حكايات القصور.. الحلقة 22: ميلاد القطن المصري.. درويش سوداني وموظف تركي ومهندس فرنسي

حكايات القصور.. الحلقة 22: ميلاد القطن المصري.. درويش سوداني وموظف تركي ومهندس فرنسي

منذ ما يقرب من 6 سنوات

حكايات القصور.. الحلقة 22: ميلاد القطن المصري.. درويش سوداني وموظف تركي ومهندس فرنسي

تواصل «بوابة الشروق» نشر حلقات مسلسلة تروي طرائف ولطائف من حياة حكام مصر في العصر الحديث، من واقع حكايات موثقة كتبها أشخاص معاصرون لهم في مذكراتهم أو كتبهم السياسية، أو رواها الحكام عن أنفسهم.\nولا ترتبط «حكايات القصور» بأحداث خاصة بشهر رمضان، وإن كان بعضها كذلك، كما لا تقتصر «الحكايات» على القصص ذات الطابع الفكاهي، أو المفارقات التي تعكس جوانب خفية في كل شخص، بل يرتبط بعضها بأحداث سياسية واجتماعية مهمة في تاريخ مصر.\nكانت أرض مصر مقسمة منذ أقدم العصور إلى أحواض، كل حوض محاط بالترع تحتفظ لبعض الوقت بماء النيل الذي يأتي في فترة الفيضان وذلك من خلال مجارٍ مفتوحة لهذا الغرض، كما كان يأتي معها أيضا الطمي ليترسب على جانبي النهر، وكانت مياه هذه الأحواض في فترات هبوط النهر تتحول مرة أخرى إلى مجراها الطبيعي، ولم يكن على الفلاح سوى أن يقوم ببعض الحرث البسيط للأرض ثم يبذر بذور محصوله ليحصد القمح والفول والشعير بعد خمسة أو ستة أشهر.\nوكانت الزراعة المصرية في هذه الأحوال ذات عائد ضعيف، ليس بالأهمية المرجوة، وإذا كانت مصر منذ أقدم العصور تمتعت بسمعة متوارثة عن خصوبتها فهذا يرجع إلى سهولة الزراعة في أرضها وليس بسبب وفرة المحصول.\nوفي غضون عام 1820 ترك درويش سوداني وهو في طريق عوته إلى السودان بعض البذور لمحو بك، أحد رجال محمد علي باشا، كتذكار لحسن الضيافة، فقام محو بك، وهو تركي يهوى البستنة، بإحضار هذه الحبوب معه وغرسها في حديقته في شبرا، وبعد خمسة أو ستة أشهر نبتت البذور التي تعرف عليها "جوميل" وهو مهندس فرنسي كان يعمل في خدمة محمد علي، وأكد أنها قطن من أجود الأصناف.\nوهكذا ومن هذه البذور خرج القطن الذي يعرف حتى الآن باسم قطن محو أو قطن جوميل، ورأى محمد علي في هذا النسيج مصدرا لثراء مصر، ولكن القطن كان لا يمكن زراعته على فترات متقطعة مثل السمسم، كما كانت فترات ازدهار القطن تتوافق مع أوقات فيضان النيل، لذلك كان يجب قبل الشروع في زراعته على نطاق واسع حماية المحصول من مخاطر الفيضان، وسريعًا تم العثور على حل للمشكلة.\nوتم تشييد القناطر المرتفعة والعريضة من القاهرة إلى دمياط على ضفاف النيل والتي يمكنها حجز مياه النهر أمامها، ومنعها من إغراق الأرض الزراعية والحفاظ على مياه النيل في مجراه الطبيعي.\nوكانت هناك مشكلة أخرى، فحتى بعد حماية المحصول من خطر الفيضان كان يحتاج للري في فصل الصيف، كي ينمو ويزدهر، لذا كان من الضروري تحسين أنظمة الري وتطوير القنوات الموجودة حيث إنها كانت مصممة فقط لفترة الفيضان، وكانت محفورة على عمق غير كاف؛ لذلك كان لزامًا من أجل ري القطن بصفة منتظمة في الفترات التي تنحسر فيها مياه الفيضان أن يتم تعميق هذه القنوات، وحفر غيرها على أعماق أكبر لتستوعب المزيد من المياه.\nوكان الوقت الذي يتم فيه بناء السدود والقناطر على النيل، كانت الدلتا تشقها الترع على مختلف الأعماق لتجلب بدورها المياه في فترات انخفاض منسوب النيل مباشرة إلى الحقول المزروعة، وهنا الفلاح يرفع هذه المياه إما بالطريقة اليدوية أو بالشادوف والسواقي.\nوتم انجاز هذا العمل الجبار في عشرة أعوام من سنة 1820 إلى 1830 ، وكان سكان الدلتا كلهم وجزء أيضا من أهل الصعيد قد تم تجنيدهم لهذا العمل، وأُرغموا على العمل بدون أجر وبالقوة.\nولكن محمد علي بقوة يديه وسيطرته على النيل الجامح أعطى للناس أسباب غناها، فحول مصر من بلد زراعي فقير إلى بلد يمتلك زراعة غنية، وإن كان مع كل هذه الوفرة ظل الفلاح بائسًا!\n- المصدر: «مذكرات نوبار باشا»، دار الشروق\n-في مثل هذا اليوم: 21 رمضان.. ولاية المعز لدين الله

الخبر من المصدر