المحتوى الرئيسى

«شق الثعبان» في مهب «التقنين» | المصري اليوم

11/07 05:03

خلال أكتوبر الماضى، أعلنت اللجنة العليا لاسترداد أراضى الدولة أن المهلة التى تمنحها لمن تقدموا بطلبات تقنين فى الموعد القانونى ليسددوا رسوم الفحص والمعاينة ستنتهى فى 31 من نفس الشهر، وذلك وفقا للقانون 144 لسنة 2017 الذى ينظم خطوات تقنين أوضاع واضعى اليد أيا كانت صفة الأرض. ومن بين الأراضى التى خضعت لهذا القانون أراضى منطقة شق الثعبان الواقعة بالمعادى، والتى بدأت محاولات تقنين أوضاع مستثمريها منذ 1998، وامتدت حتى 2017.

أكثر من 3 آلاف مصنع وورشة ومعرض تقدم أصحابها بطلبات لمباشرة إجراءات التقنين، إلا أن البعض لم يتمكن من إنهاء تلك الإجراءات إما بسبب زيادة سعر المتر، أو بسبب وجود نزاع قضائى على الأرض بين أصحاب الورش والمصانع وإحدى شركات قطاع الأعمال بالمنطقة المعنية بالتطوير العقارى.

«المصرى اليوم»، رصدت مشكلات مستثمرى شق الثعبان مع قرار التقنين، ومطالبهم لمحافظة القاهرة بخفض أسعار التقنين وتسهيل الإجراءات لتفادى خروج البعض من السوق.

أصحاب مصانع يلجأون لـ«الصينيين» حفاظًا على المهنة.. وإزالة ورش لصالح شركة عقارات

فى عام 1995 بدأ محمود سعيد مشروعه الخاص بتأسيس ورشة لتصنيع الرخام بمنطقة شق الثعبان، الواقعة فى حى المعادى بالقاهرة، اختار هذه المنطقة بعد أن وجد أن بها فرص جيدة للاستثمار وتأسيس عمل خاص فى مجال مربح. لكن عملية التأسيس لم تكن سهلة، فالمنطقة التى تم تخصيصها للورش كانت تعانى من نقص فى الخدمات الأساسية مثل توافر المياه والكهرباء، بالإضافة إلى أنه لا يوجد بها طرق ممهدة. تحمل محمود وزملاؤه الذين اتخذوا ذات القرار الاستثمارى نفسه الكثير من الجهد والنفقات لتمهيد المكان لتأسيس الورش وممارسة العمل. حيث تحمل مع زملائه تكلفة تمهيد الطريق لكى يسمح بمرور سيارات النقل المحملة بقطع الرخام، وعربات المياه، بالإضافة إلى توصيل مولدات كهرباء لتشغيل المعدات وغيرها من التجهيزات التى تحملها أصحاب الورش بالجهود الذاتية.

بدأ محمود سعيد بورشة واحدة، وبعد 24 عامًا، صار لديه 4 ورش. خلال هذه المدة حاول تقديم أوراقه لتقنين أوضاع الورش وسدد الرسوم المطلوبة لذلك؛ إلا أنه فوجئ بإزالة ورشتين له دون إنذار أو أسباب قانونية معلنة لصالح شركة «المعادى للتنمية والتعمير» إحدى شركات قطاع الأعمال، كى تُبنى مكانهما عمارات سكنية. حرر سعيد عددا من المحاضر وقدم شكاوى عدة بسبب ما حدث، وللمطالبة بتقنين أوضاع الورشتين المتبقيتين، وسدد الرسوم، ولكن دون جدوى.

يروى سعيد لـ«المصرى اليوم» أن «التعدى على ورشتيه» بدأ فى 2007، عندما فوجئ أصحاب عدد من الورش بزيارة من مسؤولى الشركة، مطالبين أصحاب الورش بتركها «نظرًا لامتلاكهم الأرض بموجب قرار جمهورى رقم 143 لسنة 1973». ويوضح: «خلال فترة 10 سنوات مسيبناش الورش بإرادتنا؛ ولكن تمت إزالتها دون علم المحافظة لصالح شركة المعادى حسب ما عرفنا، وسابوها أرض فاضية لحد ما بدأوا البناء من سنتين وطلعت عمارات مكان الورش».

