تجربة داخل أمعاء الأبقار قد تسهم في إنقاذ كوكب الأرض

تجربة داخل أمعاء الأبقار قد تسهم في إنقاذ كوكب الأرض

منذ ما يقرب من 5 سنوات

تجربة داخل أمعاء الأبقار قد تسهم في إنقاذ كوكب الأرض

قد تحسب أن لا فارق بين الأبقار التي ترعى بهدوء بجوار معهد "إيه جي ريسريش" للبحوث الزراعية في نيوزيلندا، وبين مثيلاتها في أي بقعة من العالم. لكن بعيدا عن الأعين، تجري داخل أمعاء بعض هذه الحيوانات تجربة قد تغير هذا الكوكب.\nفقد حُقِنَت الأبقار بلقاح مضاد لميكروبات معوية معينة مسؤولة عن توليد غاز الميثان، خلال هضم تلك الحيوانات لطعامها، وهو الغاز الذي يمثل أحد أكثر الغازات المُسببة للاحتباس الحراري خطورة، وتزيد قوته - في بعض الأحيان - عن قوة غاز ثاني أكسيد الكربون بواقع 25 مرة.\nويسعى المعهد النيوزيلندي إلى تطوير هذا اللقاح جنبا إلى جنب مع ابتكار أساليب أخرى مقاومة لغاز الميثان، لكي يتسنى لنا أن نواصل استهلاك اللحوم ومنتجات الألبان، مع تقليص التأثير السلبي الذي تُخلّفه تربية المواشي على البيئة.\nوعلى الرغم من تفاوت التقديرات على هذا الصعيد، فمن المعتقد أن الماشية مسؤولة عما يصل إلى 14 في المئة من انبعاثات الغازات المُسببة للاحتباس الحراري الناجمة عن أنشطة بشرية أو حيوانية. فالأنشطة الزراعية توّلد - إلى جانب ثاني أكسيد الكربون - نوعين آخرين من هذه الغازات بكميات كبيرة؛ وهما الميثان وأكسيد النيتروز.\nوتمثل الحيوانات المُجترة - وبصفة خاصة الماشية والأغنام - المصدر الرئيسي للميثان، الذي يشكل أكثر من ثلث إجمالي الغازات المنبعثة نتيجة الأنشطة الزراعية. فالحيوان المُجتر الواحد يُنتج في المتوسط ما بين 250 و500 لتر من الميثان يوميا.\nوتفيد التقديرات بأن الميثان الذي تُخرّجه الماشية على مستوى العالم إلى الغلاف الجوي سنويا، سواء عن طريق التجشؤ غالبا أو إطلاق ريح في بعض الأوقات، يوازي 3.1 غيغا طن من ثاني أكسيد الكربون.\nوفي هذا الإطار، يأمل علماء معهد "إيه جي ريسيرش" في أن يكون بوسعنا تقليص ما ينجم عن تربية الماشية من انبعاثات لغاز الميثان، تسهم في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.\nويعتمد هؤلاء في جهودهم على ما قامت به من قبل باحثة تُدعى سينيد ليهي عملت في المعهد في السابق، قبل أن تنضم إلى مركز بحثي نيوزيلندي آخر، معني بدوره بالغازات المُسببة للاحتباس الحراري ذات الصلة بالأنشطة الزراعية.\nوتكمن المفارقة في أن الميثان الذي تنتجه الحيوانات المجترة، ينجم عن عمل ثلاثة في المئة فقط من الميكروبات الكثيرة التي تعيش في منطقة تُعرف باسم "الكرش"، وتشكل أول أجزاء أمعاء تلك الكائنات.\nوتستطيع هذه الميكروبات الحياة في البيئات الخالية من الأكسجين، وتتولى عبر عملية تحمل اسم "التخمير المعوي"، تحليل وتخمير المواد النباتية التي تأكلها الحيوانات، ما يؤدي إلى توليد الميثان كمنتج ثانوي. وتتجشأ تلك الكائنات لتخفيف الضغط الناجم عن تراكم هذه الغازات بداخل أجسادها.