ماريو جوتزه.. شُكرا

ماريو جوتزه.. شُكرا

منذ ما يقرب من 5 سنوات

ماريو جوتزه.. شُكرا

موهبة خارقة منتظرة، أو لاعب لم يحقق التوقعات. بطل شعبي، أو مريض غير قادر على ممارسة كرة القدم.. أو ماريو جوتزه بكل بساطة.\nلاعب بوروسيا دورتموند الذي خلّد اسمه في تاريخ كرة القدم بتسجيله هدف فوز ألمانيا بكأس العالم 2014، اختبر الكثير من النجاحات والإخفاقات بالفعل في مسيرته التي لم تنته بعد.\nيتحدث عن هدفه التاريخي في شباك الأرجنتين، وكيف لعب الحظ دورا كبيرا في تسجيله، وكيف تسبب هذا الهدف في نسيان العديدين لما سبقه من إخفاقاته الشخصية.\nدعونا نعيش رحلة على لسان جوتزه نفسه.\n"بالنسبة لي، الجحيم هو عدم مقدرتي على ممارسة كرة القدم، الأمر بهذه البساطة.\nفي الجزء الأكبر من حياتي، لم أواجه أي صعوبات، كل الأمور سارت بسلاسة، وقد استطعت أن أعيش حلمي في سن صغيرة للغاية. سرت أمام الجدار الأصفر في عمر السابعة عشر. لعبت تحت قيادة اثنين من أعظم مدربي كرة القدم، وسجلت في نهائي كأس العالم بحلول الثانية والعشرين.\nحتى أكون صريحا، كنت شابا، ولم أُقدِر حقا ما أمتلكه.. وبعدها مرضت، وفقدت كل شيء تقريبا.\nولكن دعونا لا نبدأ من تلك النقطة، دعونا نبدأ بذكرى مميزة، سأبدأ مع السيد كلوب.\nكان مدربي الأول، وكان الشخص الذي آمن بقدراتي وأعطاني فرصة الظهور الأول في عمر السابعة عشر. من المضحك رؤيته الآن في ليفربول، لأنه رجل طبيعي أمام وسائل الإعلام.\nإنه شخص طبيعي، يقول ما يخطر على باله. ولكن أعتقد أن أغلب الناس يعرفون فقط نسخته التي تقف على خط الملعب.\nإنه يمتلك جانبا جادا أيضا. عندما كان عمري 17 أو 18 عاما، ولا أعطي 100% في التدريبات، كان يتوعدني. اعتاد الحضور نحوي ركضا حتى يبدأ الصياح مباشرةً في وجهي.\nلا أستطيع ترجمة ذلك من الألمانية بشكل دقيق، ولكنكم تعرفون كيف يتحدث، مع صرير أسنانه: "عليك أن تمتلك مزيدا من الشغف. عليك أن تعطي كل شيء. اللعنة!".\nثم بعد التدريبات، يهدأ تماما، ربما حتى يصطحبك خارجا ويقول: "ماريو، كيف حالك؟ دعنا نتحدث عن الحياة".\nعرف كيف يتعامل معي، كان مدربا رائعا، ولكن شخصيته كانت الأمر الأكثر أهمية للاعب شاب مثلي.\nلم أقابل أبدا مدرب لكرة القدم فكاهي بشكل طبيعي مثله، لن أنسى أبدا عندما ركضت نحو في دوسلدورف خلال الصيف، كان في طريقه نحو اختصاصي زراعة شعر.\nانتشر هذا النبأ في ألمانيا، وهو تعامل مع الأمر بفكاهية كبيرة، كان يبتسم، ويصرخ علي ويتخيل كيف سيبدو وسيما بعد زراعة الشعر.\nوبعدها عندما هَم بالمغادرة، غمزني وقال لي: "لا تقلق يا ماريو، سأحتفظ برقم الهاتف".\nفرد قائلا: "رقم الطبيب، سأحتفظ به لأجلك، في ظرف عدة سنوات ربما تحتاج إليه".\nبعدها ضحك وسار مبتعدا. أغلب الناس سيشعرون بالإحراج أو لن يفصحون عن أي شيء، ولكن لم يهتم على الإطلاق. كان شخصا مرحا وصاحب تأثير إيجابي على كل من حوله.