حرر سعيد وزملاؤه محاضر وتظلمات بمحافظة القاهرة لمعرفة لماذا تمت إزالة الورش، وخطورة وضع المساكن الجديدة المقامة أمام ورش الرخام، وكذلك للمطالبة بتقنين أوضاع الورش المتبقية حتى لا تلقى مصير تلك المُزالة.

استقبلت منطقة شق الثعبان أكثر من لجنة لفحصها، وكل لجنة تحدد قيمة مختلفة للرسوم، وفى كل مرة يدفع محمود وزملاؤه. «نِزِل أكثر من خمس قرارات ونزلت أكثر من لجنة ودفعنا الرسوم المطلوبة والتى تجاوزت 18 ألف جنيه. وقدَّم أصحاب الورش كل هذه الأوراق إلى المحافظة ولم يتم التقنين».

صدر القرار رقم 144 لسنه 2017 الذى ينظم تقنين أراضى وضع اليد، تم تحديد مبلغ 1850 جنيها مقابل تقنين المتر الواحد فى شق الثعبان، فقدم مستثمرو شق الثعبان أوراقهم للحصول على الحق فى التقنين، وتم تسديد رسوم الدفعة الأولى للتقنين، إلا أن بعض أصحاب الورش - خاصة المطلة على منطقة دجلة - لم يتم السماح لهم باستكمال أوراق التقنين دون سبب واضح.

ينص قرار 144 لسنه 2017 على كون تقنين أوضاع ملكية أراضى وضع اليد يكون «بناء على طلب يُقدَّم من واضع اليـد إلـى الجهـة الإداريـة المختصة خلال ثلاثة أشـهر مـن تاريخ نشـر الضوابط والشروط المشار إليها فى المادة الثانية بالجريدة الرسمية، [...] يحظـر علـى المتعاقد طبقا لأحـكام هذا القانون اسـتخدام الأراضـى فى غير الغرض الذى تم التصرف إليه من أجله [...] قبل سـداد كامل الثمن [...] ويقع باطلا بطلانًـا مطلقًـا أى عقد يُبرم بالمخالفة لذلك».

علاء إبراهيم أسس مشروعه فى شق الثعبان فى 2005، وسعى لإنهاء إجراءات التقنين منذ هذا التاريخ، وسدد الرسوم المطلوبة، ولكن لم يحصل على التقنين؛ تقدم علاء بأوراقه أكثر من مرة للحى، وفى كل مرة يدفع الرسوم؛ وفى كل مرة لا يلقى طلبه أية استجابة. يقول: «بعد 2011 اختفت أوراقنا وقدمنا تظلما بالمحافظة، وبالفعل تم إدراج أسمائنا باعتبارنا مستحقين للتقنين. فور صدور قرار التقنين جاءت معاينة وأقرت رسوما 8 جنيهات على المتر، وعملت المعاينة رسميا ورصدوا الأسماء، وما زلنا منتظرين».

وأوضح أن أصحاب الورش عرضوا دفع مبالغ التقنين لإنجاز الإجراءات وتفادى التهديدات بالخروج من الورش، وقال «مع استمرار وضع عدم التقنين، إحنا مهددين بالإزالة وفقدان مورد الرزق». رفع أصحاب الورش أكثر من دعوى قضائية بمجلس الدولة ضد شركة المعادى للتنمية والتعمير، ولكن لم يتم البت فيها حتى الآن.

وفق بيانات محافظة القاهرة، تعتبر منطقة شق الثعبان من أهم مناطق تصنيع الرخام على مستوى العالم، وتقع شرق طريق الأتوستراد وبعمق 5 كيلو مترات حتى حدود محمية وادى دجلة شرقًا، بمساحة تبلغ حوالى 6.5 مليون متر مربع بطول واجهة على الأتوستراد 1.8 كيلو متر، وتحوى 1858 مصنعا وورشة لتصنيع وتصدير الرخام.

بدأت فكرة تقنين أوضاع اصحاب الورش وواضعى اليد عام 1998 فى عهد محافظ القاهرة الأسبق عبد الرحيم شحاتة، وحُدِّد فى ذلك الوقت سعر 100 جنيه للمتر و60 جنيها للمرافق، وذلك لمتوسط مصنع تبلغ مساحته حوالى 5 آلاف متر، والورشة 500 متر والمعرض 1000 متر، وهى متوسطات المساحات فى ذاك العام. تقدم وقتها حوالى 450 فردا من أصحاب المصانع والمعارض والورش لتقنين أوضاعهم وفق هذه التسعيرة، وطالبت المحافظة المستثمرين بالحصول على مخالصة محاجر للبدء فى إجراءات التقنين.

