنظمة الاقتصادية.

شارك الفيلم في العديد من المهرجانات الدولية، وحصل على جائزة أفضل فيلم تسجيلي بمهرجان بوسطن السينمائي الدولي، وعرض في إطار البرنامج الرسمي لمهرجان صاندانس السينمائي الدولي، كما عُرض للمرة الأولى في مصر خلال الدورة الثانية عشر من بانوراما الفيلم الأوروبي، في الفترة من ٦:١٦ نوفمبر، بحضور مخرجه بينامينو باريسي، الذي قدم محاضرة عن "الأصالة"، تحدث فيها عن تجربته في تقديم سيرة ذاتية في فيلم تسجيلي، وكواليس صناعة الفيلم.

"الفجر الفني" حاورت المخرج الإيطالي على هامش زيارته الثانية لمصر، وإلى نص الحوار.

في البداية، حدثنا عن أعمالك السابقة قبل "اختفاء والدتي"؟

عملت مدير تصوير قبل فيلمي التسجيلي الأول، صورت العديد من الأفلام القصيرة والطويلة الروائية والوثائقية، إضافة إلى تصوير الإعلانات التجارية، كما سبق أن أخرجت عدد من الأفلام القصيرة أثناء دراستي الثانوية لكنها كانت أعمال بغرض التسلية وليس الاحتراف.

درست الفلسفة، هل فكرت في دراسة الإخراج قبل تقديم فيلمك الأول؟

درست الفلسفة أولا لأني أحببتها كثيرًا، لم أدرس الإخراج لكنني درست التصوير لفترة في الممكلة المتحدة ثم تركت الدراسة وتفرغت للعمل.

حدثنا عن علاقتك بوالدتك، ومتى بدأت التخطيط لتقديم فيلم عنها؟

اعتادت والدتي أن تخبرني بأني أكثر أبنائها شبهًا بها كإنسان، أفرق جيدًا بين شخصيتها وكونها أمي، لو لم تكن أمي كنت سأعجب بشخصيتها وأود التعرف عليها، هي امرأة حنونة وعاطفية لكنها مجنونة بعض الشئ.

بدأت تصوير والدتي منذ كنت في الثانية عشر من عمري بكاميرا "ميني دي في"، لكنني لم أكن مهووسًا بتصويرها كما ذكرت في مطلع الفيلم، ولكنه الأسلوب الذي اعتمدته للفيلم، كنت أعرف أنها لا تحب الوقوف أمام الكاميرا، وهو ما كنت احترمه، لذلك لم يكن لدي الكثير من الصور الأرشيفية لها، وبدأت التخطيط لعمل فيلم عنها أثناء سنتها الأخيرة في التدريس في الجامعة في عام ٢٠١٦، رغبت في ترك ذكرى لعملها الجامعي.

كيف طورت فكرة الفيلم؟ وكم استغرقت من الوقت لتصويره؟

طورت فكرة الفيلم عن طريق عدد من الورش الفنية، بداية من ورشة لكتابة الفيلم التسجيلي في فرنسا، وورشة أخرى لمرحلة ما بعد الانتاج، وكانت مفيدة للغاية، وتطورت الفكرة أكثر من مرة في البداية كانت عن آخر سنوات عملها الجامعي، وبعدها بعام ونصف قررت تغيير الفكرة وتسمية الفيلم "اختفاء والدتي"، واستغرق التصوير قرابة عامين، وبعدها بدأت المونتاج في عام ٢٠١٨.

الكثيرون يخشون نقل تفاصيل حياتهم أو حيوات المقربين منهم على الشاشة، هل فكرت في الأمر ولو لوهلة؟

في البداية، شعرت بالخوف من أن لا تكون القصة مثيرة، كما راودني شعور بالذنب لفترة، فالعالم به الكثير من الماسئ والقضايا، الأنظمة تتساقط والمهاجرين يملؤون أوروبا، فلماذا أُولي الاهتمام لحياتي وحياة والدتي، كان شعورًا مزعجًا، إلى جانب أنني وجدت فكرة عمل فيلم عن والدتي وهي شخصية شهيرة، حاولت الهرب من شهرتها طوال حياتي وإيجاد طريقي الخاص بعيدًا عنها، أمرًا غريبًا، لكنني قررت في النهاية أن أقدم الفيلم لأن هناك الكثير من الأشياء التي وددت اكتشافها عنها.

استعنت بعدد من العارضات الشابات لإعادة حكي ماضي والدتك، كيف تلقت والدتك الفكرة؟

كان السبب الرئيسي للفكرة هو رفضها الحديث عن ماضيها، لذلك حاولت إبجاد طريقة سينمائية بعيدة عن أسلوب الحوارات، أضافة إلى أن القصة ليست لوالدتي وحدها، فهي قصة العديد من النساء الجميلات التي تعملن بسبب جمالهن، وهن رقيقات وضائعات يحاولن إيجاد طريقًا لتحقيق أحلامهن في مدينة كبيرة، لذلك بحثت عنهن في نيويورك، وقدمت قصتهن من خلال قصة والدتي.

