كيف دفعت الحاجة "صباح" 20 سنة من عمرها مقابل قطرة مياه في الشرقية؟

كيف دفعت الحاجة "صباح" 20 سنة من عمرها مقابل قطرة مياه في الشرقية؟

منذ 5 سنوات

كيف دفعت الحاجة "صباح" 20 سنة من عمرها مقابل قطرة مياه في الشرقية؟

عجيب أمر الزمن حين يقسو على ملامح كل من مرت عليه السنوات، يُغير فيه كل ما يمت للبهجة بصلة تاركًا خلفه إرثًا تحفظه التجاعيد جيدًا، لتبدو الأيام أكثر عبوسًا يومًا بعد الآخر، لكن كل ما سبق كان في ناحية و"حُلم" الحاجة صباح في ناحيةٍ أخرى؛ بعدما عاندت ظروفها ووقفت إرادتها في وجه الزمن وجحود أبناء شقيقها، الذين منعوها من شرب المياه النظيفة لـ20 عامًا كاملة، قبل أن يكتُب القدر نهاية لم يتوقعها أحد.\nمع أواخر عام 1997 بدأت مأساة الحاجة "صباح محمد حسانين"، والتي كانت تبلغ وقتها نحو 63 سنة، بعدما فقدت الزوج والولد، قبل أن تأتي الأيام بفاجعةٍ جديدة كان بطلها موت وفراق جديد لإبنها الثاني، لكنها لملمت حُزنها بكل جسارة وتحملت ما لا تطيقه الجبال، لتُصر من جديد على أن تظلَّ في بيتها بقرية "بهنباي" التابعة لدائرة مركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، ترعى وحيدتها التي ابتلاها الله بالإعاقة الذهنية.\n"جوزي مات وولادي الاثنين حصلوه بعدها بكام شهر، لكني وقفت وقولت هكمل علشان خاطر بنتي المعاقة اللي ملهاش في الدنيا غيري".. قالتها العجوز وهى تتذكر تفاصيل مر عليها أكثر من 20 سنة، لكنها تحفظها كما لو كانت بالأمس القريب: "وقتها كان كل اللي حيلتي من الدنيا قيراط أرض ورث من أبويا وربنا قدرني وبنيته بالطوب الأحمر وقولت يحمينا من البرد، لكن خلافات الورث وطمع الدنيا عموا عيون ولاد أخويا ووقفوا قصادي يمنعوا عني حتى نقطة الميه".\nموقع المنزل الحيوي على طريق الزقازيق العام المُمتد إلى مدينة ديرب نجم، جعل منه مطمعًا لأبناء شقيق الحاجة، والذين راحوا يكيلون الحزن لعمتهم، وكأن الدنيا ضاقت بهم والحل في "قيراط" عمتهم، والأرض التي تأويها هي وابنتها هي الملاذ الوحيد والأخير لهم، فما أن انتهت عمتهم من بناء المنزل بالطوب الأحمر، حتى وقفوا في وجهها يمنعونها من توصيل المياه من ناحيتهم، بدعوى أن المنزل "ميراث والدهم" ضاربين بكل ما يمت للرحمة بصلة عرض الحائط.\nقلة ذات اليد أجبرت السيدة بصورة أو بأخرى على البحث عن بديل بعيدًا عن أبناء شقيقها، إذ راحت تستخدم مياه "طلمبة حبشية" قريبة من المنزل، لا تأتي سوى بمياه يختلط بها الصرف الصحي، وعندما بدأت الأمراض تنهش في جسدها راحت تبحث عن حلٍ جديد كان ثمنه 20 جنيهًا تتجدد بصورة يوميه في طلب شراء "جركن" من باعة المياه، بحثًا عن كوب نظيف يحميها هي وابنتها من آلام المرض وأوجاعه، لكن الحلم القديم ظل عالقًا في ذهنها يرفض أن يمحوه الزمن أو اليأس، ليتجه ناظرها إلى "البر الثاني" بحثًا عن توصيلة "مشروعة" تقيها شرور المرض وغضب وجحود أبناء أخيها، لكن الحل الأخير فشل هو الآخر.\nومع تولي الدكتور ممدوح غراب، محافظ الشرقية، سدة الحكم محافظًا للإقليم، والإعلان عن لقاء مفتوح يجمعه بالمواطنين كل يوم اثنين من كل أسبوع، راحت "الحاجة صباح" تُعيد ترتيب حلمها مرةً أخرى وتنفض من عليه غبار الهم، واستعانت بالوحدة المحلية التابعة لقريتها كي تكون عونًا لها في "وصلة" تتبع شركة مياه الشرب، لكن التنفيذ توقف بعد بدايته بأيام، وطلب المسئولين منها نحو 13 ألف جنيه لاستكمال التوصيل، لتعود الأمور من جديد إلى نقطة البداية، لكن صاحبة الـ 83 عامًا كان معين حلمها لا ينضب، فأخذت تبحث عن حلٍ جديد آخر، حتى ساقتها قدماها إلى المحافظة الاثنين الماضي، بحثًا عن لقاء المحافظ وإيصال شكواها وعرض همومها بين يديه، وهنا فقط كتب القدر نهايته غير التقليدية لقصتها التي بدأت قبل أكثر من 20 عامًا.\nاستمع المحافظ الشرقية، إلى شكوى الحاجة "صباح" وما أن انتهت من حديثها حتى أمر بتوصيل المياه فورًا إلى منزلها، بدون تحملها لأية تكاليف، حيث بدأت لجنة مكبرة من الجهات المعنية في توصيل خط مياه الشرب لمنزل "الحاجة"، ومع انتهائهم من التوصيل، وفور هطول أولى قطرات المياه النظيف، دوت "الزغاريد" في أنحاء المنزل ابتهاجًا بتحقيق الحلم الذي تأخر لأكثر من 20 عامًا بشرب قطرة مياه نظيفة.​

الخبر من المصدر