المحتوى الرئيسى

ناركوس – ثقافة الخوف وصعود كولومبيا

10/04 14:21

منذ أواخر السبعينيات عانت كرة القدم الكولومبية من واحدة من أولى حوادث ارتباط عالم المخدرات بكرة القدم.

في الوقت الذي شهدت فيه كولومبيا طفرة كروية على مستوى المواهب والأندية في ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن كل هذا كان من ورائه محرك وحيد هو عالم المخدرات.

لم يقتصر الأمر على بابلو إسكوبار أو كالي كارتل، كما وُصف في مسلسل "ناركوس".. كانوا الأبرز وامتد الصراع بين تجار المخدرات على كافة المستويات في البلاد.

عام 1981، عندما لوّح هيرنان بوتيرو مورينو رئيس أتليتكو ناسيونال بالأموال إلى حكم أحد المباريات مشيرا إلى أنه تمت رشوته، كان ذلك بمثابة ضربة البداية.

في عام 1983 ادعّى وزير العدل في كولومبيا رودريجو لارا بونيلا، أن العديد من الفرق الكولومبية البارزة يُديرها تجار المخدرات.

وفي أبريل 1984 اُغتيل وألقت الحكومة اللوم على بارونات المخدرات وعلى رأسهم بابلو إسكوبار.

نجل وزير العدل المُغتال لارا بونيلا، قال لاحقا إن بيع صور بابلو إسكوبار مثال على انتصار الثقافة التي جسّدها: الربح أكثر أهمية من أي شيء آخر، بالنسبة للكثيرين هذا الرجل دمر أرضه.

إسكوبار كان معروفا عنه الاهتمام بناديي مدينته التي نشأ بها "ميديلين"، أندبندينتي دي ميديلين وأتليتكو ناسيونال، الفائز بأول لقب قاري في تاريخ البلاد عام 1989.

الأخوان جيلبرتو وميجيل رودريجيز سيطرا على مسيرة نادي أمريكا دي كالي الناجحة لمدة 15 عاما وأطلق عليهم لقب "السادة" لتفضيلهم الرشوة على العنف.

ديبورتيفو بيريرا كان مملوكا للمجرم الشهير أوكتافيو بيدراهيتا قبل قتله في عام 1988، بينما يُعرف أن إنديبندينتي سانتا فيه بصلته بزعيم كالي كارتل السابق فانور أريزاباليتا أرزايوس.

ميليوناريوس في بوجوتا وأتليتكو ناسيونال في ميدلين وأمريكا دي كالي في كالي وجدوا مساندة كبيرة على المستوى المالي ما أتاح لهم الفرصة لضم أفضل لاعبي القارة والتنافس المحلي القوي.

غالبا ما تدفع الفرق للاعبين الكبار بأكثر مما يتم تسجيله رسميا في العقود، إذ لا يتم التحقيق في الأموال التي يتم الحصول عليها، كل هذا تحت بند غسيل الأموال لتجار المخدرات.

شقيق بابلو المعروف باسم "المحاسب" فطن لكيفية تسهيل عملية نقل الأموال بطريقة أفضل بعيدا عن أموال المخدرات، وبسهولة إعلان أرباح أعلى بكثير مما تم تحقيقه.

في كثير من الأحيان الأرباح تُقدر بمليون دولار أو أكثر ودون رقيب، وعلى الفور غسيل أموال المخدرات يمكن استغلاله في خدعة مماثلة مع بيع اللاعب.

كانت كرة القدم هي جنة غسيل الأموال فعليا لهم.

يقول فرانسيكسو ماتورانا مدرب أتليتكو ناسيونال من 1987 إلى 1990: "إدخال أموال المخدرات في كرة القدم سمح لنا باستقدام لاعبين أجانب عظماء".

وتابع "لقد منع أيضا أفضل لاعبينا من المغادرة، رأى الناس وضعنا وقالوا أن بابلو كان متورطا. لكنهم لم يتمكنوا من إثبات ذلك".

لكن تدخّل إسكوبار في كرة القدم لم يكن فقط من أجل دعم فريقي مدينته بل لرؤيتهم يفوزون أمام أعداءه داخل الملعب وأيضا خارجه.

في عام 1988، اُختطف الحكم أرماندو بيريز لمدة 24 ساعة لتحذير المسؤولين الذين اتخذوا "قرارات خاطئة" في البطولة المحلية.