كان الأمر فرصة لاختبار العلاقة بين المخرج والممثلات في تجارب الأداء، والسلطة التي بيد المخرج، في البداية لم تفهم والدتي الفكرة، ولم تولي الأمر أهمية كبيرة حتى شاهدت الفيلم.

ما هى أبرز التحديات التي واجهتك لإتمام الفيلم؟

كانت الصعوبة الكبرى ممثلة في إيجاد فكرة الفيلم، وربطها بحياتي الشخصية، والشجاعة لإظهار شخصيتي الحقيقية ونقاط ضعفي على الشاشة، بجانب تمويل الفيلم الذي كان صعبًا للغاية، وإقناع والدتي بعمل فيلم عنها.

تظهر والدتك في أغلب لقطات الفيلم وهي ممتعضة من التصوير، ألم تفكر في التوقف عن الفيلم في لحظة ما استجابة لرغبتها؟

لم تكن رغبتها أن أتوقف عن التصوير، كانت ترغب في أن أصنعه لأنه مهم بالنسبة لي، كنت تتمنى أن أنجح كأي أم ترغب في أن ينجح أبناءها في صنع ما يحبون، حتى ولو لم تكن تحبه، كانت تحترمني وتحترم مهنتي، حاولت احترام مساحتها الشخصية وعدم تصويرها في الوقت الذي لم ترغب فيه في التصوير، لكنني لم أفكر مطلقًا في إيقاف المشروع، لكن رودتني شكوك حول جدواه وإن كان سيخرج على نحو جيد.

خلال الفيلم ترفض والدتك الاعتراف بالاكتئاب، هل تعتقد أن تفكيرها في الاختفاء سببه الاكتئاب؟

لا أعتقد أن الأمر سببه الاكتئاب، وإن كان سبب بسيط، فهي تتحدث في الفيلم عن اضطراب تناول الطعام الذي أصابها في صغرها، وكيف استخدمته كوسيلة لرفض السلطة الأبوية عليها، وهو يشير لمدى تحكمها في نفسها، وجسدها، ليس الاكتئاب وحده ما سبب لها هذه الفكرة، أعتقد أن الأمر له علاقة بتصور يوتوبي لتخيل طريقة العيش بعيدًا عن قيود المجتمع، فهي تحاول التفكير في طريقة للعيش والموت بعيدًا عن العالم الذي يهمش كبار السن.

هل فكرت في الفيلم كوسيلة لعلاج والدتك؟

نعم، أتمنى أن أكون وفقت في تحقيق ذلك، كنت أرغب في إعطائها وسيلة للهرب من خلال أكثر وسيلة مؤلمة لها وهي الصور، أردت أن أريها كيفية استخدام الصور بطريقة مختلفة، فلو اختفت من خلال الفيلم لن تريد الاختفاء في الواقع، كانت تشعر بأنها مستهلكة طوال حياتها وأنها لم تقم بالكثير، لكني أظهرت لها عبر الفيلم مدى روعتها، وتوقف العالم عن النظر إليها على أنها عارضة أزياء سابقة، ورؤية جوانب أخرى في شخصيتها، وهو ما أعتقد أنه تحقق جزئيًا.

سببت فترة الشهرة وكونها فتاة غلاف في ضغط نفسي كبير لوالدتك، هل تعتقد أنها فشلت في تحمل الضغط أم أنها طبيعة الصناعة نفسها؟

أعتقد أنها لم تكن والدتي وحدتها، لكنها ظروف الصناعة نفسها، لا أظن أن وقوفها أمام عدسات الكاميرات ما سبب لها ضغطًا، بقدر ما كان شعورها بأن مهنتها انتهت وليس لديها وكالة لتوظيفها، لم تعد مهمة وهم الآن بحاجة إلى فتاة أخرى أصغر سنًا، ما جعلها تشعر بأنها مستهلكة وكأنها منتج له تاريخ صلاحية تنتهي معه أهميتها، لكنها لا تندم على دخولها مجال الأزياء وتراه أداة مهمة لفهم الهوية والكثير عن العالم.

بدت والدتك في الكثير من مشاهد الفيلم حكيمة أقرب إلى فيلسوفة، هل كان هناك تدريب على الحديث قبل التصوير؟

كانت عفوية لأبعد حد، كنت مذهولًا من حديثها في بعض الأحيان، لطالما أحببت طريقة حديثها، فهي ذكية على الدوام.

برأيك، متى بدأ التحول في شخصيتها من عارضة أزياء إلى فيلسوفة ومفكرة وصولًا لعملها بالجامعة؟

أعتقد أنها كانت ذكية على الدوام، لقد قرأت الكثير من كتاباتها في سن المراهقة كانت ذكية وحادة، ولكنها كانت تخبر الناس أنها في العمر ما بين العشرين والثلاثين لم تكن تفكر في شئ، كانت تحيا فقط، لم تتلقى تعليمًا جيدًا لكنها كانت تتقن العديد من اللغات بفضل نشائتها في أماكن متفرقة من العالم، لكنها بدأت في التفكير بعد انتهاء رحلتها كعارضة أزياء، حينها طُلب منها كتابة مذكراتها، فأخرجت عملًا أدبيًا أقرب إلى رواية، وبعدها طُلب منها التدريس في الجامعة، وكانت حينها تجاوزت الخمسين من عمرها، وهو ما اعتبرته فرصتها الوحيدة للقيام بعمل جيد، لتبدأ في دراسة الفلسفة والأنثروبولجي، واستحدثت مادة علمية عن "تاريخ الملابس وتأثيرها ومفهومها عبر العصور"، وأضحت تعلم تلاميذها كيف يقرأون الموضة.