\nوكان على ليهي وزملائها تهيئة بيئة خالية من الأكسجين في المختبر، من أجل فصل الميكروبات المسؤولة عن توليد الميثان داخل أمعاء الحيوانات المجترة. وتقول الباحثة إنها نجحت مع رفاقها في الدراسة، في تحديد هذه الميكروبات والتعرف عليها، بهدف تحضير اللقاح المضاد لتكون الميثان في المعدة.\nواستفاد باحثو معهد "إيه جي ريسيرش" من جهود ليهي وزملائها، ليعملوا بشكل منهجي على تحضير لقاحات، تستهدف أكثر من نوع من أنواع الميكروبات المعوية في وقت واحد.\nويتراوح عدد هذه الأنواع ما بين 12 إلى 15، بحسب الباحث في المعهد بيتر يانسن، الذي نجح في تحديد وتوصيف ميكروبات متنوعة تُنتج الميثان في أمعاء الأغنام والأبقار.\nويستهدف اللقاح، الذي يُحقن في تلك الحيوانات، تحفيز إنتاج الأجسام المضادة للميكروبات في لعابها، وهي الأجسام التي تنتقل بالبلع إلى الأمعاء.\nولم تشمل التجربة حتى الآن سوى عدد محدود من الأغنام والأبقار. ورصد الفريق البحثي وجود عدد لا بأس به من الأجسام المضادة في اللعاب، وكذلك في "الكرش"، كما تم العثور عليها في البراز أيضا.\nوبعد أن تمكن الباحثون من إثبات أن الحيوانات المُلقحة تنتج بالفعل هذه الأجساد المضادة، يحاولون الآن الكشف عما إذا كان ذلك يكبح جماح توليد الميثان في الأمعاء من عدمه.\nولاختبار هذه الفرضية، يتعين وضع الماشية في ما يُعرف بـ "غرفة تنفسية"، وهي عبارة عن صندوق كبير شفاف مغلق تقريبا من كل جوانبه، بما يسمح فقط بمرور تيار من الهواء النقي إلى الداخل. ويتم أخذ عينات من الهواء الذي يتراكم بالداخل، للكشف عما إذا كان يحتوي على الميثان أم لا.\nويحاول الباحثون كذلك إجراء تجارب خارج المختبرات، لقياس كميات غاز الميثان التي تنبعث من الماشية، وذلك لكي تكون لديهم فكرة أفضل عن الوضع في الحقول على أرض الواقع. ومن بين الوسائل التي يستخدمونها في هذا الشأن، الاستعانة بحوض تغذية "معلف" مُعدّل، توجد فيه أداة تتولى أخذ عينات من زفير الحيوانات، خلال وضعها رؤوسها في الحوض لتناول الطعام.\nورغم أن دقة وسائل مثل هذه، لا تُقارن بالدقة الناتجة عن استخدام "الغرف التنفسية"، فإن اللجوء إليها يعطي فكرة جيدة بشأن ما يحدث حينما يتولد غاز الميثان في أمعاء عدد كبير من الحيوانات، قبل أن تطلقه بوسائل مختلفة إلى خارج أجسادها.\nوعلى أي حال، لم يتوصل الباحثون حتى الآن إلى دليل قاطع يؤكد أن إعطاء الحيوانات ذلك اللقاح، يؤدي إلى تقليص ما ينبعث منها من الميثان.\nويدرك الباحث يانسن وزملاؤه من تجارب سابقة - تم فيها استخدام عقاقير دوائية - أن محاولات كبح جماح الكائنات الدقيقة المولدة للميثان، أو ما يُعرف بـ "مولدات الميثان"، تحقق نتائج واعدة على صعيد تقليص الكميات المنبعثة من هذا الغاز.\nورغم أن ليهي ويانسن ليسا أول من يحاول تحضير لقاح مضاد لهذه الكائنات - سبق أن جرب ذلك علماء استراليون في تسعينيات القرن الماضي دون أن يحالفهم النجاح - فإن فريق "إيه جي ريسيرش" على ثقة من أن النهج الذي يتبعه سيحرز نتائج إيجابية.