المضطر يشتغل في "الهدد".. حكاية بائعين في سوق المنيب

المضطر يشتغل في "الهدد".. حكاية بائعين في سوق المنيب

منذ ما يقرب من 6 سنوات

المضطر يشتغل في "الهدد".. حكاية بائعين في سوق المنيب

في سوق المنيب لا مكان للأشياء اللامعة، القديم هو بطل المشهد؛ أخشاب، دواليب، غُرف نوم، أبواب ونوافذ، بضاعة معروضة للراغبين، قليلٌ منها مُبهر وأكثرها أطفئه الزمن، بالضبط كحال البائعين، فبينما يزور البعض السوق للفُرجة والتنزّه، يجلس بركات علي ومجدي أحمد، كلٌ داخل محله، يتذكر الظروف التي ألقت به وسط بضاعة "الهدد"، ليبيعها بجنيهات معدودة، لا تُسمن ولا تُغني من جوع.\n15 عاما فرّقت بين علي القادم من محافظة قنا، وعائلته. قرر البائع صاحب الـ62 عاما أن يُسافر للكويت كي "يُقلب" رزقه، ترك عمله في الهدد بالقاهرة "كنت بطلع العماير اللي جاي لها قرار إزالة وأكسر فيها وأنزل الحاجات اللي هتتباع"، ولأن المقابل المادي وقتها كان زهيدا "قلت أسافر عشان أضمن مستقبل عيالي".\nحين استقر بركات في الغُربة، ظن أنه لن يُضام مرة أخرى "العيشة والغربة مرار، بس قدرت أكون قرشين"، ومع الوقت كَبُر أبنائه الثلاثة فقرر العودة لمصر منذ 5 سنوات "كنت خايف عليهم يعملوا حاجة غلط فسبت الدنيا هناك وجيت".\nعلى مدخل المحل، حيث يجلس البائع الصعيدي، تراصت الأبواب والنوافذ، أشكالها متباينة وأخشابها كذلك، وفيما خفّت الحركة في السوق المُقام منذ أكثر من 20 عاما، كانت عيناه تبحث عن زبائن "المكان هنا غير سوق الإمام الشافعي خالص.. هناك الناس اللي بتشتري مستريحة وبتدفع"، يعذر الرجل القادمين "عشان كدة عندي بضاعة بتبدأ من سبعين جنيه.. عشان لما الغلبان ييجي يلاقي حاجة ياخدها".\nالتعاطف الذي يشعر به علي تجاه بعض الزبائن، يشاركه فيه مجدي أحمد الذي يبيع غُرف النوم بنفس السوق.\nمنذ 3 أعوام بدأت علاقة الأب الخمسيني بالمكان "فيه عرايس بتيجي تجهز بيتها من هنا"، إذ تتراوح أسعار ما يبيع من 1000 جنيه وحتى 4000 "في حين إن أوض النوم الجديدة بتوصل لـ15 ألف جنيه"، ورغم قِدم ما يتاجر فيه مجدي فمع قليل من التصليح والدهان، تعود بعض الغرف جديدة "فيه ناس بتحبها قديمة زي ما هي، لكن اللي بياخدوها لبيت جديد بيبقوا عايزين يظهروا بأحلى حاجة عنهم، هما مش بيشتروها عشان هي أنتيكة، إنما عشان هما مضطرين".\n"الاضطرار" هو السبب المناسب لعمل مجدي بالسوق. قبل أربعة أعوام كان يعمل بالنجارة، غير أن حادثا ألمّ به "وانا بصلح شباك وقعت من الدور التاني"، خضع الأب الخمسيني لعدة عمليات جراحية في قدمه اليُمنى، لكنها لم تعُد كالسابق، لذا فكّر في أقرب مهنة لعمله القديم ولم يجد إلا سوق الهدد في المنيب.\nقبل انضمام بركات لسوق المنيب، حاول العمل في سوق الهدد بالسيدة عائشة "لقيتهم بيبيعوا البضاعة بالغالي والناس بتشتري"، فرض عليه التجار التعامل مثلهم، لكن رأس المال الذي يملكه قليل "ميجبش 15 ألف جنيه"، وكذلك نوع النوافذ والأبواب التي يتاجر فيها "هما هناك جزء منهم بيبيعوا حاجات بتاعة مسلسلات وقصور إنما إحنا على أدنا"، يضحك التاجر الستيني قائلا "هما هدد واحنا هدد برضو، بس حاجة عن حاجة تفرق".\nرغم ذلك، يفتخر ابن محافظة قنا بأنواع الأخشاب التي لديه "عندي بياض وموسكي ودول بيستحملوا الزمن مش بيجرالهم حاجة"، أما مجدي فلا يبيع إلا غُرف النوم "الأصيلة"، يُشير للقطع الموجودة عنده "فيه حاجات بقالها 30 سنة ولسة كويسة"، بينما يتفق مع بركات أن طبيعة سوق السيدة عائشة مختلفة "هنا كل فين وفين على ما تيجي حاجة قديمة من أيام الملك ولا بتاع"، رأى التاجر بعض القطع التي مر عليها ما يقارب المائة عام، لكن الحظ لم يجلب له أحدها "لما بتقع في إيد حد ممكن تنقله نقلة تانية خالص في الشغلانة".\nيؤمن علي أن "الأيام دول"، يقول بأسى "الحاجة اللي بتكبر بيكهنوها، واديني لما كبرت جيت أشتغل هنا في السوق"، يساوره الندم على ترك الدولة العربية والعودة "رجعت أدقدق على الخشب تاني وأصلّح"، لكن "كُتر الحزن يعلم البكا" كما يُردد.\nيفتح الأب الصعيدي محله في غير أيام السوق "عشان لو حاجة مش متظبطة أصلحها على ما ييجي يوم التلات"، ورغم عودته من أجل أبنائه، فلم يفكر في إقحامهم بالمهنة "هما متعلمين وشغالين، كفاية عليا أنا الشقا".\nأما مجدي فلا يترك مساحة كبيرة للتفكير في الماضي "قدر ربنا مكتوب، اشتغل أحسن ما اقعد في البيت"، يهدأ قلبه حينما يقابل من لا يملكون ثمن دولاب بسيط، يرق قلبه لحالهم رغم أن "الفصال" في السعر أحيانا يُرهقه لكن "لما واحدة تيجي تشتري سرير لاولادها ب100 جنيه بتبقى فرحانة كأنها لقت كنز"

الخبر من المصدر