أحد أصحاب المصانع- رفض ذكر اسمه- قال لـ«المصرى اليوم» إنه منذ عام 1998 وإلى الآن، لم تتوقف محاولات أصحاب المصانع والورش والمعارض لتقنين أوضاعهم للحفاظ على مصادر رزقهم. «المحافظة بدأت بطلب إنجاز مطالبة المحاجر ودفعنا الرسوم المطلوبة، فكل مصنع دفع حوالى 12 ألف جنيه للمحاجر رسوما سنوية، بالإضافة إلى تسديد مخالصات على المحاجر تعدت 200 ألف جنيه لكل مصنع فى عام 1998. وبدأت عملية التقنين لكل من سدد الرسوم، ولكن صدرت عقود تقنين ابتدائية لحوالى 360 مصنعا فقط. واستلم أصحاب المصانع عقودهم بين أعوام 2000 و2002. وأغلق باب التقنين ليظل 122 مصنعا على قائمة الانتظار، ومنذ ذلك التاريخ أصبح كل المتقدمين للتقنين على قائمة الانتظار».

وأضاف أنه لم يكن هناك سبب لانتظار أصحاب المصانع ممن أنهوا أوراقهم للتقنين. وأكد أن هناك عدة لجان جاءت إلى المنطقة، وكل لجنة تصدر قرارًا بتقدير رسوم مختلفة، ويسددها أصحاب المصانع فى كل مرة على أمل إنهاء إجراءات التقنين؛ حتى توقفت اللجان جميعها بعد 2011. يقول: «إحنا اللى حولنا الجبل مصانع، والكهرباء والطرق جميعها بالجهود الذاتية، ولا يتواجد مرفق مياه فى شق الثعبان ونشترى المياه من السيارات. وحاليا المحافظة تريد منا دفع مبالغ كثيرة رغم أننا قدمنا أوراق التقنين فى التسعينيات والثمانينات. وحصلنا على أوراق بأن أسعار التقنين هى 160 جنيها للمتربأسعار ذلك الوقت. لكنهم لم يسمحوا لنا بإنهاء الإجراءات».

وتابع: «فى عام 2017 صدر قرار جديد بتقنين أوضاع واضعى اليد، وحدد مبلغ 1850 جنيها للمتر فى شق التعبان ويتم دفعها على مدار 4 سنوات. إلا أن هذا المبلغ يصعب على كثير من المستثمرين تسديده بالتزامن مع حالة الركود التى يعانى منها القطاع مؤخرا بسبب غلاء أسعار المستلزمات والرسوم على المنطقة، وارتفاع فواتير الكهرباء بالإضافة إلى لجوء الكثير إلى تقليل إنتاجهم أو عرض المصانع أو المعارض للبيع بسبب غلاء مستلزمات الإنتاج، مما أثر على المنتج وفق ما أوضح أحد أصحاب المصانع، وأضاف أن هذا السعر عرَّض أكثر من 2000 مصنع للغلق والتهديد بالحجز فى حالة عدم الدفع، وبالتالى الخروج من السوق. وأضاف أنه نظرا لتوقف العمل، أُجِّرَت المصنع لمستثمرين صينيين لاستخدامها فى التخزين نظرا لقدرة الصينيين على الاستثمار فى مصر أكثر من المستثمر المصرى.

فى 6 أكتوبر الجارى، تسلم حوالى 80 مصنعا جديدا عقودًا تفيد بتقنين أوضاعهم على الأسعار الجديدة فى إحدى احتفاليات المحافظة بذكرى نصر أكتوبر وفقًا لبيان صحفى، إلا أن أغلب مالكى شق الثعبان قدموا تظلمات لتقليل قيمة التقنين وإعادتها إلى 160 جنيها للمتر والمساواة بمن قننوا أوضاعهم فى السابق.