\nلكن استخدام اللقاحات لا يمثل الخيار الوحيد لتنقية زفير الأبقار من الميثان. فلأن هناك دورا للاختلافات الجينية بين الأبقار في تحديد كمية الميثان المنبعثة منها، يتحدث باحثون في اسكتلندا عن إمكانية انتقاء السلالات الأقل تسببا في هذه الانبعاثات من تلك الحيوانات، لتربيتها.\nلكنهم يقولون إنه لا يمكن اللجوء لهذا الخيار وحده، وإنما يتعين أن يشكل جزءا من برنامج أوسع نطاقا لتربية أبقار وأغنام أكثر صحة وحيوية وإفادة للبشر، وهي صفات يؤدي وجودها في الحيوان، إلى تقلص مقدار الغازات المُسببة للاحتباس الحراري المنبعثة منه.\nوأشار أولئك الباحثون العاملون في اسكتلندا إلى أنهم نجحوا بالفعل، على مدار السنوات العشرين الماضية، في تقليص التأثير الذي لحق بالبيئة نتيجة لإنتاج اللحوم والألبان في المملكة المتحدة، وهو ما يجعل مسألة تربية سلالات أقل إنتاجا للميثان من الأغنام والأبقار، مجرد عنصر يُضاف للبرنامج الذي يجري تنفيذه بالفعل حاليا.\nغير أن هناك من يتشككون في جدوى بدائل مثل هذه، قائلين إن عملية اختيار سلالات بعينها لتربيتها، قد يكون مُكلفا ويستلزم وقتا طويلا لتحقيق نتائج إيجابية.\nومن بين الخيارات الأخرى المطروحة في هذا الصدد، تغيير نظام التغذية الخاص بالحيوانات، ليتألف من مكونات أقل ملائمة لتحفيز نمو البكتيريا والميكروبات التي توّلد غاز الميثان. ويشكل ذلك - بحسب باحثين في جامعة نوتنغهام البريطانية - خيارا قد ينجح جزئيا، طالما لم يحل دون أن تُدرّ الحيوانات لبنا وتُرْبي لحما.\nوقال الباحثون إن تغيير نظام التغذية، قد يؤدي إلى تقليص انبعاثات الميثان، بنسبة تتراوح بين 20 و25 في المئة.\nوأشارت دراسة أُجريت في إحدى الجامعات الأمريكية إلى أن هذه الطريقة يمكن أن تفضي لحدوث تقليص بنسبة 15 في المئة في انبعاثات هذا الغاز الصادر من الأبقار على مستوى العالم.\nويقول باحثو جامعة نوتنغهام إن المزارعين في بريطانيا - مثلا - يعتمدون على الأعلاف الخضراء، ومن شأن استعانتهم بأعلاف الذرة بدلا منها، فتح الباب أمام تقليص انبعاثات الميثان من الماشية، بنسبة تصل إلى 10 في المئة.\nوأضاف الباحثون أن مقدار انبعاثات الميثان من البقرة تزداد كلما زاد ما تأكله من الألياف. لكن إضافة بقوليات وزيوت مختلفة مثل الصويا وبذر الكتان، إلى نظامها الغذائي قد يكون مفيدا، فـ "التغذية الجيدة تجعل الحيوانات أكثر إنتاجية، وكلما أصبحت الماشية كذلك، انبعث منها مقدار أقل من الميثان".\nويمكن كذلك في هذا الإطار اللجوء إلى إضافات للعلف، من قبيل مركبات كيمياوية تُعرف باسم "حامل الأيون"، تُستخدم بالفعل في بعض بقاع العالم لزيادة وزن الماشية، ويمكن أن يُستعان بها أيضا لكبح جماح الميكروبات والبكتيريا المُنتجة للميثان. لكن الأمر لا يخلو من مشكلات في الوقت نفسه.\nفالاتحاد الأوروبي يحظر أن تُستخدم هذه المركبات - المُصنّفة على أنها مضادات حيوية - مع الحيوانات الموجودة في الدول الأعضاء فيه، بسبب مخاوف من أن استخدامها على نحو مفرط في الأنشطة الزراعية، يساعد على زيادة مقاومة البكتريا للعقاقير الدوائية.\nويبدو هذا الحظر مثيرا للجدل، بالنظر إلى أن تلك المركبات لا تُستخدم في الأدوية المخصصة للبشر، كما أنها تُحْدِث تأثيرها، على نحو يختلف عما تفعل المضادات الحيوية المستخدمة في العلاج.\nوتضم قائمة الإضافات التي يمكن أن تكبح جماح أنشطة توليد غاز الميثان في الماشية خيارات أخرى، من بينها مادة "3 نيترووكسيبروبانُل"، التي حظيت باهتمام كبير في الآونة الأخيرة، وهي تقلص من معدلات تحويل الكربون إلى الميثان. وتأمل الشركة التي تنتج الإضافات التي تحتوي على هذه المادة، بأن تؤدي الاستعانة بها إلى تقليص انبعاثات الميثان بنسبة 30 في المئة.\nكما يمكن أيضا تغذية الماشية بمُتممات غذائية تتألف من البكتيريا الحية أو الخمائر التي يُعتقد أنها صحية لها، وهي تلك المعروفة باسم "بروبيوتيك"، وذلك لتحسين عملية الهضم لديها.\nوتعكف إليزابيث ليذام، باحثة سابقة في جامعة "تكساس إيه آند إم" الأمريكية، والتي شاركت في إنشاء مؤسسة "بَزور ليباروتريز" للبحث والتطوير، على تطوير نوع من المتممات يستهدف تثبيط عملية توليد الميثان بداخل أمعاء الماشية، وتقول إن استخدام هذا النوع - بعد تحضيره - يمكن أن يقلص انبعاثات ذلك الغاز بنسبة 50 في المئة.\nلكن المشكلة تتمثل في أن الاستعانة بمثل هذه المواد الكيمياوية المُثبطة لتوليد الميثان أو بالمتممات الغذائية المستخدمة للغرض ذاته، يجعل من الواجب إضافتها يوميا إلى الأعلاف. فضلا عن أنه سيكون من الصعب جعل مثل هذه المواد غذاءً بشكل منتظم للماشية التي تتغذى في غالبية الأوقات على العشب. لذا سيصبح ذلك خيارا مُكلفا على الأرجح.\nأما اللقاح، فستكون هناك حاجة لحقن الحيوان به مرة واحدة فقط ربما، أو قد يستلزم الأمر تعزيز قوته مرة في كل عام لا أكثر.\nوبعيدا عن الأسلوب الذي يسعى الباحثون لاستخدامه للتأثير على ميكروبات الأمعاء بهدف تقليص كميات الميثان التي تتولد داخل أجساد الماشية، فإن أي تدخل من هذا القبيل، قد يؤدي إلى عواقب غير منظورة.\nفثمة ارتباط قوي بين الميكروبات الموجودة في أمعاء المرء وحالته الصحية، وهو ما يعني أن إحداث أي تغيير في تركيبتها قد يزيد من خطر الإصابة بالأمراض. كما أن هذه التغييرات ترتبط في البشر بالحالة المزاجية أيضا.\nرغم ذلك فمن غير الواضح حتى الآن، ما إذا كان تقليل الميكروبات، التي تُنتج الميثان بداخل أحشاء الأبقار والأغنام، سيؤدي إلى إصابتها بالاكتئاب، أو يؤثر سلبا على كمية اللحوم والألبان التي سيصيبها البشر منها.\nفي نهاية المطاف، لا يبدو ذلك مرجحا برأي الباحث يانسين، الذي يقول إنه لا توجد مؤشرات على أن تقليل قدرة الحيوان على إنتاج غاز الميثان، سيقلل من قدرته بالتبعية على تحويل الأعلاف التي يتغذى عليها، إلى لحوم أو ألبان.

الخبر من المصدر