\nيجب أن أشكره، لأنه كتب بدايتي، وقد حققنا أمورا رائعة معا في دورتموند خلال هذه السنوات.\nعشت مع أبي وأمي في نفس المنزل من عمر العاشرة حتى العشرين، ولعبت لفريق مدينتي، ولم أواجه أي مشاكل حقا.\nوعندما بلغت عشرين عاما، قررت الرحيل.\nهذه خطوة أدرك أن أغلب الناس لا يقدرون على فهمها، فهي خطوة لم تتم في منتصف الليل، بل كانت القرار الأصعب في حياتي، وقد استغرقت وقتا طويلا لاتخاذ هذا القرار.\nبايرن كان قد تفاوض معي في العام السابق، وقد قررت ألا أنتقل إليه. ولكن عندما أعلنوا عن بيب جوارديولا كمدرب جديد، وقاموا بالتواصل معي مجددا، لم أعرف ما يتوجب علي فعله.\nعليكم أن تفهموا كيف يفكر شخص في العشرين من عمره، هل تذكرون عندما كنتم في العشرين؟ وقتها لا تدركون حقا الطريقة التي يسير بها العالم.\nعلى المستوى الشخصي، لم أمتلك فرصة الخروج واستكشاف العالم، لم أعش بمفردي أبدا، ولذا شعرت وكأني في حاجة إلى تغيير في حياتي. وعلى المستوى الكروي، شعرت أن اللعب تحت قيادة جوارديولا سيكون تحديا لي وسيساهم في تطوري كلاعب.\nاتخذت قرار الرحيل، ولم أفهم العواقب.\nبعد عدة أسابيع، اضطرت الشرطة إلى حراسة منزل أبي وأمي.\nلا أدري هوية من أفشى الأسرار، ولكنه ليس أنا بكل تأكيد. هذا آخر شيء كنت أريده، التوقيت كان مريعا، قبل يومين فقط من مواجهة ريال مدريد في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، سُربت أنباء رحيلي في الصيف.\nأتفهم رد الفعل الآن، أتفهم ذلك، لأن كرة القدم أكثر من مجرد لعبة لكثير من الناس.\nولكن وقتها شعرت بالصدمة بسبب صافرات الاستهجان واللافتات التي رفعتها جماهيرنا، يمكن أن أتقبل ذلك على شخصي. ولكن شقيقي الأصغر الذي بلغ 14 عاما وقتها، تعرض لمضايقات في مدرسته.\nالناس أخبروا أمي ببعض الأمور السيئة، عائلتي تلقت التهديدات عبر الإنترنت، كان وضعا لا يمكن احتماله، خصوصا أن هذا كان منزلنا، وأنا توجب علي الرحيل في الصيف، بينما عائلتي ستظل مقيمة في دورتموند.\nولذا كان الوضع أسوأ لهم، كان الوقت أكثر صعوبة في حياتنا، ولكني لست نادما على ذلك حقا.\nتعلمت شيئا من الحياة، هو أنني لا أستطيع توقع ما هو آت، لأن واحدة من أعظم لحظاتي مع كرة القدم جاءت مباشرة من بين الظلمات، والعكس صحيح.\nإن استمعت إلى الإعلام، فقد صوروني كـ يهوذا، ثم كبطل، ثم كمخيب للأمل، ثم كشخص خارج عالم كرة القدم تماما، وهذا في ظرف 4 سنوات فقط.\nمن الصعب أن أقول إن الانتقال إلى بايرن ميونيخ كان خطأ، لأني تعلمت الكثير من كرة القدم على يد بيب. يمكنه أن يحدثك عن تكتيكات كرة القدم لساعات، وقد استطعت رؤية كرة القدم من منظور جديد.\nكل الحصص التدريبية كانت مكثفة ودقيقة بشكل لم أختبره من قبل، كان من المميز أن أتعامل معه كمدرب وكشخص، تماما كما حدث مع كلوب.