لقد أحب بابلو كرة القدم.

نشأ في ميديلين ومن أجل معرفة مدى ارتباطه بكرة القدم، كان أول حذاء يمتلكه حذاء رياضي.. وتوفي وهو يرتدي حذاء كرة قدم أيضا.

شغف إسكوبار بكرة القدم كان فوق الوصف واستفاد من كل ما يملكه من أدوات وسخره للحصول على ما يريده.

اجتماعيا بنى ملاعب كرة القدم في المناطق الفقيرة ورعى فرق كرة القدم للأطفال، في الوقت ذاته كان يشارك في العنف وتهريب المخدرات.

الساعد الأيمن لإسكوبار "بوبي" روى ارتباط بابلو بكرة القدم من خلال الأحذية الرياضية التي كان يرتديها بشكل دائم وكذلك علاقته الجيدة باللاعبين.

"هاسيندا نابوليس" العقار الفخم والمزرعة التي امتلكها بابلو كان بها حديقة خاصة وكل ما يمكن أن تتخيله.

وضع بابلو ذات مرة مليون دولار ونافس أصدقاءه في عالم المخدرات على تكوين فريق على طريقة "الفانتازي" كل شخص يختار أفضل اللاعبين لتكوين فريق من 11 لاعبا ويخوضون مباراة ضد بعضهم البعض والفائز يحصل على حصته المالية.

ابن عم بابلو، خايمي جافيريا وفقا لتقرير نشر عام 2016 في FourFourTwo قال: "كانت المباريات منافسة ودية، كان بابلو يقول اختر فريق أحلامك سنجلبهم إلى المزرعة ونراهن، وتم تعويض اللاعبين بسخاء، وغالبا ما كانت الكارتلات تراهن على النتيجة بقيمة مليون دولار أو أكثر".

يواصل جافيريا وصف حب بابلو للكرة "يقفز بابلو ويصرخ مع كل هدف، لم أره أبدا نشيطا، عادّة كان كتلة من الجليد".

كان عام 1989 عاما دمويا للغاية بالنسبة لـلإسكوبار الذي كان خوفه الأكبر دائما تسليمه إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد سلسلة الأحداث الإرهابية التي ارتكبها.

فرانسيسكو سانتوس كتب في أحد مقالاته السياسية الأسبوعية في صحيفة "إلتيمبو"أكبر صحيفة في البلاد: "الجواب واضح، كرة القدم لدينا تعاني من المال بسبب تهريب المخدرات وتأثيرها الفاسد".

بلغت أزمات كرة القدم ذروتها في نوفمبر 1989، عندما ألغت الحكومة مسابقة الدوري رغم اقتراب نهايته في البلاد عقب مقتل حكم في ميدلين، ثاني أكبر مدينة في البلاد.

أوسكار باريخا لاعب وسط أندبندينتي ميديلين يتذكر تلك المباراة التي تسببت في الفوضى قائلا: "في ذلك اليوم أمريكا دي كالي فاز على أندبندينتي ميدلين بسبب ألفارو أورتيجا".

كان بابلو مستاءً للغاية وأمر بإيجاده واغتياله.

حكم المواجهة ألفارو أورتيجا كان عائدا إلى غرفته بالفندق بعد يوم مرهق في الأول من أكتوبر 1989، وشعر بتحركات غير عادية، زاد توتره وقرر السير بشكل أسرع.

كان فندقه قاب قوسين أو أدنى وفجأة ظهر رجلان غامضان من لا شيء.

صرخ القتلة قبل أن يطلقوا 20 رصاصة في جسم أورتيجا: "هذا سوف يعلمك عدم السماح لاحتساب هدف الملك ميدلين".

قُتل الحكم، ألفارو أورتيجا، لأنه اتخذ بعض القرارات الجدلية في المباراة. وقال متصل مجهول لمحطة إذاعية محلية أن السبب يعود لإلغاءه هدفا في المباراة.

"لن أقول لكم أرقاما لكني أنا ورؤسائي خسرنا الكثير من الأموال بسبب تلك المباراة".

جزء من التحقيقات فتح الباب على مصراعيه عن الملايين المدفوعة التي ظهرت مع مقتل الحكم ألفارو.

