زيمبابوي.. العلند الماسي

زيمبابوي.. العلند الماسي

منذ ما يقرب من 5 سنوات

زيمبابوي.. العلند الماسي

"فليبارك الرب إفريقيا.. فلتنتشر سمعتها بعيدا وكثيرا.. هذه صلواتنا.. فليباركنا الرب.. تعال أيها الروح تعال.. تعال أيها الروح القدس.. تعال واطرح فينا البركة"\nمسؤول باتحاد زيمبابوي ZIFA: موفو، كيف حالك؟ أحببت أن أكون أول من يهنئك\nموفو (متلهفا وقلبه يخفق بشدة): ما الأمر\nمسؤول ZIFA: أنت حر، لقد رفعوا عنك الإيقاف وسيعلنون الخبر بعد قليل. مبروك موفو، أعلم كم كان الأمر صعبا عليك\nموفو (والدموع تتسلل خارج عينيه وبالكاد يتحرك لسانه): بوركت أخي، شكرا، شكرا، شكرا جدا. فليحفظك الرب، اعذرني، الكلام يهرب مني….\nمعلق:"افرح يا شعب زيمبابوي، لقد فعلناها، فزنا وصعدنا. الكل يحمل موفو على الأعناق، تستحقها يا بطل، أنت رجل المهام الصعبة، سنذهب إلى كأس إفريقيا بطموح كبيرة، لن نعد إلى وطننا مبكرا هذه المرة. لدينا منتخب نفتخر به ومدرب قدير".\nلم يخطر ببال موفو، أو سنداي شيدزامبوا، أنه سيعود يوما ما إلى مقعد يستحقه وطالما جعله يشعر بالفخر والمسؤولية، مدرب منتخب زيمبابوي لكرة القدم. فحين سمع النشيد الوطني السابق لبلده وأجاب المتصل به، ملأت الفرحة قلبه وجل ما يخطر بعقله أنه سيعود للمهنة التي خلق من أجلها ولو حتى مع فريق مغمور.\nلكن لأنه أفضل مدرب في تاريخ زيمبابوي، الوحيد الذي قاد ناديا محليا لبلوغ نهائي دوري أبطال إفريقيا (ديناموز هراري 1998)، وأول مدرب لبلده في كأس إفريقيا، بعد سنتين من عودته للتدريب، أجبر اتحاد زيمبابوي على منحه ولاية رابعة كمدير فني لمنتخب المحاربين.\nموفو أو Mhofu، هي كنية شيدزامبوا، وهي كلمة بالشونا اللغة الأكثر استخداما في زيمبابوي، تعني العلند، أو الظبي الإفريقي الضخم الذي قد يصل وزنه إلى طن ويستخدم أحيانا لأغراض حربية لقدرته الكبيرة على التهام النباتات فيُصعب على العدو الاختباء.\nرغم أن زيمبابوي غيرت نشيدها الوطني في 1994 لأن دولا إفريقية أخرى تستخدمه، إلا أن موفو لا يزال يحتفظ بالنشيد القديم في هاتفه لأنه يذكره بذلك اليوم التاريخي الذي شهد أول مباراة في تاريخ زيمبابوي بكأس إفريقيا، أمام جمهور يملأ ملعب الطيب المهيري بمدينة صفاقس التونسية أتى ليشاهد محاربين شجعان يتحدون فراعنة القارة، منتخب مصر، في البطولة القارية عام 2004.\nبعد إخفاق في التأهل لكأس إفريقيا استمر 22 عاما، منذ لعب المنتخب تحت راية زيمبابوي حرة مستقلة، كان موفو هو الرجل الموعود، الذي صنع شأنا لفريق بلده، يتسلح به في غابة إفريقيا الموحشة.\nفي أول ولاية لموفو، الذي شارك كلاعب مع زيمبابوي في تصفيات مونديال 1982، قاد بلده لأول ظهور في كأس إفريقيا، لكن لأن الأحلام الوردية سرعان ما تنتهي، كان على موعد مع 3 مواجهات نارية أمام 3 عمالقة.\nتقدم على الفراعنة بهدف أسطورة زيمبابوي، بيتر ندلوفو، لكن سرعان ما استعاد رجال محسن صالح هيبتهم بهدفي تامر عبد الحميد ومحمد بركات.\nمباراة، عكر صفو احتفال شعب زيمبابوي بها عزف النشيد الوطني السابق للبلد الواقع في جنوب القارة، مما أثار غضب وحفيظة مسؤوليها.\nلم يستسلم المحاربون وقاتلوا بشراسة أسود جائعة في مباراة استثنائية خسروها بنتيجة 5-3، وودعوا تونس مرفوعي الرأس بانتصار تاريخي على الجزائر بهدفين لواحد.\nكانت المشاركة الأولى من ثلاث سابقة لزيمبابوي في كأس إفريقيا، وكذلك ولاية أولى لموفو كقائد للمحاربين.\nالثانية انتهت سريعا في 2007، والثالثة أشهر معالمها فضيحة. فضيحة تعرف بـ Asiagate، حرمت موفو 3 سنوات من أي عمل متعلق بكرة القدم في بلده.\nفي 2012 وبعد سنتين من رحيله عن المنتخب، وأثناء قيادته لنادي بلاك ليوباردز الجنوب إفريقي، كان عليه أن يدفع ثمن خطايا الماضي. أٌوقف موفو ومدربين ومسؤولين في اتحاد زامبيا ولاعبين وصحفيين بعدما كشفت تحقيقات اشتراكهم في تفويت مباريات ودية خاضتها زيمبابوي في آسيا من 2007 إلى 2009.\nصدر حكم قاس بحقه، الإيقاف مدى الحياة. حاول ZIFA تعميم الإيقاف بالتواصل مع CAF وFIFA لكن موفو كان محظوظا بمنعه من العمل داخل حدود زيمبابوي فقط.\nسعى جاهدا للعودة إلى عمل هو بمثابة الهواء الذي يتنفس. استرد روحه برفع الإيقاف عنه، وبدأ حقبة جديدة مع نادي كاريبا المحلي، واستعدادا لكأس كوسافا 2017 (بطولة منتخبات جنوب إفريقيا) استعان به اتحاد زيمبابوي بصفة مؤقتة لقيادة الفريق في البطولة المقدسة للمحاربين، وكذلك لموفو.\nاسترد لقبا غائبا منذ 8 أعوام، منذ قيادته زيمبابوي لتتويجها الرابع. أجبر المسؤولين على رفع صفة المؤقت عنه، وبعد عام فاز بالبطولة مرة أخرى ليصبح أول مدير فني في التاريخ ينال كأس كوسافا 3 مرات.\nولا تزال قصة منتخب أرض الماس مستمرة مع العلند، موفو. قويت صفوفه وارتفع طموحه، لن يتنازل عن إنجاز في أرض الكنانة بعدما تعاظمت ثقته بنفسه بتصدره مجموعته في تصفيات البطولة وإسقاطه للكونغو الديموقراطية في عقر دارها بملعب الشهداء بكينشاسا.\nمثل كثير من جيرانها في إفريقيا الجميلة والكبيرة، والمقهورة أيضا، تتناثر المعادن النفيسة في أنحاء زيمبابوي، وبالأخص، الماس، والذي كان سببا في ثراء شديد لسيسل رودس، رئيس وزراء منطقة Cape of Good Hope (جنوب إفريقيا وما حولها) التي احتلها الإنجليز واستحوذوا على ثرواتها.\nالماس كثير، جعل رودس يؤسس شركته الخاصة والمستوحى اسمها من اسمه، Rhodesia روديسيا، أو روديسيا الجنوبية سابقا. زيمبابوي حاليا.\nالشركة التي أسسها رودس أو "ملك الماس"، لا تزال حتى الآن صاحبة نصيب الأسد في تجارة الماس في العالم، 60%. الشركة التي تسمى حاليا De Beers ومقرها دولة لوكسمبورج.\nروديسيا الجنوبية، أول منتخب لزيمبابوي، لم يضم أي لاعب يعود أصله إلى أرض الماس، وإنما تشكل من إنجليز، ولذلك في أول مباراتين بتاريخه هزم منتخب إنجلترا للهواة 4-صفر و6-1 في 1929.\nوبعد انفصال الدولة لتصبح روديسيا، أول منتخب فتح الباب أمام لاعبين أصلهم ليس إنجليزيا كان في 1965، شارك في تصفيات كأس العالم 1970.\nسنوات مضت لتحصل زيمبابوي على استقلالها التام في الثمانينيات، وتبعا لقرار حكومتها بألا يحمل أي شخص جوازين (إنجليزي وزيمبابوي)، أغلق الباب أمام ذوي الأصول الإنجليزية، وهو ما كلف الحارس الشهير لنادي ليفربول، بروس جروبيلار، الابتعاد عن الفريق لسنوات حتى عاد في بداية التسعينيات.\nمن صفاقس إلى بورسعيد، شارك المحاربون في كأس إفريقيا للمرة الثانية على التوالي في مصر 2006. ولأن النظام السابق للبطولة كان يسمح بمشاركة 16 منتخبا فقط، وجدت زيمبابوي نفسها مرة أخرى محاطة بقوى إفريقية عظمى.\nكان الرحيل مبكرا متوقعا لرفاق ندلوفو، خسروا أمام السنغال ونيجيريا في بورسعيد ولم يشفع لهم الانتصار على غانا في الإسماعيلية في التأهل للدور ربع النهائي.\nعند سحب قرعة بطولة 2019 في حضرة تاريخ مصر العظيم متمثلا في الأهرامات وأبو الهول، كان القدر رحيما جدا بزيمبابوي حتى وإن كان وضعها في طريق بطل أوروبا وهداف دوري إنجلترا، محمد صلاح.\nاستعدادا لمشاركتها الرابعة، هذه المجموعة هي الأخف وطأة لزيمبابوي مقارنة بما سبق. فإن كان نزال الفراعنة في القاهرة بمثابة خروج لقتال أسود في كولوسيوم، فإن مواجهة الكونغو الديموقراطية وأوغندا يمنح كتيبة موفو أملا في بلوغ الدور ثمن النهائي.\nليست مهمة مستحيلة مثلما كان الحال لزيمبابوي في 2004 و2006، وأيضا في 2017، آخر ظهور لها في البطولة والذي حققت به أسوأ نتائجها بالسقوط أمام تونس والسنغال والتعادل مع الجزائر.\n"ادي الهدف التاني اهو، والنبي بنصعبها ليه، والنبي.. والنبي مش فرقة سهلة، بنصعبها علينا ليه.. ياعم قعد انت وهو".\n"اهو، الامل بتاعنا، يا ولد، ممكن يخش بيه، وادي الهدف التالت، يا سلاااااااااام، لسة بقولكم، العناية الإلهية اللي بتلاعبنا النهاردة مع فرقة اسمها زيمبابوي".\nلاعب واحد يشغل بال موفو، يسرق منه النوم ويزرع في قلبه الخوف، ولا يدري كيف سيتغلب عليه ويمنع تسديداته من الوصول إلى مرمى فريقه.\nمنذ كان شابا يافعا عمره 20 عاما، حوله نجوم مثل محمد أبو تريكة وحسني عبد ربه ووائل جمعة، هو أمل المصريين لاستعادة أمجاد الماضي.\nوإذا كان محمد صلاح منذ 6 سنوات بمثابة حبة الكرز في فريق بوب برادلي، فهو لا يزال "الأمل بتاعنا" مثلما قال المعلق الأسطوري الراحل محمود بكر.\nلا ينسى نجم ليفربول تلك المباراة في هراري بتصفيات المونديال والتي نال فيها من شباك زيمبابوي 3 مرات مسجلا ثلاثيته الوحيدة حتى الآن مع منتخب مصر.\nمباريات عديدة جرت بين الفراعنة والمحاربين، منذ هدف علاء ميهوب في تصفيات مونديال 1986 إلى ثلاثية صلاح، ولعل أبرزها تلك التي استضافها استاد القاهرة في 1993 وأعيدت في فرنسا بسبب "طوبة"، وتبخر بعدها حلم المصريين في مشاركة مونديالية ثانية على التوالي.\nفي 12 مواجهة تفوق الفراعنة 7 مرات وخسروا مرة. فازوا في اللقاء الوحيد بين المنتخبين في كأس إفريقيا، وكلما حلت زيمبابوي ضيفة على مصر في مباراة رسمية، خسرت.\nمثلما هي كنية منتخب زيمبابوي، فهي أدق ما يوصف به لاعبوها رغم نحافة كثير منهم. يرفعون راية التحدي، ولا يرتعدون أيا كان منافسهم.\nيقول أوفيدي كارورو لاعب المنتخب:"هذه المجموعة من اللاعبين لا تعرف الخوف. حين لعبنا في الكونغو الديموقراطية، لم يظن أحد أن لدينا فرصة، لكننا فزنا في كينشاسا وتعادلنا في هراري. الآن، كرة القدم ليست عن الأسماء الكبيرة، لكن الأمر منوط بالشخصية التي يظهرها اللاعبون في المباراة. من يريدها أكثر سيحصل عليها".\nوواصل بنبرة ثقة لاعب نادي أمازولو الجنوب إفريقي "علينا فقط الذهاب للبطولة ونحن جائعون للفوز، بعقلية صحيحة وروح قتالية. نحن فريق جيد جدا، أظهرنا في الكونغو الديموقراطية أننا لا نخاف. وسنظهر نفس الشخصية في مصر، إذا فعلنا ذلك سنفاجئ العالم".\nواستمر متفائلا ومحملا صلاح خروج مصر المبكر من مونديال روسيا "هو أهم لاعب في الفريق، لكن كرة القدم ليست لعبة فردية. سيحتاج زملاءه. لاعب رائع، لكن لا نراه هكذا. ننظر إلى مصر كفريق. ربما يمر بيوم سيء، مثلما حدث في آخر كأس عالمية حين لم يقم بأي شيء. المصريون يتوقعون الكثير منه لذلك هو مضغوط وقد يكون هذا حملا ثقيلا عليه. العمل الجماعي هو الذي يحسم المباريات".\nورغم أن زيمبابوي سجلت 9 أهداف فقط في 6 مباريات بالتصفيات إلا أن كارورو يرى هجوم فريقه مرعبا بالقول:"لدينا لاعبون مثل نوليدج موسونا وخاما بيليات وتينو كاديوير، قادرون على حسم مباراة لنا في أي وقت. علينا الحفاظ على نظافة شباكنا، لأننا واثقون من تسجيل الأهداف. مهاجمونا سيسببون مشاكل لمعظم الفرق، لذا علينا أن نصعب مهمة المنافسين في التسجيل بمرمانا. معظم اللاعبين هنا يلعبون معا منذ أكثر من 10 سنوات، لذا نفهم بعضنا البعض جيدا".\nيستهل رفقاء كارورو مشوارهم بمواجهة ربما الأصعب على أي منتخب في البطولة، تحت أضواء استاد القاهرة وأمام جمهور متحمس للقب ثامن سيطلقون ركلة بداية كأس إفريقيا 2019 أمام منتخب مصر.\nوبعد 5 أيام، في 26 يونيو، يواجهون أوغندا. وفي زمان ومكان عنوانه 30 يونيو، يخوضون آخر مباريات المجموعة أمام منافس الأمس في التصفيات، الكونغو الديموقراطية.\nوإذا كانت زيمبابوي وقعت في هذه المجموعة باعتبارها في التصنيف الرابع أثناء إجراء القرعة، إلا أن فرصتها تبدو متساوية مع الكونغو الديموقراطية وأوغندا في العبور إلى دور الـ16.\nلكن إذا أراد المحاربون صدارة المجموعة، فعليهم بتفجير مفاجأة في افتتاح البطولة.\nزيمبابوي في حلتها الصفراء الجديدة الجميلة تتسلح بموهبة صانع الألعاب بيليات وأهداف الجناح الأيسر موسونا، اللذان سجلا 8 أهداف في التصفيات، 3 للأول لاعب كايزر تشيفز الجنوب إفريقي، و5 للأخير لاعب أندرلخت البلجيكي.\nتفاؤلها زاد وثقتها كبرت بعد تعادل سلبي ودي مع مضيفتها نيجيريا في آخر إعداد للحفل القاري المنتظر في ثوبه الجديد بعد زيادة المشاركين ونقله إلى منتصف العام الميلادي.\nومع العلند الماسي موفو، تؤمن بقدرتها على صناعة التاريخ في مصر.

الخبر من المصدر