\nولذا أشعر بالتناقض عندما أفكر في هذه الفترة، مغادرة دورتموند كانت صعبة للغاية علي، ولكن إن لم أقم بهذا التغيير ولم أتخذ هذا القرار، هل كان لكأس العالم أن يحدث بنفس الصورة؟\nالحياة غريبة، الناس يتحدثون عن كأس العالم، وعن هدفي في المباراة النهائية، وأعتقد أنهم يتناسون كيف قدّمت بطولة مريعة حتى اللحظات الأخيرة منها.\nالآن لا يتذكر الجميع أنه تم استبدالي بين الشوطين أمام الجزائر في دور الـ16، ولكني لا أنسى، لم أبدأ ربع النهائي أمام فرنسا، لم أشارك في نصف النهائي أمام البرازيل.\nأتمنى القول إنني كنت ناضجا بشأن ذلك، ولكني كنت حزينا للغاية بشأن ذلك، كما لم أكن من قبل في حياتي. لم أستطع العثور على إيجابيات، وقد شعرت بالاكتئاب قبل المباراة النهائية.\nلم أكن قادرا على رؤية ما هو مقبل، الناس يتحدثون عن الهدف، الهدف، الهدف.\nبالنسبة لي، الهدف هو الجزء الأقل أهمية في ذلك، تسديد الكرة.. فعلت ذلك ألف مرة، الهدف هو نتيجة طبيعية لقرار اتخذت في حجرة الفندق حتى أتخلص من اكتئابي وأتحوّل للتركيز على التدريب بكل جدية ممكنة قبل النهائي.\nالهدف كان حظا بقدر ما.\nالمدرب كان يمكن أن يقرر عدم الدفع بي كبديل، كان قادرا على استعمال لاعبين آخرين.\nلربما قرر أندري شورله ألا يرسل العرضية نحوي في هذا التمركز، لا أعتقد أنه رآني حتى.\nكان من الممكن أن تسقط الكرة في منطقة الجزاء بشكل مختلف، متر أبعد نحو اليمين أو نحو اليسار.\nحارس المرمى كان يمكن أن يتصدى لها.\nربما لم يكن ليحدث أي من ذلك، هناك مليون سيناريو مختلف لا أكون فيه الشخص الذي يسجل الهدف الذي تسبب في الفوز بكأس العالم من قلب الماراكانا.\nالهدف أكثر من مجرد حلم، ولكن الشيء الممتع حقا، هو طريقتي في التعامل مع الأيام التي سبقت المباراة، كنت في أسوأ حالة بمسيرتي، وبعد 3 أيام، صرت بطلا فجأة، وبتنا أبطالا للعالم.\nالطريقة التي عشت بها المحنة والتقدم الذي حققته هو ما يلهمني الآن، خصوصا بعد كل ما حدث بعد تلك اللحظة.\nلم أحقق التوقعات، الصحافة تحدثت كثيرا عن تعليق "ميسي" الذي قاله يواكيم لوف. عندما دفع بي في النهائي، خمنوا ما أخبرني به.. "فلتدفع العالم لرؤية أنك أفضل من ميسي".. ولكن بصراحة، لم أستوعب ذلك، كنت مركزا للغاية على الجانب التكتيكي وما يتوجب علي فعله، لم أسمع ما قاله حقا.\nعندما كرر ذلك في المؤتمر الصحفي بعد المباراة، تسبب التصريح في جلبة كبيرة.\nكان هناك الكثير من الضغط على بايرن ميونيخ بالفعل، وهذه المقارنة لم تكن أفضل شيء لي في عمر الثانية والعشرين، هذا لم يكن سهلا لي على الجانب الذهني، لقد قارنني الناس بـ ميسي.\nنحن بشر، تذكروا ذلك. هذه حقيق يسهل تناسيها، ولكن تم تذكيري بها بشكل قاسٍ بعد كأس العالم.\nفعلى مدار العامين التاليين، واجهتني مشاكل بدنية كثيرة، كنت أتدرب بجدية كبيرة حتى أقابل التوقعات، وقد شعرت بكثير من الألم، لم أفهم ما يحدث لي.\nشعرت بكثير من الانزعاجات العضلية، وجسدي خذلني باستمرار. لاحقا تم تشخيص حالتي باضطراب التمثيل الغذائي، والكثيرون توقعوا أنها نهاية مسيرتي.\nاحتجت إلى إعادة التأهيل وأن أتمهل لعدة أشهر حتى أتعافى، وقد كان هذا أمرا جيدا بشكل ما على المستوى الشخصي.\nلا ترغب أبدا في التعرض لمشاكل صحية، ولكن على الجانب الآخر، حياتي بأكملها تمحورت حول كرة القدم منذ أن كنت في الثامنة من عمري.\nحتى بعد كأس العالم، ذهبت في إجازة لـ3 أسابيع، وبعدها عدت إلى بايرن ميونيخ وكأن الأمر لم يحدث، فالتوقعات ارتفعت بشأن الألقاب التي يجب أن أحققها والأهداف التي يجب أن أسجلها. في بايرن، كان الأمر قاسيا.\nولذا عندما سُلبت كرة القدم، استطعت أن أرى قصتي بأكملها للمرة الأولى، وأن أتذكر كل ما مررت به، الجيد والسيئ.\nأما أفضل قرار اتخذته في تلك الفترة، فكان العودة لـ دورتموند.\nعندما رحلت في عمر العشرين، لم أمتلك أي منظور لحياتي، قد يبدو الأمر سخيفا، ولكني نظرت إلى كرة القدم بصفتها لعبة أطفال. تركض على العشب والكرة بين قدميك، كانت مجرد رياضة بالنسبة لي، ولا أكثر.\nولكن عندما تختبر العديد من النجاحات والإخفاقات، وتكتشف ما تعنيه كرة القدم للناس، عندما ترى الكراهية، والحب، والضغط، وكل شيء، عندما تكوّن منظورك الخاص.\nحسنا، منظور الكراهية هو شيء لم أفهمه حتى الآن، فأنا لا أزال قريبا من بعض لاعبي بايرن ميونيخ من فترتي هناك، لا أعتقد أنه يتوجب علي كره شخص من فريق آخر، خصوصا أن بعضنا جلبنا كأس العالم لبلادنا، هذه رابطة ستدوم إلى الأبد.\nلكن، لدي منظور مختلف لـ دورتموند الآن، فالكثير من الذين غضبوا وقت رحيلي، رحبوا بي مجددا، وأنا أقدّر ذلك كثيرا.\nأعرف أن أغلب الناس لا يتذكرون ذلك اليوم، فهو لم يكن يوما مميزا، يومها تعادلنا 0-0 أمام ماينتس، ولكني لن أنسى ذلك اليوم أبدا، لأن يورجن كلوب أدخلني كبديل في الدقيقة 88، وكان ذلك ظهوري الأول.\nدخلت الملعب وبدأت في الركض، ونظرت نحو المدرج الأصفر والجماهير، وبصراحة كنت متوترا للغاية، واعتقدت أنني سأتغوّط في سروالي قبل أن أطأ الملعب بقدمي.\nأنا واثق أن الناس سيشاهدون هدف نهائي كأس العالم لـ100 عاما مقبلة، وهذا أمر مميز للغاية بالطبع. ولكن تلك الخطوة الأولى على العشب في فيستفالنشتاديون جديرة بالتذكر بالنسبة لي.\nلذا، يجب أن أشكر كلوب على تلك الفرصة، كانت تلك بداية القصة.\nومن دواعي سعادتي القول إنني لم أحتج إلى رقم هاتف إخصائي زراعة الشعر.. حتى الآن.\nربما ذات يوم، بعد وقت طويل جدا جدا من الآن.\nأريد أن أشكر جماهير دورتموند على دعمها لي طوال هذا الموسم، كانت بادرة مميزة، فقد مررنا بالكثير معا.\nلقد كنت على القمة، وقد كنت أيضا في القاع. ولا أعرف أين ستأخذنا هذه الرحلة، ولكن أريد في القول إن هذا النادي يمثل جزءا مميزا من حياتي، أنا سعيد للغاية بالاستمتاع بكرة القدم مجددا.

الخبر من المصدر