الغالي والنفيس في مهنة التدريس

الغالي والنفيس في مهنة التدريس

منذ 4 سنوات

الغالي والنفيس في مهنة التدريس

يوم الخميس الماضي حضرت ندوة في المركز الياباني بشارع القصر العيني بعنوان "هيروشيما بين الماضي والحاضر" يلقيها الأستاذ الدكتور ماهر الشربيني أستاذ اللغة اليابانية بكلية الآداب بجامعة القاهرة، الندوة تناقش التجربة التعليمية في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، التركيز كان على التعليم المدرسي مع بعض المعلومات عن التعليم الجامعي، هذه المحاضرة كانت مفيدة بالنسبة لي وأثارت عندي الكثير من الأسئلة فأحببت أن أشارك القارئ العزيز في بعض تلك الأسئلة والملاحظات التي تداعت في عقلي أثناء وبعد تلك الندوة.\nعندما يدرس الطالب عدة مواد في كل فصل دراسي فإنه يدرسهم كأنهم جزر منفصلة ولا يرى التكامل بينهم، المدرسون أنفسهم في أغلب الأحيان لا يضعون هذا التكامل في الإعتبار عندما يدرسون مادة معينة فمادة الكيمياء هي كيمياء فقط والفيزياء هي فيزياء فقط ولكن أين يلتقيا وكيف يتكاملا فهذا ما لا يدرسونه للطلبة، نريد أن  يتغير هذا لأن معرفة التكامل بين المواد يعمق الفهم ويجعل الرؤية كلية، يجب كسر الحدود بين المواد الدراسية لأن تلك الحدود بُنيت في أوقات كان العلم أقل تعقيداً منه الآن، هذا ليس سهلاً ويلزم مراجعة دقيقة لمحتويات كل مادة وهذا ينقلنا للنقطة التالية: الحشو.\nللأسف الكثير من مناهجنا الدراسية مليئة بالحشو، ما هو الحشو؟ وما ضرره؟ وما السبب في وجود الحشو؟ الحشو هو كلمات كثيرة نستطيع إزالتها من المنهج دون أن تنقص المعلومات، هو مجرد تطويل في المنهج، الحشو في المناهج يجعل الطالب يقضي وقتاً طويلاً في دراسة ما لا يفيد بل وقد يجعل الطالب يكره المادة المليئة بالحشو، ما هو السبب في وجود الحشو؟ هناك إحتمالان: أن واضعو المناهج مستواهم العلمي أو قدرتهم على التعبير ليسا بالقوة الكافية لكتابة كتاب علمي بدون حشو أو أن هناك من يريد كتابة كتاب كبير ليزداد ثمنه وبالتالي الأرباح التي تأتي من وراءه، واحدة من أهم خطوات تحسين العملية التعليمية هي مراجعة كل الكتب الدراسية وإزالة الحشو من الكتب التي تحتوي عليه، وحيث أننا نتكلم عن المواد الدراسية فلنتكلم عن مواد دراسية مختلفة عن المعهود.\nفي الندوة التي حضرتها والتي ذكرناها في بداية هذا المقال عن التعليم في اليابان والتركيز كان على التعليم المدرسي مع بعض المعلومات عن التعليم الجامعي ذكرالمحاضر بعض المواد الدراسية المختلفة عما تعودنا عليه مثل مادة تسمى الحياة حيث يتعلم الطلاب بعض المهارات التي تنفعهم في حياتهم مثل حياكة الملابس (إجباري للأولاد والبنات) ومادة عن الأخلاق ومادة عن السلام بل وتطور الأمر أن جامعة في اليابان أنشأت قسماً كاملاً لدراسات السلام، جدير بالذكر أن اليابان هي الدولة الوحيدة التي تم ضربها بقنبلتين نوويتين وتمر هذا الشهر الذكرى الرابعة والسبعون لهذا تهتم الأجيال التالية بموضوع السلام، بخلاف تلك المواد الدراسية لا يجب أن ننسى الأنشطة.\nدائماً ما نقول أن الأنشطة المدرسية مهمة لكن إذا جئنا إلى التطبيق ستسمع أقوال من نوعية "ليس عندنا أماكن للأنشطة" أو "المناهج طويلة ويجب الإنتهاء منها فلا وقت لشئ آخر"  (راجع كلامنا عن الحشو أعلاه) ومن الأهل ستسمع "أنشطة إيه إحنا شهادة السنة دي ولازم نركز على الدروس عشان نجيب مجموع"، هل يهتم أهل أي طالب بتعليم إبنهم أو إبنتهم موسيقى أو رسم أو كتابة روائية أو غير روائية أم أنهم يرون المجموع أهم من أي شيء آخر لأننا بلد شهادات؟\nنأتي الآن إلى نقطة غاية في الأهمية، كيف ننقل تجربة تعليمية ناجحة من بلد ما إلى بلادنا؟ إذا نقلنا كما هي (نقل مسطرة يعني) فالإحتمال كبير جداً أن تفشل، يجب "تمصير" التجربة، أولاً: كيف نحكم على تجربة في بلد ما بأنها ناجحة؟ ما هي المعايير؟ وهل هذه المعايير نفسها هي التي سنستخدمها عندما نطبق التجربة عندنا؟ هل هناك عوامل في هذه التجربة تصطدم بالعرف والتقاليد عندنا؟ إذا كان الأمر كذلك فهل هذه العوامل مهمة لنجاح التجربة؟ إذا كانت الإجابة بنعم فهل نستطيع خلق عوامل شبيهة تصل لنفس النتيجة ولكن لا تصطدم بالأعراف التقاليد عندنا؟ كل هذه الأسئلة تحتاج تفكير عميق ودراسة متأنية قبل أن ننقل تجربة من بلد أخرى إلينا.\nعلينا بالنظر إلى تجارب الآخرين ونتعلم ونعلم.

الخبر من المصدر