ولاحقا بعد وفاته تلقى صحفي تهديدا لحكم آخر بأنه إذا تعامل بشكل سيء في أحد المباريات سيلاقي نفس المصير.

أوسكار باريخا الذي كان يبلغ حينها عام 21 عاما ذُهل مما شاهده على الشاشات بعد نهاية المباراة قائلا "كنا بحاجة للفوز".

وتابع في تصريحاته لجارديان الإنجليزية "اعتقدت أن الحُكام كان لهم أداء سيّئ. عندما عدت إلى المنزل بعد المباراة سمعت أن أحد الحكام قُتل. أتذكر أننا كنا حذرين".

وأضاف "هذه المشكلة كانت موجودة، لقد كان جزءا من مجتمعنا. أستطيع أن أقول لكم الآن بعد مرور الوقت يمكننا أن نرى الآن كيف كانت تلك الأيام واضحة".

وواصل "لم نكن نعرف الحقيقة بشكل أفضل،كنا نعلم أننا نحتاج للعب مع الفريق. كنا نعلم أننا يجب أن ندافع عن ألوان النادي. ونحن بحاجة للقتال من أجل جماهيرنا".

وأتم "لكننا كنا نعرف أن هناك الكثير يدور حول مالكي النادي وكانت هناك أشياء لم نكن نعرفها. عندما تكون لاعب كرة قدم، فأنت لا تعرف الكثير عن هذه الأشياء".

حينها أعلن الاتحاد الأرجنتيني، أنه لم يعد يسمح لأعضائه بإدارة المباريات هناك وهو واحد من الدول القليلة التي استمرت في إرسال الحكام إلى كولومبيا.

سلسلة جديدة من الادعاءات الوطنية والدولية بأن قتلة ميدلين قد هددوا بقتل الحكام أو حاولوا رشوتهم لتحويل نتيجة المباريات، واحتلت عناوين الصحف المحلية عقب هذا الحدث الذي أظهر الوجه القبيح لكرة القدم في كولومبيا.

تلك الأحداث دفعت اتحاد أمريكا الجنوبية لكرة القدم إلى حظر المباريات الدولية في كولومبيا وإلغاء نتيجة مباراة دولية جرت في ميدلين تعرض فيها الحكام للتهديد من قبل مجموعة من الرجال المسلحين.

يقال إن الحكام الكولومبيين، رغم صمتهم علنا شعروا بالخوف من العمل في ميدلين.

وألغي الدوري ولم يُسمح للأندية الكولومبية بالمشاركة في المسابقات القارية للموسم التالي، عدا أتليتكو ناسيونال الذي شارك كونه بطل نسخة 1989 من البطولة القارية.

اُستعدي لاعبي ناسيونال بعد الفوز بكوبا ليبرتادوريس إلى مزرعة إسكوبار لحضور حفل عملاق.. لقد ذهبوا للحصول على مكافآتهم.

يقول خايمي جافيريا: "بالنسبة لبابلو اللاعبين ليسوا سلعا بل كانوا أصدقاء".

الفائز بلقب كوبا ليبرتادوريس كان يلتقي بطل دوري أبطال أوروبا في كأس الإنتركوننتال، وحينها ميلان الإيطالي كان بطلا لأوروبا.

الإعلام الإيطالي وصف أتليتكو ناسيونال قبل مباراة كأس الإنتركوننتال بـ "نادي المخدرات" و"الأموال الساخنة".

حتى أن الصحافة الإيطالية طالبت ميلان حينها بالانسحاب من المباراة المقامة في العاصمة اليابانية طوكيو لأنها أكبر من مجرد لقب.

كورييري ديلا سيرا قالت: "كرة القدم في كولومبيا جنون، كوكايين وعنف يضرب كل جزء من الملاعب".

حتى أن سيلفيو برلسكوني مالك ميلان صرح بأن فريقه جاهز للفوز باللقاء من أجل التأكيد على قدرة الخير في التفوق على الشر.

تم السماح بإقامة الدوري عام 1990 بعد أن وافقت الأندية المحترفة على "إضفاء الطابع الأخلاقي" على الرياضة.

مع بعض التدابير التي طلبتها الحكومة، أعضاء مديرية كل ناد يقدمون شهادات بأنهم ليس لديهم سجلات جنائية، والتسجيل القانوني لعقد كل لاعب ومحاسبة عن مصدر أموال كل فريق.

أحد مسؤولي الكرة في كولومبيا استاء من فشلهم في تخطي تلك المرحلة "لقد فشلت جهود الحكومة الأخيرة تم إيقاف اللعب في الدوري من أجل لا شيء".

اندلعت فضحية أخرى لكن قاريا تلك المرة بعد مباراة 26 أغسطس في ميدلين بين أتلتيكو ناسيونال وفاسكو دا جاما البرازيلي في ربع النهائي في مسابقة كوبا ليبرتادوريس.

كل شيء يشير إلى مدينة ميديلين.

فاز أتلتيكو ناسيونال حامل اللقب على الفريق البرازيلي بنتيجة 2-0 في لقاء الإياب بعد نهاية الذهاب بدون أهداف.

ولكن بعد يومين من خسارة الفريق البرازيلي، طالب يوريكو ميراندا، نائب رئيس فاسكو دا جاما إلغاء النتيجة لأن قبل فترة وجيزة من المباراة قام حوالي 6 أشخاص مسلحين بالمسدسات والمدافع الرشاشة بزيارة الحكم خوان دانييل كارديلينو ورفاقه زملاء العمل مارتينيز بازان وروبرتو أوتيلو ، وهددوهم وطالبوا بفوز ناسيونال بأي طريقة ممكنة.

في السادس من سبتمبر بعد اجتماع خاص استغرق أربع ساعات في أسونسيون عاصمة باراجواي بمقر "كونيمبول"، فرض حظرا غير محدد على المباريات الدولية في كولومبيا بسبب عدم وجود ضمانات أمنية.

وتم إلغاء نتيجة المباراة وإعادتها في سانتياجو بتشيلي في 13 سبتمبر، وخلالها فاز ناسيونال بهدف نظيف وتأهل للمربع الذهبي.

وبعد عام من حصول أتليتكو ناسيونال على كأس ليبرتادوريس، اتهم حكم من أوروجواي رجال إسكوبار بوضعه تحت ضغط لضمان فوز أتلتيكو بالبطولة.

توفي ذلك المسؤول بعد ذلك بعام مسموما في مطعم بسم الفئران.

عمر فلوريز عمدة ميدلين اعترف في رسالة موجهة إلى الاتحاد المحلي بأن هناك محاولات للتأثير على سلوك مجموعة الحكام لكنه أكد إن المدينة قد زودت الحكام بحراس شخصيين، حتى يتمكنوا من إدارة المباريات دون خوف من الانتقام.

الرعب كان أكبر خاصة من تطرف إسكوبار في عقاب من يتسبب في خسارته.

اتهم خافيير سيسبيديس مدرب فريق سانتا فيه ممثل العاصمة بوجوتا، بأن الحكام تعرضوا للإرهاب في مباراة خسرها فريقه أحد فرق ميديلين باحتساب ركلة جزاء مشكوك في صحتها.

وقال سيسبيديس "الآن أفهم لماذا لا تتم معاقبة مدينة ميدلين، الحكام يخشون إدارة المباريات، هنا رأيت الحكم كان عصبيا وخائفا".

أوسكار باريخا كان واحدا من اللاعبين الذين ذهبوا لسجن بابلو أسكوبار والذي أُطلق عليه الكاتدرائية.

بابلو أنشئ سجنا لنفسه من أجل إعادة الهدوء للبلاد بعد سلسلة من الأعمال الإرهابية القاتلة ولضمان عدم تسليمه إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1991.

باريخا أطلق عليه بابلو لقب الوسيم، ويتذكر أوسكار قائلا: "تلقيت مكالمة وقيل إنني بحاجة للذهاب واللعب مع روبن هود وشعبه، فأنت ترى ذلك كمظهر سيجلب الفرح لشخص ما في السجن".

وتابع "كولومبيا في تلك الأيام رغم كل ما كان يحدث، كانت كرة القدم تقدم الكثير من الفرح، لقد احتضنت اللعبة الجميع".

أوسكار كان رفقة عديد اللاعبين أبرزهم رينيه هيجيتا وأندريس إسكوبار وأيضا الأسطورة الأرجنتينية دييجو أرماندو مارادونا ممن تواجدوا في الكاتدرائية.

أهم أخبار الرياضة

Comments

عاجل