العراقيون أمام الاختيار بين تثبيت الدولة وحكم ميليشيات إيران

العراقيون أمام الاختيار بين تثبيت الدولة وحكم ميليشيات إيران

منذ ما يقرب من 6 سنوات

العراقيون أمام الاختيار بين تثبيت الدولة وحكم ميليشيات إيران

يتجه الناخبون العراقيون اليوم إلى صناديق الاقتراع لصياغة الإجابة النهائية على سؤال سيحدد مستقبل البلد في لحظة محورية من تاريخه الحديث: هل يختار الناخبون أن يتحول العراق إلى نموذج حكم الحرس الثوري الإيراني، أم يرجحون خيار تثبيت دولة عراقية الهوية؟\nورغم احتدام الجدل حول استبعاد طبقة سياسية أصبح الفساد عنوانا لها، واختيار سياسيين جدد يحاولون تغيير الواقع، يقول مراقبون عراقيون إن هذا الاقتراع يتمحور بالأساس حول “رفض أو قبول الخضوع للهيمنة الإيرانية”.\nومنذ وصول حيدر العبادي إلى منصب رئيس الوزراء عام 2014، خسرت إيران الكثير من استثمارها في البيئة الشيعية العراقية، إذ بدأ يتشكل شعور عراقي داخلي لدى طيف شيعي واسع بأن العراق لا يمكن أن يصبح “حديقة خلفية” لإيران.\nوباتت تيارات الإسلام السياسي المرتبطة بإيران محل شك كبير من قبل حواضن اجتماعية كانت تشكل قاعدة سياسية لها في السابق.\nويتنامى هذا الشعور العراقي الداخلي مع تعمق العزلة الإيرانية، إثر انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وما يستتبع ذلك من تداعيات اقتصادية تعقد مهمة إيران في إدامة زخم عملياتها الخارجية في كل من اليمن ولبنان وسوريا والعراق.\nولذلك، ستشكل الانتخابات العراقية تحولا مفصليا لمستقبل البلاد، وتحديد ما إذا كان العراق دولة كاملة الاستقلالية، أم ستبقى إيران صاحبة اليد الطولى في قرارها السياسي.\nتيارات الإسلام السياسي المرتبطة بإيران باتت محل شك كبير من قبل حواضن اجتماعية كانت تشكل قاعدة سياسية لها في السابق\nوقال المحلل السياسي العراقي فاروق يوسف لـ”العرب” إن “تأثيرات القرار الأميركي ستنعكس على إيران مباشرة في مرحلة ما بعد الانتخابات حين يتم اختيار رئيس وزراء المرحلة المقبلة. فإذا تم التوصل إلى تسوية أميركية ــ إيرانية فإن العراق سيحكم بواسطة حكومة موالية لإيران المعزولة عن العالم، وسيتحمل العراق جزءا من الخسائر التي سيمنى بها الاقتصاد الإيراني”.\nوأضاف “التغيير في العراق عبر هذه الانتخابات محتمل لكنه سيكون محدودا، ذلك لأن غياب عدد قليل من رموز السلطة الحالية من المشهد المستقبلي لا يعني أن المشروع الذي ارتبطت بعجلته تلك الرموز سيندثر. فذلك المشروع مرتبط بشكل أساس بهيمنة إيران على مفاصل عديدة في الدولة العراقية”.\nومع أن التنافس الانتخابي يمتد على طول الخارطة العراقية، فإن “صراع المستقبل” يتركز في الفضاء الشيعي، ويدور بين فريقين انتخابيين يتنافسان على أساس شكل العلاقة مع إيران.\nويضم الفريق الأول زعيم “منظمة بدر” هادي العامري، وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، وزعيم ميليشيا “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي، وزعيم حركة “النجباء” أكرم الكعبي، بالإضافة إلى زعيم المجلس الأعلى الإسلامي همام حمودي.\nويدفع هؤلاء الزعماء السياسيون نحو انخراط العراق في “محور الممانعة”، الذي تتزعمه إيران ويضم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وحزب الله اللبناني، وميليشيا الحوثيين في اليمن.\nووفقا لرؤية قيادة هذا المعسكر السياسي، فإن على العراق معاداة الخليج برمته والغرب في معظمه، وعلى رأسه الولايات المتحدة.\nلكن محللين يقولون إن الشخصيات التي تتزعم هذا التوجه تمثل الجيل السياسي العراقي الأخير الذي يتبنى هذا الشكل من العلاقة معا.\nوفي نفس الوقت، يتنامى في الأوساط الشيعية الشابة شعور بامتلاك العراق قدرات اقتصادية كبيرة لا تتوفر لإيران، وتنتفي معها حاجة بغداد إلى المساعدات الخارجية، لا سيما مع مواصلة هيمنة الأحزاب والشخصيات الشيعية على المناصب الرسمية العليا في العراق.\nويتحدث هؤلاء عن “جدوى التبعية لإيران المعزولة دوليا، والمحاصرة اقتصاديا، سوى أن يكون العراق سوقا لبضائعها، وحدوده ممرا لموادها المهربة من وإلى سوريا”.\nأما الفريق الثاني، فيضم رئيس الوزراء حيدر العبادي وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وبدرجة أخرى زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم.\nويشجع هذا الفريق انفتاح العراق على محيطه الإقليمي والعالم، إلى جانب علاقات متوازنة مع إيران.\nوبالرغم من أن الفريق الثاني لم تصدر عنه أي إشارات على مناصبته العداء لإيران، إلا أن اثنين من رموزه، وهما العبادي والصدر، باتا مصدر قلق دائم لطهران، التي قامت بتصنيفهما مؤخرا على أنهما “من أخطر أعداء الشيعة في الداخل”.\nأذرع إيران تبالغ في الحديث عن الفساد لجذب الأنظار بعيدا عن الأسس التي تقوم عليها المحاصصة الطائفية\nويعول الفريقان على انتخابات اليوم لمعرفة حجم كل منهما، ومستوى التأييد الشعبي الذي يتمتع به، للمضي في مشروعه الخاص.\nويقول مراقبون إن “الانتخابات العراقية الحالية هي اختبار حاسم لإرادة العراقيين في ما إذا كانوا يريدون لبلدهم أن يمتلك قراره السياسي كليا”.\nلكن فاروق يوسف يرى أنه “في أحسن حالاته، فإن مجلس النواب في دورته المقبلة سيكون أكثر تنوعا من حيث الوجوه لا من حيث الأفكار عن الدورات السابقة. أما سلطة القرار فيه فستكون حكرا على الكيانات السياسية نفسها. فمن الصعب تخيل أن رئيس الوزراء المقبل سيحتل منصبه من غير تحالفات بين تلك الكيانات، وهو ما ينذر بخطر بقاء حزب الدعوة في الحكم لأربع سنوات أخرى إذا ما لجأ العبادي إلى التحالف مع المالكي”.\nوتستخدم الطبقة السياسية العراقية، رغم الاختلافات بين معسكريها الرئيسيين، ملفات الفساد من أجل الضغط السياسي، وللتغطية على الوضع السياسي المتنامي للحشد الشعبي في العراق.\nوفي بعض الأحيان تقوم أذرع إيران بالمبالغة في الحديث عن الفساد لجذب الأنظار بعيدا عن الأسس التي تقوم عليها المحاصصة الطائفية، والتي تشهد رفضا متناميا في الشارع.

الخبر من المصدر