يقول صاحب مصنع آخر لـ«المصرى اليوم»: «مصنعى متوقف منذ عام 2005 وبعد أن جهزت المصنع انتظرت لجانا كثيرة للتقنين، ولدى تخصيص وأوراق رسمية وموافقة من 2009 لدفع 160 جنيها للمتر، وكل اما اجى أدفع ترفض المحافظة وتقول إنه لم يتم السماح لنا بالتقنين، حتى فوجئنا بزيادة أسعار التقنين، واضطررت لتأجيره للصينيين حتى أضمن إمكانية تشغيله».

140 مصنعا فضل أصحابها تأجيرها لمستثمرين صينيين جاءوا للاستفادة من قوانين تشجيع الاستثمار التى تتيح للمستثمر الأجنبى إدخال الماكينات دون جمارك، واستيراد الخامات بجمارك قليلة بالإضافة إلى تواجد تسهيلات أكبر للأجنبى مقابل ما يراه مستثمرو شق التعبان من تعقيدات وعراقيل يتم وضعها فى طريق المستثمر المصرى مع استمرار ارتفاع أسعار الخامات والجمارك والخدمات.

يقول صاحب مصنع: «لا يوجد أى تسهيلات لتطوير هذه الصناعة أو الاستجابة لمطالب المستثمرين. رغم تقديم عدد كبير من الشكاوى ووصلنا إلى القضاء ولكن دون رد، وهناك كثيرون خرجوا من السوق المصرية ونقلوا استثماراتهم إلى الخارج بسبب الركود وارتفاع الأسعار». ورصدت «المصرى اليوم» فى جولتها لافتات تعرض عددا كبيرا من المصانع للبيع بالإضافة للعديد من المصانع المتوقفة جزئيًا، مع انخفاض ملحوظ فى حركة سيارات النقل بالمنطقة.

صاحب مصنع أسِّس فى 1984 يعرض مصنعه الآن للبيع قال: «قدمت على إجراءات التقنين وكان السعر المطروح 160 جنيها للمتر وطالبت بدفع قيمة التقنين ومعى إيصال بمبلغ 11 ألف جنيه قيمة الرسوم المدفوعة، ومعى رخصة دائمة للمصنع وطالبت بالتقنين بالسعر القديم نظرا لدفع قيمة الرسوم بالفعل. ولكن لم أحصل على أى أوراق تقنين وقدمت طلبا آخر أنى دفعت 11 ألف جنيه تحت حساب الأملاك ولم أتملك». وأضاف «فوجئت بالأسعار الجديدة وصلت إلى 11 مليون جنيه قيمة التقنين، والدفع على أربع سنوات أى دفع أكثر من 2 مليون كل عام، والمدة قصيرة والمبلغ كبير ويهدد باستمرار تشغيل المصنع مع ارتفاع أسعار المستلزمات والمرافق. ورفعنا قضية بمجلس الدولة للمطالبة بتحديد سعر عادل للتقنين».

ومن جانبه يرى أحمد عبد الحميد، رئيس غرفة صناعات مواد البناء باتحاد الصناعات، أن أسعار التقنين الحالية «مبالغ فيها» مضيفًا «السوق لن يقبلها، خاصة أن أغلب المصانع والورش المقيدة بالغرفة التجارية ستخضع لهذا السعر»، ويرى أن هذا السعر يصعب على المستثمر تسديده سواء من خلال المستثمرين أنفسهم أو من خلال قرض البنك الأهلى الذى تم توفيره وفقًا لبروتوكول تعاون بين محافظة القاهرة والبنك الأهلى لمساعدة المستثمرين على التقنين، «فمن الصعب مع مدد السداد المحددة هذه أن يسدد مستثمرو شق الثعبان قيمة التقنين وقيمة القرض معًا».

وأشار إلى أن الغرفة كانت محايدة منذ البداية فى هذا بسبب تولى جمعية مستثمرى شق الثعبان الملف، إلا أن الغرفة ستتحرك فى محاولة لخفض هذا السعر لأنه سيؤدى إلى خسائر كبيرة للمستثمرين، بالإضافة إلا أنه لا يجب أن يكون سعر الأراضى الصناعية مثل الزراعية أو أراضى البناء. وأضاف أن هناك عددا من أصحاب المصانع حصلوا على التقنين بأسعار قديمة «والبعض اضطر إلى التقنين على الأسعار الجديدة ولكن هؤلاء قلة ولكن الأغلب لم يستطع سداد قيمة التقنين كاملة».

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل