المحتوى الرئيسى

الحضري ودروجبا.. مواجهات صنعت إرثا عظيما لكرة القدم الإفريقية

06/12 23:24

بين الأساطير تدور الصراعات. قتال وحروب داخل الملعب، وخارجه يدرك كل منهم قيمة الآخر. وهنا أيضا خصمين صديقين، ديدييه دروجبا، وعصام الحضري.

"في طفولتي تعرضت لإصابة في الركبة وأصر والدي على تركي للكرة بسببها، ومع الوقت حاولت إقناعه بالاستمرار، لكن دون جدوى".

"ثم لجأت للحيلة. كنت أقفز من شرفة المنزل لألعب كرة القدم، بعدها أغطس في الترعة لغسل ملابسي، قبل العودة للمنزل مرة أخرى وكأن شيئا لم يكن".

"لعبت على الأسفلت، على البلاط، على الخشب وعلى الرمال وكل أرضية يمكن أن تتخيلها، حتى أصبحت ما أنا عليه الآن".

"طفولتي طبيعية مليئة بالضحكات ولعب كرة القدم حافي القدمين مع حب مفرط لدييجو مارادونا، لا مسؤوليات ولا توقعات مرتفعة. فقط مع عيد ميلادي الخامس جاء لزيارتنا رجل غير حياتي. عمي جوبا".

"جاء وزوجته التي لم تكن أنجبت بعد، عارضا اصطحابي إلى فرنسا لتخفيف الأعباء عن والدي. كنت منبهرا بفكرة السفر".

"لكن قبل ساعات من الرحيل أدركت الحقيقة. علي توديع بيتي وأمي وأصدقائي وربما عدم رؤيتهم مجددا. هنا تشنجت وتشبثت بها، رفضت السفر لكن في النهاية أرغموني على الرحيل".

معاناة الحضري كانت مع الفقر ثم لإقناع أهله بكرة القدم، وفي المقابل كان لدروجبا معاناة من نوع آخر. معاناة التغرب عن أهله الذين دفعوه لطريق كرة القدم بحثا عن النجاة من فقرهم.

من رحم المعاناة تولد الأساطير، وأسطورتينا الإفريقيتين شاء القدر أن يجمعهما في مواجهات عدة. انتصر الإيفواري حينا، وفاز المصري في أحيان أخرى.

عصام الحضري وديدييه دروجبا. مواجهة كلاسيكية تكررت كثيرا في كرة القدم الإفريقية.

على أرض استاد الإسكندرية التاريخي كانت المواجهة الأولى بين الحضري ودروجبا. لأول مرة سيتبارى النجمين دفاعا عن قميص بلاديهما، لكن الغلبة في تلك المواجهة كانت للإيفواري، وربما هو الانتصار الوحيد ذا القيمة له على سد مصر العالي.

فازت كوت ديفوار على مصر بهدفين مقابل هدف في تصفيات كأس العالم 2006، وسجل دروجبا هدفا في مواجهته الأولى ضد الحضري.

1\0 لدروجبا ضد الحضري.. ليس في المواجهات المباشرة وحسب، بل في تحقيق الأحلام بعدما كان الفوز تمهيدا لتأهل كوت ديفوار إلى كأس العالم وتحقيق حلم دروجبا، مقابل تأجيل حلم الحضري.

تأهل كوت ديفوار لم يكن ليتحقق إلا بمساعدة الحضري نفسه. الحضري لم يكن حاضرا في اللقاء الثاني بين المنتخبين في أبيدجان، والذي سجل فيه دروجبا أيضا لكن في شباك نادر السيد، لكنه كان حاضرا في اللقاء الأهم.. لقاء الكاميرون في ياوندي.

هل تذكرون شعوركم في مباراة مصر أمام الكونغو في تصفيات كأس العالم 2018، لحظة تسجيل هدف صلاح الأول، ثم هدف التعادل المتأخر للكونغو وكلمات مدحت شلبي معلق المباراة "حرام.. حرام". بعدها ركلة الجزاء في الدقيقة الـ95 وشكر مدحت شلبي للمدافع مرتكب المخالفة على تريزيجية، وأخيرا انفعالاتكم مع تسجيل صلاح للهدف؟ كل ذلك كان في الثامن من أكتوبر لعام 2017، لكن في نفس اليوم الثامن من أكتوبر قبلها بـ 12 عاما كانت نفس الأمور تحدث أيضا لكن في الكاميرون بحضور مصر.

مصر كانت تلعب دور الكونغو، والكاميرون هي مصر 2017. دوالا سجل للكاميرون، وتعادل محمد شوقي لمصر من عرضية ضالة في الدقيقة الـ79 كالتي تعادلت منها الكونغو أمام مصر.

عم السكوت أرجاء ملعب "أحمدو أهيديجو" لكن الكاميرون لم تفقد الأمل، وفي الدقيقة الـ94 تحصلت على ركلة جزاء بعد مخالفة من عمرو زكي.

هنا اختلف السيناريو. بيير وومي أهدر ركلة الجزاء أمام عصام الحضري بعد أن حاول الحضري التلاعب بأعصابه قبل التنفيذ، ثم سددها في القائم الأيسر لينتهي اللقاء بالتعادل وتتأهل كوت ديفوار إلى كأس العالم.

"قبل مباراة مصر والكاميرون تلقيت مكالمة من صديقي ميدو. قال لي فوزوا على السودان ومصر ستهدي كوت ديفوار بطاقة التأهل لكأس العالم".

"قلت له أنني واثق من الفوز على السودان لكنني أشك في خسارة الكاميرون أمامكم، فقال لي أنت لا تفهم، مصر اعتادت مضايقة الكاميرون J".

"فزنا على السودان وتجمعنا في وسط الملعب نستمع إلى الدقائق الأخيرة من مباراة مصر والكاميرون، فإذا بالمعلق يقول اللعنة! ركلة جزاء للكاميرون".

شعرت بالإعياء لكني وجدت أحمد وتارا زميلي في المنتخب يضع يديه خلف ظهري ويهتف فينا بصوت عال: "فلنصلي إلى الله".

فجأة سمعنا صراخا حولنا. لقد ضاعت ضربة الجزاء وتأهلنا إلى كأس العالم!".

في تلك الليلة التاريخية لم تتأهل كوت ديفوار إلى كأس العالم فقط، لقد كان المشهد أكثر روعة ومن بطولة دروجبا.

وأنا أحتفل وجدت أمامي كاميرا ومايكروفون أحد القنوات الإيفوارية.

هنا ودون أن أفكر أخذت أهم قرار في حياتي.

"اعطني المايكروفون". هكذا طلبت من مراسل تلك القناة.

طلبت من كل اللاعبين الالتفاف حولي وقلت لهم: "اصمتوا ششششششششش، رجاء استمعوا استمعوا".

"شعب كوت ديفوار.. من الشمال والجنوب، من المشرق والمغرب. اليوم أثبتنا أننا نستطيع التوحد خلف هدف وأن نحققه".

"قبل مباراة اليوم اتفقنا كفريق على جلب الفخر لكوت ديفوار وجلب السعادة للبلاد وعملنا كلنا على قلب رجل واحد".

"والآن نطلب منكم أنتم أيضا...".

ونزلت على ركبتي وتبعني كل اللاعبين في تلك اللحظة قبل أن أتابع الحديث في المايكروفون.

"البلد الوحيدة في إفريقيا التي تمتلك كل هذه الأشياء الثمينة لا يمكن أن تغرق في الحرب بهذه الطريقة. أرجوكم اخفضوا أسلحتكم ونظموا انتخابات توحدكم".

"وحقيقة لم أتخيل في تلك اللحظة أن تكون كلماتي مؤثرة. كل ما أعلمه أنها جاءت من قلبي في لحظة خاصة جدا لكوت ديفوار ولي".

دروجبا شكر ميدو على المساعدة في التأهل لكأس العالم وتحقيق حلمه، لكن الحقيقة أن الحضري ومحمد شوقي كانا بطلي تلك القصة ومن يستحقان الشكر لأن ميدو لم يكن حاضرا في هذا اللقاء. وكانت تلك هي نقطة الربط الثانية بين الأسطورتين.

إلى هنا كان الحضري مصدر السعادة إلى دروجبا، لكن الأمر سيتحول تماما بعد ذلك، حتى وصل إلى عقدة.

المواجهة الثانية كانت في 2006 في مصر، وتحديدا في نهائي كأس الأمم الإفريقية على استاد القاهرة ووسط حضور حوالي 80 ألف متفرج.

120 دقيقة من تبادل الهجمات والقتال على أرض الملعب، ثم كان الاحتكام في النهاية إلى ركلات الترجيح.

أحمد حسن سجل وحان الدور على دروجبا، لكن 2006 كانت نقطة التحول في مسيرة الحضري، وعصام الذي واجه دروجبا قبل عامين يختلف عن الذي سيبدأ معه الرحلة الآن. الحضري يتصدى لركلة دروجبا، لتكون بوابة مصر للحصول على كأس الأمم الإفريقية للمرة الخامسة.

المواجهة الثالثة كانت ودية في أبيدجان خلال لقاء ودي، وانتهت المباراة بالتعادل، لكنها كانت مجرد إعداد من أجل الحدث الأكبر. أمم إفريقيا 2008.

دروجبا حقق الكثير. تأهل لكأس العالم رفقة بلاده لأول مرة في تاريخها، ولا ينقصه سوى الفوز بأمم إفريقيا مع كوت ديفوار.

في ربع النهائي فازت كوت ديفوار على غينيا بخماسية. واحتفل دروجبا بثقة كبيرة. هذه المرة ستكون البطولة لنا.

الحضري في المقابل كان يقود مصر لنصف النهائي بعد الفوز على أنجولا، ليتجدد نهائي النسخة السابقة لكن في نصف النهائي هذه المرة.

"خضت العديد من المواجهات الصعبة في إفريقيا، غير أن ما بقي من ذاكرتي بشكل خاص هو حواراتي الثنائية مع عصام الحضري حارس مصر".

"ما يميّز الحضري أنه ينتمي للمدرسة القديمة لحراس المرمى التي تقوم على الارتجال والابتكار، كما أنّه قوي للغاية على خط المرمى، ممّا يصعّب من مهمّة المهاجمين في مغالطته".

تصريحات دروجبا السابقة عن الحضري تفسرها تماما مواجهتهم في 2008. تصدي الحضري الأسطوري كان رسالة إلى دروجبا، لن تحرمني من كتابة التاريخ.

والنتيجة، مرة أخرى أن يفشل دروجبا في تحقيق حلمه في الفوز بأمم إفريقيا، ويكون الحضري هو البطل.

إخفاق تكرر في 2010 أيضا بتوديع البطولة أمام الجزائر في ربع النهائي، لتكون مصر مجددا هي البطل والحضري هو الأفضل وتكرر أيضا في 2012 رغم بلوغ المباراة النهائية، لكن الحظ لم يرد لدروجبا التتويج بهذا الإنجاز.

أهم أخبار الرياضة

Comments

عاجل