ركز الفيلم على علاقتك بوالدتك فقط، ولم يظهر أي من باقي أفراد الأسرة، هل اخترت ذلك عمدًا؟ وكيف تقبلوا فكرة الفيلم؟

لدي أخ وأخت تؤام غير أشقاء، أنجبتهما والدتي في السبعينيات، ثم التقت والدي في الثمانينات وأنجبا شقيقتي الكبرى ثم أنجباني، لم تعد والدتي على تواصل مع أي من أباء أبنائها، حين اخترت التركيز على علاقتنا نحن الاثنان بعيدًا عن باقي أفراد العائلة، كان بسبب شكوكهم في المشروع وعدم تشجيعي، كان الأمر مرهقًا لإقناعهم بالتعاون والمشاركة، ولكن مع اختيار الفيلم للمشاركة في البرنامج الرسمي لمهرجان صاندانس السينمائي الدولي، أصبح أغلبهم يدعمونني، وهم سعداء بالفيلم، وأحيانًا غيورين من نجاحه.

عملت والدتك في مهن مختلفة منها عروض الأزياء، الكتابة، التدريس الجامعي، الفلسفة، النشاط النسوي، أي منها كان الأقرب لك؟

أحببت الكاتبة والمعلمة والفيلسوفة لأنها ذكية للغاية، وتكتب بصورة مميزة، أود أن تكتب أكثر، ليس لديها سوى روايتين، لم تحققا نجاحًا يذكر، لكني أرغب في ترجمتهما للإنجليزية وإعادة نشرهما مجددًا، لكنها لا تهتم بالأمر.

ما مدى رضاك عن الفيلم بعد خروجه للنور؟

لا تتعدى نسبة رضاي عن الفيلم ٦ من ١٠، لأنني أحب الأفلام كثيرًا، وشاهدت العديد من الأفلام التي اعتبرها مميزة لدرجة الكمال، لكن فيلمي أراه غير متسق وبه الكثير من العيوب، لكني أحاول تعلم الرضا به، قبل شهرين كنت سأقول ٤ أو ٥ من ١٠ على أقصى تقدير، ربما لم أنجح في تقديم عمل كامل لكنني قدمت فيلم يصل للناس، ويفكرون به، لذلك تحول فيلمي لقصة يستفيد منها الناس، وهو ما يجعلني أتقبل العمل.

إذا أتيحت لك الفرصة لإعادة تقديم الفيلم من جديد، ما الذي ستود تغييره فيه؟

أود اللعب أكثر مع العارضات، وكذلك في الجزء الخيالي المتعلق بالنهايات المتعددة مع والدتي، كنت سأحب أن أجرب معها العديد من الأشياء.

في أحد لقطات الفيلم الأرشيفية تتحدث عن رغبتك في تصوير نفسك هل تفكر في التمثيل خصوصا وأنك تتمتع بالوسامة؟

لست وسيمًا، لكنني جربت الأمر في المرحلة الثانوية حيث كنت أشارك في أعمال مسرحية، وسبق وقدمت للالتحاق بمدرسة المسرح الوطنية لكنني لم أُوفق في اختباراتها، بعدها وجدت أنني لست موهوبًا في التمثيل، وأود رواية القصص أكثر من تمثيلها.

ما رأيك في حركة "أنا أيضًا"؟ وهل تعرضت والدتك لحادثة مماثلة؟

لا أحب أن تتحول القضايا إلى ترند أو مجرد هاشتاج عبر السوشيال ميديا، لأنها تسطح الأمور ولا توجد حلول جذرية، وتصبح الحركات مزيفة، حركة "أنا أيضًا" نشأت بفعل استغلال بعض الرجال ذوي السلطة لمن يرغبون في شئ منهم، بإجبارهم على فعل ما لا يرغبون فيه، وهو ليس بالأمر الجديد، فهو موجود منذ خلق الإنسان، من الجيد الحديث عنه، لكن الطريقة التي نتحدث عنها لا تغير شيئًا، النسوية في الستينيات كانت أكثر عمقًا، لقد ناقشت الأمر مع والدتي من قبل لكني أتذكر رأيها، اعتقد أنها ستوافقني الرأي، ربما تعرضت لاغراءات خلال عملها بالمجال لكنها كانت تضع حدودًا مع كل من عملت معهم، كما أنها ترفض الحديث عن هذه المرحلة من حياتها.

كيف وجدت تجاوب المصريين مع الفيلم بعد عرضه في بانوراما الفيلم الأوروبي؟

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل